الكاتب
العراقي محسن الرملي
عرفتُ
نفسي من خلال الأدب
حوار: سماح
إبراهيم
محسن الرملي
كاتب عراقي صاحب صوت خاص، يطرح في كتاباته دائماً قضايا العراق الذي يسكنه بالطبع،
رغم إقامته الطويلة وعمله كأكاديمي في إحدى جامعات إسبانيا، ومع تنوع حقول إنتاجه
الأدبي، ما بين كتابة الرواية والقصة والشِعر والترجمة، إلا أنه يتهيم من كتابة
الشعر كما الكتابة للأطفال التي يحوضها أحياناً... "القاهرة"
التقته في الحوار التالي، للحديث عن تجربته الإبداعية بشكل عام:
*أصدرتَ مؤخرًا كتاب
"أنا معُلم نفسي، رسائل وحوارات للكاتب حسن مُطلك".. هل لك أن تُحدثنا
عن هذا الكتاب؟
ـــ في هذا الكتاب سيجد القارئ آراءً ونصوصاً وذكريات نادرة لحسن مطلك، وبمجمله؛ يشكل وثيقة مهمة عنه وعما عاشه وعايشه في تلك الفترة. فالحوارات، على قلتها، خمسة، تزخر بالأفكار ووجهات النظر المدهشة حيال الأدب، قراءة وكتابة، وحيال الحياة والفنون، وتكشف عن جوانب كثيرة من شخصية حسن مطلك وكيفية تفكيره، ومن حسن الحظ أن أولها، وجدناه مسجلاً على شريط كاسيت، سنة 1979، أي عندما كان حسن مطلك في الثامنة عشرة من عمره، أجراه معه صديقه، الذي أُعدِم معه أيضاً صالح جاسم، وفيه يتحدث بنضج مُبكر عن مفهومه للفن وعلاقته بالدين والذات والمجتمع والطبيعة، وآخر حوار له كان عام 1988 بعد صدور روايته الأشهر (دابادا). وكذلك رسائله المتنوعة، بمراحلها ومواضيعها، لي ولبعض أصدقائه وأقاربه ولأدباء آخرين، تشكل فسيفساء مدهشة من حيث أسلوبها وفتراتها والاعترافات التي تشي بها. أعتقد بأن هذا الكتاب سيعجب ويمتع أي قارئ، بغض النظر عن اهتمامه بالأدب والفن أم لا، عدا كونه متنوعاً في نصوصه شكلاً ومضموناً، وقد تلقيت العديد من الرسائل والآراء التي تشيد به، مما يجعلني أكثر رضاً على إقدامي لإعداده.
*صرَّحتَ بأن أهمية
المكان في إبداعك، تراجعت إلى الخلف مؤخرًا.. فكيف ذلك؟
ـــ ربما أن هذه الرؤية
قد تبلورت عندي لسببين رئيسيين، وهما: كثرة تنقلي بين الأماكن والبلدان على امتداد
حياتي، فوجدت أن الإنسان هو الجوهر، وأن الجوهري في كل الناس، في كل الأمكنة يكاد
يكون نفسه، بغض النظر عن المكان الذي يقطنونه، لذا صار تركيزي في الكتابة على
الإنسان أكثر. والعامل الآخر، والذي أكد لي بدوره النتيجة السابقة، هو أن التطور
الهائل في وسائط النقل ووسائل التواصل قد قرب المسافات جداً، أو حتى ألغاها،
فجعلنا نكاد نعيش في كل الأماكن في وقت واحد، أو أننا نستطيع مشاهدة ومتابعة
والاستعلام عن أي مكان في أي وقت نشاء، لذا لم يعد مهماً الاستغراق في وصف وضخ
المعلومات عن الأمكنة في النص الأدبي، لأن القارئ يستطيع الاطلاع على ما يشاء منها
بمجرد ذِكر اسمها في محركات البحث، وسيجد من المكتوب والمرئي والمسموع عنها ما
يغنيه. إن قيمة المكان ليست بذاته، وإنما بما يحدث، فيه وعليه وبه، من أثر إنساني،
ومن أثر الزمن، فالزمان أهم من المكان، وليس المكان سوى إحدى سبل قياس مرور الزمن،
وعلى الصعيد الشخصي، توصلت إلى أن أهم ما أريده من المكان هما: الأمان والحرية،
بكل معانيهما.
*بعد إصدار أكثر من 20 كتاباً
بين روايات ومجموعات قصصية وشعرية وترجمات.. ما الذي قدمه لك الأدب؟
ـــ لقد قدَّم الأدب لي
نَفسي، فلولاه لما عرفتُ نفسي كما أعرفها الآن، ولما عرفتُ ما أُريد، وكيف أُعبر
عما أُريد، ولما عرفتُ محيطي وعصري. قدَّم لي الإنسان بصدق، فرداً وجماعة، بصورة
عميقة وأسلوب جميل، لأن الأدب هو مِرآة الإنسان، يرى من خلاله نفسه وغيره بوضوح
أكثر، داخلياً وخارجياً، كما أنه الأنيس المخلص للإنسان في وحشة هذا العالم،
والمُنظِّم لفوضاه النفسية والاجتماعية. كما قدَّم لي أصدقاءً رائعين من مختلف بقاع
الدنيا، فصار الأدب لي عائلة كبيرة وميدان عمل وهوية ومصدر رزق. الأدب هو حياتي
الواقعية أكثر من الواقع نفسه.
*أشرتَ إلى ضرورة تقمص
الكاتب لشخصياته.. فإلى أي مدى تتماهى مع عناصر وأحداث رواياتك؟
ـــ نعم، ففي رأيي أن
على الكاتب أن يكون كالمُمثل تماماً في تقمص الشخصيات، لكي يجسدها ويقدما ويعبر
عنها بشكل أصدق وأفضل وأكثر إقناعاً وتأثيراً. وأنا أفعل ذلك مع أغلب شخصياتي
الرئيسية، وهذا الأمر تعلمته من أخي حسن مطلك، الذي كان يعيش أدوار بعض شخصياته
طوال فترة الكتابة، حتى وهو خارج أوقات الكتابة، هذا عدا أن أغلب أعمالي أستمدها
من تجاربي الشخصية، أو مِن تجارب مَن عايشتهم وعرفتهم وأتعرف عليهم في حياتي، فأنا
لستُ ممن يكتبون مجرد روايات فيها الشخصيات والأحداث مُختلَقة لمجرد التشويق، كما
تفعل الروايات البوليسية مثلاً، وإنما أكتب فقط عما عرفته وتفاعلت معه وتأثرت به،
ففي رأيي أن الكاتب هو شاهد على عصره، وأنا أحرص على تدوين شهادتي ورؤيتي وأفكاري
عن القضايا التي تمسني، وعند الكتابة أتأملها وأستعيد شعوري بها وأتقمص شخصياتها، لكي
تصل إلى المتلقي بأكبر قدرٍ من المصداقية.
*"أحلى
الألغاز" كتابك للأطفال، وهو أمر غير معروف لكثير من قرائك.. فلماذا تقلص نشر
كتابتك في هذا المجال؟
ـــ معك حق، فأنا على
الرغم من أن لديّ كم من النصوص والقصص للأطفال، لم أنشر منها سوى هذا الكتاب، ربما
لأنني أتهّيّب من ذلك، كما أتهيّب من نشري لنصوصي الشعرية، فالشِعر في نظري هو روح
الأدب وأكثرها حساسية وعمقاً ومغامرة في محاولة التعبير عما يصعب التعبير عنه، وأعتقد
بأن الكتابة للأطفال كلها شِعرية حتى وإن كانت نثراً، حالها كحال رسومهم أو الرسم
لهم، أو على الأقل يجب أن تكون كذلك، لذا أستغرب ممن يستسهلون الكتابة والنشر في
هذا الميدان، وفي كل الأحوال، أنا أمتحِن، عادة، أمام أطفالي، كل كتاباتي للأطفال،
وأُعدل عليها حسب ردود أفعالهم، وهكذا قد أطمئن إليها أكثر وأتشجع لنشرها في
المستقبل.
*يتنوع إبداعك بين كتابة
الشِعر والقصة والرواية.. فكيف يتم الانتقال بين كل جنس أدبي وآخر؟
ـــ بالنسبة لي؛ إن الموضوع
هو الذي يَفرُض الشكل، وعلى هذا الأساس فأنا حين أنتقل بالكتابة من جنس إلى آخر،
إنما أقوم بالاستجابة لنوعية وحجم وقضية الموضوع الذي يشغلني، فالرواية مثلاً هي
عمل فكري يتناول قضية أو قضايا كبيرة ومهمة يتطلب التعبير عنها كتاباً كاملاً،
فيما القصة القصيرة؛ تُشبه ملاحظة أو وجهة نظر أو رأي أو موقف، أما الشِعر فهو
حالة خاصة وحساسية خاصة ولغة خاصة قد تكون غير واضحة أحياناً حتى بالنسبة لي.. لذا
فأنا حين أجد ما لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات، أضع كل هذه الأجناس الكتابية
جانباً وأتجه إلى الرسم أو الشَخبَطة.
*في ظل الأحداث العالمية
المتسارعة على مستوى العالم العربي والغربي، حيث تُقيم، كيف يشتبك الأدب مع هذه
القضايا؟
ـــ بل هنا تحديداً يأتي
دور الأدب الحقيقي، لأنه يمثل الجانب التفكيري والتأملي والشعوري المُتروي، أي غير
السريع أو المُتسرع أو الراقص مع الراقصين على إيقاع العصر السريع. إنه الذي يُذكر
الإنسان بإنسانيته وبقيمته وكرامته وأوجاعه وآماله، في كل لحظة، ووسط كل الظروف
والتقلبات والأحداث. إنه الذي يقول له بأنك إنسان ولست مجرد رقماً أو مُستهلِكاً
أو برغيّاً في آلات ماديّة يتم التحكم بها. إنه الذي يعينه على الرؤية وسط غبار
الأحداث، والذي يُنظِّم له إيقاعه الخاص بتناغم، وسط هذا الصخب والضجيج اللاهِث
المتداخل، وهو الذي يجعله أكثر حساسية وتعاطفاً مع الإنسان الآخر وأكثر تفهماً
لذاته ولغيره ولعصره.
*ما الجديد لديك؟
ـــ لديّ رواية أعمل
عليه منذ سنين، ولكنني مازلتُ أجد صعوبات في صياغتها كما أُريد، لذا ركنتها
جانباً، مؤقتاً، لكي أُكمل مجموعة قصصية جديدة أُحبها، وأعتقد وآمل أن القراء
سيحبونها أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة (القاهرة)، بتاريخ 14/1/2025م
هناك تعليق واحد:
تسلم دكتورنا الغالي المحترم رحمة الله على صديقى حسن مطلك
إرسال تعليق