الأربعاء، 27 أبريل 2016

الرواية صوت الذين لا صوت لهم / محسن الرملي

الروائي يُدون ما يَسعى المستبدون لمحوه
الرواية صوت الذين لا صوت لهم
محسن الرملي
أولا، الروائي هو إنسان وله عائلة وأقارب وأصدقاء واقعين تحت وطأة هذا المناخ العصيب المشحون بالحروب والقتل والخراب والاستبداد والقهر، وحياتهم مهددة في أية لحظة لذا فإن اهتمامه الأول منصباً على التفكير والعمل على نجاتهم وخروجهم أحياء من هذا الجحيم، بعد ذلك يأتي فعله الكتابي والذي عادة ما يدور وينصب على وصف كل ذلك، لأن الكاتب في النهاية يكتب عما يعرفه، لذا نجد أن أغلب رواياتنا اليوم تتناول واقعنا المر، وهو من خلالها يفعل التالي: يسجل شهادته على ما يحدث، يبين موقفه حياله، يضيء الجوانب الخفية منه، يصرخ بأوجاع ناسه ووطنه، الروائي يُدون ما يَسعى المستبدون لمحوه، يحافظ بالكتابة على ما تقوم بمحوه الحروب من ذاكرة وبشر وطبيعة ومدن وتاريخ وثقافة.. وغيرها، يُذكر الإنسان بإنسانيته وسط هذا التوحش، يُشخص لأن التشخيص نصف العلاج، يطرح رؤى أنضج وأعمق وأكثر إنسانية من رؤى المتصارعين، يعزز الأمل والحلم بغد أفضل عند قرائه، يعيد إليهم الثقة بالإنسان وبكل ما هو إنساني، يمنحهم فسحة ـ ولو صغيرة ـ من التأمل والخيال والتفكير وحتى الراحة ونسيان ضغوطات المحيط على أرواحهم، يذكرهم عبر عمل فني جمالي بوجود الجمال، يقف إلى جانب الضحايا دائماً في وجه الظلم والاستبداد والقهر، ويشعرهم بأنه معهم ويفهمهم، يشاركهم انشغالاتهم وهمومهم اليومية التفصلية الصغيرة التي لا يكترث بها المتحاربون، يعبر عما يختلج في أنفسهم، ينشغل بالضحايا كبشر لهم عواطف وذكريات وأحلام مقابل الصحافة والسياسة والاقتصاد التي لا ترى فيهم إلا مجرد أرقام تُحسب بمقاييس الربح والخسارة المادية والمصالح، يبكي مع المحزون، يؤانس الخائف، يسلي الوحيد، يبارك للعاشق ويشد من أزر الضعيف أمام قوة الظالم، ينادي بالحرية والحق والاحترام، يكون فماً للذين كُممت أفواههم، صوتا للذين لاصوت لهم، صرخة للذين ضاعت صرخاتهم في السجون والمعتقلات ووسط ضجيج قعقة الأسلحة، يكشف الأكاذيب عِبر صدقه ويفضح الفاسدين والمتلاعبين بأوراق السياسة والدين على حساب أرواح الناس، يدعو للسلام في مواجهة الداعين للحرب، يحتفي بالأحياء والأموات، ينتصر لكل مظاهر الحياة ضد كل مظاهر الموت.  
أعتقد بأن هذه هي صورة لمجمل ما يشغل كُتابنا وكتاباتنا اليوم، روائية وغير روائية، وما أنا إلا واحد منهم فكل ما كتبته كان عن حالنا العربي، وتحديداً عن العراق وأناسه وجراحه وهموم أهله الذين هم أهلي، على الرغم من أنني قد غادرت وهاجرت عن وطننا العربي منذ أكثر من عشرين عاماً، لكنه لم يغب عن عيوني وذاكرتي وكتاباتي وانشغالاتي ولا حتى يوماً واحداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة (الجديد) العدد 15 أبريل/نيسان 2016 لندن.

الاثنين، 25 أبريل 2016

كتاب نقدي عن الشخصيات في روايات محسن الرملي

صدور كتاب نقدي عن الشخصيات
 في روايات محسن الرملي

إعداد المدى
أربيل: صدر في أربيل-العراق كتاب نقدي جديد بعنوان (أنماط الشّخصيّة في روايات محسن الرملي) للباحث عدي جاسم أحمد، والذي يوظف في هذا الكتاب الكثير من أدوات المناهج والدّراسات النقدية الحديثة ليقف من خلالها عند أعمال الرّوائي العراقي محسن الرّملي، دراسة وتنقيباً في إطار التقصي الخاص بالشّخصيات ودورها في البناء السرديّ. ويمكن عدّ هذا الاصدار دراسة واسعة لموضوع الشّخصية والتّفرعات الخاصة بها في أعمال الرملي، وقد احتوى الكتاب على ثلاثة فصول رئيسية يسبقها تمهيد ويعقبها ملحق بالاستنتاجات، إضافة إلى جدول بجميع أسماء الشخصيّات في الرّوايات وعلاقة بعضها ببعض مع مهنة كل شخصيّة من أجل التعرف عليها وتحديد أجناسها وهوياتها في سير العمل الروائي. فبعد إيراد صفحات تعريفية عن سيرة الروائي بعنوان: (محسن الرملي: السيرة والمنجز)، جاء الفصل الأول بعنوان (أنماط الشخصيّة) وتم فيه تناول: الشخصيّة المحورية، الشخصيّة الرئيسة، الشخصيّة الثانوية ثم تبعه بإحصائية لجميع الشخصيات في الروايات الثلاث والتي كشفت عن أن الرملي يحرك قرابة الخمسين شخصية في كل واحدة من رواياته بغض النظر عن حجم أي عمل. وفي الفصل الثاني بحث في (أبعاد الشخصيّة) المختلفة ومنها: البعد الخارجي، الاجتماعي، النفسي والفكري، أما الفصل الثالث فقد تناول (الشخصيّة وعلاقتها بعناصر السرد) ومنها: الشخصيّة والمكان، الشخصيّة والزمن، الشخصيّة والحدث، الشخصيّة والحوار.
وعن كتابه هذا يقول المؤلف بأنه قد اهتم بأعمال محسن الرملي لأنه "يُعد من الأسماء الأدبيّة المهمّة التي أجادت التناول الأدبي لواقع منطقة مهمّة من مناطق الريف العراقي، أنا نفسي أنتمي إليها، وبما أن نتاج هذا الأديب ينطوي على كل تلك الأهمية، لذا فإنَّ من المجدي تناول هذا المبدع وأدبه لبيان مكانة رواياته في مسار الرواية العراقية والعربية، إذ تمثل امتداداً فنياً وفكرياً لهُ، وبما تحويه من الرؤى فتلاقي قبولاً لدى المتلقي في العالم العربي وخارجه وتملأ حيّزاً في المكتبة العربيّة الروائية، فكل ذلك كان سبباً لاختيارنا، من بين قائمة مؤلفاته، ثلاثاً من رواياته لتكون موضوعاً لهذه الدراسة، وهي: تمر الأصابع ــ حدائق الرئيس ــ الفَتيت المبعثَر".
وعن سبب اختياره لموضوع الشخصيات تحديدا أورد بأن "مما شجّعنا على دراسة أنماط الشخصية في روايات الرملي هو توافرها على نماذج شخصيات متعددة ومتنوعة ولما لها من أهمية بالغة في تأصيل النصوص وتجلياتها الفنية والموضوعية التي تستحق أن تكون نماذج فاعلة في آدابنا وتعكس ثقافة المبدع وموهبته". هذا ويرى الباحث عدي جاسم أحمد بأن "الروايات الثلاث موضوع الدراسة، كان يمكن أن تقع في نوع السيرة الذاتيّة، لأنّها تجعل من حياة الروائي في عدد من محطاتها وأحداثها محوراً لها، غير أنَّ الرملي قد اختار لها شكل الرواية التي يحاول الرّاوي فيها/ الكاتب، أن يزج بشخصّيته بين الحين والأخر في عموم أجزاء الروايات وفي حين آخر يقف عند الماحول العائليّ ويوضّح هموم العائلة والبلد وقصة هروبه إلى إسبانيا، فالرمليّ قد تأثّر بالمناخ الاجتماعي والثقافي الإسبانيّ إبان إقامتهُ في إسبانيا، وصاغ بعض شخصيّاته من هناك".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (المدى) العدد 3633 بتاريخ 25/4/2016م.

*وفي (محيط) بتاريخ 23/4/2016م القاهرة.
*ونشرت في صحيفة (العرب) اللندنية، العدد 10261 بتاريخ 30/4/2016م.  
http://www.alarab.co.uk/?id=79073
*وفي صحيفة (الاتحاد) العدد 4010 بتاريخ 5/5/2016م.
http://www.alitthad.com/05052016/ 

الأدب الإسباني في عصره الذهبي.. تحولات فكرية إنسانية / أوراق

الأدب الإسباني في عصره الذهبي
تحولات فكرية إنسانية تشكل هوية لثقافة مميزة

                                                                              بغداد/ أوراق
  شهدت اسبانيا خلال القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر ازدهار الفنون التشكيلية والموسيقية وبزوغ حركات أدبية فكرية إنسانية شكلت هوية تلك  المرحلة التي سميت بالعصر الذهبي بفضل بروز أدباء ومفكرين متميزين. دراسة مفصلة ترجمها واعدها الباحث والروائي محسن الرملي في كتاب بعنوان (الأدب الاسباني في عصره الذهبي) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر متضمناً مقدمة وثلاثة نماذج مسرحية قصيرة لأهم كاتب انجبته الثقافة الاسبانية في كل عصورها والذي صارت تسمى اللغة باسمه كما تسمى الانجليزية لغة شكسبير والايطالية لغة دانتي والألمانية لغة غوته ألا وهو ميغيل دي ثربانتس مؤلف رائعته الخالدة (دون كيخوته)، مبيناً تصنيف الزمن إلى عصرين،النهضة والباروكي، وما تلاهما من تيارات أدبية لا تخلو منها رفوف المكتبات..
ومن خلال خمسين نصا قصصيا لأربعة عشر كاتبا اسبانيا من ذلك العصر يبين الرملي ان هؤلاء هم الذين اسسوا للقصة الاسبانية. وتمتاز هذه القصص المختارة بتنوعها على اصعدة الشكل والمضمون فنجد بينها ما يهدف الى الامتاع وآخر للتعليم، طرائف ومواقف وتاريخ وخرافات وحكمة وغيرها مما يمزج بين الواقع والخيال، بحيث ان قراءتنا لهذه القصص تمنحنا تصوراً كاملاً عن طبيعة المناخ القصصي في تلك المرحلة. أما عن النصوص التي انتقاها وكيفية الاختيار، والآليات التي اعتمدها الرملي في هذه الاختيارات، فقد قام بفرز أبرز وأهم نصوص تلك المرحلة، التي استطاعت الصمود ومقاومة النسيان عبر القرون وصولاً إلى قرننا الحالي معتمداً في ذلك على عدة مختارات من بينها شعرية ضمت أكثر من مئة قصيدة لأربعين شاعراً تقريباً. وإذا كانت قراءتنا لقصائد شعب ما تمنحنا الفرصة للاطلاع على نوعية الذائقة الجمالية واللغوية لذلك الشعب، وتحسسنا لطبيعة مشاعره وهواجسه وأحلامه، وصيغ تعبيره عن ردود أفعاله وتصويره لرؤيته لذاته ولأرضه وللآخر، فإن النثر هو الوجه الآخر لهذه العملة الأدبية أو المشهد الثقافي إذ تقدم لنا الأعمال القصصية والمسرحية صورة واسعة عن الأفكار وطبيعة العلاقات الإنسانية وتصف تفاصيل الهموم اليومية والمناخ العام والأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، كما تصف لنا طبيعة القيم والسلوكيات والأفراح والأحزان ونوعية الملبس والمأكل وطريقة التحاور.. وبالنهاية ترسم أمامنا بانوراما شاملة تعيننا على فهم تركيبة وتاريخ الذهنية الثقافية لهذا الشعب وبالتالي فهمنا لهويته الحاضرة..
وبقدر ما يعيننا الأدب على معرفة الآخر فهو يعيننا على معرفتنا بانفسنا ايضاً، ذلك ان محور رسالة الأدب بشكل عام أيا كان نتاجه هو الانسان والانسانية.. وهكذا فان اطلاعنا على ادب الآخر يعرفنا ايضاً على ما في ثقافته من ثقافتنا وبالعكس، وبالتالي استشراف آفاق ما سوف نأخذه وما سوف نعطيه، وطبيعة مشاركتنا ضمن عملية التبادل والتلاقح بين الثقافات. ومن هنا ليس لمجرد الاشارة الى دور الحضارة العربية الاسلامية وريادة الثقافة والادب العربي ودوره في التاسيس والمشاركة في بناء الحضارات والآداب الاخرى، والاسبانية منها بشكل خاص فهذه حقائق يقرها الاسبان انفسهم، ويشخصها الدارسون للأدب الاسباني، وبهذا الشأن يمكن مراجعة ما كتبه خوان غويتيسولو وخوان بيرنيت وفرانثيسكو مونيوث وميغل آسين بلاثيوس وأمريكو كاسترو وأميليوغارثياغوميث وآلبارو غالميس ولوثه لوبيث بارالت وكريستوبال كويباس وخوليو سامسو وغيرهم من نصوص تضمنت حكايات تاريخية وخيالا شعبيا واخلاقيات ومواعظ، وقد تضمنت القصائد موضوعات الحب العذري والحب الافلاطوني والغزل والهجاء وقيم الفروسية والرجولة، اضافة الى المواعظ الاخلاقية والدينية، كما نلمس فيها ملامح تأثيرات الشعر العربي وبشكل خاص التصوف والغزل والتغني بالطبيعة التي يعج بها الشعر الاندلسي.. انها تجربة طويلة لأمة صنعت هويتها الثقافية وتستحق منا معرفتها وتأملها، بل ومحاولة الاستفادة منها بشكل ما يتعلق باستلهامها للارث الشفاهي والمكتوب وما اتاها من ثقافات اخرى.
ويشير الرملي الى حدث تاريخي مهم ترك بصماته في الأدب وهو اكتشاف اميركا واستعمارها، وقد دخلت هذه الموضوعة الى الكتابة الادبية ابتداءً من رسائل كريستوفر كولومبس وما كتبه القائد العسكري الاسباني هيرنان كورتيس تحت عنوان (رسائل في العلاقة)، ثم العمل الأوسع الذي كتبه غونثالو فيرنانديث ديب اوبييدو تحت عنوان (التاريخ العام والطبيعي للقارة الاميركية)، اضافة الى كتاب لبيرنال دييث دي الكاستيو (التاريخ الحقيقي لأحداث غزو اسبانيا الجديدة) مبيناً ان الاصالة التي تتسم بها هذه الاعمال تكمن في كونها تتحدث عن العالم الجديد، وفي القدرة العالية لمؤلفيها على الملاحظة والوصف بدافع الاطلاع والاعلام وليس بقصد الكتابة الأدبية.   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي التابع لصحيفة (المدى)، العدد 3449 بتاريخ 6/9/2015م.

