الدكتور محسن الرملي
الترجمة هي اللغة المشتركة بين جميع البشر
حاوره: حسين مايع
د.محسن الرملي: كاتب
وأكاديمي ومترجم عراقي ــ إسباني، ولد في شمال العراق عام 1967 ويقيم في إسبانيا
منذ 1995. دبلوم لغة إسبانية وترجمة من معهد بوكس في
مدريد 1988. بكالوريوس لغة وأدب إسباني، جامعة بغداد، كلية اللغات، سنة 1989.
دكتوراه، بتقدير ممتاز مع درجة الشرف، من جامعة مدريد (أوتونوما)، كلية الفلسفة
والآداب، قسم اللغة والآداب الإسبانية، سنة 2003. أستاذ في جامعة سانت لويس
الأمريكية في مدريد منذ 2004م.
يكتب
باللغتين العربية والإسبانية، عمل في الصحافة كاتباً ومحرراً ثقافياً منذ 1985 وله
عشرات المواد المنشورة في الصحافة العربية والإسبانية والأمريكولاتينية. تَرجَم
العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية والإسبانية، وله أكثر من ثلاثين
إصداراً تنوعت بين القصة والشعر والمسرحية والرواية والترجمة. تُرجمت أغلب أعماله
لأكثر من لغة، وشارك في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات الدولية. عضو جمعية المترجمين العراقيين، عضو جمعية الكُتاب والمترجمين الإسبان المحترفين، عضو
هيئة تحرير مجلة (آركيترابا) الكولومبية المتخصصة بالشعر، وعضو الهيئة الوطنية
لتنظيم مهرجان طليطلة الدولي للشِعر.
*ما
هو مفهوم الترجمة؟
ـــ
الترجمة هي اللغة المشتركة بين جميع البشر، مهما اختلفت وتعددت لغاتهم. ولولا
الترجمة لأصبحا طرشاناً في زفة العالم، قبائل منعزلة يسئ بعضها فهم بعض ويحاربه.
*كيف
دخلت إلى عالم الترجمة؟
ـــــ
بدأتُ بالترجمة عندما كنتُ طالبًا في المرحلة الثانية أو الثالثة من دراستي للغة
الاسبانية في جامعة بغداد، حيث عثرتُ على لقاء مع رافائيل ألبرتي في نشرة لمعهد
ثربانتس في بغداد، والذي كنت أتردد عليه وعلى مكتبته كثيرًا، ففرحتُ لأنني فهمته
كله عند قراءته، ولذا سارعت إلى ترجمته، وبعثته إلى إحدى الصحف الرئيسية آنذاك،
ففاجأتني سرعتهم في نشره ومطالبتي بالمزيد من الترجمات، ومن يومها لم أتوقف عن
الترجمة ممارسةً ودراسة وتدريساً.
*ما
اللغة التي تترجم منها؟
ـــ
أُترجم من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية ومن اللغة العربية إلى اللغة
الإسبانية.
*ما
هي الأدوات التي يستعين بها المترجم في عملية الترجمة؟
ـــ
القواميس والمعاجم، واستشارة أصحاب الاختصاص، ومؤلف النص إن كان حيّاً.
*ما
هي المهارات التي يجب أن يمتلكها المترجم ليمارس هذا النوع من الأعمال؟
ـــ
معرفة جيدة باللغتين اللتين يترجم بينهما، معرفة جيدة بثقافتيهما، قدرة أدبية على إعادة
الصياغة والتحرير.
*هل كل من يتقن لغة أجنبية يمكن أن يصبح
مترجمًا؟
ـــ
لا، لأن الترجمة معرفة وثقافة وفن إنساني في أغلبها، لذا لم تستطع التكنولوجيا
التعويض عن الإنسان على الرغم من انها تحفظ قواميس كل اللغات.
*ما
هي آليات الترجمة وأساليبها؟
ـــ
يختلف الأمر من موضوع إلى آخر، ومن نص إلى آخر، فترجمة النصوص القانونية والعلمية
ليست كترجمة النصوص الأدبية أو ترجمة النصوص الدينية، وحتى ضمن كل ميدان يختلف
الأمر من أسلوب إلى آخر ومن نص إلى آخر، وأحياناً حتى من مقطع إلى آخر. أما
تقليدياً فيمكن تصنيفها إلى ترجمة حَرفية وأخرى بتصرف.
*كيف
تبدأ ترجمة الكتاب؟ هل تقرأ النص كاملاً قبل الترجمة، أم تبدأ مباشرة؟
ـــ
بالتأكيد أقرأ النصوص أولاً، وأن تعجبني وأُحبها وأتفاعل معها وأقتنع بفائدتها أو
بجمالها، بحيث أشعر بأن فيها شيئاً يمثلني من حيث الرأي أو الأسلوب، لذا ستكون
ترجمتي لها بحب وانسجام معها، وكأنني أعيد كتابتها بأسلوبي.
*هل
تبحث عن سيرة المؤلف وأعماله قبل الشروع في الترجمة؟ ولماذا؟
ـــ
بالتأكيد، فلابد من معرفة كل ما يتعلق بالكتاب وكاتبه، لكيلا يكون المترجم كحاطب
ليل، لا يدري أين هو ومن أين جاء النص، فكما يقال "هذه الثمرة من هذه
الشجرة"، فالنص هو ثمرة الكاتب.
*متى يتدخل المترجم في النص الأصلي؟
ـــ
المترجم هو عامل لغوي، اختصاصه اللغة، يعني يحق له التدخل في اللغة من حيث اختيار
المفردات وإعادة صياغة العبارات وما إلى ذلك، ولكن لا يحق له التدخل في الموضوع
والأفكار وفي كيفية بناء النص.
يملك
المترجم سلطة على النص الذي ينقله فيتدخل ويغير أحياناً ويخطئ ويصيب.. وما إلى
ذلك، فلا يوجد شيء اسمه ترجمة مضبوطة مائة بالمائة وخاصة فيما يتعلق بالنصوص
الأدبية، ومهما حاول البعض الحديث عن الترجمة على أنها عِلم، فأنا شخصياً سأبقى
أنظر إليها على أنها فن، ومن مواصفات الفن النسبية والإبداع، وليس المطلق والجمود.
*هل
ترجمة الكتاب بأسلوب المترجم مسألة طبيعية أم تُعد تحريفًا للنص؟
ـــ
نعم، مسألة طبيعية، ولهذا لكل مترجم أسلوبه، وعلى ضوء ذلك، نحن كقراء، قد نحب أو
نفضل ترجمة النص نفسه لمترجم معين ولا نحبها بأسلوب مترجم آخر.
*ما
هي أكثر التحديات التي تواجهك أثناء الترجمة؟
ـــ
عدم وجود كلمة مقابلة في اللغة التي أُترجِم إليها لكلمة في اللغة التي أُترجم
منها، فمثلاً؛ اللغة العربية
أكبر وأغنى من حيث عدد الكلمات، ففيها أكثر من عشرة ملايين كلمة، بينما الإسبانية
لا تتجاوز المئتا ألف كلمة، وهذا يعني أن هناك ملايين الكلمات العربية التي ليس
لها مقابل بالإسبانية، وربما لهذا كان عدد الأعمال التي ترجمتها إلى العربية من
الإسبانية هو ضعف ما ترجمته من العربية إلى الإسبانية، هذا عدا كون العربية هي
لغتي الأم والأحب، أما عندما أُترجِم من الإسبانية إلى العربية، أجد بأنني أفقد
الكثير من شِعرية الإسبانية ودلالاتها الثقافية الخاصة المختلفة عما في القواميس،
وهنا على المترجم أن يكون عارفاً جيداً بثقافة اللغتين، ومعايشاً لهما أو فيهما،
وليس عارفاً باللغتين فقط، والصعوبة الأخرى، هي صيغ
المجاز الشعرية والأمثال الشعبية وغيرها، مما هو خاص جداً في اللغة الأصلية
وثقافتها. ومن التحديات أيضاً؛ سؤال المترجم الدائم لنفسه: هل يحافظ على دقة
ترجمة النص حرفياً أم يقوم بتطويع أسلوبه لصالح اللغة التي ينقُل إليها؟ وفي كل
هذه الحالات المذكورة، تقع
المسؤولية على كل مترجم أن يقرر كيفية التصرف، حسب رؤيته.
*ما
هو العمل المترجم الذي تمنيت لو قمت بترجمته؟
ـــ
كثيرة جداً، تقريباً كل الأعمال التي قرأتها بالعربية أو بالإسبانية وأعجبتني،
تمنيت لو أن لدي الوقت الكافي والظروف المناسبة لترجمتها. ومنها الأعمال الكاملة
للشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو الذي أحبه، و(الدون كيخوته) لأنني أعرفه جيداً
بحكم تخصصي الأكاديمي فيه.
*بم
تشعر عند ترجمة كتاب ما؟ وما أكثر كتاب استمتعت بترجمته؟
ـــ
أشعر بالتعب والمتعة معاً أثناء الترجمة، وبالراحة عند إكمال الترجمة، وبشيء من
الرضا لشعوري أنني قدمتُ شيئاً قد ينفع آخرين، وأكثر كتاب استمتعتُ بإعداده
وترجمته هو (لهذا نكتُب الروايات).
*ما هو أصعب كتاب ترجمته؟ ولماذا؟
ـــ
مسرحية (طالب سالامنكا) لأنها مسرحية شعرية ومكتوبة بلغة كلاسيكية.
*ما
الفرق بين ترجمة كتب العلوم الإنسانية وترجمة العلوم الصرفة؟
ـــ
ترجمة العلوم الإنسانية تشبه ترجمة الأدب لذا فهي ترجمة يدخل فيها الفن والإبداع
بشكل كبير وليس بالضرورة أن يكون مترجمها متخصصاً فيها، أما ترجمة العلوم الصرفة
فهي علم أيضاً وعلى مترجمها أن يكون مختصاً أو عارفاً جيداً بالعلم الذي يترجم
فيه.
*ما
رأيك بترجمة الشِعر؟
ـــ
ترجمة الشعر صعبة جداً، لكنها الأجمل من حيث ما تنطوي عليه من تحدي وحتى خيال
وابتكار.
*ألا يوقعك ذلك في مأزق تدخل ذائقتك في النص
المترجم؟ أم أنها نقطة إيجابية؟
ـــ
بالنسبة لي إنها نقطة إيجابية، كون الأديب أكثر تحسساً وتذوقاً ومعرفة بلغة الأدب،
مثلما أن الطبيب أكثر معرفة بلغة الطب. وما أكثر الترجمات التي قام بها شعراء
ومبدعين فنفضلها على ترجمات غيرهم من المحترفين، حتى بغض النظر عن دقتها أحياناً،
ولدينا على سبيل المثال الترجمات التي قام بها مبدعون أمثال حسب الشيخ جعفر، جبرا
إبراهيم جبرا، سعدي يوسف، صلاح نيازي، سركون بولص، كاظم جهاد وغيرهم، فمن حسن الحظ
أن غالبية مترجمي الآداب عندنا هم أدباء أصلاً.
وأمر
تفضيل ترجمة الشاعر للشعر والأديب للأدب لا يقتصر علينا فقط، وإنما هو سائد في
الثقافات واللغات الأخرى، فوجدت مثلاً أن المثقفين الإسبان يفضلون ترجمة أعمال
ريلكه (غير المضبوطة!) التي قام بها شاعر وفق أسلوبه، على ترجمة (مضبوطة!) قام بها
مترجم محترف.
*ما
المعايير التي تعتمدها عند اختيار كتاب لترجمته؟
ـــ
أن يعجبني وأعتقد بأهميته وبكونه نافعاً لقراء اللغة الأخرى، وبالطبع هناك معايير
أخرى خارجية تتعلق بسوق الكتاب نفسه وما يطلبه القراء والناشرون أكثر من غيره.
*هناك
أعمال تُرجمت أكثر من مرة، متى تكون إعادة الترجمة أمرًا لابد منه؟
ـــ
دائماً الترجمة وإعادة الترجمات مهمة وتشكل إثراءً للمتلقي، وهناك بعض الأعمال
الكلاسيكية والخالدة، أنا مع إعادة ترجمتها كل أربعين أو خمسين سنة، لأن لغة
العصور والمراحل والأزمنة نفسها تتغير. وهكذا بإعادة ترجمتها إلى لغة وأسلوب اليوم
ستستفيد منها الأجيال الجديدة كما استفادت منها الأجيال السابقة.
كما أن لكل مترجم أسلوبه وله قُراء
ومتلقين يفضلونه ويثقون به أكثر من غيره، وهذا أمر غالباً ما يحدث مع ترجمة
الأعمال الكبيرة إلى مختلف لغات العالم، فقد حدث مع أعمال شكسبير في الإسبانية،
و(الدون كيخوته) تمت ترجمته إلى الإنكليزية والفرنسية قرابة مئة مرة، وسوف يُترجم
مستقبلاً مرات أخرى.. وهكذا.
*كيف
ترى علاقة المترجم مع الناشر؟
ـــ
يجب أن تكون قائمة على: تفاهم وثقة وعمل ومصلحة مشتركة، لكل منهم هدفه، إضافة إلى الهدف
المشترك وهو تقديم عمل جيد ونافع للمتلقي.
وشخصياً؛
علاقتي مع كل الناشرين الذين
تعاملت معهم جيدة، ولم أواجه أية مشاكل معهم في كل ما ترجمته، ربما أن هذا راجع
لمعرفتنا الشخصية ببعضنا والثقة المتبادلة، وخاصة ثقتهم هم بي ومدى معرفتي بالمادة
التي أريد ترجمتها، بل أن أغلبهم يستشيرني أحيانًا حول عناوين يطرحها عليهم
مترجمين آخرين.
*ما
فائدة تواصل المترجم مع المؤلف؟
ـــ
بما أن الأسلوب هو الإنسان، كما يقال، فمثلما معرفة الأسلوب تعرفك بالإنسان فإن
معرفة الإنسان تعرفك بأسلوبه أكثر وبأفكاره ومقاصده، لذا يسعى المترجم إلى معرفة
المؤلف قدر الإمكان، حتى وإن كان ميتاً منذ قرون، فطبيعي أن تكون معرفته الشخصية
وهو حي ستُثري معرفة المترجم بالكتاب، وكذلك توفر له سنداً واطمئناً للاستفسار عما
قد يصعب عليه.
*لماذا
يُفضل القارئ العربي غالبًا الكتب المترجمة؟
ـــ
ربما لأن الكتاب صناعة متكاملة الأركان في الغرب، فخلفه فريق من العاملين ولا
يعتمد على الجهد الفردي للمؤلف فقط، لذا تكون جودته أفضل من حيث البناء والتقديم
والأسلوب والمواضيع وكيفية تناولها، يضاف إلى ذلك، رغبة القارئ بالتعرف على ما هو
أبعد من محيطه، ومتابعة الجديد في الثقافات الأخرى.
*لماذا
تُترجم الكتب الأجنبية إلى العربية أكثر مما تُترجم الكتب العربية إلى اللغات
الأجنبية؟
ـــ
لأن الجديد والجيد يظهر عندهم، هم أمم متقدمة علينا في هذا الزمن، بينما كان الأمر
معكوساً في أزمنة سابقة، فكانوا يترجمون أعمالنا، هذا أمر طبيعي لمتابعة التقدم،
وفي كل الأحوال فإن ترجمتنا لأعمالهم أكثر من ترجمتهم لأعمالنا، هو لصالحنا، وهو
الأمر المنطقي والصحيح، وسبق لي أن كتبت وتحدثت عن هذا الأمر في أكثر من مقال
ولقاء.
*ما
الأعمال التي يجب أن تُراجع بعد ترجمتها، سواء لغويًّا أو علميًّا؟
ـــ
كل الأعمال يجب مراجعتها، وكل مراجعة إضافية هي لصالح الجودة.
