الاثنين، 27 أغسطس 2018

أبناء وأحذية، رواية محسن الرملي.. أسئلة المصير الفردي/مصطفى ديب

*أبناء وأحذية لمحسن الرملي.. أسئلة المصير الفردي
*جاءت "أبناء وأحذية" بحسب محسن الرملي انطلاقًا من حسرة يقول إنّها رافقته كلّ عمره، بعد أن وقفت عائلته ضدّ رغبته في دراسة المسرح
*أبناء وأحذية" لمحسن الرملي رواية عواطف متنوّعة وتساؤلات
 
من: مصطفى ديب

"أبناء وأحذية" هو عنوان الرواية الجديدة للكاتب والروائي العراقيّ محسن الرملي ، والتي صدرت حديثًا عن"دار المدى"، لتُضاف إلى أربع روايات في حصيلة الروائي المقيم في إسبانيا منذ ما يزيد عن 20 عامًا.
"ألترا صوت" التقى محسن الرملي، صاحب (حدائق الرئيس)، الذي عرّف لنا روايته قائلًا: "يصعب عليّ اختصار الرواية حتّى على صعيد الحكاية، وإلّا لكتبتها على صفحة الفيسبوك، أو على شكل قصّة قصيرة مثلًا. كما أنّ الحكاية ما هي إلا عنصر واحد من عناصر الرواية وليست الرواية كلها، وعادة ما يكمن الأهم في التفاصيل وفيما خلفها".
ويضيف: "لكنني أستطيع القول بأنّها تدور في العراق وإسبانيا وكولومبيا، يرويها بطلها وهو شاب مولع بالمسرح يمنعهُ والده الشرطي من دراسة المسرح فيخالف إرادة والده بعد أن يلتقي بشابّة تشبهه بحبها للمسرح وأجبرها والدها رجل الدين على دراسة الشريعة. يقوم بكسر ذراعه بإرادته كي يستطيع الانتقال من كلية الرياضة إلى المسرح حبًا به وحبًا بتلك الشابّة".
جاءت رواية "أبناء وأحذية" بحسب صاحبها انطلاقًا من حسرة يقول إنّها رافقته كلّ عمره، بعد أن وقفت عائلته ضدّ رغبته في دراسة المسرح. وبالتالي، يقول ضيفنا إنّه حاول عبر هذه الرواية أن يقوم بما لم يستطع القيام به آنذاك، مستندًا في ذلك إلى تجربته الشخصية التي قادتها الصدفة أو الظروف، كما يقول، إلى دراسة اللغة الاسبانية ومن بعدها معرفته ببلدان أخرى كإسبانيا وكولومبيا.
دائمًا ما تأتي أعمال محسن الرملي الروائية محمّلة بالأسئلة والرسائل؛ أسئلة يسند إلى القارئ مهمّة الإجابة عليها، ورسائل يسعى إلى إيصالها إليه من خلال تلك الأعمال. ولا تختلف "أبناء وأحذية" عن سابقاتها من هذه الناحية، إذ يقول صاحب "الفتيت المبعثر" إنّها ولدت بأكثر من رسالة أو تساؤل. ويضيف: "من بين هذه الأسئلة هو السؤال القديم العريق: هل نحن مسيرون أم مخيرون في حياتنا؟ ما الذي يمكننا اليوم اعتباره خيرًا أو شرًّا؟ أخلاقيًا أو ليس أخلاقيًا؟ هل علينا أن نعيد تعريف مفاهيمنا للأخلاق بين زمن وآخر؟ إلى أي حد يمكن لتفاصيل صغيرة في علاقاتنا العائلية أن تغير حياتنا كلها ومصائرنا؟ هل فكرنا بطبيعة علاقتنا بالطبيعة؟ علاقتنا بالآخر المختلف في ثقافته؟ وأسئلة أخرى كثيرة من هذا النوع أعرضها أمام القارئ عبر الوصف لاحتمال واقعي واحد من احتمالات كثيرة جدًا في حياتنا".
تختلف "أبناء وأحذية" عن سابقاتها بأنّها ابتعدت قدر الإمكان عن الخوض في غمار السياسة والدخول في أجواء الحروب والدكتاتورية التي اتّسمت بها أعمال محسن الرملي السابقة. ويقول هنا إنّها تبتعد، لجهة الجغرافية، عن المكان العراقيّ فقط. وتجعل أيضًا من العلاقات العائلية والآثار النفسية والحياتية ميدانًا لها. إنّها رواية عواطف متنوّعة وتساؤلات بشأن المصير الفردي أكثر من الجماعي.
أمّا بالنسبة لعنوانها، يقول صاحب (تمر الأصابع) إن العنوان مأخوذ من عبارة وردت على لسان البطل يقول فيها "لم تكن حياتي سوى أبناء وأحذية... أبناء وأحذية، وكلاهما للآخرين وليس لي". ويقول مفسّرًا الأمر هنا بأنّ هذه العبارة كان سببها: "أنّ بطل الرواية بعد أنجب طفلته من تلك الشابة التي أحبها وتزوّج بها بعد انهائهما لدراسة المسرح، ماتت الطفلة بعد ساعات، ودفنها هو قبل أن تفيق الأم من التخدير، فغضبت بسبب فعلته وقررت تطليقه، وإثرها تغيّرت حياته، وأوجد لنفسه، لاحقًا، مبررات نفسية يقول فيها أنه يهدي طفلًا لأية امرأة تحلم بالأمومة".
في نهاية حديثه لـ"ألترا صوت"، يقول محسن الرملي: "بودي الحديث عن الرواية كثيرًا بالطبع لأنّني أردتُ من خلالها قول الكثير مما يشغلني، ولكن لندع القارئ يطلع عليها أولًا، وأن يقول العمل بنفسه عما فيه، لكي يكون النقاش بعدها أكثر وضوحًا وجدوى. آمل أن يعجب عملي هذا القراء، وإن كنت على يقين من أنه سيزعج كثيرين، ممن لا يزالون ينامون مستريحين في قوالب التابوهات التقليدية، بل وأن بعضهم قد انزعج حتى من مفردة (أحذية)، أحدهم أكاديمي، قال إن الحذاء شيء نجس، وهو نفسه كان قد أوصاني قبل عام كي أبحث له عن ماركة حذاء إسباني دفع فيه مئتي دولار ليتباهى به أمام الآخرين، وهذه واحدة من تناقضات وغرائب الذهنية عندنا، ففي كل العالم يعتبر الحذاء من بين أفضل الاختراعات الأولى للإنسان، من حيث فائدته أولًا ومن حيث اعتباره من أساسيات الزينة، حاله كحال الثياب الأخرى، ويحتل واجهات أرقى المحلات في مراكز أكبر المدن في العالم، والكل يعتني بحذائه جيدًا قبل أن يخرج لمقابلة الآخرين".
----------------------------------
*نشرت في (ألترا صوت) بتاريخ 26/8/2018
https://www.ultrasawt.com/%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A3%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A-%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%AF%D9%8A/%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D8%AF%D9%8A%D8%A8/%D9%86%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9

محسن الرملي يقص حكاية العراق


في «تمر الأصابع».. محسن الرملي يقص حكاية العراق

«تمر الأصابع».. وجوه متعددة لصراع الهوية


الشارقة: محمدو لحبيب
أحياناً يحاول المغترب صنع صورة وطنه، واستحضارها دوماً معه، لا في حقيبة سفره، بل في تفاصيل حياته في مغتربه، وتكون الصورة أكثر جلاء وعمقاً حين يتولّى تشكيلها روائي، فتغدو تفاصيلها واضحة جداً، كما لو أن ضوءاً ساطعاً يسلط عليها باستمرار.
في روايته «تمر الأصابع» يحشد الروائي العراقي المقيم في إسبانيا محسن الرملي، كل قدرته السردية ليقص حكاية العراق، بل ليعيد تشكيلها وفق رؤيته لكل ما جرى فيها أثناء فترة معينة.
الرواية التي صدرت في طبعتها الأولى عن الدار العربية للعلوم، ومنشورات الاختلاف في الجزائر سنة 2009، حظيت بمراجعات عديدة على الإنترنت، وتباينت آراء القراء حولها، فمنهم من يراها تجربة سردية ناجحة لوصف الصراع بين الماضي في الوطن، وبين الواقع والتكيّف معه في الغربة، ومنهم على العكس من رآها رواية شابتها شوائب تتعلق بإقحام الكاتب أو مبالغته في حشو الرواية بما لا يليق بها، وآخرون اعتبروها رواية نقدية لمفهوم وعقلية الثأر المنتشرة في العادات العربية العشائرية.
أحد هؤلاء القراء يعلّق على الرواية قائلاً: «تمر الأصابع، أولى رحلاتي مع محسن الرملي، حكاية جديدة من حزن العراق، والشتات، والأنظمة الفاسدة، والحروب الدموية، لكن هذه المرة، بطريقة جديدة، العراق في الذاكرة والقلب، ومكان الرواية هو إسبانيا، رحلة في التراجيديا والتقلبات والتحولات والثنائيات»، ويستشهد هذا القارئ ليعزز رأيه في جماليات الرواية بما كتبه أحد النقاد عنها فيقول: «وصفها الشاعر والناقد مانويل رينا في مقال له عنها بأنها: رواية مشحونة بالعاطفة، بديعة باستحضاراتها وحنانها، وتمتاز بقدرة كبيرة على رسم التناقضات ونقاط الاختلاف والتلاقي بين ثقافات الغرب والشرق».
إحدى القارئات تعترف أنها تعجلت في الحكم على الرواية بسبب إفراط الرملي في حشوها ببعض المشاهد النمطية المكررة دون داع: «كِدت أحس بالابتذال أثناء قراءتي للرواية، وكأنني أشاهد مسلسلاً تركياً: زواج ومسامحة، وحمامات بيضاء، لكن السطر الأخير من الرواية جعلني أندم لإطلاقي أحكاماً متسرعة، نهاية جعلت الرواية تستحق تقييماً جيداً».
وتركز القارئة على نقاش الرواية لمسألة الثأر في المجتمعات العربية فتقول: «الأفضل أن تصفح حين يُعتدى عليك وتسامح، هذا الانتقام العشائري والثأر دمّر المجتمع، جميل أن نمارس مبدأ الصفح في حياتنا، نصفح عن غيرنا لنحرر أرواحنا، هو شيء صعب لكنه جميل».
قارئة أخرى تتحدث عن صراع الهويات بين العرب والغرب، والذي تناولته الرواية فتقول: «العربي عربي، لا أتكلم عن الذين عاشوا في الغرب منذ جاءوا إلى الحياة، ولا يعرفون عن أوطانهم الأصلية، إلا كما نقرأ نحن عن شهبندر التجار، وست الحسن في كتاب ألف ليلة، أقصد بالتحديد من عاشوا حياتين، من مدّوا أذرعتهم لطبيب الغرب ليغرز فيها لقاحاً يقلل من تأثير هويتهم، فإذا به يصيبهم بحساسية عالية لها وله»، وتضيف: «حقيقة أخرى تحملها الرواية، هي أننا مهما ادعينا البساطة لسنا كذلك، إننا معشر البشر تركيبة عجيبة من عدة أشخاص داخل جسد واحد.
-----------------------------------
*نشرت في صحيفة (الخليج) بتاريخ 26/8/2018

*ونشرت في موقع (جائزة كتارا للرواية العربية) بتاريخ 26/8/2018

الخميس، 23 أغسطس 2018

حوار مع محسن الرملي / مجلة: الأهرام العربي


الروائي العراقي محسن الرملي: الشعر فن الكلام الأرقى إنسانياً
ما زلت أحمل في داخلي رقيبي الذاتي والأخلاقي الذي يمنعني من قول كل ما أفكر به
المهجر أعطاني الكثير: الأمان والحرية والانفتاح على الثقافات الأخرى
حوار ـ السيد حسين
يؤكد الروائي والمترجم العراقي المقيم في إسبانيا محسن الرملي، أن المهجر أعطاه الكثير، من الأشياء أولها الأمان والحرية والانفتاح على الثقافات الأخرى ومعرفتها ومعايشتها بشكل مباشر، وبالمقابل حرمه من العيش وسط عائلته وأهله وأرضه الأولى وذكرياته، لذا كانت الأعوام الأولى في المهجر صعبة ومريرة، في حواره لـ «الأهرام العربي» لفت إلى أن المشهد الثقافي العراقي حاليا جيد، على الرغم من أن الظروف المحيطة بها غير جيدة، لأن المؤسسات الثقافية الآن تعاني ما تعانيه مجمل هيكلية الدولة من ضعف وخراب وفساد. 
> ما الهاجس الذي يحرك قلم محسن الرملي، لماذا تكتب، وماذا تنتظر؟
 هواجس عديدة، وعلى رأسها المتعلقة بوجودي ككائن عابر في هذا العالم، ومن خلال القراءة والكتابة أحاول أن أفهم شيئاً عما يتعلق بمعنى ذلك، أو على الأقل إيهام ذاتي بوجود معنى معين. أكتب لأنني أشعر بأن لدي ما أريد قوله قبل أن أمضي.. وأسعى لمشاركة الآخرين، أقرأ ما يكتبون وأكتب لمن يقرأون، ومن خلال هذه التجربة المشتركة قد نسهم بشيء ما لصالح الإنسان.. وما أنتظره.. هو أن يصبح الإنسان أكثر  إنسانية، ذلك أنه لا يزال ينطوي على الكثير من التوحش والقسوة.
> ما ملاحظاتك على الحركة الثقافية والمشهد العراقي شعرًا وسردًا الآن؟
أراها جيدة، على الرغم من أن الظروف المحيطة بها غير جيدة، وأغلبها يقوم بجهود فردية من قبل المبدعين سواء أكانوا في داخل العراق أم خارجه، لأن المؤسسات الثقافية الآن تعاني ما تعانيه مجمل هيكلية الدولة من ضعف وخراب وفساد، بينما يتحرك المبدعون العراقيون وينتجون بشكل مدهش في كل مكان وفي مختلف الأجناس الإبداعية، لدينا أعمال روائية وسينمائية وتشكيلية شاركت في محافل عالمية وحازت على جوائز.
> خرجت من العراق منذ سنوات طويلة، ما الأسباب التي أدت إلى تركك الوطن؟
غادرت البلد بعد إعدام أخي حسن مطلك والتضييق عليّ وعلى عائلتي وعلى مجمل البلد، حيث اشتدت ضراوة الديكتاتور وضراوة الحصار معاً. قمع لكل أنواع الحريات ومعاناة في كل شيء. كانوا يستدعونني شهريا للتحقيق الأمني، حتى وأنا مجرد جندي في الجيش طوال الوقت، لذا فحال انتهائي من أداء الخدمة العسكرية، التي دامت ثلاث سنوات في صنف الدروع، غادرت البلد باتجاه الأردن وبعد عامين انتقلت إلى إسبانيا.
> ما الذي أعطاه المهجر لمحسن الرملي وما الذي سرقه منه وما تأثيراته على شخصيته وكتاباته؟
أعطاني المهجر الكثير، وأولها الأمان والحرية والانفتاح على الثقافات الأخرى ومعرفتها ومعايشتها بشكل مباشر، وبالمقابل حرمني من العيش وسط عائلتي وأهلي وأرضي الأولى وذكرياتي، لذا كانت الأعوام الأولى صعبة ومريرة إلى أن نشأت لي عائلة جديدة فخففت عني شيئاً من هذا الحرمان.. لكن يصعب أو يستحيل تعويض ما فقدته، فقد مات العديد من أفراد عائلتي الأولى في غيابي، وتغيرت ملامح كل شيء بسبب الحروب وبعدها الإرهاب.
> ماذا عن روايتك «حدائق الرئيس».. لماذا اخترت هذا العنوان؟
هذه الرواية، فيها عن معاناة أبناء بلدي أكثر مما فيها عني، لذا فهي الوحيدة من بين رواياتي التي لم أسردها بضمير المتكلم.. وعنوانها، بمثابة إشارة مريرة إلى ما كان يزرعه الديكتاتور في أرض العراق، مقابر جماعية، قبور تلو القبور للآلاف من ضحاياه.. حتى في حدائق قصره نفسها.
> رواية «حدائق الرئيس» ترصد سنوات الحرب في العراق وصولاً إلى الغزو الأمريكي... فهل هي تروي الواقع العراقي بعين المثقف؟
حاولت أن أجعلها ترصد من خلال عين أي عراقي عايش تلك العقود، مهما كان مستواه الثقافي أو وظيفته، لذا فإن تلقيها كان أوسع من مختلف الفئات، بما في ذلك من قبل أجيال الشباب الحاليين الذين ولدوا بعد الحرب العراقية ـ  الإيرانية وبعد كارثة غزو الكويت، ويقولون لي بإنهم يدركون الآن أفضل ما كان يحدثهم به آباؤهم ويدركون خلفيات الحال الذي وجدوا أنفسهم فيه، ففي هذه الرواية جوانب تؤرخ للماضي القريب، للأمس الذي أوصلنا إلى اليوم، لهذا يقترح البعض حتى تضمينها في بعض المراحل التعليمية الدراسية.
> لماذا جعلت إعدام شقيقك عام 1990 هو المحرك الرئيسي للشخصيات الرئيسية في روايتك (ذئبة الحب والكُتب)؟
بالفعل، في هذه الرواية، عدت لما هو شخصي أكثر من أي عمل سابق، خصوصا أنها جاءت بعد (حدائق الرئيس) التي ابتعدتُ فيها عن الشخصي الذاتي تماماً. كنت أريد أن أكتب رواية خاصة بالحب وحده وبهواجسه، في دواخل الإنسان بشكل عام والإنسان العراقي بشكل خاص، بعد أن كانت كل أعمالي عن أجواء الحروب، ولأن أقوى حب في حياتي هو حبي لأخي حسن مطلك وحبي للكتب.. جاء العمل على هذا النحو.. ومع ذلك لم أستطع تجنب حضور وأثر تقلبات الظروف العراقية العامة.. يحدث هذا معي دائماً، لأنني أعتمد على الصدق في الكتابة.
> رواياتك تستحضر الخراب العراقي، هل يمكن القول إنها روايات ذاكرة تاريخ العراق؟
نعم، هي كذلك إلى حد كبير، فمن خلال ما أدونه أنا والكثير من أصدقائي المبدعين العراقيين، ثمة محاولة للحفاظ أو على الأقل ترميم ذاكرة بلدنا التي تعصف بها هذه الأحداث الكبيرة السريعة والتخريبية الكارثية في أغلبها، إضافة إلى أن ذلك جزء من مهمة الأدب عموماً كونه يرصد ماهية وضع الإنسان في ظل ظرف استثنائي.
> أكثر المبدعين حينما يعانون من الاغتراب داخل أوطانهم وتسنح لهم الفرصة أن يغادروا الوطن، تكون البيئة الأخرى حاضنة لموهبتهم ومكانا خصبا لغزارة إنتاجهم، هل هذا ينطبق عليك؟
شخصياً لا أعتبر نفسي غزير الإنتاج، ولا تشغلني مسألة الكم كثيراً، فها أنا أتجاوز الخمسين من عمري وليس لدي سوى أربع روايات، كما أن الأمر ليس كما يتصوره البعض، فصحيح أن المكان الجديد يوفر لك الأمان والحرية، ولكنه لا يحتضنك لتتفرغ لمشروعك الكتابي، بل على العكس، عليك أن تضحي بالمزيد من الوقت كي تتعلم لغة بلدك الجديد وتفاصيل ثقافته ونظامه وكيفية كسب عيشك فيه والتكيف معه.. بل تأسيس حياة جديدة بالكامل، وكل هذا على حساب وقتك.. وأهم ما يحتاج إليه المبدع هو الوقت.
> شخصياتك الروائية، هل تتمتع بحالة من الانعتاق من سلطة الكاتب اللغوية والفكرية؟
ليس تماماً، فالشخصيات الروائية هي من صُنع الروائي أولاً وأخيراً، ولكنها بعد أن تتخذ لها ملامح وكينونة خصوصا على يدي صانعها، تبدأ بفرض شروطها التي تجبر صانعها نفسه على الانقياد لها، فها أنا في كتابة الجزء الثاني من (حدائق الرئيس) مثلاً، أجد نفسي مضطراً للتعامل مع شخصياتي باعتبارها موجودة فعلاً كما هي، وجل ما يمكنني فعله، هو أن أضعها في مواقف وظروف أخرى وتدوين ردود فعلها.
> ألم يحدث أن تورطت في تحميل إحدى الشخصيات قناعاتك الخاصة؟
نعم، لقد حدث هذا كثيراً وسيظل يحدث، ففي خلاصة الأمر، مجمل أعمالنا، وبكل ما تنطوي عليه من شخصيات مختلفة، هي أدواتنا للتعبير عما نريد قوله، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر، فأنا موجود في أغلب شخصياتي بمن فيها الشخصيات النسائية، وكما قال فلوبير عن شخصية روايته: مدام بوفاري هي أنا.
> هل استطاع الأديب العراقي من خلال منجزه الإبداعي كشاعر وقاص وروائي أن يرتقي إلى حجم الدمار والفجيعة والمأساة التي يعانيها العراقيون؟
لا، فهذه مهمة مستحيلة، وكل ما أنجزه المبدعون العراقيون، وهو كثير ورائع، ما هو إلا محاولة لوصف جزء صغير من هذا المشهد المهول لما حدث ولا يزال يحدث.
> ما زال الأديب العراقي في المنفى يعاني التهميش من المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام والصحف في تسليط الضوء على تجارب أدباء المهجر، ما رأيك؟
لم تعد هذه المسألة مهمة كثيراً اليوم، بل إن المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام هناك هي التي تعاني من التهميش وسوء الحال والرثاثة والتحزبات والفساد، ولم يعد الأديب العراقي ينتظر منها الكثير، كما أن وسائل الإعلام غير الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، قد أصبحت متاحة له وللجميع لإيصال ما يريدون إيصاله.
> كيف ترى العراق اليوم وحال العراقيين؟
أراه اليوم، كما تعودت على رؤيته منذ ولدت فيه، جرحا نازفا، كلما أوشك على الشفاء هب عليه ما يزيد من نزفه، ولكن سيبقى العراق عريقاً وعظيماً كما كان دائماً بفضل أهله النادرين بصبرهم ووعيهم وحلمهم.. أما عما يقولونه لي وأقوله لهم، فهم يقولون لي بأنهم يحبونني ويفتخرون بي وبكوني منهم، وأنا أقول لهم بأنني أحبكم وأفتخر بكم وبكوني منكم.
> أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟
لا أظن، لأن الأدب عموماً هو واصف وناقد دائم للأحوال، ويشير إلى مواضع الألم والخلل أكثر من غيرها، فحتى لو كانت الحال كلها انتصارات، سيعمد الأدب على فضح ثمن تلك الانتصارات الذي يدفعه الإنسان. إنه يشخص ويطرح أسئلة أكثر مما يعالج ويقدم إجابات، تاركاً تلك المهمة لغيره، بعد أن يعينهم على التشخيص والوعي بالذات والعالم.
> بالرغم من كتابتك للشعر منذ سنوات، إلا أنك مقل في نشر الشعر كيف تفسر ذلك؟
هذا صحيح، علماً بأنني لا أنقطع يوماً عن قراءة الشعر سواء لي أو لغيري، ومساهماتي في المهرجانات والملتقيات الشعرية هي أكثر منها بكثير من مشاركاتي في مؤتمرات السرد.. أما عن عدم نشري لدواويني فمن أسبابه أن الناشرين يطالبونك بالروايات والدراسات والترجمات ولا يطالبونك بالشعر، ولو عرضته عليهم سيتهربون، وهذا أتفهمه بحكم متطلبات سوق الكتاب، عدا ذلك، فلم يعد من الأمور الضرورية أو المستعجلة أن يتم إصدار الشعر في كتب، لأن القصيدة صارت تصل إلى مساحة أوسع من القراء عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والمهرجانات والقراءات في المكتبات والمقاهي وغيرها، أكثر من وصولها إليهم في دواوين.. بينما لا يمكنك أن تنشر روايتك في صفحتك على الفيسبوك أو تقرأها على جمهور في مهرجان أو أمسية في مقهى.
> أنت تكتب باللغة العربية والإسبانية أيضا.. ما علاقتك باللغة؟
نعم، ولكنني أكتب بالعربية أكثر من الإسبانية لأن العربية هي لغتي الأم واللغة الأحب إلى قلبي، والأمر يشتتني أنا أكثر مما يشتت القارئ، فأشعر بالحرج عندما أنشر شيئاً بلغة ويطالبني قراء اللغة الأخرى بترجمته، وهذا حقهم، لكنه سيتطلب مني وقتاً وجهداً للقيام به، مما جعلني أميل أخيرا لترك مسألة ترجمة بعض أعمالي لغيري.. أما عن علاقتي باللغة، فهي بالفعل قد تغيرت مع الوقت حتى صرت أراها وأتعامل معها على أنها مجرد أداة وليست هدفاً.
> أين دور المثقفين في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب؟
إنه في كل الكلمات التي يكتبونها ويقولونها كل يوم، وفي نتاجاتهم المتواصلة في فنون المسرح والسينما والرسم والموسيقى والرقص والشعر والترجمات وغيرها.. هذه هي أسلحتهم التي لم ولن يكفوا عن استخدامها في مواجهته أبداً.
> أين أنت من الشعر حاليا؟
أنا في الشعر دائماً، لم أغادره ولم يغادرني، ولا يمر أي يوم دون أن أقرأ فيه شعراً، وأشارك شهرياً تقريباً في أكثر من نشاط شعري، أما على صعيد كتاباته فلدي الكثير من القصائد بالعربية والإسبانية، وبعضها نشر في أنطولوجيات أو قرأته في مهرجانات وملتقيات، وبعضها لا يزال على شكل مسودات، أنتظر فرصة الوقت، على مهل، كي أراجعها وأنشرها.
> هل هنالك روايات عربية استطاعت الانفلات من التقاليد الأوروبية في الكتابة؟
لا توجد رواية عربية ولا غير عربية ليست متأثرة بالرواية الغربية، وإلا لما سميت رواية، فهذا الجنس الكتابي بصيغته المتعارف عليها عالمياً الآن هو تسمية وتصنيف تبلور في الغرب وتطور وتحول إلى صناعة قائمة بذاتها.
-----------------------------------------
*نشر في مجلة (الأهرام العربي) العدد 1109 بتاريخ 28/7/2018 القاهرة

الأربعاء، 22 أغسطس 2018

رواية جديدة ومختلفة للعراقي محسن الرملي

صدور رواية جديدة ومختلفة للعراقي محسن الرملي
*أبناء وأحذية" تعيد طرح التساؤلات حول مواضيع إنسانية كبرى
*رواية محسن الرملي تحفل بالتنوُّع الثَّريِّ في الشخصيات والأحداث والأماكن والمواقف والأفكار والعواطف.
*إلى الذين بَعثرَت الأقدارُ أحلامَهم؛ فرمَّمُوها بأُخرى
*أسلوب الرملي ينحو للتَّشَبُّه بتولستوي، في تركيزه على التفاعل بين الشخصيات خلال تدفُّق نهر الزمن

بغداد/ عن دار المدى في بغداد وبيروت، صدرت رواية جديدة للكاتب العراقي محسن الرملي، بعنوان (أبناء وأحذية) وفي هذه الرواية يخرج الرملي عن مواضيع الحروب والدكتاتورية التي سبق له وأن تناولها بنجاح في رواياته السابقة، كما يوسع من مساحة المكان الذي تدور فيه الأحداث فينقلها بين العراق وإسبانيا وكولومبيا، مفتتحًا إياها بهذه العبارة اللافتة:"انتقامًا من موت طِفلتي في العراق، أنجبتُ سبعة وعشرين طفلًا في إسبانيا وكولومبيا"، ويهديها "... إلى الذين بَعثرَت الأقدارُ أحلامَهم؛ فرمَّمُوها بأُخرى".
حيث تحفل هذه الرواية بالتنوُّع الثَّريِّ في الشخصيات والأحداث والأماكن والمواقف والأفكار والعواطف، مُشيرةً إلى تشابُه ما هو إنسانيٌّ في العمق، على الرغم من الاختلاف في الثقافات. وتعيد طرح التساؤلات حول مواضيع إنسانية كبرى، والمفاهيم التي طالما أعادت الآدابُ الخالدة طَرْحَها في مختلف العصور: الخير والشر، الحب، الحلم، الحرية، القَدَر، الموت، الأخلاق، والعلاقات العائلية وأثرها في رسم مصائر الأشخاص. كل ذلك بأسلوب الرملي الذي وصفته صحيفة (الغارديان) العالمية بأنه "ينحو -أحيانًا- للتَّشَبُّه بتولستوي، في تركيزه على التفاعل بين الشخصيات خلال تدفُّق نهر الزمن (الذي يمرُّ من بينهم ومن حولهم)، وفي إحساسه بالحياة الفردية وعلاقتها بالمجتمع... محسن الرملي من نجوم الأدب العربي المعاصر".
سبق وأن حَظِيَتْ أعمالُه باهتمام القُرَّاء والنُّقَّاد، شرقًا وغربًا، وتُرْجِمَتْ إلى عدَّة لغات، كرواياته: (الفَتيت المبعثَر) التي فازت ترجمتها الإنكليزية بجائزة أركنساس 2002، و(تَمْرُ الأصابع) و(حدائق الرئيس) اللتين تَرشَّحتا ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2010 و2013، ونالت الترجمة الإنكليزية لـ (حدائق الرئيس) جائزة القلم الدولي 2016. ورواية (ذئبة الحُبِّ والكُتب) التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2015.
------------------
*نشرت في (ميدل إيستأونلاين) بتاريخ 20/8/2018
https://www.middle-east-online.com/%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A3%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B7%D8%B1%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%A4%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%B9-%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89

*ونشرت في (رأي اليوم) بتاريخ 19/8/2018
-----------------------------

محسن الرملي يكتب لابنته


محسن الرملي يكتب لإبنته: "السكوت من ذهب"
علي عبد الأمير
كتب الروائي والكاتب العراقي محسن الرملي، المقيم في أسبانيا رسالة إلى ابنته، يخبرها فيها عن قيمة الاندماج الاجتماعي والقراءة، وكذلك خطر الإسهاب في الكلام، بمقابل عبقرية الصمت.
يبدأ صاحب "الفتيت المبعثر" رسالته التي نشرها في صحيفة "ألباييس" الإسبانية الشهيرة بالقول: "عزيزتي سارة: يقلقني صمتك وفي الوقت نفسه يطمئنني. أعرف أنك في بداية مراهقتك، حيث يشعر المراهق بالخجل دون معرفة السبب بالضبط، إلى جانب نوع من الشعور بأنه هو والعالم وحدهما موجودان في هذا الكون، يتنافسان، وكل منهما يحاول صياغة الآخر على هواه.". 
الرملي لأبنته: كوني فخورة بأصولك العراقية والإسبانية

ويضيف صاحب رواية "حدائق الرئيس" موجّهاً حديثة إلى إبنته "يقلقني صمتك لأنني أريد سماعك، أجدادنا الحكماء قالوا: "تحدّث لكي أراك" وأنا أريد رؤيتك في كل لحظة وأن ترينني أنت أيضاً عبر الاستماع إليّ، أريد أن أقول لك مثلاً، عليكِ أن تكوني فخورة بكونكِ مزيجًا من الدماء والثقافات واللغات والجنسيات: إسبانية، عراقية وألمانية، وقد سرني أن أرى أغلب أصدقائك وزملائك في المدرسة هم مزيج من أصول مختلفة. كما أريد منك أيضًا أن تعلمي أخيكِ الصغير مراد (مومو MuMu) كيف يكون فخورًا بمزيجه الاسباني المصري العراقي"
ويتساءل الكاتب العراقي الحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب " لم أكن أعرف هذا الثراء وحسن الحظ في مسألة المزيج وتعدد الأصول إلى أن جئت إلى إسبانيا منذ أكثر من عشرين عامًا، لأنهم كانوا يعلموننا في السابق أن نكون متعصبين لأمة واحدة، وطن واحد، لغة واحدة، دين واحد وكل شيء هناك واحد موحّد، زيّ موحد، ويتم اختصاره برمز ديكتاتوري واحد خانق". 
عن "لوركا العراقي"
وينقل الكاتب الرملي، حديثه لابنته نحو المسار الإنساني العميق الذي مثّله شقيقه الكاتب الذي أعدمه نظام الدكتاتور؛ "كان عمك حسن مطلك، أحد أشقائي الأكبر مني سناً، والذي كان يحب القراءة والكتابة والرسم، مدركاً تماماً لأهمية الانفتاح، وكان أول من نصحني بالانفتاح على الثقافات الأخرى، ولقراءة "دون كيشوت"، على سبيل المثال، قائلًا لي ما قاله دون كيشوت لسانشو: إن الحرية، يا محسن، هي من أثمن ما منحته السماوات للإنسان. لا تعادلها كنوز الأرض، ولا تلك الدفينة في البحار، فمن أجل الحرية والكرامة يمكن ويجب على الإنسان أن يجازف بحياته".. حتى إنه غامر بحياته، وواجه الديكتاتور الطاغية، وأُعدِم في الساعة السابعة مساء يوم 18 تموز/يوليو 1990، وكان كاتب حداثوي ورسام وشاعر، والمثقفون العراقيون يعتبرونه لوركا العراق".
ويواصل صاحب "تمر الأصابع" رسالته لابنته بالقول "أريد أن أتحدث معك كثيراً عنه، عن والدي الذي علّم نفسه بنفسه القراءة والكتابة، عن أمي التي حلمت برؤيتك قبل أن تموت. عن تجربتي القسرية في الحرب كعسكري في كتيبة دبابات. وعن كم من القراءة والصبر والتسامح والأحلام نفتعني. أريد منك التوقف عن النظر إلى شاشة الهاتف وإلقاء نظرة حولك، وأن تقرأي المزيد من الكتب، فأنا قرأت حتى داخل الملجأ، تحت القصف. لقد أنقذت القراءة حياتي، وأعطتني الثقة في أحلامي وفي نفسي، أعطتني الطعام أيضاً، لأن الثقافة تعطي الطعام، في حين أن الطعام لا يعطي ثقافة".
ويخلص الرملي إلى القول "ومن جهة أخرى يطمئنني صمتك، فكما قال لنا الحكماء القدماء "إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب" ، وعلمتني الحياة أن الكثير من مشكلات الناس ناتجة عن الكلام الكثير، فالصمت هو واحد من أفضل الحيل أو وسائل الخلاص في المواقف الخطيرة.
كثير مما أريد أن أخبرك به، تجدينه في كتبي وفي الكتب الأخرى. في كل واحد منها، هناك شيء أردت أن أخبرك به. لذا، من فضلك، إذا كنت لا تريدين التحدث معي كثيراً، فلا تتوقفي عن القراءة على الأقل. أنت تعرفين كم أحبك ، ولكن ما لا تعرفيه، هو أنك أفضل بكثير من الابنة التي حلمت بها طوال حياتي".
------------------------------------
*النص الأصلي للرسالة بالاسبانية:


*نشرت في موقع الشاعر والإعلامي (علي عبدالأمير) بتاريخ 15/7/2018

فرادة الأدب العراقي / مجد أبو عامر

فرادة الأدب العراقي
مجد أبو عامر
هناك فرادة للأدب العراقي الحديث، تجعل منه جنسًا أدبيًا مستقلًا بذاته، فلكي نقول عن عملٍ أدبيٍ ما -مهما كانت جنسية كاتبه- بأنه مدهش بما فيه الكفاية، يكفينا قول: يا إلهي، إنها رواية عراقية يا رجل!  وهذا الأدب، تتعرفه من سماته الرئيسية: السوداوية المفرطة، السُخرية من القدر، عُمق التراجيديا، بساطة القول، بلاغة حَبكِ المشاهد، السرد المباغت، والدهشة الصافعة.
قرأت ما لا بأس به من الأدب العراقي الحديث، في حقول الرواية والشعر والقصة، وحتّى في موضوعات وحقائق مشابهة -مثل: الحرب الإيرانية-العراقية، السيارات المفخخة، المقابر الجماعية، الجثث المتناثرة، الجماعات الإرهابية، الغزو الأمريكي، دكتاتورية النظام- وكُنت أفاجأ من طرائق التناول المختلفة، التي اختار الخوض في سيورها كل كاتب منهم.
آخر ما قرأته في هذا الأدب، رائعة محسن الرملي "حدائق الرئيس"، وهي رواية كاملة بدهشتها وقصتها، وسردها البهي، والصفعات المتوالية في كل مشهد/فصل، للدرجة التي تجعلك تسبُّ مؤلفها بين صفحةٍ وأخرى: اللعنة!
بدأت الرواية بهذه العبارة الهادئة والصاخبة في آن: “في بلدٍ لا موز فيه، استيقظت القرية على تسعة صناديق موز، في كل واحدٍ منها رأس مقطوع لأحد أبنائها، ومع كل رأس بطاقته الشخصية التي تدل عليه.”
يروي محسن الرملي في روايته هذه تاريخ العراق في العقود الأخيرة، من خلال سيرة أبناء شق الأرض -عبدالله كافكا، طارق المندهش، وإبراهيم قسمة- ومن خلال قصّة كلٍ منهم، يلتقط حيوات البسطاء العاديين، وما أحدثته فيهم الحروب وفوضى الاحتلال. ويرمز بإبراهيم للدم العراقي، ليؤكد أن الضحايا ليسوا مجرد أرقام، إنما لهم قصصهم وأحلامهم، التي تجعل من كل واحدٍ فيهم، عالم قائم بذاته.
هي رواية بسردها الآسر، تحكي عن عالم يناضل من أجل البقاء، عن لوعة الفراق، الحب بعاطفته الخفية/القوية، عن تفكك الأسرة، عن المشاعر الإنسانية بكاملها؛ الوفاء، الخوف، الحنين، الانتماء، الأمل واليأس..
وما زال العراق يثبت يومًا تلو الآخر، عن فرادته وجودة أدبه، ليتصدر أهم القوائم الأدبية في العالم، لتصبح مقولة “كلما مات عراقي، خسر العالم شاعرًا” حقيقةً لا مراء فيها. ولكي تقولوا نفس القول، اقرأوا حسن بلاسم، سنان أنطون، محسن الرملي، أحمد سعداوي، ضياء جبيلي، مثيم راضي، كاظم خنجر.
-------------------------------
*مجد أبو عامر، شاعر وكاتب فلسطيني، من أعماله (مقبرة لم تكتمل)، نشر هذا المقال في صفحته الشخصية على الفيسبوك بتاريخ 2/4/2018
ثم تم سرقة المقال ونشره باسم (مهندسة ايمان أحمد) ! في (وكالة أنباء حريتي) بتاريخ 5/4/2018