مائة قصيدة كولومبية.. تأسيس لهوية

مائة قصيدة كولومبية
مراحل التأسيس لهوية ثقافية وطنية مستقلة
                                                                                           بغداد/ أوراق
  تعد كولومبيا أول بلد اميركي لاتيني يؤسس ما يعرف باكاديمية اللغة في عام 1871  وصارت عبر هذه اللغة تتلقى مؤثرات وتحولات وتيارات الثقافات الخارجية الاخرى وتستفيد منها، فبرزت اسماء ادبية شكلت مؤسسة للأدب الكولومبي. نماذج  مختارة من الشعر المعاصر تضمنت كتاب (مائة قصيدة كولومبية) للباحث  والمترجم الدكتور محسن الرملي والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر..
مشيراً الى ان تجربة الثقافة الكولومبية قطعت مسيرة ادبية طويلة تعاقبت عليها اجيال كثيرة منذ مرحلة التأسيس وحتى الزمن الحالي. وان الثقافة الكولومبية مثل مجمل ثقافات شعوب قارة أميركا اللاتينية هي ارث سكانها الأصليين الانديخيناس الذين لم يتبق من آدابهم سوى بعض الملاحم والأساطير القليلة والتي من اشهرها ملحمة يوروباري المكتوبة بالآمازونية وتعني اسم بطل معروف في كولومبيا والبرازيل. ثم جاءت بعد ذلك الثقافة الاستعمارية الاسبانية التي راحت تؤسس اواسط القرن السادس عشر طابعها الديني الكاثوليكي الذي عمد الى تغيير العادات والمعتقدات واللغة حتى جاءت مرحلة الكفاح من اجل الاستقلال والتي استمرت على مدى القرن التاسع عشر باكمله تقريباً، وفيما يخص الشعر باعتباره الجنس الابرز في هذه الثقافة، تم اختيار مجموعة شعراء بعناية مع نبذة عن كل واحد منهم. قطعت تجربة الثقافة الكولومبية مسيرة ادبية طويلة تعاقبت عليها اجيال كثيرة منذ مرحلة التأسيس وحتى الزمن الحالي. وفيما يخص الشعر باعتباره الجنس الابرز في هذه الثقافة لمجموعة شعراء تم اختيارهم بعناية مع نبذة عن كل واحد منهم. مبيناً ان الثقافة الكولومبية مثل مجمل ثقافات شعوب قارة أميركا اللاتينية هي ارث سكانها الأصليين الانديخيناس الذين لم يتبق من آدابهم سوى بعض الملاحم والأساطير القليلة والتي من اشهرها ملحمة يوروباري المكتوبة بالآمازونية وتعني اسم بطل معروف في كولومبيا والبرازيل. ثم جاءت بعد ذلك الثقافة الاستعمارية الاسبانية التي راحت تؤسس اواسط القرن السادس عشر طابعها الديني الكاثوليكي الذي عمد الى تغيير العادات والمعتقدات واللغة حتى جاءت مرحلة الكفاح من اجل الاستقلال والتي استمرت على مدى القرن التاسع عشر باكمله تقريباً قبل ان تظهر في اواخره مرحلة كانت رومانسية بطبيعتها ومنها على سبيل المثال الشاعر خوسيه خواكين اورتيث.. ثم ظهرت بعد ذلك مرحلة سميت العاداتية اهتمت بما هو واقعي من عادات وشخصيات ومظاهر اجتماعية حرصت على الاشارة لما هو مشترك وسط هذا المزيج من خلال نصوص ناقدة لبعض السلوكيات الاجتماعية للسلطات الحاكمة المتعاقبة، ومن ابرز اسماء هذه المرحلة خورخه اساكيس وخوليو آربوليدا ورافائيل بومبو وسوليداد آكوستا وكانديلا اوبيسو وغيرهم. وتمخض عن هذا التحول من الرومانسية الى الواقعية ما صار يعرف بالحداثة من خلال نصوص سبق بعضها قصائد روبين داريو الذي يعد من اهم رواد الحداثة بالنسبة للشعر المكتوب بالاسبانية عموماً.
وهكذا ترسخت اسماء لشعراء كولومبيين ممن يعدون حداثيين بينهم خوسيه آسونثيون سيلبا وخوليو فلوريث وغيير موبالنثيا وبورفيريو باربا خاكوب. ومن وسط مرحلة المجددين هذه برزت جماعة (حجر وسماء) سنة 1939 يتزعمها ادواردو كارانثا، وجاءت هذه التسمية من عنوان لديوان الشاعر الاسباني خوان رامون خيمينيث الحاصل على جائزة نوبل عام 1965 حيث اثر هذا الشاعر عبر اسلوبه ورؤاه باجيال شعرية كاملة في مختلف البلدان الناطقة بالاسبانية. وفي عقد الثلاثينات بدأت تظهر سلسلة من شعراء عبرت قصائدهم عن امور اساسية وجوهرية في مسيرة الشعر الكولومبي المعاصر، وكانت من بين دعواتهم مسألة الاهتمام بالموضوعات الكونية للشعر والمشاعر والقيم الوطنية الى جانب العناية الفائقة باساليب الفن واللغة والاحتراف الأدبي تمسكاً بمفهوم انطونيو ماتشادو لما اسماه بالامان الشعري كتعبير اصدق عن هموم الناس بعد الشعور بالخيبة من كل السياسيين وايديولوجياتهم. ثم ظهرت مجموعة اخرى حاولت هضم تجارب الحركات السابقة لتكون اكثر طليعة منها، وعرفت باسم المجلة التي اسسوها والتفوا حولها (ميتو) أي الاسطورة، وابرز مؤسسيها الشعراء خورخة غايتان دوران وفرناندو تشاري وأولغا شمس الدين الحاج وهي من ابوين لبنانيين وقد اشتهرت لاحقاً باسم ميرا ديلمار. وفي عقد الخمسينات نشطت حركة (اللا شيئية) ذات الروح الاستعراضية والتي اسسها غونثالوا آرانغو ايام حكم الدكتاتور غوستابو روخاس بينلا، وهي حركة تنتمي الى تيار العدمية او الوجودية التي ظهرت عالميا في تلك الفترة، ومن ابرز شعرائها أميلكار اوسوريو وخايمه خاراميليو وماريو ريبيرو وغيرهم. وفي السبعينات ظهر جيل جديد من الشعراء أطلقت عليه تسمية (الجيل الساخط) لاستيائه من الاوضاع العامة في البلاد سياسيا واقتصادياً وثقافياً في ظل استشراء العنف وتجارة المخدرات التي لوثت كولومبيا. ثم تلا هؤلاء جيل اطلق على نفسه (بلا اسم) تعبيراً عن الافتقار الى رؤية جوهرية ثابتة تجمعهم وسط تصاعد سيادة الهوية الفردية، ولتمييز انفسهم عن عشرات المسميات على امتداد مراحل هذه المسيرة الطويلة. اما الآن فيشير الباحث إلى بروز ظاهرة الورش والمهرجانات الشعرية في انحاء كولومبيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي التابع لصحيفة (المدى)، العدد 3543 بتاريخ 10/1/2016م.


عن رواية: ذئبة الحُب والكتب / باسم سليمان

 (ذئبة الحُب والكتب)
الكتابة تصحّح الخطأ الوجودي للجّلاد
باسم سليمان
قد يكون سؤال ماذا نريد من الكتابة بشكل عام والرّواية بشكل خاص هو العمود الفقري المختفي تحت جلد ولحم وعظم رواية "ذئبة الحبّ والكُتب" للروائي العراقي محسن الرملي، فالجسد السّردي الرشيق للرواية استطاع تضمين السؤال من خلال الشخصيات بدءاً من محسن الرملي ورفاعي وهيام وآخرين كأشخاص واقعيين أو تخيليين لا فرق مروراً بالسيرة العبرروائية، التي شَخَصْها الروائي محسن الرملي عبر السّرد المعنون بالعتبة الهوياتية الخاصة جداً "أنا" والسّرد التخيّلي لشخصية "هيام" والمعنون بآخر جندري بصيغة "هي" هذا من جهة ومن جهة أخرى عبر الفضاء الزمكاني للرواية كالعراق، عراق الرّاوي وعراق هيام مع انعكاسه المهجري في اسبانيا والفضاء الكتابي من خلال روايات وكُتب "حسن مطلك الرملي أخ الروائي محسن سواء من خلاله أو خلال هيام بحيث نجد أنّ سرد محسن الرملي أو سرد هيام هو صدى لكتابة حسن مطلك الرملي وكأنّهما يحقّقان بذلك مقولة "جيرار جينيت" عن المناص الخارجي فإذا كان التناص كتابة على كتابة فأنّ المناص صوت الصّوت عن الكتابة وليس صداه.
لا ريب أنّ الخيال ومن بعده التخييل جاء كعجز عن حيازة الوجود وتبديله، فهو أضعف الإيمان لكنّه أقواه؛ هو أضعف من حيث أنّ المخيال يشبه أثر الفراشة، فلا يُحدث تغيراته إلا بعد زمن طويل وأقوى من حيث مقولة :"إنّ كلّ ذي عاهة جبار" قد تحتاج الجملة الأخيرة لبعض التفسير؛ فالسجن والقمع والاستبداد والقتل عاهة تصيب الوجود البشري وتعطبه وتعرقل سيرورته وصيروته والوقوف في وجهها يشبه آلية الكتابة في حفظها الصّوت من الفناء هكذا تصبح الكتابة ضد الموات، فالروائي محسن الرملي المجني عليه بجريرة أخيه المتورِّط بعملية انقلاب ضدّ نظام الحكم في العراق والمنفي بشكل ذاتي بعد أن كفنته أرض السّواد بديكتاتوريتها يهاجر إلى الأردن متلمّساً غربةً تجدّده وهجرةً تبعثه من مواته وهو بذلك مثله مثل هيام الفتاة العراقية التي عاصرت العراق من خلال حكاية جدّها "الذئب" وأمّها و أبيها ومسيرة تعلّمها وزواجها من "عبود" والهجرة نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق، فتجد عراقها في الكاتب "حسن مطلك الرملي" وفي فقر الحبّ الذي تعيشه مع زوجها وغربتها، تخترع علاقة مع حسن ليس المطلك بل إحدى تجلياته من حيث أنّها تتعامل مع نتاجه الكتابي تارة كتناص وتارة كمناص وتكون رسائلها إليه عبر بريدها الالكتروني واتصالاتها الخيالية هي المناص وصوت الصّوت لكتابات حسن مطلك الرملي فيتقاطع الخيالي مع الواقعي حيث أن شقيق الكاتب حسن مطلك الرملي الذي هو محسن الرملي ينشئ مدونة على النت معرفاً بنتاج أخيه الذي أعدمه النظام السّابق في العراق وهكذا نجد التعريف الذي يحكم السّرد الروائي من حيث أنّه تخييل وواقع بنفس السّوية أو انتصار رؤية الفرد الخاصة للوجود.
فالكتابة التي هي أحد فروع كلمة "دَوَنَ" والتي تعني بإحدى دلالاتها الشيء الأسفل والقاع، تشي عبر التأويل بفقدان الجنة وإعادة خلقها عبر إعادة مَخْيَلَتها كغاية إنسانية عليا. 

ذئبة الحبّ والكُتب:
في الرّاوية جانبان  للسّرد ينطلقان من خطأ طباعي حدث نتيجة كتابة "الإيميل" لمدونة حسن مطلك على النت التي أنشأها أخوه ليعرِّف به، فينفتح " إيميل " هيام ويقرأ محسن رسائلها إلى حبيبها الافتراضي "حسن" فيتعلّق بها ويطبع محتويات الرسائل، فتجدّد له الحلم وتدفعه نحو " أندلسه " متشابهاً بذلك مع صقر قريش عبد الرحمن الداخل ومن خلال الواقع تنفتح الآفاق للروائي محسن الرملي في اسبانيا من هذه النقطة تتضح آلية التخييل ذلك التعاضد بين الواقعي والتخيلي في تصنيع خام الوجود البشري وبنفس التأويل نجد كيف أنّ الخطيئة الأساسية وفق المدونة البشرية هي من اشترعت وجود الإنسان على هذه الأرض لكي يقوم بأعمارها.
يعرض الرملي في سرده المعنون ب "أنا" سيرة عبرروائية له معرجاً على سيرة أخيه "حسن" حيث من خلال الاقتباسات التي وجهت السّرد من كُتب " حسن مطلك " نجد دور الكتابة في شدّ عصب الحياة في الإنسان وبنفس الوقت تلعب حكايات هيام ذات الدور لها وله، ففي مكان ما تمثّلت سيرة جدها "الذئب" الذي ثار على أخوته عندما أرادوا قسمة إرث أبيهم قسمة ضِيزَى وكيف أصبح الجد كـ"روبن هود" يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء ومن خلال سيرورة حياتها تسلّط الضوء على واقع العراق الاجتماعي والثقافي والسياسي والأهم تكشف تهافت عالم الثقافة تحت سطوة الديكتاتورية والأكثر أنّ المثقفين عرضة للبيع والشراء والنكوص والخوف، فيتضح الوجه الشعاراتي للكتابة كما هو في السياسة والواقع أيضاً إذ أنّها سريعة التلوث ولا يقدر على حمل وزرها إلا كلّ شجاع يقف في وجه جلاده ليصحّح له الخطأ الإملائي النحوي حين يتلو عليه قرار إعدامه كما فعل حسن مطلك.
لقد أنقذت الكتابة كلّ من محسن كواقع وهيام كتخييل وبالمقابل نجد أنّ رفاعي الذي لا يعرف الكتابة رغم روحه المتوقِّدة وعشقه ورغبته بأن يكتب له محسن سيرة حياته كرواية ليقدمها لحبيبته ومع أنّه قد ثار على زوجة ابيه وأنقذ أخته من براثنها يسقط وينتهي نهاية سيئة ونجد من خلال الإشارات في قصته لو أنّه كان يملك القدرة على القراءة والكتابة لوجد في خطّ كتابة ما لحبيبته حبل النجاة الذي أراد من محسن الرملي أن ينجزه له.