*ما
رأيكم في إشكالية المصطلح في العالم العربي؟ وكيف السبيل إلى حلها؟
ـ
إشكالية المصطلح لا يقتصر وجودها على العالم العربي فحسب وإنما هي إشكالية موجودة
في كل العالم بنسب متفاوتة، وهي إحدى الإشكاليات التي نبهت إليها الفلسفة مبكراً
وأكد عليها برغسون معزياً إلى الاختلاف في فهم المدلولات لكل مصطلح؛ الكثير من
الاختلافات الفكرية والثقافية، لذا لا أعتقد بأن لها حلاً حاسماً، وخاصة كونها
نتاجاً لغوياً وثقافياً، ومن طبيعة نتاج من هذا النوع هو استحالة إخضاعه الكامل
للتصنيف العلمي المادي وتفصيل زيّ موحد للدلالات ومداليلها، بل على العكس أرى في
تباين فهمها هذا؛ جزء من ثرائها وهو من صلب تركيبة مكوناتها أصلاً.
*هل
يُعدّ توضيح المصطلحات الغامضة مسؤولية المترجم، أم يُترك ذلك للقارئ؟
ـــ
نعم، هي من مسؤولية المترجم، وخاصة المصطلحات الجديدة، أو تلك التي ليست شائعة لدى
عموم القراء.
*ما
أهمية الهوامش في الكتب المترجمة؟
ـــ
أنا لست مع الإكثار من وضع الهوامش إلا للضرورة، بل إن بعضها يمكن تعويضها بشكل فني
داخل النص نفسه، بتصرف وأسلوب ذكي.
*ما
أسباب تحريف النصوص لدى بعض المترجمين؟ وكيف يمكن معالجة هذه الظاهرة؟ وما دور
الناشر في ذلك؟
ـــ
هناك عدة أسباب لذلك، فمنها ما يتعلق بالرقابة، ومنها ما يتعلق بعدم توافق رأي
المترجم مع المطروح، ومنها ما يتعلق بعدم فهم المترجم للنص أو لبعض منه، ومسؤولية
ذلك تقع على المترجم في كل الأحوال، أكثر من الناشر.
*إلامَ
تُعزى أسباب قلة المترجمين المتخصصين في الكتب رغم تخرج آلاف الطلبة من أقسام
اللغات؟
ـــ
لا توجد قلة بالمترجمين، بل على العكس؛ نحن أكثر أمة لديها أناس يجيدون لغات أخرى،
لكن الترجمة لكي تتحول إلى مهنة، تحتاج إلى شغف وحب وقناعة بأهميتها، إضافة إلى
ضرورة أن تكون مصدراً جيداً لكسب العيش، فلو توفر هاتان الشرطين لرأيت أضعاف ما
لدينا اليوم من مترجمين، على الرغم من أنهم كثر لحسن الحظ.
*ماذا
أضافت جوائز الترجمة للمترجمين؟ وهل يمكن أن تكون دافعًا لتحقيق مستوى أعلى في
مجال الترجمة؟
ـــ
الجوائز دائماً مهمة، في كل المجالات، لإنها تزيد من تسليط الضوء على الإنجازات
والاهتمام بها، وتشكل تكريماً للميدان ومحترفيه، وهي بالفعل تساهم برفع مستوى
الإنجاز كمّاً ونوعاً، ورفع مستوى التنافس، مما يقود إلى تجويد الأعمال أكثر.
*انتشرت
في الآونة الأخيرة الترجمة باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي، لكنها غالبًا ما تكون
غير دقيقة. ما الحل للحد من انتشار الترجمات الرديئة؟
ـــ
الترجمة حالها حال كل النتاجات الثقافية الأخرى، سيغربل التلقي والزمن؛ الجيد منها
والرديء، لذا لا خطر كبير من ذلك، فالقارئ لن يكرر اقتناء كتاب آخر للمترجم أو
الناشر السيء نفسه مرة أخرى، ولا يصح إلا الصحيح في نهاية الأمر والبقاء للأفضل،
وبالطبع لا بأس من استفادة المترجم لبرامج الذكاء الاصطناعي، كاستفادته من أي
قاموس، لكن يبقى الجهد الإنساني الخاص بالمترجم هو الأهم والمعيار في نهاية الأمر.
بشكل
عام؛ ليست لدي أية مخاوف من الذكاء
الاصطناعي، وأنا مبدئياً، مع كل اكتشاف جديد وتطور، وأُدرِك بأنه من الطبيعي أن
تكون هناك جوانب واستخدامات إيجابية وأخرى سلبية لأية وسيلة أو أداة جديدة يكتشفها
أو يخترعها الإنسان، منذ أن اكتشَف العَجلة وإلى أن تقوم الساعة، ويبقى الأمر في
كيفية استخدامنا لهذه الوسائل، لذا عادة ما ننتهي إلى وضع قوانين معينة للاستخدام،
وبالنسبة للذكاء الاصطناعي، على صعيد الأدب والكتابة والترجمة وغيرها، فله فوائد
ومنافع كثيرة، ويُسهل ويُوفر على المشتغلين في هذه الميادين الكثير من الوقت
والجهد والترويج وما إلى ذلك. ومما لا يدعونني للخوف منه، هو ثقتي بأن الإنسان لا
يمكن أن تعوضه أية وسيلة أو أداة أخرى، هي من اختراعه في الأصل، فتركيبة الإنسان
عظيمة، والشخص ذاته هو ليس نفسه بين يوم وآخر وموقف وآخر ومكان وآخر وزمان وآخر،
أما الآلة فهي ذاتها، كما صممها الإنسان وبرمجها، كما لا يمكن تعويض أو استبدال
الأحاسيس والمشاعر والتأملات والعواطف واللمسة الإنسانية أبداً، مهما حاولت الآلة
تقليدها وتمت برمَجتها عليها.
*من
هم أهم المترجمين الذين قرأت لهم؟ ولماذا؟
ـــ
قرأت للكثيرين جداً، والمعيار أنهم كانوا رائعين في عملهم وبمعرفتهم بالثقافتين
وبإجادتهم للغتين وأساليبهم البديعة في الصياغة، أذكر منهم، على سبيل المثال لا
الحصر: جبرا إبراهيم جبرا، سامي الدروبي، عبد الرحمن بدوي، حسب الشيخ جعفر، صالح
علماني، فؤاد رفقة، عبدالمسيح ثروت، جورج طرابيشي، محمد علي اليوسفي، خالد
الجبيلي، سامي الجندي، رفعت عطفة، أحمد عبد اللطيف، أحمد الشافعي، معاوية عبد
المجيد.. وغيرهم كثر.
*هل
سبق أن صادفت كلمة أو جملة تُرجمت بطريقة غريبة أو طريفة؟
ـــ
نعم، كثير، ولكن هذا لا يزعجني بقدر ما يجعلني أبتسم، وهذا وجدته عند الكثير من
المترجمين الإسبان أكثر من العرب. وأنا أتفهم ذلك، وأعذر المترجمين في الكثير من
هفواتهم، فأنا منهم، وأدعوا إلى تفهمهم وعذرهم.
*لقد
قمتَ بترجمة أعمالاً من وإلى اللغة الإسبانية، خصوصية اللغة العربية ألا تعترضك
كمشكلة حين تقوم بنقل نص ما؟
*نعم،
وبشكل خاص حين تكون الترجمة من العربية إلى الإسبانية، إلى الحد الذي اعتذرت فيه
لأكثر من مرة عن الترجمة حين أجد بأن القيام بترجمة معقولة أو مقبولة يكاد يكون
مستحيلاً ما لم يتم تشويه النص وتقويله غير الذي يقوله، بحيث يبدو وكأنه نص آخر
تماماً، وخاصة فيما يتعلق بالنصوص الأدبية التي تشكل اللغة روحها ولحمها، أما
الترجمة من الإسبانية إلى العربية فهي أسهل بالنسبة لي كون العربية أغنى وأوسع،
ولأنها لغتي الأصلية التي أعرفها أكثر من سواها.
*في
ظل القراءات الكثيرة الجديدة لمصداقية الترجمة العربية، كيف ترى مستقبل هذه
الترجمة التي ارتكبت في أحيان كثيرة جرائم بل ومقابر جماعية أحياناً؟
ـــ
أنا شخصياً مع الإكثار من الترجمة، أي مع المزيد من الكم أولاً ثم النوعية بالمقام
الثاني، ذلك أن هناك الكثير جداً مما يجب علينا ترجمته، وكل يوم هناك مئات
العناوين الجديدة والجيدة في العالم في شتى المعارف والفنون، والترجمات مهما تكن
مستوياتها من حيث الدقة والأمانة والجودة فهي أفضل من لا شيء، أي أن تكون لدينا
الأعمال مترجمة إلى العربية بشكل ضعيف أو حتى سيئ، فهي أفضل من ألا تكون مترجمة
أبداً ولا نعرف عنها أي شيء.
*يقال إن المترجم بطبعه إنسان غير اجتماعي
ولذا لا ترى روح الفريق الواحد تشيع بين المترجمين الذين يعملون في إدارات وهيئات
ومنظمات كبير، ما السبب وراء ذلك؟
ـ
هذا قول نسبي، فكون إنساناً اجتماعياً أو غير اجتماعي إنما يعود في الأصل لطبيعة
كل شخصية منفردة على حدا وليس للمهنة، ولا أتفق مع وصم المترجمين بشكل عام بكونهم
غير اجتماعيين، فيما هم يتعاملون ويتعايشون مع ثقافتين ومجتمعين مختلفين أو أكثر
وغالباً ما ينجحون في ذلك ويكونون جسوراً بينها، أما عن كونهم يفضلون العمل الفردي
على الجماعي أثناء ممارسة عملية الترجمة ذاتها فهو في رأيي عائد لكون الترجمة في
جانب كبير منها فن وإبداع، لكل فيها أسلوبه وخصوصيته في طبيعة العمل مما يجعل
المترجم يشعر بالعبء وعدم الانسجام عندما تتداخل الأساليب وطرق العمل والمفاهيم
على نص واحد.
*وما
هي مشاكل المترجم الغربي؟
ـ
هم لهم مشاكلهم أيضاً ولكنها لا تُقاس بحجم وطبيعة مشاكلنا، فبعض أصدقائي من
المترجمين الغربيين يعيشون بشكل جيد من خلال عملهم في الترجمة فقط، ومع ذلك فهم
يطالبون كل يوم بالمزيد من الحقوق التي صارت في بعض الأحيان تكاد تشابه حقوق
المؤلف الأصلي، ومن ذلك مثلاً نسبة في واردات البيع ونسبة من الـ 10% المُستحصَلَة
سنوياً كضريبة عن الاستنساخ وغيرها، بعضهم يشكوا أيضاً بأنه لا يجد دار نشر تتبنى
ما يختاره هو وفق ذائقته الخاصة، وإنما تأتيه الأعمال مقررة من قبل دور النشر. وفي
محاضرتي التي ألقيتها في معرض الكتاب في مدريد بدعوة من رابطة المترجمين والكتاب
الإسبان، أثارتهم الشواهد التي عرضتها عليهم في كون المترجم العربي، وعلى الرغم من
أنه مهضوم الحق مادياً، إلا أنه يحظى بتقدير معنوي كبير فيحوز شهرة ويوضع اسمه على
غلاف الكتاب أسوة بالمؤلف، أما هم فالمعتاد لديهم هو أن يوضع اسم المترجم داخل
الكتاب ضمن قائمة المعلومات الخاصة بالنشر وبخط صغير، وقد أثار هذا الأمر جدلاً
واسعاً بينهم وأدرجوه ضمن الحقوق التي سيسعون للمطالبة بها.. وأعرف شخصياً منهم من
صار يصر على وضع هذا الأمر كشرط في عقوده مع الناشرين ونجح في ذلك.
*لماذا
يُقال أن في الترجمة الأدبية إعادة كتابة أو إعادة خلق أكثر من كونها ترجمة وذلك
لأن المترجم يعيد كتابة النص الأدبي كل بطريقته أو أسلوبه الخاص؟
ـ
لأن العمل الأدبي يختلف عن العمل العلمي أو الوثائقي ـ في كون اللغة هي بدنه وروحه
ومادة نسيجه الفني وتكوينه الأساسية، وكما يقول بورخيس إن أصل مفهوم الترجمة
الحرفية ليس أدبياً. وغابريل غارثيا ماركيز يُبدي إعجابه بمترجمين رواياته
فيقول:" أعتقد بأن أعمالي قد أُعيد إبداعها بالإنكليزية تماماً، فهناك أجزاء
يصعب نقلها حرفياً. لدي انطباع بأن المترجم قد قرأ الكتاب كله ثم أعاد كتابته
بالاعتماد على ذاكرته؛ لهذا فأنا معجب بالمترجمين، إنهم حدسيون أكثر منهم عقلانيين
وليس المؤسف في أن الناشرين يدفعون لهم قليلاً فحسب، بل إنهم لا يعتبرون عملهم
كإبداع أدبي!". إذاً فالترجمة الأدبية هي إبداع أيضاً، لذا فأنا أتفق تماماً
مع ما قاله محمود درويش، هنا في مدريد عند تقديم أحد أعماله المترجمة إلى الإسبانية،
قال: أشكر المترجم الذي هو شريكي بتأليف هذا الكتاب باللغة الإسبانية.
*كيف
ترى دور الترجمة في الحوار بين الحضارات؟
ـ
لا شك أن دور الترجمة عظيم في خدمة البشرية جمعاء وكل حضاراتها، وليس هناك أي وجود
لحضارة تستحق أن تسمى (حضارة) ما لم تستفد من الحضارات الأخرى ومن الترجمة عنها
وإليها. إن أهمية الترجمة لا تقل أبداً عن أهمية وظيفة اللغة الخاصة التي نتحدث
بها لنتفاهم مع القريبين منا، فهي بمثابة اللغة التي نتفاهم بها مع البعيدين وكلما
زادت الترجمات بين اللغات والثقافات كلما زاد واغتنى الحوار وبالتالي الفهم
والتفاهم بينها، وأنا عادة ما أحلم وأدعو لإيجاد وزارات للترجمة أسوة بوزارات مثل
الخارجية والتربية والمواصلات والاقتصاد وسواها.
*ما
الهدف من التقديم للكتاب المترجَم؟ وماذا يجب أن تحتوي هذه المقدمة؟
ـــ
شخصياً أرى بأن مقدمات المترجمين ضرورية ومهمة، لأنها مفتاح التعارف والتعريف
بالعمل وصاحبه، إنها تضيء لك الطريق قبل السير فيه. الأمر يشبه تقديم الأشخاص في
محاضرة، أن نعرف شيئاً عن المُتحدِّث وعن موضوعه قبل الاستماع إلى حديثه، سيجعل
التفاعل والمتعة والفائدة أكثر.
*هل
تنصح المترجم بالتخصص في مجال معين أم أنه من الأفضل أن يترجم في جميع المجالات؟
ـــ
لا شك أن التخصص هو الأفضل في كل المجالات، فليس هناك أفضل من الشاعر لترجمة
الشعر، والسارد لترجمة السرد، والقانوني لترجمة القانون، والاقتصادي لترجمة
الاقتصاد.. وهكذا.
*هل
لديك نصائح تود توجيهها للمترجمين الجدد؟
ـــ
أنصحهم بألا يتوقفوا عن القراءة باللغتين، ومتابعة الجديد فيهما دائماً، من حيث
الحِراك الثقافي وسوق الكتب ومزاج القراء وأخبار الأنشطة والجوائز وما إلى ذلك. أن
يتعايشون مع الثقافتين، وعدم الاكتفاء بالتمكّن من اللغة، لأن معرفة الثقافة توازي
معرفة اللغة، هما جناحان لطائر واحد. الأمر الآخر هو أن يحبوا عملهم، ويقتنعون
بأنهم يقدمون خدمة مهمة جداً للآخرين، وبأن الترجمة بحد ذاتها، عمل مهم ونبيل ونافع وشريف وممتع
وجميل، يستحق الامتهان وتكريس العمر له، ثم يسعون لجعل
الترجمة حرفتهم، فليس هناك ما هو أفضل وأجمل من أن يعيش الإنسان من عمل يحبه.
عندها سوف يبدع فيه حتماً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في كتاب (الوجه الآخر للتأويل، حوارات في الترجمة)، حسين مايع، دار قناديل، بغداد 2025م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق