السبت، 12 ديسمبر 2020

قراءة في رواية: الفتيت المبعثر / جمعة عبدالله

قراءات نقدية

قراءة في رواية (الفتيت المبعثر) للروائي محسن الرملي

جمعة عبد الله

المتن الروائي يخوض في واقعية التفاصيل الدقيقة في عمق المأساة العراقية في زمن الدكتاتورية. يتناول جوانبها المتعددة، وهي بمثابة شظايا حارقة تحرق من تقع عليه، من كل جانب وصوب، منها القضايا الاجتماعية والسياسية، التي تحرث في تخريب العائلة العراقية والشخصية العراقية، وتتطرق بالتفاصيل الى سلوكية قائد النظام ونهج سلطته في البطش والتنكيل بالرأي السياسي المعارض، ويتناول هوس النظام المجنون في اشعال الحروب الكارثية. كما يسلط على الدعاية الترويجية لقائد النظام بالمدح بالعظمة والتمجيد في مبدأ (أذا قال صدام قال العراق) ومسألة غسل الادمغة لتكون جاهزة لمحرقة الحرب، أو الدفاع عن القائد ببغاء ورعونة، بأن الكوارث التي تحدث وتعمق الجرح العراقي، تصبح مادة تهريجية بزعم انها انتصارات لم يشهد لها تاريخ العراق من قبل، وتحليل النص الروائي وتشخيص رؤيته ومنطلقاته الفكرية، في محاور احداث النص الروائي، هو عائلة (الحاج عجيل) واولاده السبعة، هذه العائلة هي نموذج لعائلة العراق الكبيرة، التي ترسخ تحت رحمة حكم دموي بوحشية بشعة. وبكل تأكيد ان شخصية المؤلف تتستر خلف شخصية السارد أو الراوي لحكايات التراجيدية العراقية. واستطاع ان يهرب من العراق حتى وصل الى اسبانيا، لكن ظل يحمل هاجس العراق في صدره وقلبه. يريد ان يحكي هذه المأساة لكي يطلع عليها الرأي العام ولكن (لمن سأحكي، مادام الناس هنا في مدريد لا يعرفون شيئاً عن هذا الذي أقوله؟ وخاصة أنه كلام لا يتعلق بكرة القدم، أو مصارعة الثيران، أو حتى فضائح الممثلات، ولكن لابد لي من استعادة وجه عمتي على الاقل) ص9. ولا يمكن ان يفصح عن الذين يساقون الى طاحونة الحرب، ولا عن زنزانات التعذيب وموت واعدام السجناء، حكايات حزينة ومريرة يقودها القائد الارعن. يسوق المتن الروائي بلغة سردية سلسة وجذابة تشد القارئ الى احداثها المؤلمة، في مقدمة الرواية. كتب إهداء الى شقيقه الشهيد حسن مطلك، الذي أعدمه النظام بذريعة اشتراكه في المحاولة الانقلابية ضد رأس النظام. وكان الراحل من الأدباء الشباب الطموحين والمبدعين، ويملك طموح وشجاعة متفانية بالوطنية، جاء في الإهداء: الى روح شقيقي حسن مطلك، لأنه... بعض هذا الفتيت المبعثر.

ومما هو جدير بالذكر بأن الرواية حازت على جائزة أركنسا الامريكية عام 2002. والخوض في تفاصيل المتن الروائي لابد التعريج على الشخوص المحورية في الرواية، وهم اولاد (الحاج عجيل):

- شخصية محمود: الشاب المنسي المنطوي على نفسه، ولا يعني شيئاً، سواء كان موجوداً أو غير موجود. هرب عن طريق شمال العراق حتى وصل الى اسبانيا وضاعت اخباره.

- شخصية أحمد: التلميذ الجاد والمثابر في مواصلة دراساته، حتى أصبح قاضياً وحاول تطبيق عدالة القانون، في بلد تغيب فيه العدالة والقانون، لذلك سجن وأُعدم بعد ذلك.

- شخصية الفنان والرسام قاسم: مثابر في أشكال الفن والخط العربي والرسم. يدرك بوعي ناضج حقيقة الدكتاتورية وارهابها المتسلط، ويكره القائد المجنون بالإرهاب والحروب، يرسم كل شيء موجود حوله، الطبيعة، اهل القرية، السجناء. عمته (وردة) التي يعتبرها أجمل امرأة في القرية، بل أجمل امرأة في العالم، وحتى رسم الحمار الذي يطلق عليه أسم السابع، إلا رسم صورة القائد، لأنه يكرهه ولا يطيق نظامه الدكتاتوري، رغم الترهيب والتهديد. وحتى والده يضغط عليه بقوة واجبار، ان يرسم صورة القائد الذي يمجده بالعظمة والتبجيل، لأنه قائد وطني عظيم. ويعتبر حب الوطن من حب القائد.. يحاول في كل وسيلة ضاغطة ان يجبر ابنه (قاسم) ان يرسم صورة القائد. بدعوى انه رسم كل شيء حتى الحمار السابع (ولكنك رسمت كل شيء، حتى السابع) ص47. يجيبه بأنه حاول عدة مرات ففشل بذلك، لأنه لا يحمل قناعة نفسية بالقائد، ويغضب الاب ويزمجر بالسخط والوعيد، بأنه لا يحب الوطن، لان حب الوطن من حب القائد، يثني على يد ابيه ويقبلها باحترام (- لا يا أبي. لا تظلمني. أقسم لك. أنني أحب بلدي مثل حبك له. مثل حب جدي، لكنني أكره هذا الرجل) ص48. فيصرخ به غاضباً وهو يشير الى زوجة ابنه (أسمعتِ يقصد القائد، وما الفرق؟ القائد هو الوطن والوطن هو القائد) ص48. ويظل مصراً على موقفه بعدم رسم صورة القائد. يزج بالسجن وبعد ذلك يعدم. أن شخصية (قاسم) تتقاسم مع شخصية الشهيد الراحل حسن مطلك. من حيث الجرأة وبالغض ورفض الدكتاتورية، والرأي الصريح والشجاع، وبالتالي الاثنان نالهما عقاب السجن ثم الاعدام.

- شخصية بنت العمة (وردة) تمثل شجاعة المرأة العراقية في الطرح الرأي وكرهها للنظام والقائد، وتعتبره مجرم. هو الذي بعثر شمل العائلات بالتشتت والمنافي. وكانت تحترم سلوك (قاسم) ابن شقيقها، وهذا يصرح لها برأيه بكل حرية ويقول لها (- أنه كائن دموي يا وردة، يعني حنفيش، سيهلكنا)ص59. بالضبط مثل ما جاء بالإشارات الرمزية في رواية (دابادا) للشهيد حسن مطلك. بأن هذا الدكتاتور مثل القنفذ في ابره الجارحة والدامية (القنفذ موجود على الرغم من أنوفنا، نجده متكور، اشواكه في كل الجهات والارض كروية، الحياة من كل الجهات. إذا مد يدك الى القنفذ، من أية جهة تشاء، قد تقطع اصبعك على الرأس، أو على الفم تحديداً، قد تقع على البطن او المؤخرة) ص13. وفي نهاية المطاف تتزوج (وردة) وتتمنى ان تنجب اولاد تسميهم كلهم باسم قاسم.

- شخصية سعدي: الشاذ جنسياً، عندما يطلب رأيه بأي شيء كان ومهما كان، يقول هذا حلو أو غير حلو، ويعتبر الحرب (مو حلوه) ويهرب من الجيش ويقول (الجيش لا يعجبني والحرب ليست حلوه) ص36. ولكن بعد فترة من الزمن من غيابه يظهر في وسائل الاعلام والتلفزيون، يحمل لقب: رئيس أحباب القائد.

- شخصيات الاخوة الاخرين، يجندون بالحرب ويرجعون توابيت. عبدالواحد. أحمد، حتى عبود المجنون. مما يشعر الاب (الحاج عجيل) بالحزن والاحباط والخيبة من القائد، ويتحول الحب العظيم للقائد، الى كره وبغض وحقد.

نتيجة استمرارية محرقة الحرب دون ان تتوقف، وبحاجة الى وقود دائم، قرر القائد اصدار قرار (عفاء السجناء العسكريين من العقوبة واعادتهم الى وحداتهم، واعفاء السجناء السياسيين من الحياة واعادتهم الى بطن أمهم الارض) ص71.

وكذلك اجبار العوائل التي اعدمت فلذات اكبادهم. ان يدفعوا ثمن الرصاصات التي قتلتهم، وكذلك دفع اثمان تكاليف حبال المشانق، التي تم استيرادها وكلفت الدولة بالعملة الصعبة.

------------------------------

*جمعة عبدالله: كاتب وناقد وشاعر ومترجم عراقي jamah.abdala@gmail.com

*نشرت في (صحيفة المثقف) العدد 5212 بتاريخ 12/12/2020

https://www.almothaqaf.com/b/readings-5/951901

الخميس، 10 ديسمبر 2020

عن رواية: أبناء وأحذية / فيديو/ تلفزيون الفجيرة

 

عن كتاب: أبناء وأحذية

في فقرة: الكتب

في برنامج: صباح الخير يا وطن

تلفزيون: الفجيرة

10/9/2020

https://www.youtube.com/watch?v=Oc8aeZVwPKM




عن رواية: حدائق الرئيس /فيديو/ عمار حمد / دار الرافدين

 

في برنامج: سوالف وكتب

حلقة عن رواية: حدائق الرئيس

https://www.youtube.com/watch?v=h8QIOMCoblc

إعداد وتقديم: عمار حمد

برعاية: دار الرافدين ـــ العراق

ومكتبة: محسن الرملي ـــ الموصل


الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

حوار مع محسن الرملي /أجراه: علي فايع / عكاظ

قال إن آراء الغذامي ارتجالية وغير موضوعية

الرملي لـ عكاظ:«بنت دجلة».. الأصعب والأكثر حرفيّة 

" لم أكُف عن القراءة داخل الدبابة وتحت القصف

واقعنا العربي جعل الواقعية تهيمن على الرواية

لا بد من المحرر الأدبي في دور النشر

الأدب وليد الذاكرة وحافظها

لولا القراءة والكتابة لمتّ كمداً

الرواية اليوم واحدة من أقوى أدوات التنوير

في كتاباتي الأولى كنت أكثر حرية وتجريباً

المعرفة ألذّ المتع وأكثرها نفعاً "

حاوره: علي فايع

الحديث مع الأديب والأكاديمي (العراقي/‏الإسباني) محسن الرملي، الذي يكتب باللغتين العربية والإسبانية في الأدب لا يُملّ، إذ عمل في الصحافة الثقافية منذ 1985، وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة العربية والإسبانية والأمريكولاتينية، إضافة إلى كونه مترجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية والإسبانية، وله ما يزيد على 30 إصدارا تنوعت بين القصة والشعر والمسرحية والترجمات والرواية، كما ترجمت أغلب أعماله إلى أكثر من لغة، وشارك في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات الدولية، كما شارك في تأسيس وإدارة دار ومجلة «ألواح» الثقافية الفكرية في إسبانيا 1997. يعمل حالياً أستاذاً في جامعة سانت لويس الأمريكية في مدريد، ويتلقف متابعوه وقراؤه أعماله الروائية باحتفاء كبير، مع أنه يتمنّى أن يكون شاعراً أفضل منه كروائي، لأنّ الشعر كما يقول روح الأدب!

العديد من القضايا والآراء في هذا الحوار الخاص بـ«عكاظ».. فإلى نصّ الحوار:

*دعنا نبدأ من الكيفية التي تشكّل فيها وعيك الكتابي؟

ـــ لا أبالغ إذا قلت بأنه قد تشكل عندي حتى قبل أن أعرف القراءة والكتابة، فقد شُغفت حباً بالكتب منذ رأيتها أول مرة بين أيدي أخوتي وأبي، فكنت آخذها منهم وأردد أصواتاً أتظاهر من خلالها أنني أقرأ، وحين يمنحوني كتاباً قديماً كنت أرسم على الحاشيات الفارغة فيها، متظاهراً بالكتابة، لذا غيّر أبي تسجيل ميلادي، سنة واحدة لكي أدخل المدرسة قبل بلوغ السن القانوني، وهكذا، منذ تعلمت القراءة والكتابة لم أكف عن ممارستهما أبداً، حتى وأنا جندي في الجيش داخل الدبابة وتحت القصف، وكان الدور الأكبر في تشجيعي على ذلك وتنظيمه وإنضاجه هو أخي الكاتب الراحل حسن مطلك.

*المتابع لأعمالك الروائية يلحظ أنك مازلت مصاباً بداء العراق، متى يمكنك التخلص من هذا؟ 

ـــ كان هذا الأمر يقلقني فعلاً إلى حد قريب، ولكن من خلال تفحص تجارب الأصدقاء والزملاء الكُتاب، ممن هم من ثقافات وبلدان مختلفة ويعيشون في بلدان غير بلدانهم الأصلية، والحديث مع بعضهم، وجدت أن الأمر طبيعياً، فجلهم كتبوا ويكتبون عن بلدانهم الأولى، فالأدب بشكل ما، هو وليد الذاكرة وحافظها، مع ذلك، ففي أكثر من عمل لي، تناولت مناخات بلدان أخرى، كما في رواياتي: (تمر الأصابع)، (ذئبة الحب والكتب) و(أبناء وأحذية).

*التصالح مع النفس هل يكون بالكتابة؟ 

ـــ يكون بالسعي الدائم لمعرفتها أكثر وبالتعبير عنها، سواء عبر سماع أو قراءة الآخرين، أو بالكتابة، التي هي ذروة سبل التعبير والاقتراب من معرفة الذات والعالم المحيط، كما أن فيها علاج وتنفيس وتطهير، وفق نظرية أرسطو، فهي تخفف الكثير عن النفس، وكما يقول الأسبان: الورق يَحتَمل كل شيء. لذا كنت طوال حياتي أُلقي الكثير مما يثقل روحي على الورق، وإلا، وبسبب كثرة ما عشته وما رأيته من مآسي وأوجاع في حياتي، لولا القراءة والكتابة لمتُ كمداً.

*الانغماس في الواقع والكتابة عنه، هل يعدّ خللا في بنية الرواية العربية بشكل عام ورواياتك بشكل خاص؟ 

ـــ ليس خللاً بالضبط.. وإنما هو على حساب الخيال الذي يعتبر أهم ركن من أركان أي عمل فني، وفيه يكمن هامش الجديد والاستشراف والحرية والحلم، وإن كان، في نهاية الأمر، لا توجد أية رواية هي واقعية مئة بالمئة، إلا أن الواقعي هو المهيمن فعلاً على رواياتنا العربية اليوم بسبب عبء وضغط أحداثه التي تفوق الخيال أحياناً. واقعنا العربي هو الذي يجبرنا على تناوله بواقعية لأسباب كثيرة، منها تبدلاته المتسارعة والراديكالية المؤثرة مباشرة على حياة الناس وتاريخهم وجغرافيتهم، فيسعى الأدب لتأملها ولحفظ الذاكرة، ومنها الشعور بمسؤوليات وصف وتسليط الضوء على هذا الواقع بهدف فهمه والتوعية به والتعبير عنه، وخاصة أن الرواية اليوم هي واحدة من أفضل وأقوى أدوات التنوير العامة.

*ألا يزعجك بروز محسن الرملي الروائي على حساب القاص والشاعر والمسرحي والمترجم؟ 

ـــ ليس الأمر بيدي، فقد كنت أتمنى لو أنني كشاعر أفضل مني كروائي، لأن الشِعر هو روح الأدب، كما أن الاشتغال على قصيدة أو ديوان أقل جهداً ووقتاً وتعباً من الاشتغال على رواية، لكنني لم أكن محظوظاً في هذا التمني، حالي كحال الكثير من الروائيين أمثال ثربانتس وساراماغو وغونتر غراس وغيرهم. وعلى أية حال، فإن صفة (كاتب) أو (أديب) صارت اليوم تحل هذه الإشكال، ففي نهاية الأمر كلها كتابة بغض النظر عن تصنيفاتها التقنية.

*تكتب كثيراً عن العراق ومشكلاته وقضاياه، ألا تخاف من التكرار؟

ـــ مهما كتبت أنا وغيري عن العراق فسوف نبقى مقصرين تجاه غزارة وقوة الأحداث والقضايا والمعاناة الإنسانية فيه، كما أن الكتابة عن بقعة واحدة لا يعني التكرار، لأن المواضيع والقضايا والأزمنة وحتى الأمكنة، تختلف من عمل إلى آخر، كما أن هذا ما حدث وما فعله جل الكتاب في العالم، ومن ذلك مثلاً: كل أعمال نجيب محفوظ عن مصر وأعمال فوكنر عن أمريكا وأعمال هوغو عن فرنسا وأعمال دوستويفسكي وتولستوي عن روسيا وأعمال مو يان عن الصين.. وهكذا.

*هناك من يكتب للجائزة لينتشر وهناك من يكتب للعمل الفنيّ.. أيهما باعتقادك يسوّق للكاتب أكثر؟ 

ـــ من حق أي إنسان أن يكتب بالطريقة التي يشاء وللهدف الذي يشاء، لكن الكتابة الجادة والحقيقية هي أمر سابق ومنفصل عن التفكير بجائزة أثناء القيام به، أما مسألة التسويق فتلك أمر آخر، وبالطبع تساعد الجوائز في التسويق أكثر للعمل ولصاحبه، وتُقصر الطريق والوقت أكثر في الوصول إلى عدد أكبر من القراء. 

*الآخر المختلف، هل نجحت من خلال الكتابة الإنسانية في نقل مشاعرك وهمومك وقضاياك إليه بشكل جيد؟

ـــ أعتقد؛ نعم، وذلك من خلال ما كُتب عنها بأكثر من لغة ومن خلال ما تلقيته من ردود فعل كثيرة من القراء من ثقافات وبلدان مختلفة، وذلك عبر رسائلهم وتعليقاتهم أو من خلال اللقاءات الشخصية الكثيرة المتكررة معهم، عبر مشاركاتي في معارض الكتب والمهرجانات والمؤتمرات والمحاضرات وغيرها.

*كيف تنظر لتلقي أعمالك الروائية عربياً وعالمياً؟

ـــ بقدر ما أراه جيداً وإيجابياً ومُرضياً، ضمن الظروف العامة للأدب والعالم اليوم، بقدر ما أجده يزيد من عبء المسؤولية عليّ، ومن الجهد والتعب والوقت الذي صار تتطلبه مني كتابة أي عمل جديد، وذلك لأنني صرت أحسب جوانباً كثيرة لم تكن في حساباتي عند كتابتي لأعمالي الأولى، التي كنت أشعر بأنني أكثر حرية في التجريب وحتى متعة في كتابتها، لأن من كنت أفكر بهم أثناء كتابتها هم أصدقاء وقراء أعرف شخصياً أو على الأقل في أي محيط ثقافي يتواجدون، أما الآن فقد اختلف الأمر، ولم أعد أعرف وجوه وثقافة القراء الذين تصلهم أعمالي، فازداد التركيز على العوامل الإنسانية والفنية المشتركة أكثر.  

*هل أضاف لك النقد العربي شيئاً؟  

ـــ نعم، وبشكل خاص ذلك النقد الذي اشتغل على تفكيك النصوص الكلاسيكية التراثية العربية والعالمية بشكل عملي وعلمي جاد، فدلني على عناصر ونقاط القوة في بنائها، التي حفظتها عبر الزمن وجعلتها صالحة للقراءة في كل زمان ومكان.

*ما الرواية الأصعب التي كتبتها؟ 

ـــ رواية (بنت دجلة)، أولاً: لأنها تتناول مرحلة صعبة ومعقدة من تاريخ العراق القريب، أي ما بعد 2003 وتشعب العوامل التي ساهمت في ضعضعة العراق كدولة وفي العصف بكل كيان البلد أرضاً وشعباً وثقافة، وثانياً: لأن الرواية بُنيت على عناصر وشخصيات رواية سابقة لها، وهي رواية (حدائق الرئيس)، مما يقيد حركتي ومدى تحكمي بالشخوص والأحداث والزمان والمكان وغيرها. لكنها كانت تجربة مفيدة جداً بالنسبة لي بقدر ما كانت صعبة، فقد تعلمت منها الكثير، وأعتبرها أكثر أعمالي حِرفيّة حتى الآن.

*كرامة الإنسان العراقي المهدورة، هل يمكن أن تعيدها إلى الأمل والحبّ والحياة الكتابة؟  

ـــ لا تستطيع الكتابة فعل ذلك وحدها، سواء للعراقي أو لغير العراقي، وإنما يمكنها أن تساهم في جزء منه، إلى جانب مختلف الفنون والميادين الأخرى، التي تزيد من توعية الإنسان بذاته وبمحيطه وبإشكالياته، وبالتالي تقوده لتَبيُّن سبلاً تساعده على معرفة أين يمكنه وضع خطوته القادمة من أجل الاستمرار بالحلم بعدالة وكرامة وحرية، وكما شهدنا، فإن ثورة تشرين الأخيرة، التي كانت ذات وعي وتوعية قبل كل شيء، كانت في الأساس من قبل شباب نعرفهم وأغلبهم ممن يقرأون ويبدعون ويحلمون. 

*الدكتور عبدالله الغذامي يسخر من ورش الكتابة ويصفها بـ "طبخة شكشوكة" سواء في الرواية أو الشعر، فيما أنت تقيم العديد من هذه الورش في الكتابة.. كيف ترد؟

ـــ ههههه لا بأس، سأرد على سخريته بسخرية أيضاً، على أمل أن يتقبلها، فرأي كهذا أراه مجانياً وارتجالياً، غير موضوعي، مثل العديد من آرائه، وأستغرب صدوره من شخص أمضى جل حياته في التعليم الذي يدعو لإقرانه بالتدريب. ان وصفه هذا ينطبق أكثر على (مشروعه النقدي) الذي هو خليط، شيء ما يشبه شيء، ويكفي استعراض إصداراته وآرائه ومواقفه المتضاربة، التي لا يجمع بينها سوى وضع كلمة (نقد) كتصنيف، بمثابة (البيض) الذي يجمع بين مختلف الشكشوكات. لكي يكون منصفاً وموضوعياً: هل شارك في ورشة ما، معلماً أو متعلماً؟ هل قرأ نصاً لمشترِك في ورشة قبل دخولها ونصاً بعد الخروج منها ولاحظ الفرق؟ هل اطلع على تجارب ودراسات تقييمة لآلاف الورش في العالم؟   ورش الكتابة صارت تدخل حتى في المواد الجامعية، وأقيمت لها الكثير من المؤسسات وتدعمها بعض الدول وتقدم المنح للمشاركين فيها، ولم أسمع أبداً عن أحد ندم لدخوله في ورشة وإنما العكس؛ الندم على عدم دخولها من قبل، فهي تعليم كأي تعليم آخر، حالها كأي ورش عملية تخص أي ميدان آخر أو صنعة أخرى، والعرب قديماً كانوا يصفون الأدب بأنه (حرفة) و(صنعة) وكانت له أسواق وأماكن وملتقيات ودكاكين وصالونات كأسواق الوراقين والمربد وعكاظ وغيرها، وفي العصر الحديث، كثير من كتاب العالم شاركوا فيها كمتعلمين أو كمعلمين كماركيز ويوسا وفوينتس وغيرهم. وحسب تجربتي مع الورش معلماً ومتعلماً، في أكثر من بلد وجامعة، وجدتها عملية، علمية، نافعة ومثمرة، وأدعو لتسريع تفعيلها وتنشيطها في عالمنا العربي.

*ترى ضرورة وجود محرر أدبي فيما هناك أدباء كثيرون يرون أنّ وجود المحرر الأدبي يلغي الكاتب ويوجد كاتب آخر مختلف.. ما رأيك؟ 

ـــ هذه قضية مهمة أيضاً، وهي تشبه تماماً قضية ورش الكتابة، وهي الأخرى، أرى ضرورة تسريع الاهتمام بها بجدية وإدخال وظيفة المحرر الأدبي في دور النشر، والتي مازال البعض يرفضها أو يتوجس أو يسخر منها أيضاً، وقد لمست أهميتها شخصياً بفضل تعاملي المباشر مع محررين محترفين في دور نشر أجنبية، وكم يؤسفني أنني قرأت مئات الأعمال العربية الجيدة والمهمة في مواضيعها وطريقة تناولها، المنشورة، وغير المنشورة من خلال المساهمة في لجان تحكيم، ولكنها ذهبت أدراج النسيان وخسرناها، فلو أن يد محرر أدبي مرت عليها لشذبتها وضبطّتها وأحكمت الكثير من بنائها وإزالة الترهل وما إلى ذلك. أغلب الكتاب الكبار ودور النشر الكبيرة في العالم، لديهم محررين والكل يتباهى بذلك ويعتز ويشكر، ماركيز نفسه شكر المحرر الأدبي الذي حذف من روايته (مئة عام من العزلة) قرابة مئة صفحة وقال بأنه لولا فضل المحرر لما كانت على ما هي عليه الآن ولما وصلت إلى ما وصلت إليه.

*أنت لا ترى الرواية للمتعة فقط ولكنك تراها معرفة أيضاً.. كيف يمكن تحقيق ذلك؟

ـــ نعم، فالمتعة لوحدها أو لذاتها، متوفرة ومتاحة في مجالات أخرى كثيرة، بل وأرخص وأسهل وأكثر إمتاعاً، غير الكتابة أو الانعزال وحيداً مع كتاب، لذا أرى ضرورة أن تتضمن الرواية جانباً معرفياً، فالمعرفة هي أيضاً متعة، بل إني أراها ألذ المتع وأكثرها نفعاً ومطاولة. ولو تفحصنا أية رواية خالدة أو ناجحة في العالم لوجدنا بأنها تنطوي على جوانب معرفية كثيرة، سواء ما يتعلق بالنفس البشرية، القيم الأخلاقية، القضايا الإنسانية، العلاقات الاجتماعية، المتغيرات والظروف التاريخية والسياسية والجمالية وغيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في صحيفة (عكاظ) الأسبوعية، العدد 19769 بتاريخ 20-21 نوفمبر 2020 السعودية

https://www.okaz.com.sa/culture/culture/2048922 

محسن الرملي .. عنف التخييل وسيميائية الانتهاك/علي حسن الفواز

 