الكتابة أكمل الأشياء كالدائرة:
تمرّ السنين على الروائي محسن الرملي في اسبانيا وينجز روايات وكتب كثيرة منها "حدائق الرئيس – تمر الأصابع – الفتيت المبعثر" وغيرها الكثير وهو يبحث عن هيام/ الكتابة  ويعود إلى الأردن ومن بعدها إلى العراق ليكتشف أنّ رسائل هيام وما كتبه قد خطّ في أحد الدفاتر التي اشتراه له رفاعي لكي يكتب له روايته التي سيهديها لحبيبته، لقد أنجز الرملي وعده لرفاعي لكن رفاعي الذي لا يعرف القراءة لم يستطع النجاة، فإن كانت الكتابة ساق الخيال فالقراءة السّاق الثانية التي يحتاز بهما الإنسان الواقع ويقاوم عجزه وينتصر عليه. 
ولناحية هيام تتضح لديها الرؤية وتغدو قادرة على اتخاذ قرارات مهمة في حياتها،  لقد أصبحت تشبه "بشعة" تلك الفتاة التي التقتها في العراق"وبشعة " هذه فتاة جميلة جداً تحمي قريتها بعدما خلت من الرجال الذين محتهم الحرب.

الآخر هي وليس هو :
يقدّم الروائي محسن الرملي من خلال حصّة هيام في السّرد صوت الأنثى بوضوح بعيداً عن تقنّع السّرد الذكوري، فهي تقدّم هواجسها النفسية والجسدية والفكرية محللة ومفككة وناقدة بشكل جذري المنظومة الذكورية المعرفية فاضحة تهافتها كتهافت الديكتاتورية السياسية وتخلّفها كالنظرة الدينية التي يبثّها الذكر محولاً الدين إلى هوامات لا تمت إليه بصلة مستأصلاً الأنثى من الوجود في حين هي من حملت كلمات الغفران له من الإله.
فآخر الذكر الأنثى كما آخر الصّوت الكتابة وآخر الفضاء الزمكاني هو التخييل، فنجد أنّ الكتب التي ذكرتها هيام سواء كُتب حسن مطلك وغيره قد ساهمت بشكل كبير في نضوجها واتضاح بوصلتها هذا من جهة ومن جهة أخرى أظهر حديثها مع حسن بشكل صوتي أنّ صوت الأنثى يصبح عورة عندما يُجبّ ويقمع ويصير معرفة عندما يطلق له العنان في التعبير والبوح والوضوح.
تتجلى الأنثى في سرد الرملي كسَكِيَنة وعند غيابها يختلّ عالمه فإن كانت الأنثى وفق المدونة الكلاسية هي سبب الخطيئة فإنها وفق المدونة الإنسانية الحقّ هي سبب جبّها والانبعاث منها نحو حياة حقيقية تليق بالإنسان.

المناص المعرفي :                 
 تشتمل الرّواية على ذكر الكثير من الكُتب والتمازج معها، فلم يكتف الكاتب ممثلاً عبر سيرته الروائية وشخصية هيام بالتناص بل ذهب إلى ما يسميه "جيرار جنيت" المناص الخارجي الذي يشمل كلّ الكتابات التي تعلّق على كتابة ما، فمن كُتبِ حسن مطلق "دابادا" وغيرها إلى هيرمان هسه وهيدغر مع آخرين شكّلوا الفضاء القرائي للرّواية حتى أنّ الكاتب ذهب لتضمين المقالة الروائية كما يفعل ميلان كونديرا خاصة في نقده المسرحي وذلك من خلال سلاسة نقدية لا تظهر أبداً تحويل السّرد الروائي إلى تدوينة معرفية تخلّ بعنصر التخييل.

من جديد ذئبة الحبّ والكتب:
كما أنّ الحبّ هو مبدأ الكون والباعث لنشوئه والقادر على تبديد ظلامه، فالكتابة بهذا الشّغف والحسّ العالي الذي أظهره الروائي محسن الرملي دلالة على مدى التعاشق بينه وبين الكتابة كأسلوب حياة، تنظيراً وتطبيقاً وعليه نقول: إنّ الرّواية هي مديح وعشق وعبادة بحق الكتابة والحبّ والحياة ومقاومة الظّلم.
رواية ذئبة الحبّ والكُتب للروائي العراقي المقيم في اسبانيا ترشحت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد لهذا العام، صادرة عن دار المدى لعام 2015م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة (البحرين الثقافية) العدد 84 سنة 2016م.
**باسم سليمان: شاعر وناقد سوري، من أعماله: تماماً قبلة، لم أمسس، نوكيا، مخلب الفراشة.  

 

السبت، 23 أبريل 2016

عن: الأدب الإسباني في عصره الذهبي/ علي حسن الفواز

الأدب الإسباني في عصره الذهبي 

ترجمة وإعداد وتقديم/ د. محسن الرملي

                                                                      قراءة/ علي حسن الفواز
إذا كان البعض يعدّ الأدب الإسباني جزءا من (الأدب الإستعماري) فأن الكثير من التجليات الإنسانية والجمالية لم تُقرأ بعد في هذا الأدب، وأن إخضاعه  لتوصيف عمومي سيخلّ حتما بقدرة القارىء والناقد على حيازة الكشف، وإستهواء  المتعة، لاسيما وأن هذا الإدب بموروثه المسيحي والثقافي والسياسي والرومانسي وحتى الفروسي قدّم للعالم ملاحم وأسفارا كثيرة تحولت الى إرث كبير والى تاريخ من الصعب تجاوز مدوناته وأثره.. 
كتاب(الأدب الإسباني في عصره الذهبي)/ ترجمة وإعداد وتقديم د. محسن الرملي والصادر حديثا عن دار المدى/2015 يضعنا أمام الوجه الآخر للأدب الإسباني في سطوعه التأريخي والجمالي، إذ يوفر الكتاب مجالا واسعا للتعرف على سرائر هذا الأدب، وعلى المنهجية التأريخية التي إعتمدها الباحث في قراءة هذا الأدب والتي يحددها بـ(المرحلة الذهبية) في عصريها (عصر النهضة) و(العصر الباروكي) وهما فضاءان للتعريف بأسماء وتجارب وحركات في الشعر والنثر والمسرح لم نسمع بها سابقا، فضلا عن تعريفه بالعديد من مظاهر إزدهار الفنون والآداب وكتب الرحلات والكتابة التأريخية والحركات الفكرية في إسبانيا، وبعيدا عن الحساسية التأريخية التي وضعت الأدب الإسباني في خانة واحدة اسمها (الدون كيخوته) لميغيل دي ثربانتس..
شمولية الكتاب تنتظم في السعة والجهد الذي بذله المترجم بحثا وتدقيقا، وفي موسوعيته لتقديم رؤية واضحة لحمولات هذا الأدب في القرنين السادس والسابع عشر، والتي يرصد من خلالها أهم التحولات والصراعات السياسية والفكرية التي عاشتها المملكة، لكن مايميز هذا الكتاب أيضا هو رصده لكتابات تُعني بالكثير من الهموم الإنسانية والقيم والجمالية والفكرية بعيدا عن المهيمنات السياسية ومظاهرها القامعة..
إحتوى الكتاب على أربعة أبواب كما يسميها الباحث والتي مهد لها بتقديم تعريفي لطبيعة الكتاب وأهميته في رصد مظاهر الإزدهار في الأدب الإسباني، إذ أن التحولات الكبرى في إسبانيا (تدين بهويتها الثقافية لأدبائها في القرنين السادس والسابع عشر)ص5 شمل الباب الأول دراسة نقدية لتأريخ الأدب الإسباني عبر قراءة سيرية لعتبات وتحولات مهمة في هذا التأريخ، والتي كشفت عن الكثير من العلائق والصراعات مابين طبقة النبلاء في المجتمع السياسي الإسباني والملوك، فضلا عن إرتباطه بمظاهر القوة وطبيعة الهيمنات السياسية والإقتصادية في المجتمع الثقافي والسياسي، وكذلك مؤثرات ذلك على الحمولات الرمزية والدينية والتجارية للغزوات وتأثيرها السياسي والثقافي، والتي كانت مظهرا للإستعمار الإسباني، لكنها أيضا مظهرا لإنتشار الثقافة واللغة الإسبانيتين..
تأثيرات المناخات السياسية والصراعات الداخلية إنعكست على الأشكال الثقافية، والتي حاول الباحث أن يقدّم من خلالها معالم مهمة في التاريخ الثقافي، والتعريف بالكثير من الكتّاب والشعراء والتعرّف على أفكارهم وأعمالهم، والتي وضعتنا أمام أفق واسع وصفي وتعريفي للثقافات الإسبانية في مراحل مهمة،  لاسيما الشعر بمرجعياته الإنسانية والغنائية والأخلاقية، والذي تحفل به البلاطات في المدن والبلاطات الإسبانية، فضلا عن ماكان يقدمه الشعراء الجوالون (التوربادو) وغيرهم من شعراء الجماعات الأخرى كالمورسيكيين  وغيرهم. كما قدّم الباحث شهادات على طبيعة التحولات الحادثة في(النثر) الإسباني في مجالات (القصة، الكتابة التأريخية، كتب الرحلات، الرواية) ولعل مايجمع هذه الفنون النثرية هو الإهتمام الأسلوبي، والإنفتاح على تحولات جديدة في الكتابة، وإستعادة الرموز المهمة في الموروث الشعبي، والإبانة عن مواصفات أسهمت في وضع الأساس للتحولات الكبرى التي حدثت فيما بعد في الثقافة الإسبانية..
الباب الثاني من الكتاب يُعني بالقصة عبر مراحلها التأسيسية وتنوع إشتغالاتها وأشكالها ومضامينها، إذ جمع الباحث (خمسين قصة قصيرة لأربعة عشر كاتبا إسبانياً من العصر الذهبي) تناولت العديد من الموضوعات والأفكار التي يشتبك فيها التأريخ والخرافة والحكمة وقصص المهرجين والرومانس والخيال في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ومن أبرز الأسماء التي إختار لها الباحث بعض القصص والحكايات الخرافية والشعبية والحكم والأمثال- خوان دي تيمونيدا، خوان دي مال لارا، ميلتشور دي سانتا دي ونياس، لويس غراثيان دانتيسكو، لويس دي ثاباتا تشابيس، ميغا دي لونا، أوغسطين دي روخاس، سباستيان مي، أنطونيو لينيان إي بردوغو،  لوبه دي بيغا، خيروتيمو دي الكالا- وقصص هذا الباب المختارة تصبّ في إبراز هوية الأدب الإسباني بنزعاته التخيلية والإنسانية، وتمثله لروح المدن التي عاش فيها أغلب القصاصيين الذين إستلهموا فيها الكثير من الطرائف والحكايات العجائبية وذات السمة الوعظية الأخلاقية، والتي (في أغلبها ذات صلة وثيقة بالملاحم والسير الشعبية، وقد تم الحفاظ على هذه القصص والحكايات الشعبية بفضل التقاليد الشفاهية) ص258 الباب الثالث من الكتاب ضمّ المختارات الشعرية التي وجد فيها الباحث مرجعيته الموسوعية في الحفاظ على منهجية الكتاب، وإبراز التجارب والأسماء الشعرية التي تعّبر كتاباتها المتعددة عن الملامح التأسيسية للأدب الإسباني في عصره الذهبي، والذي أبرز الهيمنة المميزة للشعر الغناني وطبيعة تأثراته بالشعر الإيطالي، فضلا عن رصد تحولاته الفنية بدءا من المرحلة التي (إنطلق منها غارثيلا سو دي لابيغا لتبدأ النهضة الشعرية على يديه، وتواصل نموها متمخضة عن أروع تحف الشعر الإسباني، وتستمر مع ظهور الأسلوب المكتظ بالزخارف اللفظية والبلاغية، أي الباروكي لتنتهي من بعدها بإنتهائه)ص339 ومن أبرز الأسماء الشعرية  التي إختار الباحث قصائدهم- غارثيلا دي لابيغا، خوان بوسكان، كريستوبال دي كاستيو، هورتادو دي ميندوثا، سانتا تيريسا، هيرناندو دي آكوانيا، فرانثسكو دي تيراثاس، ميغيل دي ثربانتس، وغيرهم من شعراء قد تبدو أسماؤهم مجهولة للكثيرين، لكنها تعبّر في جوهرها عن الطبيعة الحيوية لحراك الشعراء الذي هيمنت مظاهره على ما سمي بـ(العصر الذهبي).
الفصل الرابع من الكتاب يضعنا أمام الفضاء المسرحي الذي تَمثّل أجواء هذا العصر بكل تجلياته، والذي أسبغ على كتابة المسرحيات مظاهر عبر من خلالها كتّاب المسرح عن وعيهم للتحولات في الأدب والفكر وفي العلاقات العامة، والتي تم توظيفها في صياغة أشكال متنوعة للمسرح الكوميدي ولمسرح المتعة ولمسرح الأقنعة، فضلا عن جرأة بعض المسرحيين في التعاطي مع موضوعات حساسة مثل ثربانتيس الذي (تناول ظاهرة التطهير العرقي وشعار"تنقية الدم" الذي رفعته محاكم التفتيش ضد المسلمين واليهود بعد سقوط غرناطة وإنتهاء الدولة الأندلسية) ص456 مثلت مسرحيات ثربانتيس- الذي لايعرف الكثيرون عن تأريخه سوى ماعلِق به من أثر كتابه الكبير دون كيخوته- وعيا تأريخيا ونقديا برصد مظاهر الواقع الإسباني وصراعاته، وطبيعة الأفكار التي كانت تحتاج الى رؤية عميقة (تسخر بشفافية مطعمة بمرارة وعدم رضا عن الواقع) ص455 وتضع هذه المسرحيات  في سياق أخلاقي ومعارض، فضلا عن صياغة شخصياتها على أساس ماتحوزه من عمق نفسي وأجتماعي..
هذا الكتاب الأنطولوجي أغنانا كثيرا بكثافة المعلومات عن عصر مهم وزاخر في التأريخ الثقافي الإسباني، ووفر لنا أيضا تصورات عن طبيعة التحولات التي شهدها هذا التأريخ، والذي ماكان له أن يكون لولا هذا الإرث العميق الحافل بشغف الروح الإنسانية والجرأة في معالجة الكثير من مظاهر الحياة والصراع الذي تعيشه، حتى لوكان ميدان هذا الصراع حياة الملوك والنبلاء وعوالمهم السرية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي التابع لصحيفة (المدى)، العدد 3469 بتاريخ 4/10/2015م.

مئة قصيدة كولومبية / ملحق: أوراق

مئة قصيدة كولومبية
مختارات شعرية لتجربة ثقافية معاصرة
                                                                                         أوراق ـــ المدى
قطعت تجربة الثقافة الكولومبية مسيرة ادبية طويلة تعاقبت عليها اجيال كثيرة منذ مرحلة التأسيس وحتى الزمن الحالي. وفيما يخص الشعر باعتباره الجنس الابرز في هذه الثقافة، يضع بين ايدينا الباحث والمترجم الاكاديمي المتخصص باللغة والآداب الاسبانية الدكتور محسن الرملي كتابه المتضمن (مائة قصيدة كولومبية) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر.
نماذج مختارة من  الشعر المعاصر لمجموعة شعراء تم اختيارهم بعناية مع نبذة عن كل واحد منهم.  مبيناً ان الثقافة الكولومبية مثل مجمل ثقافات شعوب قارة أميركا اللاتينية  هي ارث سكانها الأصليين الانديخيناس الذين لم يتبق من آدابهم سوى بعض  الملاحم والأساطير القليلة والتي من اشهرها ملحمة يوروباري المكتوبة  بالآمازونية وتعني اسم بطل معروف في كولومبيا والبرازيل.
ثم جاءت بعد ذلك الثقافة الاستعمارية الاسبانية التي راحت تؤسس اواسط القرن السادس عشر طابعها الديني الكاثوليكي الذي عمد الى تغيير العادات والمعتقدات واللغة حتى جاءت مرحلة الكفاح من اجل الاستقلال والتي استمرت على مدى القرن التاسع عشر باكمله تقريباً، حيث بدأ التأسيس لهوية كولومبيا كبلد مستقل وان كانت قد تحولت بمجملها الى تبني ثقافة المستعمر واتخاذها كلغة رئيسة ورسمية للبلد، إذ ان كولومبيا هي أول بلد اميركي لاتيني يؤسس ما يعرف باكاديمية اللغة في عام 1871 وصارت عبر هذه اللغة تتلقى مؤثرات وتحولات وتيارات الثقافات الخارجية الاخرى وتستفيد منها، فبرزت اسماء ادبية مهمة تعد هي المؤسسة للأدب الكولومبي المعاصر، والتي كانت رومانسية بطبيعتها في اواخر القرن التاسع عشر ومنها على سبيل المثال الشاعر خوسيه خواكين اورتيث.. ثم ظهرت بعد ذلك مرحلة سميت العاداتية اهتمت بما هو واقعي من عادات وشخصيات ومظاهر اجتماعية حرصت على الاشارة لما هو مشترك وسط هذا المزيج من خلال نصوص ناقدة لبعض السلوكيات الاجتماعية للسلطات الحاكمة المتعاقبة، ومن ابرز اسماء هذه المرحلة خورخه اساكيس وخوليو آربوليدا ورافائيل بومبو وسوليداد آكوستا وكانديلا اوبيسو وغيرهم. وتمخض عن هذا التحول من الرومانسية الى الواقعية ما صار يعرف بالحداثة من خلال نصوص سبق بعضها قصائد روبين داريو الذي يعد من اهم رواد الحداثة بالنسبة للشعر المكتوب بالاسبانية عموماً. وهكذا ترسخت اسماء لشعراء كولومبيين ممن يعدون حداثيين بينهم خوسيه آسونثيون سيلبا وخوليو فلوريث وغيير موبالنثيا وبورفيريو باربا خاكوب. ومن وسط مرحلة المجددين هذه برزت جماعة (حجر وسماء) سنة 1939 يتزعمها ادواردو كارانثا، وجاءت هذه التسمية من عنوان لديوان الشاعر الاسباني خوان رامون خيمينيث الحاصل على جائزة نوبل عام 1965 حيث اثر هذا الشاعر عبر اسلوبه ورؤاه باجيال شعرية كاملة في مختلف البلدان الناطقة بالاسبانية. وفي عقد الثلاثينات بدأت تظهر سلسلة من شعراء عبرت قصائدهم عن امور اساسية وجوهرية في مسيرة الشعر الكولومبي المعاصر، وكانت من بين دعواتهم مسألة الاهتمام بالموضوعات الكونية للشعر والمشاعر والقيم الوطنية الى جانب العناية الفائقة باساليب الفن واللغة والاحتراف الأدبي تمسكاً بمفهوم انطونيو ماتشادو لما اسماه بالامان الشعري كتعبير اصدق عن هموم الناس بعد الشعور بالخيبة من كل السياسيين وايديولوجياتهم. ثم ظهرت مجموعة اخرى حاولت هضم تجارب الحركات السابقة لتكون اكثر طليعية منها، وعرفت باسم المجلة التي اسسوها والتفوا حولها (ميتو) أي الاسطورة، وابرز مؤسسيها الشعراء خورخة غايتان دوران وفرناندو تشاري وأولغا شمس الدين الحاج وهي من ابوين لبنانيين وقد اشتهرت لاحقاً باسم ميرا ديلمار. وفي عقد الخمسينات نشطت حركة (اللا شيئية) ذات الروح الاستعراضية والتي اسسها غونثالوا آرانغو ايام حكم الدكتاتور غوستابو روخاس بينلا، وهي حركة تنتمي الى تيار العدمية او الوجودية التي ظهرت عالميا في تلك الفترة، ومن ابرز شعرائها أميلكار اوسوريو وخايمه خاراميليو وماريو ريبيرو وغيرهم.
 وفي السبعينات ظهر جيل جديد من الشعراء أطلقت عليه تسمية (الجيل الساخط) لاستيائه من الاوضاع العامة في البلاد سياسيا واقتصادياً وثقافياً في ظل استشراء العنف وتجارة المخدرات التي لوثت كولومبيا. ثم تلا هؤلاء جيل اطلق على نفسه (بلا اسم) تعبيراً عن الافتقار الى رؤية جوهرية ثابتة تجمعهم وسط تصاعد سيادة الهوية الفردية، ولتمييز انفسهم عن عشرات المسميات على امتداد مراحل هذه المسيرة الطويلة. أما الآن فيشير الباحث الى بروز ظاهرة الورش والمهرجانات الشعرية في أنحاء كولومبيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي التابع لصحيفة (المدى)، العدد 3391 بتاريخ 21/6/2015م.

