السبت، 24 يوليو 2010

.. عن (تمر الأصابع) / ورد صادق

انطباع

..عن "تمر الأصابع"
ورد صبيح صادق

تشكل رواية (تمر الأصابع) لمحسن الرملي مفاجأة بالنسبة لي، ولكنها أتاحت لي شخصياً، أن أقرأ شيئاً حول وطني، الوطن الذي حكم القدر عليَ ان أفارقه منذ أن كان عمري ثلاثة أعوام، الوطن الذي لا أستطيع أن أنساه، ولا أستطيع ان أترك تعلقي به، كما أنها سمحت لي أن أعود للسباحة في نهري، نهري الذي طالما أتوق اليه، هو نفس النهر الذي تركناه، وربما سرقوه منا.
لقد جعلتني هذه الرواية أتمتع بالشمس وبالحرارة، لقد تذوقت من خلالها أحلى أنواع التمر، تمر نهري دجلة والفرات، وعدت إلى العيش مع عائلتي، أتقاسم الأسرار مع أخواتي، إنها أعادت لي حب أبناء أعمامي وأبناء أخوالي... بل عدت أخاف، مرة أخرى، من جدي، أعادت لي ذكرى القيم الأخلاقية.
وفجأة أستيقظ فأجد نفسي في أوروبا، وعندها شعرت وكأنني أمثل شخصية (سليم). فأنا مثله تماماً، أغطي جدران غرفتي بصور من العراق، بكيت على أرضي، على وطني، على تاريخي، على متاحفي، على أضرحتي، على كل ما سرقوه.. وما حطموه.
أتوق اليك يا وطني الى حد فاق التصور، وأشتياق لك، وأبكي عليك كلـّما جرحوك. أحلم في كل ليلة أن أراك سعيداً، وهكذا تمر الأعوام بالانتظار، والأماني بأن أراك وطناً حراً من كل ظلم وظالم، مفعماً بالحياة ولا مكان فيه لغير الحب.. أحبك يا عراق.
أنهيت قراءة الرواية التي تمنيت لو أنها لاتنتهي أبداً، لقد استيقظت، فوجدت نفسي في أوروبا، وصرت أشعر بأنني (سليم)، لم أستطع تحقيق ذلك، ولا أريد ان اتخلص من عالمي، من كهفي، من ملجئي، من عيشي بسلام. ويعجبني هكذا، أن يكون لي عراقي الصغير، وإن على شكل وهمي، أن يعيش موطن رأسي حراً وسعيداً، فهذه الفكرة تعيش فقط في قلب العراقيين. وهي فكرة تعيش أيضا وسوف تبقى تعيش في قلب سليم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ورد صادق: عراقية تعيش في إسبانيا.
*نشرت بالإسبانية في موقع (Por la paz y por la libertad) بتاريخ 26/3/2009م

http://quiron.wordpress.com/2009/03/26/dedos-de-datiles/

الجمعة، 16 يوليو 2010

زاوية (جداريات) /.. عن الخيال


.. أين الخيال في آدابنا المعاصرة ؟
د.محسن الرملي

أين الخيال في آدابنا المعاصرة؟ أين الفنطازيا فيما نقرأه ونكتبه اليوم؟ لماذا لم نخلق ولو شخصية واحدة مدهشة منذ زمن طويل؟ لماذا لم ننتج عملاً يوازي بدهشته أية حكاية شعبية من حكاياتنا؟.. ألسنا نحن الشرق الذي ما أن يأتي ذكره في أحاديث الآخرين عنا حتى تنفتح آفاق الذهن عندهم إلى مديات لا حدود لها من السحر والفنطازيا!. البساط الطائر، مصباح علاء الدين ومارد شبيك لبيك، وافتح يا سمسم، رحلات السندباد، الكنوز الخبيئة والجزر الغريبة وما يصعب حصره في ألف ليلة وليلة، الحيوانات الناطقة بالحكمة في كليلة ودمنة، التجوال في العالم الآخر في رسالة الغفران، طائر الفينيق، كلكامش وشخصياتنا الفريدة مزجاً بين الواقعي والخيالي، بين التاريخي والأدبي كمجنون ليلى، كيلوباترا، بلقيس، عروة ابن الورد، جحا، عنترة ابن شداد، أبو زيد الهلالي، الحلاج.. وغيرها.
لماذا ما نقرأه اليوم في آدابنا يتلبس بالواقعية ويفتقر إلى الخيال المدهش.. بل حتى أنه أقل خيالاً من واقعنا نفسه. ها هي أمريكا اللاتينية، شريكتنا في كونها من العالم الثالث، قد قدمت واقعيتها السحرية على أبهى ما يكون وسحرت بها العالم، وها هو الغرب الذي نتهمه بالواقعية والمادية يخترع شخصيات الخيال العلمي وشخصيات في قصص الأطفال وأفلام الكارتون، ثم يواصل تنقيبه في تاريخه وإرثه عن حجر الفلاسفة والسحري والأسطوري كي يعيد إنتاجه في آدابه وفي السينما باحثاً عن الدهشة وخصوبة الخيال.. كأن الغرب قد أصبح شرقاً والشرق غرباً في هذا الأمر!
إذا كان واقعنا مرتبكاً أصلاً فلماذا نواصل مراكمة الإرتباك عليه عبر إبداعاتنا التي هي أكثر ارتباكاً في واقعيتها؟! ترى هل أخذتنا هموم واقعنا إلى الحد الذي حرمتنا فيه حتى من نعمة الخيال؟ أم أن واقعنا جميل بشكل يفوق الخيال؟! أم أن موت الجدود، والجدات تحديداً، قد قطع عنا نبع الخيال؟ أم أن الشاشات قد أخذت منا أقصى دهشتنا وحاصرتنا بحيث حجبت عنا رؤية ما سواها؟ ترى هل نضب الخيال عندنا وتعطل إلى هذا الحد؟ أشك في ذلك، لأن الإنسان في معظم تكوينه اللامادي هو ثمرة المخيلة. وأتساءل أحياناً: إذا كنا عاجزين عن تصدير العلم والفكر إلى غيرنا الآن، فلماذا لا نصدر لهم الخيال على الأقل؟!.
ليتنا نناقش هذه المسألة ونتفحص أزمة الخيال عندنا.. ولو في مجال الأدب الذي نقرأه ونكتبه الآن، ليتني أقرأ اليوم رواية عربية تضج بالخيال المدهش ولو كانت شخصياتها حميراً تطير!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في زاوية (جداريات) في الملحق الثقافي لصحيفة (الثورة) السورية بتاريخ 13/7/2010 العدد 700

*وفي (فوبيا) بتاريخ 15/7/2010م
http://www.fobyaa.com/?p=4592

الجمعة، 9 يوليو 2010

حوار مع محسن الرملي / أجراه: بوعزة عسام


حوار مع الكاتب العراقي، الدكتور محسن الرملي

الجالية العربية في إسبانيا لديها طاقات فردية ممتازة بمختلف الاختصاصات

لن أستغرب فيما لو أصبح رشيد نيني وزيراً.. أو سجيناً

حاوره في مدريد: بوعزة عسام

الدكتور محسن الرملي Muhsin Al-Ramli : كاتب وأكاديمي ومترجم وشاعر عراقي يقيم في إسبانيا. ولد سنة 1967 في قرية (سُديرة) شمال العراق. حاصل على الدكتوراه، بتقدير ممتاز مع درجة الشرف، من جامعة مدريد (أوتونوما)، كلية الفلسفة والآداب عن رسالته: (تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته) 2003. يكتب بالعربية والإسبانية، وله العديد من الإصدارات التي تنوعت بين الترجمية والمشتركة والإبداعية كالقصة والمسرح والشعر والرواية، آخرها روايته (تمر الأصابع Dedos de dátiles) التي صدرت بالإسبانية أولاً ثم ترشحت طبعتها العربية ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لسنة 2010. بدأ النشر عام 1983. وعمل في الصحافة (كاتباً ومراسلاً ومحرراً ثقافياً) في العراق والأردن وإسبانيا وكولومبيا. وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة الثقافية داخل الوطن العربي وخارجه. قُدمت مسرحيته (البحث عن قلب حي) في مهرجانات في الأردن سنة 1993 و2004، وفي الكويت 2005، وسلطنة عُمان 2006 وفي القاهرة. تُرجمت بعض نصوصه إلى عدة لغات ومنها: الإسبانية، الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، البرتغالية، التركية، البولونية، الإيطالية، الفنلندية، الكاتالانية، والروسية. ألقى العديد من المحاضرات، وشارك في ندوات ومؤتمرات ومعارض الكتاب وأمسيات في العراق والأردن والمغرب وإسبانيا والكويت ولوكسومبورغ وقطر وكولومبيا والجزائر وليبيا. أسس سنة 1997 مع الكاتب عبدالهادي سعدون دار ومجلة (ألــواح). أعدت وبثت قناة الجزيرة عنه حلقة من برنامجها (موعد في المهجر) 2009، وكذلك التلفزيون الأسباني في حلقة من برنامجه (بابل في التلفزيون). واعتبره الملحق الثقافي لصحيفة (الموندو) الإسبانيه بأنه واحد من أهم الأصوات في النثر العراقي المعاصر. أقام في الأردن خلال عاميْ 1993-1994. يقيم في إسبانيا منذ عام 1995. ويعمل حالياً أستاذ في جامعة سانت لويس الأمريكية في مدريد.

*كيف تصف لنا حصيلة تجربة مجلة "ألواح" ؟
ـ
أصفها بأنها كانت إيجابية جداً ومن مختلف الأوجه مما يمكن لمجلة ثقافية أن تنجزه على الرغم من أنها قائمة على الجهد الفردي والمستقل، فقد أدت (ألواح) دورها الذي انوجدت من أجله وفي مرحلة بالغة الحساسية والصعوبة. نشرنا فيها نصوصاً ممنوعة وأخرى لأسماء جديدة وأسماء معروفة جنباً إلى جنب، وفتحنا من خلالها ملفات كان الحديث عنها مغيباً إلى حد ما، ومن ذلك ملفات: الإيروتيكية، علاقة المثقفين ومفهومهم للإله، الأدب العربي الرديء، طرائف ونوادر المبدعين، إلى جانب ملفات أخرى عن الفلسفة والترجمة وأنطولوجيات للشعر الأوربي والأفغاني والفارسي والقصة العراقية والمغربية.. وغيرها. هذا عدا إصدارات ألواح التي فاقت السبعين كتاباً باللغتين العربية والإسبانية.

*بالعلاقة مع أطروحة الدكتوراه التي قمت بإعدادها، ماذا يوجد في الإنسان العربي من الدونكيشوت وماذا ينقصه؟
ـ
كل إنسان فيه شيء من الدون كيخوته بشكل أو بآخر، وهذه إحدى مميزات هذه الشخصية ومن أسرار بقائها حية رغم مرور القرون. وسؤالك مهم فعلاً بحيث يستحق أن تخصص له دراسة مستقلة، ابتداءً باعتماد الإنسان العربي على الكتب القديمة بتكوين مفاهيمه عن الفروسية والبطولة والحب والحياة وحنينه وتفاخره ومحاججته بالقديم وغيرها، ومروراً بإصراره على رؤية الأشياء كما يريد هو وليس كما هي عليه في الواقع، انشطاره الذهني بين التراث والمعاصرة، بين المادي والمثالي ووصولاً إلى ما ينقصه من صفات الكيخوته ألا وهي مسألة تقبُل الآخر المختلف بالرأي والعقيدة والعرق والثقافة والتقاليد.

*ما تقييمكم للحضور الثقافي العربي في إسبانيا في الماضي والحاضر؟
ـ بالنسبة للماضي فلا غبار عليه لأنه كان الأقوى ووصل إلى ذروته في الأندلس، كما هو معروف، على مدى ما يقارب الثمانية قرون، وكان ذلك أعلى تجلي للحضور والفاعلية الثقافية العربية على مدى التاريخ بحيث وصلت تأثيراته إلى مختلف بقاع العالم ومن ملامحها ما بقيت آثاره قائمة حتى اليوم. أما عن الحاضر فربما يكون هو الأضعف قياساً إلى فاعلية الحضور الثقافي العربي في بلدان أخرى كما هو عليه الحال في فرنسا وبريطانيا وهولندا مثلاً. إن حضورنا الثقافي الحالي في إسبانيا هو أقل حتى من إمكانياتنا بكثير وأشد تقصيراً مما يُفتَرَض أو يجب علينا فعله.

*ما تصوركم للترجمة الأدبية بين العربية والإسبانية؟
ـ في الماضي كان الأسبان يترجمون آدابنا أكثر مما نقوم نحن بترجمته من آدابهم، أما الآن فقد انعكست المعادلة، وتحديداً منذ عقد الثمانينيات في القرن السابق، حيث راجت روايات الواقعية السحرية وعلى رأسها أعمال غابرييل غارثيا ماركيز فانفتحت الأبواب على اتساعها للترجمة من اللغة الإسبانية بحيث صارت لدينا أسماء متميزة ومعروفة متخصصة بالترجمة من الإسبانية ومن مختلف بلداننا العربية أبرزها من المغرب وسوريا ومصر والعراق وهناك أسماء جديدة تظهر تباعاً. والكتب التي ترجمناها تُعد بالمئات ولازلنا نترجم منها المزيد كل يوم، أما عن الأسبان قثمة تقصير فادح وواضح في ترجمتهم لآدابنا، ولو تجولت الآن في المكتبات فلن ترى في واجهاتها أي كتاب عربي وستضطر للتنقيب والسؤال كي تعثر بعدها على بضعة عناوين وأغلبها صادر عن دور نشر صغيرة، وقد سبق لي وأن فصلت أسباب ذلك في بحث منشور.

*هل لك أن تحكي لنا قصة اقتسامك البيت وكسرة الخبز مع رشيد نيني، والتي أرخ لها في سيرته الذاتية "يوميات مهاجر سري"؟
ـ
عرفتُ رشيد نيني منذ أواسط التسعينيات وقبل مجيئه إلى إسبانيا حيث كنا نتواصل ونتبادل الرسائل والنصوص والآراء فنشأت بيننا صداقة جميلة، لذا كان من الطبيعي أن نلتقي ونستضيفه عندما جاء إلى هنا بغض النظر عن كونه مهاجراً سرياً أو علنياً، كما نشرنا له في ألواح ديوانه الأول "قصائد فاشلة في الحب"، أما عما أرخه في كتابه "يوميات مهاجر سري" عن أيامنا تلك، فإنني أستغرب عدم ذكره لاسمي الصريح كاملاً وإنما اكتفى بتعليقه أو بنائه للمجهول، وفعل الأمر نفسه مع أصدقاء آخرين مكتفياً بذكر أسمائهم الأولى فقط والتعمية على ألقابهم التي عُرفوا بها، كذلك أعتب عليه في عدم الإشارة الصريحة إلى نصي الذي اقتبسه بأكمله تقريباً وأدخَلَه في كتابه، دون أي توضيح أو حتى إشارة في الهامش. لا أدري لماذا فعل هذا؟!.

*أتظن بأنه قد فعل ذلك كي ينفرد بـ"البطولة" لنفسه وتهميش الآخرين مثلاً؟
ـ
ربما، فرشيد إنسان ذكي ونشيط وبراغماتي، يعرف جيداً مالذي يريد الوصول إليه ويعرف أيضاً كيف يصل (أو الوصولية) إليه.

*وإلى أين ستوصله طموحاته هذه في رأيك؟
ـ لا أدري، ولكنني لن أستغرب فيما لو أصبح وزيراً في إحدى الحكومات القادمة.. أو سجيناً... عموماً ربما نكون قد خسرناه كشاعر وكسبَته الصحافة، والصحافة مؤقته فيما الشعر دائم، فلو أنه كرس للإبداع ما كرسه للصحافة ربما كان سيحقق فيه ما حققه فيها.

*ماهي تطلعاتك للجالية العربية في إسبانيا؟
ـ أتمنى لو أنها تكون موحَّدَة وتعمل بشكل مشترك ومتكاتف بدل هذا التشتت الذي يضعفها ويضبب حضورها وفاعليتها وهويتها، فلدينا طاقات فردية ممتازة وفي مختلف الاختصاصات والميادين، وليتها تعمل أيضاً بشكل أكثر في كل ما هو ثقافي لأن الثقافة هي من أفضل الجسور للتعريف والتفاهم والتعايش الإنساني والعميق مع الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في (أندلس برس) بتاريخ 6/7/2010م مدريد.