محسن الرملي… عنف التخييل وسيميائية الانتهاك

علي حسن الفواز

تضعنا سرديات محسن الرملي أمام واقعية الانتهاك الجسدي، مثلما تضعنا أمام سردية الانتهاك الرمزي، والفعلان يرسمان مخططا سيميائيا لفكرة «انتهاك الإنسان» بوصفه مجالا رمزيا يحيل إلى انتهاك المكان/ الوطن، والمعنى والذاكرة، ففي سرديته الكولاجية «ليالي القصف السعيدة» الصادرة عام 2003، يتقصى الروائي وقائع العمليات العسكرية لقصف العراق، التي مهدت لاحتلاله، وانتهاكه، إذ يضع نفسه عند عتبة من يرى العالم مكشوفا على الكارثة، وما يساقط منها من تداعيات، تجعل من فعل الكتابة وكأنه مراقبة، واستقراء للحدث، ولمقاربة «تضادات العنوان» بوصفها حمولة رمزية يتضاد فيها الواقع مع السرد، فضلا عن ما تكشفه من انتهاك لكينونة الذات، والمكان والهوية، وصولا إلى ما التجوهر في انتهاك الإنسان العراقي ذاته، بوصفه الحامل الرمزي لشيفرات البلاد والمكان والهوية.

وفي رواياته «حدائق الرئيس» و«فتيت» و«أبناء وأحذية»، تتبدى سردية الانتهاك، عبر جملة من الإحالات، حيث مقاربة تاريخ السلطة والإنسان والمكان والذاكرة، وحيث مقاربة سردية الإنسان البسيط، المهمّش بوصفه ضحية وشاهدا، ليبدو الواقع أشد مرارة وتوحشا، وليتحول السرد إلى لعبة في تجاوز فضاء التخييل، إلى مراقبة موت التاريخ، وتقوّض المكان، وتغول السلطة عبر توحشها، واغتصابها، أو عبر الحرب والجنس، حيث يعيش معها الإحساس بالهزيمة، والانكسار في لعبة السحق والمحو.

هذه الرؤية المركبة، تبدأ من مقاربة «سيميائية العنونة»، بوصفها عتبة تمثيلية للتحولات التي يتعرّض لها المكان/ الحدائق، والتي تُحيل إلى نقيضها، إذ تتحول إلى مقابر، وميادين حرب، يتشابه فيها القتلى/ الضحايا، وحيث يجد «إبراهيم قسمة» نفسه وكأنه واحد منهم، وأن حضوره كشاهد يجعله يعيش رعب تلك النقائض، وكأنه ساردها الوحيد، السارد الذي ينسحب من التاريخ والأسطورة، إلى لحظته اليومية الفاجعة، حيث يستعيد صديقه «عبد الله كافكا» الذي يعيش الفقد الرمزي للأب، والمعنى والأصل، مقابل إحساسه بالانتهاك الذي أفقده وجوده عبر الأسر في الحرب، حيث يعيش انتهاك الآخر والفقد الواقعي والإحساس المرعب بالموت «أنا الضحية ابن الضحايا، أنا ابن القتلى حتى هابيل، لذا أستغرب كوني لم أقتل فيها حتى الآن».

الزمن الدائري في الرواية هو زمن الشخصيات، تلك التي يتحول وجودها إلى بؤر سردية تتفجّر مستويات حكاياتها عبر ثيمة ما يقترحه الروائي من صراع، وعبر ما ينطوي عليه من إحالات وانزياحات تقوم على لعبة الخرق السردي، بوصفه معادلا سيميائيا لخرق التاريخ، وتعرية ما صنعته الحرب والسلطة والاحتلال، حيث الموت والقتل والاغتصاب والانتهاك والإخفاء. هذا الزمن، هو زمن المحذوف، حيث لا يضاهي وجود الشخصية سوى موتها، وسوى ما يقترح لها الروائي من وقائع، هي شهادات أو حكايات ثانوية للفضح، ولأسطرة ما يجري في «العوالم الرئاسية» من حروب صغيرة، أشدّ وقعا وبشاعة، وأكثر إثارة للقراءة في تقصّي الإبهام والغموض، وفي مقاربة الشخصيات ذاتها، بوصفها شخصيات مضطربة، تعيش الفقد والاستلاب الوجودي، ولتجد نفسها جثثا صالحة للدفن، كما حدث مع شخصية الموسيقي المعروف «نبيل» الذي اصطنع له الروائي وجودا رمزيا، دالا على قمع فكرة الصوت، والجمال، وإخضاعه بعد محاكمة ساخرة إلى خيار أن يتحول إلى جثة تشبه الآخرين «تحولت هذه الجثث الليلية، هؤلاء القتلى إلى كونهم الغالبية من البشر، بحيث يشعر بأنه واحد منهم».

إنّ اهتمام الروائي بمقاربة ثيمة الانتهاك الذي تتعرض له شخصياته، يتحول إلى سردنة لمقايسة التحولات الحادثة في الواقع والسرد، ورصد تنويع أفعال السرد مــــن جانب على مستوى البناء والتمثيـــــل والـــــروي، أو على مستوى تنويع وظائفها، وهــــي تقـــارب ما يحــــدث في الواقع من جانب آخر، فبقدر هذا التنوّع، لكنه يصطنع لها اتجاها واحــــدا، حيث الإبــــانة عن سرديات ما تهجـــس به الشخصــــيات، وما تكون شاهدة عليه في الحرب وفي حدائق الرئيس، إذ تقوم اللعبة السردية على تشابه تمثيلي، بين لحظة الفقد وساحة الحرب، وغرفة الرئيس وحديقة الرئيس، ولحظة الأسر والاحتلال.
الحراك السردي في هذه الرواية يقوم على وحدات، أو لقطات تؤدي مهام بناء سيناريو عمل سردي يقوم على فعل المراقبة، وعلى مقاربة ما يتبدى من علاقات مشوهة، إذ يتضاعف فعله عبر المراقبة اليومية لإخفاء الأجساد في مقابر الحدائق، حول ثيمة إخفاء الجسد، وهي أداور تقوم بها شخصيات ثانوية، غامضة رغم أناقتها، لها قاموسها الاستلابي، ولها طاقة استثنائية من السرد، حيث تمثيل الخوف والرعب والطاعة، وحيث تماثل الوظائف التي تتشابه في النسق الذي تصنعه السلطة، والذي يجعل من الرئيس والجنرال والرفيق الحزبي فلاح الحديقة، كائنات هي أقرب للخرافة، ولصورة الطاغية الذي يجد في لعبة السحق تعبيرا عن شراهته للسلطة، وللسيطرة على الآخرين عبر انتهاك أرواحهم وأجسادهم.
في رواية «حدائق الرئيس» يخضع توصيف فعل الانتهاك إلى رقابة السارد، إذ لا إيهام لها، حيث تتحول الوظيفة إلى بؤرة سردية للوحدات الأخرى، وإلى محصلة دلالية تُحفّز على تتبع وظيفتها وتحولها، من «فلاح» في حدائق البيت الرئاسي إلى وظيفة «دفّان» في الحدائق ذاتها، وهذا ما يمحنها فرصة للرصد والتلصص، ورؤية العالم الخلفي للقصور والضحايا، ولفضح أسرارها وجرائمها، تلك التي يبدو فيها فعل الانتهاك وكأنه استمرار لفعل الحرب، بوصفها قناعا يتكرر وجوده في حكاياتها الطويلة، حيث يتحول الوجود إلى نقيضه السيميائي، وإلى باعث للإشباع الغرائزي، وإقصاء الآخر، أو ربما لإخصائه الرمزي، عبر إخضاعه لنسق السلطة، وصولا إلى اغتصاب ابنته من خلال إيقاعها في فخ متاهة القصر الرئاسي، وهي لعبة سردية يشتبك فيها السحري مع المثيولوجي، مع الإيروسية الفرويدية، حيث استحضار السرير، يعني الاغتصاب والمحو والسيطرة وطرد الآخر من النسق.
استهلال الرواية هو توصيف لتشكيلها المعماري، إذ تؤشر عبر زمنها الدائري التفاصيل، وهي تحمل نوعا من السخرية، حيث شيفرة الموز، مقابل شيفرة صناديق الرؤوس المذبوحة، ولتقترح هذا الموازاة «حكاية موازية» تحكيها الرؤوس للأحياء الذين صدمتهم اليقظة، وكأنهم انتبهوا لما يمكن أن يجري، أو مراجعة للذي جرى، حيث فقد هوية عبد الله كافكا، وجثة إبراهيم قسمة، ومتاهة طارق المندهش، واغتصاب قسمة وفقدان زوجها، وحيث عنف التخييل السردي الذي تهجس به اللغة، وهي تضع واقعية الصورة الفاجعة أمام استعارة الفكرة التي تجعل من إحالات «تشوهت، تمثيل، تعذيب، لقطعها» إحالات سردية تُحرّض على قراءتها لكي يُعيد فك اشتباك الزمن الدائري، الذي هو زمن الحكي أيضا.
«
في بلد لا موز فيه، استيقظت القرية على تسعة صناديق موز، في كل واحد منها رأس مقطوع لأحد أبنائها، ومع كل رأس بطاقته الشخصية التي تدل عليه لأن بعض الوجوه تشوهت تماما بفعل تعذيب سابق لقطعها، أو بسبب تمثيل بها بعد الذبح، فلم تعد ملامحها التي عرفت بها على مدى أعوام حياتها المنتهية، كافية للدلالة عليها».

فعل التحول في الوظيفة، هو الذي يسمح بتشييد الرؤية السردية، وعلى النحو الذي يجعل من صور العنف والقتل التي تضج بها الرواية، بدءا من استهلالها، وحتى نهايتها ليس بعيدا عن الدائرة السردية التي تشبه دائرة الزمن، وبما يجعل من تلك الصور وكأنها معادل رمزي لصناديق كثيرة، فيها رؤوس لا أسماء لها، وربما تبحث عن حكايات لها، وأن ما يجمعها هو قيموتها على رمزية الانتهاك/ الموت، وأن ما يجعل من حكاية «الرؤوس التسعة المذبوحة» هو شهادتها الفجائعية على موت الوجود الذي صنعت أشباحه الحرب والسلطة والاحتلال «لكلٍ رأس حكايته، لكلِّ واحد من هذه الرؤوس التسعة عائلة وأحلام، وفجيعة نهائية ذبحا مثل مئات الآلاف من قتلى هذا البلد الملطخ بالدم».

-------------------------

*نشرت في صحيفة (القدس العربي) العدد 10109 بتاريخ 7/12/2020 لندن.

https://pdf.alquds.co.uk/wp-content/uploads/2020/12/Alquds-2020-12-07.pdf 

https://www.alquds.co.uk/%d9%85%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%85%d9%84%d9%8a-%d8%b9%d9%86%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ae%d9%8a%d9%8a%d9%84-%d9%88%d8%b3%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7/

حوار مع محسن الرملي عن الكتابة/أجراه:عبدالله الحسيني

 

محسن الرملي: لا أومن بالطقوس ولا أومن بالإلهام

حاوره: عبدالله الحسيني – الكويت

وظيفة الكاتب أن يكتب بشكلٍ جيد. مقولة تتكرر دومًا، وبأكثر من صيغة، لدى عديدٍ من الكتاب. وهو ما نفعله، جميعنا، بعد فراغنا من مطالعة عملٍ فني مدهش، حين نكرر السؤال الأزلي: "كيف كُتِبَ؟". وكذلك، حين نبحث في كواليس صناعة العمل، ونحاول تفكيك هذه الوحدة الهائلة إلى قطعٍ صغيرة، بغرض اكتشاف دمغة الصنعة، أو "أثر الخلق" حسب تعبير ڤرجينيا وولف.

ومع كاتبٍ تتقاطع في أعماله الأضداد؛ الوطن والمنفى، الحنين واليأس، رائحة خبز تنور القرية ورائحة البارود، حميمية العلاقات والرحيل المباغت، مساحات الوطن المجدبة وحدائق الرئيس الغناء، فإن التلصص على "مطبخه الكتابي" جديرٌ بالاكتشاف.

محسن الرملي، كاتب عراقي مقيم في إسبانيا، صدر له أكثر من عشرة إصدارات تتنوع بين الرواية والقصة والشعر والترجمة. نال العديد من الجوائز العربية والعالمية بخلاف الترشحيات، ومن أشهر أعماله: حدائق الرئيس، الفتيت المبعثر، ذئبة الحب والكتب، تمر الأصابع.

*لماذا تكتب؟

ـــ بدأت الكتابة لأنال إعجاب أخي حسن مطلك، وأكتب الآن لنيل إعجاب آلاف الناس في أماكن ولغات شتى. أكتب لأن ثمة أشياء أريد قولها ولن أرتاح إلا إذا قلتها، وأكتب لأنني أحاول فهم الوجود وإعطاء حياتي معنى، فأنا لا أجيد فعل شيء آخر قد ينفع الآخرين كإجادتي الكتابة التي كرست لها حياتي.

*ما اللحظة المفضلة لك في الكتابة؟

ـــ عندما أكون متفرغًا لها من حيث الوقت، وليس هناك شاغل أو التزام معين سيقطع علي وقت الكتابة.

*وما اللحظة التي تخشاها؟

ـــ أن أكون قد قطعت في الكتابة شوطًا وتظهر أحداث حياتية مفاجئة تضطرني إلى التوقف عنها، فتُخرجني من مناخاتها، فعلى الرغم من أنني أضع خططًا عامة لأعمالي مسبقًا فإن العملية الكتابية تشبه التقمص والدخول في عالم مختلف، أبنيه وأكتشفه في الوقت نفسه، لذا فالخروج منه سيجعل العودة إليه صعبة.

*هل تؤمن بالطقوس والإلهام؟

ـــ لا أومن بالطقوس وإنما ببعض العادات الشخصية، ولا أومن بالإلهام وإنما ببعض الموهبة. وبالنسبة إلى بعض عاداتي، إنني ما زلت أكتب الأعمال الإبداعية على الورق في دفاتر صغيرة، أكتب في الحدائق العامة وأحيانًا في المقاهي، أما إذا كتبت في البيت أو في فندق، فأفعل ذلك وأنا منبطح على بطني، تمامًا كما كنت أحل الواجبات المدرسية في طفولتي، فبشكل ما، الكتابة عندي تشبه الواجب.

*الموضوع والشكل، إلى أي حد يُملي أحدهما شروطه على الآخر؟ وكيف توازن بينهما؟

ـــ الموضوع هو الذي يُملي شروطه على الشكل، وللموازنة أعمل على تطويع الشكل دائمًا بما يناسب الموضوع.

*ماذا تفعل حين يصل النص إلى حائط مسدود؟

ـــ أشعر بالاختناق والتعب والقلق، وأبقى ألف وأدور، أبتعد وأقترب من النص وأطرق على هذا الحائط إلى أن أجد لنفسي فيه منفذًا، أُكثف القراءة في ما يتعلق بموضوعه وفي الكُتب القريبة من مناخاته وشكله وقضاياه.

*إلى أي حد تبدو مهمةً فكرة التحرير وإعادة الكتابة بالنسبة إليك؟

ـــ مهمة بأهمية الكتابة نفسها، لأنها هي التي سوف تشذب وتشد النص وتمنحه كينونته وجودته، وإلا لأصبح مجرد تدوين سهل يمكن أن يقوم به أي شخص، ولا يستحق صاحبه صفة (كاتب) الحقيقية.

*ثلاث نصائح للكُتاب؟

ـــ اِقرأ كثيرًا.

كن صادقًا.

كن صبورًا.

-----------------

*نشر في (تكوين) بتاريخ 6/12/2020 الكويت

https://takweenkw.com/blog/3013/single