مفكرة المترجم
مع محسن الرملي.. دليل في حدائق الأدب الأسباني
علينا في العالم العربي أن نخطط لترجمة ألف كتاب سنوياً في كل اختصاص
من المحبذ أن تكون للمترجم محاولات أو تجارب كتابية
في حديثه إلى (العربي الجديد)
عوائق يواجهها المترجمون العرب بين غياب المشاريع الجديّة
ومؤسساتها وصعوبة التفرغ
للترجمة كمهنة يعتاش منها
مدريد ــــ العربي الجديد
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
ـــــ بدأت عندما كنت
طالبًا في المرحلة الثانية أو الثالثة من دراستي للغة الاسبانية في جامعة بغداد،
حيث عثرت على لقاء مع رافائيل ألبرتي في نشرة معهد ثربانتس في بغداد، والذي كنت
أتردد عليه وعلى مكتبته كثيرًا، ففرحت لأنني فهمته كله عند قراءته ولذا سارعت إلى
ترجمته، وبعثته إلى إحدى الصحف الرئيسية آنذاك ففأجأتني سرعتهم في نشره ومطالبتي
بالمزيد من الترجمات.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
ــــ كتاب (الأدب الإسباني في عصره الذهبي) وهو كتاب مرجعي في خمسمائة صفحة
وصدر عن دار المدى، وأعمل الآن، بالاشتراك مع زوجتي الدكتورة نهاد بيبرس، على
ترجمته رواية جوكا تيرون (الحزن العجيب لنمر الثلوج)، لصالح دار الخان للترجمة
والنشر الكويتية.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
ـــــ ضعف المكافأة المادية للمترجم، بحيث أن أغلب المترجمين لا يستطيعون
العيش من مردود الترجمة المادي وحده، فيما لو اتخذوا الترجمة مهنة رئيسية في
حياتهم، وهنا أتكلم عن الترجمة الأدبية تحديدًا، والمعوق الآخر أن الكثير من
المترجمين يجدون صعوبة في العثور على دور نشر تهتم وتتبنى كتبًا ترجموها باختيارهم
هم.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل
ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
ـــــ شخصيّا لم أسمع بهذا القول، وأتمنى لو تتكرس لدينا ظاهرة المحررين
سواء للترجمات أو للنصوص الأدبية، فدور المحرر مهم وضروري جدًا، أما عن تجربتي
الشخصية فقد عملت على تحرير ترجماتي بنفسي لأنني لم أجد من يحررها من بعدي، ومع
ذلك عادة ما أطالب الناشرين بإيجاد مصحح أو مُراجِع لغوي لها بالعربية على الأقل،
لأننا كثيرًا ما نقع في الترجمات بنقل تراكيب اللغة المنقول عنها كما هي.
ـــــ علاقتي مع كل الناشرين الذين تعاملت معهم جيدة، ولم أواجه أية مشاكل
معهم في كل ما ترجمته، ربما أن هذا راجع لمعرفتنا الشخصية ببعضنا والثقة
المتبادلة، وخاصة ثقتهم هم بي ومدى معرفتي بالمادة التي أريد ترجمتها، بل أن
أغلبهم يستشيرني أحيانًا حول عناوين يطرحها عليهم مترجمين آخرين.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي
تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب
السياسية؟
ــــ لا، ولم أواجه أية إشكالية من هذا النوع لحد الآن، لأن اختياراتي تنصب
أساسًا على أهمية العمل الأدبية والثقافية وأهمية مؤلفه في هذا المجال، وبالطبع
سأمتنع عن ترجمة أي كتاب يحمل هو أو كاتبه نَفسًا عُنصريًا أو مسيئًا لقضايا العرب
الرئيسية.
ــــ بعضهم أصدقائي، وبعضهم لا أعرفهم معرفة شخصية، وبعضهم متوفي منذ قرون،
وهم الأغلبية لأن أغلب ترجماتي من الأدب الكلاسيكي وهي التي أفضلها وتقع ضمن تخصصي
الأكاديمي.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج
أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
ـــــ نعم، وهذه أعتبرها من الأمور الجيدة والمحمودة، لذا فإن أفضل
الترجمات في مختلف اللغات هي تلك التي قام بها مترجمون كُتاب أو شعراء أو على
الأقل لديهم محاولات وتجربة كتابية، وبالنسبة لي فإن الكاتب في داخلي وفي خارجي هو
الذي يتغلب دائمًا على المترجم، بحيث أتصرف أحيانًا بإعادة صياغة مقاطع على حساب
الدقة في الترجمة.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
ـــــ أية جوائز في أي ميدان ومنها الترجمة هي شيء إيجابي، وأتمنى لو تزداد
وتنتشر وتتنوع لأن ذلك يثري الميدان، نعم، لا تزال جوائز الترجمة العربية قليلة،
وغير معروفة لجمهور القراء بحيث يمكنها التأثير على اختياراتهم في القراءة
وتشجيعها، كما تفعل الجوائز الأدبية مثلًا.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف
تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
ــــ هناك مشاريع ترجمة مؤسساتية رائعة وكان لها تأثير كبير وأثرَت الثقافة
العربية، منها على سبيل المثال، دار المأمون العراقية سابقأ، إصدارات المجلس
الأعلى للثقافة المصري ومشروعه القومي للترجم وسلسلة الجوائز، مشروع كلمة
الإماراتي، سلسلة عالم المعرفة الكويتي وغيرها.. وأغلبها ينقصها الاستمرارية بثبات
وتخطيط يعمل على ترسيخ نظامها ويجدد ويوسع اختياراتها ومترجميها.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل
لك عادات معينة في الترجمة؟
ـــــ أن أقتنع أولًا بأهمية ما أُترجمه، أن تكون المكافأة مجزية للجهد
والوقت الذي سأبذله فيه، وأسعى لأن تكون الترجمة سلسلة القراءة بالعربية قدر
الإمكان. أما عن العادات فإنني أجمع وأقرأ ما أستطيع من المعلومات عن العمل قبل
البدء بترجمته، وعندما أبدأ، أحرص على اتباع نظام عمل روتيني يومي تقريبًا، كي
أبقى متعايشًا مع مناخه ومتشبعًا به منذ البداية وحتى النهاية.
■
كتاب أو نص ندمت على ترجمته
ولماذا؟
ـــ فصل عن بورخس من كتاب (لماذا نقرأ الكلاسيكيين) لإيتالو كالفينو، لأنني
ترجمته مبكرًا قبل أن تتحسن لغتي وقبل أن أستوعبه تمامًا، عدا كونه من لغة وسيطة
أصلًا.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو
حلمك كمترجم؟
ـــــ أتمنى لو يتم تأسيس مشروع عربي شامل وجاد ونهضوي للترجمة ويُقَر في إحدى
قمم الرؤساء العرب، بحيث يتم استحداث وزارات للترجمة أو مؤسسات عليا في كل بلد
وترتبط بإدارة عربية مشتركة للتنسيق ومن خلالها يتم وضع خطط لترجمة ألف كتاب
سنويًا، على الأقل، في كل اختصاص، وتوضع قوانين وميزانية وافية وجوائز حقيقية ودعم
إعلامي، وبهذا سنستطيع مواكبة الجديد في العالم وإحداث نهضة ثقافية ومعرفية حقيقية
ستؤثر على كل الميادين الأخرى. أما حلمي الشخصي الفردي كمترجم، أتمنى لو أجد الوقت
الكافي كي أترجم أعمال أحبها، ولكي أترجم أطروحة الدكتوراه التي كتبتها
بالاسبانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بطاقة:
كاتب ومترجم عراقي من مواليد 1967 ومقيم في إسبانيا منذ
1995 ويكتب باللغتين العربية والإسبانية. من مجموعاته القصصية: "أوراق
بعيدة عن دجلة" و"برتقالات بغداد وحب صيني". ومن
رواياته: "ذئبة الحب والكتب" و"حدائق الرئيس".
أما في الترجمة، فمن أبرز ما قدّم: "المسرحيات القصيرة" لميغيل
دي ثربانتس، و"الأدب الإسباني في عصره الذهبي" الذي عرّب فيه
أبرز نصوص القرنين السادس عشر والسابع عشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (العربي الجديد) العدد 1471 بتاريخ 11/9/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق