محسن الرملي لـ (الزمان):
مسكين هو الشِعر
.. فكم مِن (النصوص!) تُرتَكب باسمه!
حاوره: عبدالرزاق الربيعي
حاوره: عبدالرزاق الربيعي
حصل الكاتب العراقي محسن الرملي علي شهادة الدكتوراه في الفلسفة والآداب وباختصاص اللغة والآداب الإسبانية وذلك عن جامعة أوتونوما/مدريد وذلك علي رسالته الموسومة (آثار الثقافة الإسلامية في الكيخوتة) متوجة إياه بذلك كأول ثربانتيسي عربي (مختص بدراسات ثربانتس) ومشيدة بأطروحته التي اعتبرتها مهمة في سد ثغرة في الدراسات الثربانتيسية... وقد جاءت أطروحة الرملي في أكثر من 400 صفحة جمع فيها أهم ما قيل عن التأثيرات الثقافية التاريخية والأدبية والدينية واللغوية الإسلامية في الكيخوتة مناقشاً مختلف الطروحات السابقة، هذا إلي جانب إتيانه بطروحات جديدة فيما يتعلق بتأثيرات الفروسية العربية الإسلامية تاريخاً وأدباً علي الكيخوتة إضافة إلي محاولته في استنباط رؤية ثربانتس حول الدين الإسلامي وابتكاره لمقارنات بين آيات قرآنية وأحاديث نبوية مع نصوص من الكيخوتة وطرحه لتأويلات جديدة حول الإشارات الواردة عن النبي محمد (ص) فيها.. ميز الرملي أيضاً 37 شخصية ذات ثقافة إسلامية في الكيخوتة واستخرج منها 221 كلمة عربية أو ذات أصل عربي و22 مثلاً شعبياً و55 اسماً لشخصية أو مكان أو معركة أو أسطورة ذات أصل تاريخي إسلامي..
*لماذا الكيخوته؟.
ـ كونه الكيخوته هو بحد ذاته يعتبر سبباً كافياً لدراسته، عمل عالمي خالد واتفقت آراء المثقفين عليه من شتى الثقافات باعتباره أفضل عمل أدبي عالمي على مر العصور، وهو أول رواية بالمفهوم الحديث أي "أم الروايات"، كذلك دفعتني أسبابي الشخصية باعتباري كاتب يهمني التعلم منه حيث التخصص بدراسته يجعلني أتعمق فيه وبتفاصيله محاولاً ملامسة أسراره، وبما أن دراستي ضمن نطاق اللغة الإسبانية وآدابها فليس هناك أفضل من اختيار قمة ذلك كله وهو الكيخوته فاللغة الإسبانية ذاتها تسمى لغة ثربانتس.
*وماذا تعلمت من الكيخوته؟.
ـ تعلمت الكثير جداً كإنسان وكقارئ وككاتب، فما من شيء وخاصة على صعيد التقنيات السردية الحديثة إلا وله جذر في الكيخوته. وفيه تجد كل ما يمكن انتظاره من فعل القراءة ابتداءً بالمتعة ومروراً بالمعرفة وانتهاءً بالتأثر.. إنه نسيج مدهش بين الواقع والخيال واللذان عليهما ترتكز شخصية الإنسان، إنه واقع خيالي وخيال واقعي.
*وما الذي دعاك لتجعل من محور أطروحتك "تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته"؟.
ـ أولاً لأنني ابن الثقافة الإسلامية لذا أردت معرفة حصة ثقافتي في هذا العمل العالمي، فقد سمعت وقرأت آراء متفرقة بهذا الشأن ولكنني لم أجد، بين ما يقارب النصف مليون دراسة عن ثربانتس، بحثاً شافياً لهذا الموضوع.. لذا فإنني قد قمت بكتابة الكتاب الذي بحثت عنه ولم أجده.
*البعض يقول بأن ثربانتس قد اعتمد في روايته على مخطوطة عربية وجدها في طليطلة.. هل هذا صحيح؟.
ـ لا.. فلا يوجد حتى الآن أي دليل على ذلك وكل الدارسين لثربانتس يتفقون على أنها مجرد تقنية أدبية استخدمها ثربانتس حين ادعى بأن هذا الكتاب هو في الأصل لكاتب مسلم اسمه سيدي حامد، ولذلك أسبابه بالطبع، منها شيوع استخدام هذه التقنية في عصره وكذلك طبيعة المناخ السياسي والاجتماعي والديني الذي كانا عليه القرنين السادس والسابع عشر وهيمنة محاكم التفتيش، الأمر الذي يتيح له عبر هذه التقنية التطرق إلى مواضيع بالغة الحساسية آنذاك وهذا ما فعله بعبقرية.
*صدرت مؤخراً في بغداد دراسة ضمن سلسلة الموسوعة الصغيرة للدكتور كامل الشيبي تدور حول الموضوع نفسه الذي قمت أنت بدراسته، فما رأيك بها؟.
ـ للأسف لم أطلع على هذا الكتاب حتى الآن ويهمني كثيراً أن أقرأه، فمن المؤكد أنه يكشف عن أشياء أخرى لم أكتشفها أنا وحتماً أننا قد تعرضنا لنقاط مشتركة يهمني معرفة كيفية تناوله لها، فمن البديهي أن لإختلاف المصادر التي استعان بها كل منا تأثيراً على طبيعة الطرح، ومصادري في غالبيتها إسبانية لأن اللغة التي كتبت فيها أطروحتي هي الإسبانية.. بحكم اختصاصي وبحكم افتقارنا إلى المختصين بالدراسات الثربانتيسية العربية بالشكل المتعارف عليه في بقية الثقافات الأخرى.
*وهل ستقوم بترجمة ونشر أطروحتك بالعربية؟.
ـ ربما أفعل ذلك مستقبلاً إذا ما وجدت الوقت والفرصة المناسب له، وعندها سأعمل على إضافة الكثير من تأويلاتي النقدية الخاصة التي لم أدرجها لأسباب أكاديمية، ومنها فصلاً كاملاً أقارن فيه بين شخصية النبي العربي محمد (ص) وشخصية الكيخوته، الذي لم أضمنه في أطروحتي استجابة لنصيحة أستاذي المشرف الدكتور فلورينثيو سبييا، وهو من كبار المختصين بالدراسات الثربانتيسية، تحاشياً لإثارة الجدل والاعتراضات من قبل الأسبان والغربيين الذين يرون في الكيخوته نموذجاً مسيحياً، حيث أن تجربة الباحث الإسباني الكبير خايمه أوليفر آسين ماثلة أمامنا حين تم طرده من مؤتمر في إيطاليا، هم أنفسهم كانوا قد دعوه إليه، عندما طرح لأول مرة مسألة تأثر دانتي برسالة الغفران وبالإسراء.. وكذلك تحاشياً للتصادم مع الإسلاميين الذين ستغضبهم مقارنة من هذا النوع.
*وما هي الصعوبات الأخرى التي واجهتك في بحثك؟.
ـ أولها لغة الكيخوته نفسها، حيث أنه مكتوب باللغة القشتالية القديمة، اللغة الإسبانية في القرنين السادس والسابع عشر، ثم كثرة الدراسات المكتوبة عن ثربانتس والكيخوته والتي كان علي أن أطلع على أغلبها على الرغم من أنني لم أجد إلا في بعضها إشارات مقتضبة عما يتعلق بموضوعة بحثي.
*والآن لننتقل إلى محسن الرملي: الكاتب، ما الذي أضافته أو ستضيفه له صفته الأكاديمية الجديدة التي اكتسبها بالدكتوراه؟.
ـ تعلمت الصبر على البحث والمزيد من التعمق في قراءة النصوص الأدبية، وكل ما آمله من صفتي الأكاديمية هو أن أجد من خلالها عملاً يؤمن لي الاستقرار المعيشي كي أستطيع وفق ذلك مواصلة كتاباتي الإبداعية فهي التي تهمني أكثر لأن حرصي على سمعتي وصفتي كأديب أهم عندي من صفتي الأكاديمية.. ومشروعي الحقيقي يكمن في الإبداع أكثر مما هو في الدراسة والفكر.. وليس كل من أصبح دكتوراً صار دارساً أو ناقداً.
*عرفتُ بأنك ستصدر ديواناً شعرياً باللغتين العربية والإسبانية.. وهذه صفة أخرى لم نكن نعرفها عنك من قبل.. أعني كونك شاعراً؟.
ـ لا.. أنا لست بشاعر، وليس كل من كتب (الشعر!) يستحق تسمية شاعر، والكتاب أو الديوان الذي أشرت إليه، ما هو إلا مجموعة نصوص حُرة كنت قد كتبتها استجابة للحظاتها الخاصة بها واعتبرها أصدقائي شعراً وشجعوني على نشرها، وخاصة أصدقائي الأسبان.. كما أغراني التصفيق الذي حظيت به عند قراءتها في الأمسيات والمحاضرات التي قدمتها.. فاقتنعت بضرورة جمعها في كتاب لم أجد له تجنيساً آخر غير الشعر.. مسكين هو الشعر!.. فكم من (النصوص!) ترتكب باسمه!؟.
*عدا ذلك.. ما الذي يشغل الرملي الآن، وما هو جديده؟.
ـ إنني مشغول الآن في إلقاء المحاضرات والمشاركة في المؤتمرات، ومن بين ذلك التزامي مع الناشر الإسباني لكتاب (السلام والكلمة) الذي تم نشره بمناسبة ما حدث ويحدث في العراق حيث كانت مشاركتي فيه بفصل عن الشعر العراقي المعاصر، لذا ساكون من بين الموقعين عليه خلال أيام معرض الكتاب في مدريد، كما دعتني جمعية الكتاب والمترجمين الأسبان لإلقاء محاضرة ضمن فعاليات المعرض عن تجربتي ككاتب مترجم أو كمترجم كاتب، محاضرة أخرى سألقيها في جامعة مدريد عن الرواية العراقية ضمن يوم سيكون مكرساً للثقافة العراقية. كذلك سأشارك في المؤتمر القادم في لوكسمبورغ المخصص للدراسات الثربانتيسية وإلقاء محاضرات أخرى على هامش المؤتمر حول كتابتي وحول الأدب العراقي، إحداها ستكون في مركز ماتشادو الثقافي في المدينة نفسها.. عدا كل ذلك، وهو الأهم بالنسبة لي، هو أنني أعمل على كتابة رواية جديدة منذ عام تقريباً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (الزمان) العدد 1533 / بتاريخ 17/6/2003 لندن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق