الخميس، 21 يوليو 2022

دكتوراه لباحثة صينية في رواية بنت دجلة لمحسن الرملي

 

بناء الشخصية في رواية بنت دجلة لمحسن الرملي

 

نوقشت بتاريخ 19/7/2022 رسالة دكتوراه بعنوان (بناء الشخصية في رواية بنت دجلة لمحسن الرملي) للباحثة الصينية ما تشوتشوChuchu Ma ، التي تسمي نفسها بالعربية (ثريا)، في جامعة الإسكندرية، كلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها، بإشراف الأستاذ الدكتور مراد عباس، الذي قال عنها: رسالة علمية جمعت أقطاب الفكر والثقافة والأدب والنقد والبلاغة. ناقشها سعادة الأستاذة الدكتورة آمال ضرار وسعادة الأستاذة الدكتورة آمال فوزي.. وباحثة متميزة لها موضع من اسمها (ثريا)، قامت بعمل دؤوب لإنجازها، وموضوعها: بناء الشخصية في رواية بنت دجلة لمحسن الرملي.

وأضاف الدكتور مراد حسن عباس، قائلاً: العلم رحم بين أهله وصلة بين الغرباء، وكما قالت سعادة الأستاذة الدكتورة آمال فوزي، أثناء المناقشة: إن هذه الرسالة جمعت بين أديب مبدع ومتألق من العراق العريق، وقامت بها باحثة صينية تحت إشراف أستاذ من مصر.. هكذا يجمع الأدب الفرقاء.. أديبنا الكبير المبدع محسن الرملي قامة ثقافية سامقة له كل التحية والتقدير. 

فيما كتبت الباحثة تشيوتشيو: أتقدم بخالص الشكر التقدير والامتنان إلى أديبنا الجليل سعادة الأستاذ الدكتور محسن الرملي الذي أرشدني إلى عالم الأدب العراقي بأعمالكم الرائعة، يشرفني أن قمت بدراسة رواية "بنت دجلة" تحت إشراف أستاذي الجليل سعادة الأستاذ الدكتور مراد عباس...  تتجاوز أعمالكم القيمة الفنية والأدبية، مما يسمح للأشخاص من عوالم مختلفة بالمشاركة في نفس المشاعر والمصير.

*تسجيلها في موقع: اتحاد مكتبات الجامعات المصرية

ملخص:
بيد أننا ولم نقف على دراسة مستقلة لدراسة أنماط الشخصية في أعمال محسن الرملي، ولكن لم يحظ رواية ”بنت دجلة” بدراسة شاملة، سواء الشخصيّة أو غيرها، ومن هذا جاءت هذه الدراسة لهذا الجانب محاولة كشف أبعاده وأشكاله وماهيته من خلال استقراء الرواية، للخروج برؤية واضحة المعالم عن حقيقة الشخصية فيها.
فتهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على المعنى الحقيقي للشخصية، وعرض مناهج دراسة الشخصية كالمنهج النفسي والاجتماعي والثقافي. في المنهج النفسي أشرنا إلى تعريفات علم النفس للشخصية ودور فرويد في تقديم فهم نفسي للشخصية، وكيف أفاد القاص من وجهات النظر النفسية في دراسة الشخصية ثم دور المنهج النفسي في تحليل الشخصيات. وفي المنهج الاجتماعي تناولنا مفهوم الشخصية من وجهة نظر اجتماعية، ثم ماهية المنهج الاجتماعي في معالجة الشخصية الروائية، ودور الكاتب الروائي في الإفادة من هذا المنهج.
وككل بحث فقد واجهتنا جملة من الصعوبات في انجازه وهي: صعوبة الإلمام بجزئيات الموضوع لقلة الخبرة، وكذلك صعوبة الدراسة التطبيقية في الرواية، إلا أننا استطعنا أن نتجاوز كل هذه العثرات لإخراج البحث على ما هو عليه

http://srv3.eulc.edu.eg/eulc_v5/libraries/start.aspx?fn=ExploreSubjectArea&ScopeID=1.&flag=1&ID_Scope=%D8%AB%D8%B1%D9%8A%D8%A7%20MA%20CHUCHU

الاثنين، 18 يوليو 2022

حوار مع محسن الرملي / مجلة: العربي

 

وجهاً لوجه:

الكاتب العراقي محسن الرملي:

الأدب يحُصّن المجتمعات ضد الأدلجة والتدجين

حاوره: محمود الديب

يؤمن بأن للأدب دورًا فاعلًا في صياغة هوية الشعوب عبر تشخيص خصائصها الثقافية، كما يقوم الأدب بدور طليعي في قيادة المجتمع نحو التطور والانفتاح، وإن كان بوتيرة هادئة لكنها أكثر رسوخًا. وليس أدل على ذلك من إطلاق مصطلح العصر الذهبي على تلك الحقب المزدهرة بالآداب. هذه إحدى قناعات الأديب العراقي د. محسن الرملي، المقيم في إسبانيا، والذي يشغل حاليًا أستاذًا بجامعة سانت لويس الأمريكية في مدريد. أصدر أكثر من عشرين كتابًا، تنوعت بين الرواية والقصة والشعر والمسرحية بالإضافة إلى الترجمة، وترجمت أعماله إلى لغات مختلفة. وشارك في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات ومعارض الكتاب الدولية، وفي لجان تحكيم وإدارة ورش للكتابة الإبداعية في إسبانيا والمكسيك والكويت والإمارات وغيرها.

●يقول الروائي ماريو فارغاس يوسا: «إن الأدب يخلق مواطنين يصعب جدًا تضليلهم كما يتم تضليل الآخرين». فهل نجح الوطن العربي الذي تتناهشه المعلومات المتضاربة في تطبيق هذه الحكمة؟
- عرفت وجربت ذلك بنفسي ورأيته عند كل المهتمين بقراءة الأدب. أنا وُلدت ونشأت تحت ظل سلطات ديكتاتورية مهيمنة، سياسية ودينية واجتماعية عمومًا، وفي يدها كل أدوات الدعاية والقوة لفرض رؤيتها، ومع ذلك لم تستطع إقناعي وتدجين دواخلي وخداعي بخطاباتها، لأن شغفي وكثرة قراءتي للأدب حصّناني منها، ومنحني الأدب معرفة أكثر باللغة، كأداة تعبير وتفكير، وظل يغذي نفسي بالأحلام وبالتأمل في الذات والعالم والمفاهيم، وعزز لدي قناعة الحق بالحريات، كحرية التفكير وحرية الرأي وحرية الاعتقاد وحرية الحركة وغيرها، مما قادني لاحقًا للهرب من تلك المناخات السلطوية التي كانت تريد فرض رؤيتها عليّ.

●كيف يمكن تمييز الأدب الجيد عن الأدب غير الجيد؟ وهل قياس الأثر هو المعيار الجوهري للتفرقة بينهما؟

- الأدب الجيد الحقيقي هو الذي ينحاز للإنسان ويعبر عن همومه وحرياته وحقوقه وأحلامه، ويُعينك على فهم ذاتك ومحيطك وتفهّم وتقبل الآخر المختلف ويحثك على محبته، وليس ذلك المكتوب بهدف التدجين والخداع، والذي يُستخدَم كأداة ترويج ومطية للأيديولوجيات والعنصريات العرقية والعقائدية، وبث الكراهية تجاه الآخر المختلف. 

العناوين الإبداعية 

●هل تفتقر عناوين مؤلفاتنا العربية إلى القدرة على إثارة الدهشة؟

- العنوان مهمة صعبة لا يدركها إلا المبدع الحقيقي، سواء أكان غربيًا أم شرقيًا، وبخاصة بعد أن راكمت البشرية إرثها بملايين العناوين، كما تراكمت الدراسات الكثيرة حول هذه الموضوعة المهمة، ولا تخلو أية ثقافة من عناوين وأعمال مدهشة، لكن الفرق أن هناك من يشتغل عليها بجدية أكثر من غيره، وكم من عنوان فرض نفسه على ذاكرة الناس، بمن فيهم الذين لم يقرؤوا تلك الأعمال، ومع ذلك تسللت إلى لغتهم وتعابيرهم اليومية، ومنها على سبيل المثال عربيًا: (ألف ليلة وليلة، (الخبز الحافي)، (مدن الملح، (لزوم ما لا يلزم)، (طوق الحمامة)، (صراخ الصمت الأخرس)، (تهافت التهافت) وغيرها، ومن ثقافات أخرى مثل: (صباح الخير يا منتصف الليل)، (سيد الذباب)، (البحث عن الزمن المفقود)، (الصخب والعنف)، (الجريمة والعقاب) وعناوين روايات غابرييل غارسيا ماركيز (مئة عام من العزلة)، (الحب في زمن الكوليرا)، (قصة موت معلن)، (ليس للكولونيل من يكاتبه) وغيرها، يقابلها الكثير من العناوين التي طواها النسيان. في الغرب عمومًا، وبحكم وجود عوامل صناعة متكاملة للكتاب، يناقش المحرر الأدبي والناشر مع المؤلف كثيرًا، مسألة العنوان وصولًا إلى الأنسب، أما لدينا، فبحكم غياب هذا المناخ، يعتمد الكاتب على ذائقته الخاصة، وربما يستشير صديقًا، أو يستسهل الأمر، أو حتى يعاند أحيانًا لفرض ما في رأسه دون الاكتراث لملاحظات الآخرين.
 ●وهل صناعة الدهشة علم يحتاج إلى تدريب؟

- هي كذلك إلى حد كبير، مزيج من العلم والإبداع والصناعة والتجارة، ومن أبرز سمات الغرب أنه قادر على تحويل كل شيء إلى صناعة، بما في ذلك أبسط العادات والتقاليد والحكايات الخرافية، وقادر على تحويل الخيال إلى مشهد واقعي، وعلى تحويل عمل أدبي إلى متحف وإلى معلم سياحي، بينما نحن نفسد حتى ما هو مدهش أصلًا في ثقافتنا ونهمل صناعاتنا الفنية المحلية الموروثة.
●وهل لدى العرب إقبال على تعلم مهارة صناعة الدهشة؟

- أعتقد أن هناك فرقًا جوهريًا عامًا بين الذهنيتين، هم يفكرون في الحياة وما يمدها ونحن نفكر في الموت وما بعده. بالتأكيد، نحن على استعداد لتعلم كل شيء، لكن الأمر يحتاج إلى التعلم منذ الصغر، من البيت والشارع ومن أُولى مراحل التعليم في المدارس، لكننا لا نفعل ذلك للأسف ولا نهتم به. أنا بنفسي شهدت في طفولتي استهانة أهلي وأناس من قريتي بآثار عمرها آلاف السنين، يجدونها أثناء حفر بئر أو ساقية، فيستخدمونها كأية أدوات في المطبخ والزينة ومسندًا لجرة أو نافذة أو باب، حتى وإن كان لوحًا فخاريًا عليه نقوش وكتابات، أو يبيعونها بأثمان بخسة إلى أي عابر، وقد كتب أخي حسن مطلك روايته (قوة الضحك في أورا) انطلاقًا من ذلك.

الانفتاح على التكنولوجيا 

●هل نجح الأدباء العرب الذين يقطنون دول أوربا، في أن يكونوا حلقة وصل وجسرًا لعبور أحدث ما تبدعه القرائح الغربية؟

- ليس الأدباء وحدهم مَن يشملهم أو يقع على عاتقهم هذا الأمر، وإنما الذي يُحدِث التغيير الحقيقي هو عموم الناس، وهذا ما سيحدث حتمًا بفعل انفتاح الناس على استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل، بحيث صار أي شخص في أية بقعة يستطيع أن يرى ويتابع ما يجري في كل بقاع العالم، لم يعد هناك فرق من حيث القدرة على المتابعة والتأثر، بين المقيم في أوربا أو المقيم في أية قرية عربية صغيرة، يبقى بعد ذلك مدى توفر أو تهيئة الظروف المناسبة في كل بلد لإحداث هذا التغيير.

الأدب الصادق 

●السوداوية في السرد... هل تمقتها أم تحبذها في بعض المواضع السردية؟

- أحبّذها طبعًا، لأنها تلامس الهمّ الوجودي العميق للإنسان، لذا نجد أن كل الأعمال المهمة والخالدة تنطوي على حسّ تراجيدي ومأساوي. فالأدب الصادق والحقيقي لا يتهرّب من تناول الجوانب المعتمة، بل يسعى إلى وصفها ومحاولة الغوص فيها.

