لقاء مع الروائي والمترجم
محسن الرملي
أجرت الحوار: مروة نور
*بعد
خوض الكثير من التجارب وعيش الأنا بطرق مختلفة، كيف يعرف محسن الرملي أناه اليوم؟
ــــ عرفها
بكونها ثمرة خليط وتلاقح كل هذه التجارب والقراءات المختلفة. إنسان استطاع أن يوسع
من الدائرة الضيقة التي بدأ بها حياته ومازال يوسع من هذه الدائرة كل يوم ليصبح
أكثر انفتاحاً ونضجاً ومتفهماً ومحباً للآخرين المختلفين من شتى الثقافات
والجنسيات، إنسان أكثر إنسانية وأقل تعصباً.
*إلى أين تأخذك الكتابة؟
ـــ تأخذني إلى ذاتي وإلى الآخرين، تأخذني للوقوف أمام مرآة أرى فيها
نفسي وأرى فيها محيطي وزمني، تأخذني نحو عمق أكثر وأصدق في محاولة فهم العالم
والحياة، نحو المزيد من ملامسة جوهر الإنسان وإشكالياته وهمومه وأوجاعه وأحلامه
وقلق وجوده ولذة وألم هذا الوجود.
*لو سألتك أكمل الفراغ. خيال الكاتب.....؟
ـــ مادته الأساسية التي يعيد فيها جمع ولصق شظايا الواقع وإعادة
تركيبه.
*إلى أي درجة تعطينا الرواية الحقيقة؟
ـــ إلى درجة الإقناع بأن للحقيقة الواحدة أكثر من وجه وكلها قابلة
للشك فيها وإعادة النظر.
*الإيروتيك في الأعمال العربية أشد ظهورا أم الترجمة تختصر؟
ـــ يعتمد الأمر على مدى ضرورة وجودها في كل عمل، بغض النظر عن كونه
عملاً عربياً أو أجنبياً.
*لو كان للشيب تسميات، باسم مَن أول شيبة في رأسك؟
ـــ باسم الحزن على أخي حسن مطلك.
*تكلمت عن التسامح، موقف لا تتسامح معه أبدا؟
ـــ قتل إنسان دون محاكمته بشكل عادل.
*كيف يمكن تبسيط الحرب؟
ـــ لا يمكن تبسيط الحرب إلا عند الطغاة والجشعين وقليلي الضمير
والحس الإنساني.
*من يطحن المرء أكثر، الحرب أم الغربة؟
ـــ الحرب طبعاً.
*ماذا علمتك دابادا؟
ـــ أن الأدب من معجزات الإنسان وأن من اللغة ما هو ساحر حقاً، وأن
الكثير مما نعتقد بأن له معنى هو بلا معنى حقيقي بالأصل، والعكس صحيح، أي أن هناك
الكثير مما نعتقد بأنه بلا معنى ينطوي على معاني كثيرة.
*أين حسن منك؟ بمعنى أوضح، سلوك اخذته من حسن واضح تجليه فيك؟
ـــ الكثير، ومن ذلك: الشغف بالقراءة وتكوين رأي وفهم خاص، تقمص
الشخصيات عند كتابتها، تكرار كلمة جميل، حب الأطفال والتعامل معهم بصداقة، حب
الأصدقاء والتعامل معهم بأخوة، تغليب المثالية على المادية، تذوق اللغة إلى حد
الحس بطعم الكلمة في الفم، الشعور الدائم بالذنب تجاه ما تعانيه النساء في العالم،
الذود عن الحرية بكل السبل، الحرص على الاستقلالية، كسر الحدود بين ما هو أدبي
وواقعي، دوام الحلم، الحساسية تجاه الوقت، الانتباه إلى جماليات الأشياء، الغناء
في الأماكن المفتوحة وقرب الماء، الشعور الدائم بحضور الموت.
*تقول إنك تعيش لشخصين لك وعن حسن، عشت حلم حسن، ما حلمك انت؟ وهل عشته؟
ـــ نعم، عشته، حلمي السلام والحرية والأمان والحب والمتعة والجمال
وأن أكون نافعاً للأخرين.
*وانت وسط الجمع (رأيتك مبتسما) اثناء تثبيت شاهدة قبر حسن، بماذا شعرت؟
ـــ شعرت برمزية انتصار معينة، على الدكتاتور الذي قتله ومنع إقامة
مجلس عزاء له أو حتى ذِكر اسمه، وعلى الدواعش الذين حطموا كل شواهد القبور في
مقبرة قريتي، كما انني حرصت على عدم إثارة الحزن في نفوس أهلي وأصدقائي وأحبتي من
الحاضرين، الذين كانوا فرحين بزيارتي لهم بعد أعوام طويلة من الغياب، كما شعرت
بأنني أديت أمانتي إلى حسن بحفظ ذِكره وحفظ تراثه ونشره، وبأنه راضٍ عني.
*أمكنة معينة من منطقة صباك الأولى حية في ذاكرتك؟
ـــ النهر، الجبل، الحقول وبيتنا الطينيّ.
*مشهد اصطحبته معك في بداية تغربك حي في ذاكرتك؟
ـــ مشاهد عديدة، منها: مشهد أمي وهي تجلس وتدخن قرب نافذة البيت
بانتظار عودة أخي حسن من معتقله، واستمرارها بانتظاره حتى بعد إعدامه. نظرات
الفتاة التي كنت أحبها وهي تودعني مع المودعين دون أن نستطيع معانقة بعضنا أو حتى
قول كلمة. صلاة الفجر مع أبي ورؤيتي للملائكة عندما كان عمري تسعة أعوام.
*حدثني عن عودتك الى العراق (أول الأشياء التي بحثت عنها عينك بعد العودة)؟
ـــ أخواتي، ومن حسن الحظ أنهن كن بانتظاري في المطار، فكن أول وأغلى
ما رأيت.
*يتجاوز عمرك في المنفى عمرك في الوطن، كيف صيرك المنفى؟
ـــ صيّرني وصهَرني بحيث صرت أنا كما أريد؛ إنساناً حراً بكرامة
مُصانة، منفتحاً ومتفهماً ومحباً للآخرين بشتى تنوعهم.
*ماذا لو التقيت بمحسن الرملي على دجلة قبل السقوط بيوم، ماذا ستقول له؟ ما الذي ستفعله؟
ـــ هذه دجلة أمك، قدرك أن تكون عراقياً فتحمل تبعات هذا القدر المُر
العزيز.
*إلى أين ترجو أن تقودك دروبك في الحياة؟
ـــ إلى مزيد من السلام والحرية والمحبة والمتعة والعطاء، إلى نهاية يقول فيها الناس عني: كان إنساناً طيباً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في مجلة (ضفاف)، العدد 54 نوفمبر 2022 العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق