السبت، 27 أكتوبر 2018

محسن الرملي: الرواية كتاب معرفي وليست حكايات للتسلية /حنان عقيل

حوار
محسن الرملي: الرواية كتاب معرفي وليست حكايات للتسلية
الشاعر والروائي والمترجم العراقي يؤكد أن الرواية العراقية لم تتناول حتى الآن مراحل التاريخ الثريّة، وأن جودة العمل لها الأولوية على صيت الجوائز. 

حنان عقيل
محسن الرملي، شاعر وروائي ومترجم عراقي، يقيم في إسبانيا منذ ثلاثة وعشرين عامًا. وصفته صحيفة “الغارديان” بأنه من نجوم الأدب العربي المعاصر. وهو صاحب تجربة ثريّة في الشعر والنثر والترجمة والمسرح. وقد أدرجت روايته “ذئبة الحُب والكتب” في القائمة القصيرة لنيل جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2015. “العرب” حاورت الرملي حول بعض ملامح مشواره الإبداعي وتجربته مع الترجمة.
رغم سنوات البُعد عن الوطن لا يزال الروائي العراقي محسن الرملي مسكونًا بالهم العراقي وتاريخه المُثقل بالهزائم والانكسارات في أعماله الأدبية. يرى الرملي أن العراق ليس فقط ذاكرته وإنما “هو وجهي، ملامحي، جيناتي، والدي، جرحي، دمي وبصمتي، وهذه أشياء يستحيل التخلص منها أو الانفصال عنها مهما ابتعدت في المكان أو الزمان، ومهما تغيّرت أفكاري وقناعاتي وطبيعة حياتي اليومية، وأشياء كهذه ستبقى تهمك وتؤثر عليك، شخصيّا وعلى أعمالك”.

التجربة والروايات 

من حكايات العراق

تحفل أعمال الرملي الروائية بهموم فكرية مختلفة. نجده يكتب عن الهوية الدينية والاجتماعية والدكتاتورية وتأثيرات العولمة وغير ذلك من القضايا والانشغالات الفكرية. نسأله إن كان الاشتغال الجمالي فحسب للرواية غير كاف وعليها دومًا أن تعكس الأفكار وتحللها؟
عن ذلك يجيب الرملي “نعم، فأنا ممن يعتقدون بأن العمل الروائي لا بد أن يحتوي على عنصرين أساسيين معًا وليس أحدهما فقط، وهما المتعة والمعرفة، وهذا الأمر أطبقه حتى في أسلوبي التدريسي وفي تفاصيل الحياة، ولا أتفق مع الذين يرون أن الرواية هي للمتعة فقط، لأن وسائل المتعة كثيرة ومختلفة ومتوفرة وأسهل، وبعضها أكثر متعة، وعند تفحص كل الأعمال الروائية الخالدة عبر التاريخ نجد أنها تضم هذين العنصرين (المتعة والمعرفة)، ومعروف أن الأدب كان مصدرًا للكثير من الفلسفات والأفكار ومنطلقًا للعديد من النظريات الفكرية والعلمية، بل وحتى منطلقًا لعلوم صرفة واختراعات استمدت بذورها من روايات الخيال الأدبي عمومًا ومن روايات الخيال العلمي بشكل أخص، والكثير من المفكرين والعلماء استعانوا بالأدب لتوضيح طروحاتهم وتحليلاتهم ومنهم فرويد على سبيل المثال في تأسيسه لعلم النفس. على هذا الأساس، أنا أتعامل مع الرواية على أنها كتاب معرفي كأي كتاب آخر، وليست مجرد حكاية للتسلية”.
يلفت الرملي إلى أن كل ما يرد في رواياته من شخصيات ومواقف وقضايا وغيرها، له بذوره وجذوره في الواقع مهما بدا خياليًا، وتبقى الفروق في مدى نسبة ما نأخذه من الواقع ومدى قربه الشخصي منا، مضيفًا “أنا بذلك لا أختلف كثيرًا عن غيري من الكتاب. أميل لأخذ الأقرب إلى تجربتي ومعرفتي ورؤيتي عادة، لم آخذ شخصية كاملة من الواقع كما هي أبدًا ولم أخترع أية شخصية من اللاشيء”.
يحضر البُعد الذاتي للرملي في الكثير من الأعمال بتنويعات مختلفة. في كتاباته القصصية والروائية نجد أجزاء من سيرته الذاتية. يوضح الكاتب “أستقي جل أعمالي من تجربتي الشخصية، فأنا أفهم الفن بتعريفه التقليدي والكلاسيكي، وهو: ترشيح الطبيعة أو الواقع من خلال ذات الفنان. وأكتب عما أعرفه وعما أريد معرفته أفضل مما يخصني ويخص الذين يهمونني، أكتب لأن ثمة شيئا أريد أن أقوله أنا بحسي ولساني ورؤيتي”. 
مساحات إضافية من حيث الجغرافيا والثيمات