عن كتاب: الأدب الإسباني في عصره الذهبي/ زينب المشاط

دور الأدب في تخليد تأريخ البلاد تَجَسّد في
 "الأدب الإسباني في عصره الذهبي " 

                                                                                         زينب المشاط 
حين يكون الأدب والثقافة هويّة هذا البلد أو ذاك، سوف نعلم مُسبقاً بأنها سوف تُخلد في ذاكرة العالم لقرون طوال، فما زالت إسبانيا تُدين لثقافتها الأدبية في تعريف وترسيخ هويتها وخصوصاً في القرنين السادس والسابع عشر لحقبةٍ أُطلق  عليها اسم "العصر الذهبي" والتي تقع ما بين النصف الثاني من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر، حيث أظهرت تلك المرحلة أُدباء كِبار لم يسبق أن ظهر أحد  بمستواهم . كتاب "الأدب الإسباني في عصره الذهبي" الذي  ترجمه وأعدّه وقدمه الدكتور محسن الرملي والذي صدر عن دار المدى للثقافة والفنون لعام 2015  يستعرض تأريخ الأدب الاسباني وكيف انتقل من عصور النزاعات واستغلال النُبلاء للمماليك إلى عصور النهضة والثقافة والعلوم التي ازدهرت آنذاك إلى جانب ازدهار فنون الرسم والموسيقى حيث بزغت حركات فكرية وإنسانية.
إلا إن الأدب "شعراً ونثراً" كان في قمة كل ذلك فترك بعده أعمالاً رائدة وخلد قواعد تأسيسية كبيرة ، ونتيجةً لاتسام القرن الخامس عشر بصراعات داخلية وضعف ملوك الإقليم لذلك بات الملوك يخضعون لطبقة النبلاء من أجل إبقائهم في السلطة، وقد احتدت النزاعات الداخلية حتى تولي محمد الثامن للعرش وهو شاعر وراعٍ للأدب وتلاه توليد أزمة ثقافية وأدبية عميقة لن يتم تجاوزها لاحقاً رغم وجود بعض الشعراء والمثقفين أمثال قيس دي باثا  واليعقوبي إلا إن ذلك كان شيئاً يسيراً ، وفي هذه الأثناء واصل اليهود نشاطاتهم الثقافية على الرغم من تزايد الضغوط والمُلاحقات ومن أمثالهم " يعقوب دي أوكليس و موشي راخيل وآبراهام ثاكوت، إلا إن العلاقة الجيدة بين آراغون وقشتالة بعد اتفاقية كاسبي قد سهلت وصول النبلاء القشتاليين إلى البلاط الملكي الاراغوني في برشلونة ومن بعدها بلاط ألفونسو الخامس في نابولي وهنا تلاقى التأثير الثقافي القادم من شرق شبه الجزيرة الايبيرية بما هو جديد في إيطاليا.
 ومنذ وصول الملوك الكاثوليك وسقوط غرناطة واكتشاف القارة الأمريكية بدأت التراجعات لبعض أصناف الشعر والأدب وبرزت تحولات التوجه لكتب الفروسية والعاطفية والكتب الخيالية.
وفيما يخص أدب الشعر فقد كان من أبرز شعراء ذلك العصر بيرو لوبي ثدي آيلا والذي ينحدر من عائلة نبيلة وقد تعرف على ابرز الكتاب لفرنسيين في عصره من خلال بلاط الملكين كارلوس الخامس والسادس وقد اختط الشعر الغنائي طريقه في نفس آيلا . وقد عدّ الشعر من ابرز الفنون التي ارتقت وتألقت في العصر الذهبي وتميز هذا العصر بسيادة الشعر لغنائي إلا أنه لم يتوقف عن التنويع ومحاولات التجديد من داخله على صعيدي الشكل والمضمون أما عن أدب النثر فكان مُقتصراً على الأعمال التعليمية إلا إنه في بداية القرن الرابع عشر ظهر أول عمل نثري "كتاب الفارس ثيفار" وكان مكتوباً نثراً وعُدّ بحثاً عن مصداقية الاستعارة التاريخية وكان يعتبر من الأعمال النثرية الخيالية . أما فيما بخص فن القصة فيُعد كتاب "الكونت لوكانور" لدون خوان مانويل من الأعمال الرائدة والتأسيسية لفن القصة القصيرة في اسبانيا ذلك لأنه وجد بنية تقنية سردية جيدة عبر الحوار ما بين شخصيتين رئيسيتين وكانت نهايات كل قصة تدل على أن المؤلف لديه مفهوم واضح لوحدة النص واهتمام أسلوبي يفوق بكثير ما كان سائدا نثريا في عصره وما يجدر  الإشارة  إليه إن ازدهار القصة  يعود سببه إلى ترجمة النصوص إلى العربية.
أما فيما يخص المسرح فقد سُميَّ أولاً بالمسرح البدائي الذي شهد الانتقال من العصور القديمة إلى الوسيط وتبعه اختفاء المسرح الكلاسيكي الذي لم يكُن يعني بالضرورة أن تموت كل الأشكال الشعبية للفن وبهذا ظهرت الفنون الشعبية في المسرح وتلتها النصوص الدينية والعاطفية وغيرها وحتى ظهور عصر النهضة أو ما عُرف بالعصر الذهبي الذي كان نتيجةً لجعل إنسان هذا العصر من ذاته مركزاً لتفكيره وعالمه مع تغير علاقاته بالرب والطبيعة وبالآخر وهنا توجه الاهتمام إلى التربية والفكر والأدب والعناية بالشعر وتنسيق الفكرة الأدبية في خدمة الإعلام.
وهنا ازدادت الجوانب المهتمة بالقراءة والكتب فقد كانوا مولعين بهذا العصر بالقراءة حتى بلغ الجنس الأدبي ذروته في أواسط القرن السادس عشر واستمر حتى نهايته وقد نشر ما يقارب 267 كتاب بين الأعوام 1501 و1650م.
 لقد حاول هذا الكتاب استعراض الواقع السياسي والصراعات والنزاعات داخل الدولة الإسبانية وتبيان ما للأدب والثقافة من دور مهم في القضاء على حقبة المآسي الإسبانية والنهوض بالواقع الإسباني ، ويُعد هذا الكتاب شاملاً ومرجعياً في مادته ويحتوي أربعة أبواب يمكن اعتبارها مستقلة عن بعضها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي التابع لصحيفة (المدى)، العدد 3555 بتاريخ 24/1/2016م.