●لقد حوّلت تعاملك مع المطبخ إلى سرد لا ينتهي، فالصور التي تلتقطها والتعليقات العميقة حوّلت تلك الصور العادية إلى قصص وحكايات يتداولها المغردون؟

- ربما هذا من تأثيرات طول الحجْر في البيت بسبب فيروس كورونا، والذي جعلنا نعيد التعرف على الأشياء والتفاصيل الصغيرة في حياتنا الشخصية التي لم نكن ننتبه إليها من قبل، فطول التأمل لأي شيء، شكله ولونه ووظيفته واستذكار رحلة وصوله إلى المطبخ، سيجعلنا نكتشف أن له قصة فعلًا- حتى وإن كان مجرد ملعقة- بل قد نكتشف جماليات معينة في زوايا وأشياء ما كنا لنفكر في أن لها علاقة بأي جمال، وهكذا فإن ما أفعله هو محاولة، وبأسلوب يشبه الدعابة، قصد تنبيه الأصدقاء والمتابعين إلى هذه الأمور، وبخاصة أن غالبيتهم يشكون من الملل بسبب طول زمن الحجْر.
●ما الذي سيضيفه أدب السجون إلى الأدب، بما أنك تنادي بالالتفات إليه لقلته؟

- الكثير، ومن ذلك الشهادة على عذابات الآلاف في عالمنا العربي، أي كما تشيّد الأمم نصبًا تذكارية لأحداث مؤلمة كي لا تنساها، ومن ذلك أيضًا التذكير والتركيز على أن الحرية قيمة عليا، إن لم تكن أعلى القيم في الحياة على الإطلاق■

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في مجلة (العربي) العدد 761 أبريل 2022 الكويت

https://alarabi.nccal.gov.kw/Home/Article/23268

الخميس، 14 يوليو 2022

عن الفتيت المبعثر / د. ضرغام عدنان

 الفتيت المبعثر.. عراق سردي من الرحم إلى الجحيم

د. ضرغام عدنان

رواية الفتيت المبعثر أضاءت جوانب كثيرة من حياة العراقيين على المستوى الفردي والجماعي وتداخلهما بالسياسي/ الدكتاتوري، والثقافي/ العرفي.

تمكن الرملي عبر لغة يتضافر فيها الإيحاء الرمزي مع صريح التعبير، من تجسيد مجموعة حيوات متعددة الاتجاهات، بمصير مأساوي تتعدد أشكاله هو الآخر، ولكن نتيجته واحدة هي التَفتت والبَعثرة

قراءتها وخز للذاكرة وثقب للضمير وعطب للروح، ولكن لا غنى عنها.

ربما رغبت بتناسي أحداثها ومشاهد يومياتها، لأنها تضغط على المناطق الرخوة في الوجدان الإنساني، ولكن مشهدين لن تغادرها الذاكرة إطلاقاً، هما:

*السير بقاسم نحو ساحة القرية لإعدامه أمام الناس.

لا أدري كيف برع الرملي في تجسيد مشاعر القلق والخوف والحزن والاستسلام والترقب، ليس على الوجوه فقط، بل في دقة تصوير مشهد تطاير الغبار وصوت خطى الأقدام على الحصى.. يخيّل إليك أنك تشاهد موكباً أسطورياً لأحد آلهة الإغريق، ولكنه ليس سوى إعدام عبثي.

*الثاني؛ حالة الانخذال وضياع الروح في واد سحيق، تلك التي تمكنت من الحاج عجيل، فبعد عمر طويل من تبني خطاب الدولة والدفاع عنها، شهد الأب كيف تفتت عائلته بسبب وحشية النظام البعثي.

لا أدري كيف تمكن الرملي من تجسيد مشاعر أم وأب يسمعان صوت رصاص إعدام ابنهما!!!

الفتيت المبعثر عراق سردي من الرحم إلى الجحيم... وإذا كان محسن الرملي صاغ روايتيّ (بنت دجلة) و(حدائق الرئيس) على وفق نموذج الثنائيات السردية، فإن الفتيت المبعثر ستكون نقلة نوعية في عملية التلقي السردي، حين نضيف إليها قراءة رواية (تمر الأصابع) فالفتيت؛ جسدت سرديا الإنسان أو العراق في حقبة تاريخية سادها العماء والظلام... أما التمر؛ فجسدت حياة العراقيين وهم ينتقلون من حكم الضباع المسعورة إلى حكم القوارض العفنة.

والغريب إننا نتعقب أخبار محسن الرملي، ونترصد جديده، فشغف القراءة عندنا يوازي شغف الكتابة عنده، إلى أن نملّ سوية من صنعة تضميد الجراح ونتركها تنزف.. فلن يحدث أسوأ مما حدث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د.ضرغام عدنان: ناقد وأكاديمي عراقي. 

https://www.facebook.com/profile.php?id=100037478993919

السبت، 9 يوليو 2022

عن السير ذاتيَّة في قصص محسن الرملي/ مهند الخيكاني

 القصة السير ذاتيَّة لمحسن الرملي

مهند الخيكاني

إن السمة الغالبة على سرديات الرملي فضلا عن جملة اعتبارات أخرى، أنها حكايات شخصية ينبوعها الذاكرة وتأخذ شكل السيرة من الناحية المضمونيَّة، وبالأخصّ حينما يجد القارئ سلسلة من القصص عن طفولة الكاتب ومراهقته وشبابه، وكثيرا ما يعلو فيها صوت الكاتب من خلال الشخصيَّة الساردة، وغالباً ما تكون الأنا هي الساردة، لكنه - الكاتب - حتى مع كونه ساردا عليما في أحيان أُخر.

فإنّه يتحدث عن نفسه وما أحاط بها في تلك السرديات، وقد انعكست تلك الشحنات العاطفيّة المترسّبة في الذاكرة من خلال لغته السرديَّة الجميلة، ومنحتها تلك المرونة الفائقة، مشوبةً بالدعابة والمواقف الفكاهيَّة، فهي لغة ذات حيوية عالية اكتسبتها من قدرتها على الانفلات والانطلاق في توظيف اللا متوقع من أبيات شعريَّة أو مواويل أو أقاويل وغيرها من المقبوسات، إذ لا حدود لقابليتها على التوظيف والإحالة، فليس هنالك قالب جُملي معين يهيمن على جملته السرديَّة ويحدّ من زئبقيتها، ولذا فإنَّها تميل الى التدفق مدفوعةً بتلذّذ الكاتب في سرديَّاته قبل التفكير بتلذّذ القارئ.

سرديَّات الرملي تنحو باتجاه التوثيق وخصوصًا في تلك القصص التي يتحدث فيها عن القرية وعمريّ الطفولة والمراهقة كما في مجموعته «برتقالات بغداد وحبّ صيني»، ويمكن ملاحقة مثل هكذا تفصيل في اسبانيا التي تخلّلت قصصًا كثيرة بمدنها وتاريخها إذ هو مقيم في اسبانيا، وقد طعّم قصصه بمناخاتها وشخصياتها ورموزها وطبيعتها، وهو ما يترك شيئًا من الجاذبية والدماء الجديدة التي تضيء من داخل الثيمات، وتتخلل تلك القصص أو الحكايات الشخصية الكثير من النصوص المختلفة إلّا أن الذي يطغى فيها هو صوت الكاتب إذ يتجلى واضحًا في الكلمات.

إنّها قصص سير - ذاتية في أغلبها. وهناك تلك القصص التي تضمّ مجموعة حكايات في سياق حكائي أعم، ولا ندري ماذا يمكن أن نطلق عليها، لكنّها بلا شك مجموعة قصص في قصة واحدة مثل قصة «التلفزيون الأعور»، وقصة «برتقالات وشفرات حلاقة في بغداد» من مجموعته الأولى، إذ ينتهي سرد كل واحدة من تلك الحكايات الغائصة عميقًا في لا وعي الشخصية بينما يجري من الأعلى الخط السردي لحكاية ترتبط بالشخصية أو الموضوعة برابط معين، وما إن تتوقف الحكاية الجامعة لتلك التفرّعات القصصيَّة، تعالَج جميع تلك الحكايات في الوقت نفسه. وهي ممتعة لكونها مكثفة وغنيّة ومتنوعة وغريبة، كأن تتحدث عن شفرات الحلاقة والمواقف التي تكون فيها مع الناس، حيث شفرة الحلاقة هنا تأخذ دور البطولة أما الشخصيات والمواقف التي توضع فهي أدوار لازمة وليست سببيّة، فهدف الشخصية/ الرجل في قصة الشفرات وهو يركب السيارة لإنهاء معاملة معينة، في جو حار وتعرّق كريه في ظهيرة صيف بغدادي، هو كيف سيجمع شفرات الحلاقة ومواقفها مع الناس في قصة، فيبدأ استدعاءها من الذكريات، مرةً من مرحلة الطفولة ومرة من أيام الجيش.. الخ. فيكتشف القارئ أنه صنع قصة عن الشفرات من خلال تفكيره بصناعة قصة عنها داخل عقل الشخصية التي يعلو فيها صوتُ الضمير المتكلم. الاعتماد على الذاكرة والذكريات له إيجابياته وله سلبياته أيضا، من جانبٍ منحها طابعًا حميميًا لكونها تلتصق بوقائع شخصية حميمة من جهة الكاتب ومن جهة القارئ المحلي الذي ألِف هذه الحكايات وهي جزء من ذاكرة مشتركة، فمرةً تشدّه ومرةً تبعده لكونها مألوفة بالنسبة له. لكنّها بلا شك تلك المحليَّة التي تخضَّبت بها حكايات الرملي، طاقة انفجاريَّة لعوالم غريبة بالنسبة للقارئ المولود بعد أجيال وللقارئ غير المحلّي الذي لا يرتبط مع الكاتب برباط البيئة والتنشئة والذاكرة، إذ ليس هنالك جامع سياسي أو اجتماعي بينهما. يشبه الأمر الى حدّ ما قراءة قصص عن الريف الهولندي أو الأميركي أو أي موضع جغرافي بعيد ومعرفة أسماء جديدة للأشجار والزروع والحيوانات وإلى غير ذلك من التفاصيل. وهو طريق اتبعه فنانون مختلفون في فنهم من خلال سلوك المحليَّة للوصول الى العالميَّة.

وعلى العموم تميل قصص الرملي الى كونها حكّاءةً أو راوية أكثر من كونها ميّالة الى معالجات القضايا الكبرى والصغرى، والظواهر الثقافيّة والاجتماعيّة وغيرها وهذا لا يعني أنها تخلو من ذلك النوع من القصص لكنّها لا تميل إليه وقد يجذب هذا الأسلوب بعضًا من القرّاء وينفر آخرون ممن اعتادوا أو لديهم قناعات معينة عما ألِفوه في القصة القصيرة. ويصح القول على ما ورد في «تحفة السهران»، أنها حياة الكاتب منثورةً على شكل حكايات لتخبرنا ما حصل ضمن حقب زمنيَّة ترتبط بعمر الكاتب وفي مضمون هذا الحكي يتلقف القارئ أحداثا سياسيّة واجتماعيّة ودينيّة أحيانا تخص تلك الحقبة كما في قصة «التلفزيون الأعور»، وفي قصص أخرى. وعادة ما يجمع هذا اللون السردي بين المتخيل والعجائبي والواقعي ولا يسهل على أيٍّ كان تطويعه وجعله مقبولاً في سياقات القصة القصيرة. كما ونجد هناك حضورًا لافتًا للمرأة بين شخصية الأم والحبيبة وشخصيات أخرى بحسب مواضعات الحدث. فهي سيرة ذاتية للذاكرة بتنوعاتها لا لشخصية بذاتها، من دون إفراط في الوصف أو تفريط به

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مهند الخيكاني: شاعر عراقي، من أعماله: يرمي الحياة من النافذة

*نشر في صحيفة (الصباح) العراقية، العدد 5446 بتاريخ 4/7/2022 بغداد

https://alsabaah.iq/uploads/products/pdf/file568828834145.pdf

https://alsabaah.iq/67030/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A