في ظل كثرة الإبداعات الروائية العراقية في الفترة الأخيرة يرى البعض أنها لا تزال أسيرة لواقعها وظروفها وماضيها التاريخي وأن السرد العراقي على اتساع رقعته لا يزال غير قادر على التحليق في عوالم مغايرة لهذه المنطقة.
 يُعلِّق الرملي “مهما قيل عن كثرة الروايات العراقية في الفترة الأخيرة، فهي لا تزال قليلة جدًا قياسًا إلى كثرة وثراء المواضيع والهموم والقضايا العراقية الحاضرة، عدا أن مراحل التاريخ العراقي الثرية لم تتناولها الرواية لحد الآن، لذا أتمنى أن يتم إنتاج روايات عراقية أضعاف أضعاف ما أُنتِج لحد الآن، والأدب العراقي ليس ملزمًا بالابتعاد عن مناخات منطقته، فالصيني يكتب عن الصين والإسباني يكتب عن إسبانيا والأميركي عن أميركا ولم يطالبهم أحد بالكتابة عن غير مناطقهم وثقافاتهم”.
يشير الكاتب العراقي إلى أنه انتهى لتوه من رواية جديدة بعنوان “أبناء وأحذية” صدرت منذ أيام، وقد حاول فيها مد خطوات تجربته نحو مساحات إضافية من حيث جغرافيتها ومن حيث ثيماتها، وابتعد فيها عن أجواء الحرب والدكتاتورية التي تناولها في أعماله السابقة.
كما أنه أنهى الرواية التي يمكن اعتبارها بمثابة جزء ثان لـروايته “حدائق الرئيس”، وإن كان يمكن قراءتها كعمل مستقل أيضًا، وهو الآن في مرحلة المراجعات والتحرير والمناقشات مع ناشرها الإنكليزي.

الأدب كوثيقة

بالموازاة مع الكتابة الإبداعية في الشعر أو النثر، ترجم الرملي العديد من الأعمال من وإلى العربية. في هذا الإطار يعتقد أن نظرة الغرب وغير الغرب نحو الأدب بشكل عام هي في طور التغير، وما عادت التصنيفات الجغرافية والقومية من الأولويات، وإنما يتم الاهتمام بأي عمل جيد فنيًا وعميق إنسانيًا بغض النظر عن جنسية كاتبه، ذلك أن العالم أصبح مفتوحًا على بعضه البعض، أما عن الجانب الوثائقي الاجتماعي والسياسي الذي يُشكّل اهتمام الغرب الرئيسي في أحايين كثيرة بترجمة كتابات عربية محددة فهو موجود بشكل أو بآخر في طيات كل عمل فني، ولكن ليس هو العنصر الأهم على الرغم من أهميته، وأي عمل فني هو في نهاية الأمر يعد شهادة أو وثيقة على عصره حتى وإن كان عملاً خياليًا بحتًا. وبشكل عام فإن الأدب العربي المعاصر أخذ يحقق حضورًا تدريجيًا عبر أعمال جيّدة وباستحقاق، يعني ‘بذراعه’ وليس بمِنّة أو دعم أو تعاطف من أحد”. 
قصة المذابح في العراق

وفيما يتعلق بدور الجوائز في تعزيز الاهتمام الغربي بترجمة الأعمال العربية المتوجة بجوائز هامة يوضح الرملي “لا شك أن الجوائز تمثل دعمًا ولفت انتباه إلى الأعمال الحاصلة عليها، لكن ذلك لا يكفي لمسارعة الناشر الغربي إلى الاهتمام بالعمل، فالجوائز كثيرة جدًا في العالم، كما أن أعمال الجوائز العربية التي قامت هيئات الجوائز نفسها بترجمتها، لم يحظ أغلبها بالنجاح والاهتمام الغربي، لا من قبل الناشرين ولا من قبل القراء، لذا فجودة العمل لها الأولوية على صيت الجوائز. وأعمال عربية مثل ‘طوق الحمامة’ و’ألف ليلة وليلة’ و’حي بن يقظان’ وغيرها تمت ترجمتها إلى أغلب لغات العالم وفي أزمنة مختلفة، دون أن تكون حاصلة على أية جائزة من أي نوع. مع ذلك، وبشكل عام، أنا أرى أن مسألة الجوائز إيجابية، بغض النظر عن إشكالياتها المعروفة، فكل ما يصب في مصلحة الدعم والترويج لما هو ثقافي وفني أهلًا به”.
نسأل الرملي عما يمثله له وصول أعماله وترجمتها للغات أخرى؟ وهل ثمة اختلاف في قراءة ونقد أعمالك في الوطن العربي عنها في الخارج بمعنى أنها أكثر أو أقل تعمقًا وتوغلًا في فهم أبعاد العمل؟ ليجيبنا “إنه يطمئنني على أن أعمالي تحتوي على أبعاد إنسانية تهم الآخرين من ثقافات أخرى على الرغم من مناخاتها ومواضيعها التي تبدو محلية، وأنني بالتالي نجحت في إيصال ما هو هَم إنساني في بيئتي المحلية ووصله بالإنساني العام، أما عن النقد والقراءات فهما بصراحة نعم يختلفان، نبهني النقد الغربي إلى مسائل عديدة من حيث الشكل والموضوع لم ينبهني إليها النقد العربي، منها على سبيل المثال أنني أصف الموت بجمالية وأن تركيزي على طبيعة العلاقات بين الشخصيات يفوق تركيزي على المكان وحتى على الحدث نفسه أحيانًا، وأمور عديدة من هذا النوع، لكن ذلك لا يعني أن القراءات النقدية العربية قاصرة، وإنما تتناول الأعمال بشكل مختلف”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (العرب) العدد 11106 بتاريخ 12/9/2018 لندن

*ونشر في صحيفة (المشرق) العدد 4143 بتاريخ 19/9/2018 العراق
http://www.al-mashriq.net/inp/view.asp?ID=129151

ليست هناك تعليقات: