رواية حدائق الرئيس للدكتور محسن الرملي
بارِعة، مُذهِلة في رسم الشخصيات والأحداث
بشاير المحيميد
انطباعي عن الرواية:
رواية أذهلتني، هزّتني، أبكتني،
آلمتني، فجّرت في داخلي براكين الأسى، ثم أفرحتني لثوانٍ، ثم خطفت الفرحة لساعات،
وتركتني في همي وحزني.
ليست رواية عن حال الحرب فقط، بل
أيضاً عن سيرة الأبرياء البسطاء، الباحثين عن المعنى الحقيقي في الحياة، الراجين
للسلام والخلاص، الناشدين لأبسط صور السعادة، لا ذهب ولا جاه ولا مال، بل يد
دافئة، ويوم هانئ، وضحكات قلوب غالية.
في هذه الرواية بكيت عن كل المساكين، عن سمحيه وحبها الأول والأخير، زكيه البريئة التي لا تريد من الدنيا الا رؤية قمرها، عن زينب وهي تفقد وتفقد ولا لها حول ولا قوة، عن أحمد المفقود، سعد الفتى الساذج، ثم عبدالله كافكا وهويته ورغبته بالحياة، وأخيراً عن إبراهيم! سيد المساكين، مَن حاول أن يجد شتى المعاني في القسمة والنصيب، وها هي الحرب تسلب منه كل قسمته ونصيبه!
نقدي التحليلي (المتواضع):
بشكل عام
الرواية بالنسبة لي.. فاقت أي منتج
في الأدب أو السينما أو التلفزيون. استطاعت أن تخترق الأحاسيس وتوصل حال الحروب،
وما تخلفّه من معاناة، بأسلوب شيق ورشيق لا نراه في كثير من الروايات.
بشكل تفصيلي:
١.الأفكار
أرى أن الأفكار يتم استيعابها
بسهولة ووضوح، ولا تحمل غموضاً قد يتوه معه القارئ.
١.١.الفكرة
الرئيسية هي حال الحياة مع الحروب...
الرواية تجسد وضع أي بلد في حالة
حرب، وأجد أن كفاءة ومعرفة الراوي، استطاعت تجسيد ذلك بلا أي مبالغة أو محدودية، فأخذنا
بما يحدث في نفوس الناس الأبرياء من خوف وفجيعه، وترقب، وآمال ممتدة قد لا ترى
النور ابداً!
وكذلك نفوس المحاربين، ففيها
الضياع، والرعب، والقهر، وفي حالات، الدناءة والانحطاط وموت الإنسانية والضمير، وكيف
تستطيع الحرب أن تكشف الوجه الأكثر حزنًا وألماً للإنسان، وفي اللحظة ذاتها، الوجه
الأكثر بشاعة وحقارة، بما لا يمكن للحياة الطبيعية أن تُظهره.
٢.١.الأفكار
الثانوية:
-الطبقية
وأثر السلطة؛ كحال الرئيس والرفاه الذي يعيشه، في حين تتم تصفية الشعب، وكذلك حال
من له قرابة بالرئيس أو له منصب، فيستطيع أن يعيش حياة هانئة ولا يعكره نظام أو
التزام كحال بقية الناس.
-سخرية
الحياة وأنها ليست دائماً عادله؛ كقصة جلال المغتصِب الذي أصبح من الشخصيات المهمة
في البلاد! وزكيه المسكينة والبريئة التي تُرجَم وتُعدم بلا محاكمة عادلة ودون أي
شهود!
٢.الشخصيات
تتميز الشخصيات هنا بأنها تعكس
طبائع البشر واستجاباتهم في الحياة عامة والحروب خاصة،
فهناك من يُسلّم، ويراها قسمة
ونصيب، كإبراهيم، وهناك من يعترض، ويراها فوضى وحال ينعدم فيه المعنى وتتماهى فيه
الغايات كعبدالله كافكا، وهناك من ينتهز الفرص ويقدم نفسه ورغباتها قبل كل شي،
كحال طارق.
وأرى أن الكاتب استطاع أخذنا مع كل
شخصية وحالها، منذ البداية حتى النهاية، بمهارة فريدة وبما لا يتعارض مع جودة
تصويره للمشهد أو براعة الوصف والسرد، فها نحن نتعاطف أشد التعاطف مع إبراهيم
المغلوب على أمره، ونغضب ونأسى لحال عبدالله كافكا اليتيم والمهضوم حقه في الحياة
السعيدة، ونشمئز ونستهجن تصرفات طارق، وطريقة تفكيره الطفولية أحياناً،
والانتهازية أو اللامبالية في أحيان أخرى.
٣.الاحداث
أجد أن الكتاب استطاع نقل الأحداث
والتغيرات في مواضع مختلفة بذكاء وفهم عميق ودقيق لكل موضوع، مما يدل على خلفيته المعرفية
الواسعة وتعمقه.
١.٣.القرية
جسد لنا الكاتب ثقافة القرية؛ فالعلاقات
قريبه، متلاحمه، وحميميه أكثر من المدن، ففي المدن نادراً ما سنجد "أبناء شق
الأرض" ونسمع هذا الشعار مُخلداً من الجميع، العائلة، الجيران، والأصدقاء، وأيضاً
بساطة القرية، فالأولوية بأن تصبح فلاحاً على أن تكون طالباً متعلماً، ومن جهة
أخرى؛ ما يحدث في القرية من مشكلات، كمشكلة بعض القيم المتطرفة، كالعار، الذي قد
يجعل أب ينفي ابنه ويقتل إنسانه ظلماً، لأجل اسمه وشرفه!
٢.٣.السجون
جسد الكاتب ما يحدث في الأسرِ
والسجن من فوضى، تمحي الضمير ومعالم الإنسانية من النفوس، فهناك التعذيب، والإذلال
وغسيل الدماغ.. حتى يصبح الموت رحمة يتمناها الإنسان وينشدها للخلاص!
٣.٣.السلطة
وأخيرًا، وفي "حدائق الرئيس"
يُسلّط الضوء على جانب مظلم آخر من الحرب. يظهر الرئيس، قائد هذه الحروب ورمز
العدالة وحامل قيم الإنسانية النبيلة، وقد أصبح أحقر شخص في البلاد؛ إذ يعيش في
منتهى النعيم، بينما هناك من يُسحق ويعدم بسبب قراراته، أو حتى بيديه، كما حدث مع
الموسيقي المسكين "نبيل". ليجسد أقسى معاني الطغيان والجبروت، مُظهراً
الوجه الأشد ظلامًا وانحطاطًا للإنسان!
أجد أن الكاتب، أكثر من بارع، إنما
خارق، أسطوري أو خرافي، إذ استطاع خلق كل هذه المشاعر المتضاربة، والأحداث
المتعددة والثقيلة جداً، والشخصيات المتناقضة والعميقة، التي تتطلب ساعات من
الذهول، وأيام من الأسى.. وكرتون مناديل لدموع لا تنتهي... وكل هذا في ٢٧٠ صفحه
فقط!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قُرأت
هذه المداخلة في (نادي حروف) في (مكتبة صوفيا) في الرياض، ضمن
جلسة مخصصة لمناقشة رواية (حدائق الرئيس)، بتاريخ 12/12/2024م
*بشاير
المحيميد، فنانة وكاتبة سعودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق