السبت، 27 يوليو 2013

محسن الرملي: نحب ونبغض بتطرف / حاوره: سمير قسيمي

الروائي العراقي محسن الرملي لـ"الديار":
شعبانا متشابهان.. نحبّ بتطرف ونبغض بتطرف
حاوره: سمير قسيمي
لا أدري ما الذي جعلني وأنا أسلم على الروائي العراقي محسن الرملي أتذكر قول نزار: "عانفت فيها حينما ودعتها/رجلا يسمى طارق بن زياد".. ربما لأن رائحة الشرق والحضارة عانفتني حين فعلت. وكأن هذا الرجل الضئيل، بوجهه الآشوري ولكنته الراقدة على تراث يمتد إلى قرون، جعلني أفهم حقيقة شوقي إليه، شوق إلى وطن الجواهري والبياتي ومظفر النواب والسياب وحسن مطلك.. شوق إلى وطن الشعر كما وصف محسن عراقه، وإلى حاضرة العباسيين التي تتنازعها اليوم أيادي الموت...
كانت الثالثة زوالا حين أطل عليّ صاحب "تمر الأصابع" ملوحاً لي وقد أشار إلى مكاني الشاعر خالد بن صالح الذي كان برفقته. بدا وهو يفعل ذلك وكأنه يرى صديقا لم يره منذ عقود، رغم أننا لم نلتق إلا عبر أسمائنا ورسائلنا من قبل. وما أن جلسنا لنرتشف فنجاني قهوة حتى راح يحدثني. كان يتكلم، يتبع الجملة بالجملة وكأنه يخشى أن يتلقفه الصمت على حين غرة.
أتمنى أنك مستمتع بزيارة الجزائر والتجوال فيها؟
-         مستمتع جدا، ولكن للأسف لم أتجول في شوارع العاصمة بعد، فالبرنامج وضيق الوقت لم يسمحا بذلك، إلا أنها ليست المرة الأولى التي أزور فيها الجزائر، فقد سبق وأن وطئتها من قبل وكانت لي الفرصة في معرفة بعض ملامحها.. وعلى فكرة فنحن العراقيون نشبهكم كثيرا.
*تشبهوننا؟..
-         بالتأكيد، إننا نملك نفس الهواجس.. حتى أكاد أقول أن لنا نفس الطباع: دمنا حار، نحب بتطرف ونكره بتطرف. تربطنا مشاعر مختلفة عن شعوب أخرى بوطننا: نحبه ولا نأبه بإظهار ذلك، حتى أننا أحيانا لا نظهر حبنا له إلا حين يحتاجنا فعلا.. فأنا رغم أنني هاجرت إلى اسبانيا منذ قرابة العشرين سنة، أقيم بها وأدرس فيها حتى أنني تزوجت من إسبانية إلا أن علاقتي بالعراق مستمرة على أكثر من مستوى. مستمرة في كتاباتي ومشاعري وهواجسي. صحيح أنني لم أزر وطني خلال كل هذه المدة إلا مرتين إلا أنني بذهني هناك يوميا، ولا أرى شيئا يمكنه أن يمنعني عن حبه حتى ما حدث أو يحدث الآن..
على ذكر اسبانيا، لا يبدو لي من خلال القراءة لعملك "تمر الأصابع" و"حدائف الرئيس" تأثرك بها. من يقرأ لك يعتقد أنك مقيم في العراق..
-         اسبانيا ليست إلا وطن المهجر، محل إقامة وملجأ آمن لي ولعائلتي ولأحلامي. لقد شاهدت الموت في العراق، حتى أنني وقفت أمام الموت مرتين ولكن الله نجاني. لا يمكنني أن أصف لك شعور المرء وهو يقف على باب الإعدام، في الجهة الأخرى.. لهذا تراني الآن مستمتعا بحياتي وأحاول أن أعيش كل لحظة بكل تفاصيلها. إلا أن ذلك لم يجعلني أتوقف عن كوني عراقيا. حين أكتب يمتنع عني الكذب على نفسي وعلى الآخرين. لا يمكنني لحظة الكتابة أن أكون إلا صادقا، وصدقي لا يمكن أن يكون إلا عبر إخبار الناس عن العراق: عراق الحب، البغض، الألم، الفرحة، الحلم والكابوس. تمنيت لو أنني أستطيع الخروج من دوامة المشاعر إلى صناعة رواية أخرى، رواية للمتعة والتشويق كتلك المنتشرة في العالم الغربي. هاجسي هذا هو هاجس كل روائي عربي فمن الصعب الخروج من أجسادنا واقتراض أرواح خالية من همومنا وحيواتنا وواقعنا.
تخوض تجربة متميزة من حيث اللغة، فأنت تكتب باللغتين. لنتحدث بشكل أخص عن "تمر الأصابع" فهي صادرة بالعربية والاسبانية، هل تقوم بترجمة أعمالك أم أنت تعيد كتابتها من جديد مثلما يدعي عمارة لخوص مثلا.
-         حتماً أنني لا أترجم لنفسي، كما أنني لا أعيد كتابتها. "تمر الأصابع" كانت تجربة متميزة، كتابتها كانت تحديا على مستوى المشاعر، الأحداث وبالأخص على مستوى اللغة، فقد كتبتها في نفس الوقت باللغتين العربية والاسبانية، أحيانا أكتب فقرة بلغة والفقرة الموالية بلغة أخرى، فلم أكن –في لحظة الكتابة- أعمل على فرض أية لغة من اللغتين، ولكنني حين انتهيت فاضلت بين اللغتين وصدرت الرواية بالعربية والاسبانية. أعتقد أن الكتابة هي عملية صعبة قد تمتنع عن الوصف.
نعرف جيدا صيت "تمر الأصابع" باللغة العربية، لاسيما وأنها دخلت القائمة الطويلة للبوكر، هل كان لنسختها الاسبانية نفس الصيت؟
-   نعم ولكن المسائل تبقى نسبية، وبالمناسبة لا يمكنني إنكار فضل البوكر علي إعلاميا ومن حيث الرواج. صار اسمي بعدها معروفاً عربياً، سمح لي ذلك بحضور العديد من المهرجانات واللقاءات الأدبية، كما جعلني أفرض بعض الصرامة على كتاباتي. لقد بنيت علاقة ثقة بيني وبين قرائي أعتقد أنها أصبحت سببا وجيها في التأني الذي أصبح يميز إصداراتي، بدليل أنني استغرقت زهاء الأربع سنوات لأصدر عملي الثاني "حدائق الرئيس". أعتقد أنها مدة معقولة، كما أنها مدة تسمح للترويج للعمل السابق ومنحه كل أسباب الانتشار والتوزيع والترجمة.
-------------------------------------------------------
*نشر في صحيفة (الديار) الجزائرية، العدد 449 بتاريخ 21/6/2013م
 

الجمعة، 19 يوليو 2013

محسن الرملي: الروائي من يساند الضحية / حاوره: حميد عبدالقادر

الكاتب العراقي محسن الرملي لـ”الخبر"
الروائي الحقيقي من يساند الضحية ويقف إلى جانب الخاسر
حاوره: حميد عبدالقادر
الجزائر: الثلاثاء 25 جوان 2013  

يعدّ الشاعر والروائي والأكاديمي محسن الرملي، من أشهر الأصوات الأدبية في العراق. حصل على الدكتوراه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة مدريد، عن رسالته “تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته” العام 2003، وهو شقيق الكاتب العراقي الراحل حسن مطلك الذي أعدمه نظام صدام حسين سنة 1990. زار الجزائر، مؤخرا، بدعوة من المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب، وتحدث في حوار مع “الخبر” عن تجربته الروائية.
*كيف يستغل الروائي موضوع الصراع في أعماله الإبداعية؟
 ـ يعدّ مسألة مهمة بالنسبة لبلد مثل العراق، فهو بلد من أقدم الحضارات، مرت عليه ثقافات عديدة، لكنه أكثر بلد تعرض للصراعات، فقد عرف أكثر من ثلاثة وعشرين احتلالا منذ وجد على الأرض، ولم يعرف سوى عشر سنوات متواصلة من السلم. والصراع باق في العراق إلى حد أن البعض يعتقد أن أصل كلمة العراق هو “العراك”. عندما كان عمري سبع سنوات، رأيت أول جثة مقتولة بالرصاص، ولما بلغت سن الثالثة عشرة، بدأت الحرب الإيرانية العراقية. فالعراق إذن فيه حروب كثيرة وصراعات عديدة، يعرف دائما القاتل والمقتول. لهذا نجد أن مسالة الصراع مهمة جدا في الأدب العراقي، لأنها تعبّر عن واقع وتاريخ.
*هذا الواقع المتردي، هل يؤثر على مخيال الروائي؟
 ـ في عهد الديكتاتور صدام حسين، كان يلجأ الكاتب الذي يعيش في الداخل لاستخدام الرموز، بينما لجأ الكاتب العراقي الموجود في الخارج إلى اللغة المباشرة والأسلوب التحريضي، وكلاهما مرتبطان بالواقع والتاريخ. واليوم تجدني أحلم أن أكتب عن مواضيع مرفهة، ككتابة رواية بوليسية أو رواية حب، لكنني لا أستطيع لما يكون بلدي في حالة صراع. فحتى رواية الحب مثلا، تجدني وأنا أكتبها تعيدني إلى العراق، فتظهر تداعيات الحرب بمجرد الكتابة بصدق. معروف أن الشعر لم يقصّر في العراق، وقد عبّر فعلا عن آلام الإنسان. لكن الرواية مقصّرة، وهي تحتاج إلى تأمل، وفي كل مرة يستعد الكاتب العراقي للتأمل تسقط عليه حرب أخرى، فيؤجل مشروع التأمل. لهذا، أقول دائما إن أهم رواية ظهرت هي ألف ليلة وليلة، فهي مليئة بالخيال، وقد أصبحت مدرسة في الرواية. إن العراق لم يعرف سلاما، وكل كتاباتنا فيه انعكاسات لهذا التوتر والصراع.

*كيف برز هذا الواقع في أعمالك الروائية؟
ـ  نشرت لحد الآن ثلاث روايات منها رواية “تمر الأصابع” التي تتناول جوانب من طبيعة التحول في المجتمع العراقي على مدى ثلاثة أجيال، فتتطرق إلى ثنائيات ومواضيع شتى كالحب والحرب والدكتاتورية والحرية والهجرة والتقاليد والحداثة والشرق والغرب، بينما حاولت في روايتي الأخيرة “حدائق الرئيس” أن أتحدث عن ما حدث للعراق خلال الخمسين سنة الأخيرة. أعتبر أن العراق بلد غني، لكنه غير مستقر، وهو المسار الذي أحاول أن أوضحه من خلال تجربتي الروائية. بالنسبة لي أرى أن الأديب الحقيقي هو من يكون دائما إلى جانب الخاسر، وليس المنتصر، يساند الضحية وليس الجلاد. وفي حالة العكس يصبح الأدب أدبا دعائيا تعبويا. الأدب الحقيقي يجب أن ينحاز للضحية حتى وإن كانت خاسرة. الأدب والفن ضروريان في زمن الصراع.
*ورغم ذلك تبقى الرواية حالة تعبّر عن المأساة..

 ـ نعم، الأدب هو الذي يوصل ما يحدث للناس أكثر من الصحافة وكتب التاريخ التي لها توجه منحاز. والصحافة تتعامل مع الضحايا كأرقام، وهذا يدمرني شخصيا. نسمع في وسائل الإعلام عن موت مائة شخص وانتهى الموضوع. أنا إنسان ولست رقما.. إنسان له أحلام وذاكرة ومشاريع. والأديب دائما يكتب عن الضحايا. أجد أننا مقصرون جدا في التعبير عن ضحايانا، وسبب هذا التقصير هو أننا لا نستطيع أن نلتقط أنفاسنا، وكلما خرجنا من حرب إلا ودخلنا في حرب أخرى. وفي هذه الحالة، ليس بإمكاننا أن نصف ونتأمل ونعطي كل حدث حقه. والأحداث التاريخية لها دائما وقعها، وتفرض نفسها في الرواية، ففي إسبانيا مازالوا يكتبون عن الحرب الأهلية رغم مرور أكثر من خمسين سنة. كما أعتبر أن الثورة الجزائرية لم تشبع أدبيا، وهي بحاجة إلى أكثر من عمل روائي. والرواية مهمة لأننا نعرف أشياء كثيرة من خلالها وليس من خلال التاريخ. 
--------------------------------------------
*نشر في صحيفة (الخبر) الجزائرية، العدد 7115 بتاريخ 25/6/2013م.