الأحد، 15 سبتمبر 2019

حوار مع محسن الرملي /أحمد اللاوندي/ الشارقة الثقافية


عاش تجربة المنفى بفضائها الإنساني
الشاعر والمترجم والروائي محسن الرملي:
الشعر روح الأدب وجوهر الكلام
 
حوار: أحمد اللاوندي
محسن الرملي، شاعر وقاص وروائي ومترجم وأكاديمي عراقي، يقيم في إسبانيا منذ (1995)، ولد في (1967) بقرية سُديرة شمالي العراق، وحصل على الدكتوراه من جامعة مدريد (2003)، وهو يكتب باللغتين العربية والإسبانية، عضو جمعية المترجمين العراقيين منذ (1984)، وعضو جمعية المترجمين والكتاب الإسبان منذ (2008).  ترجمت كتبه إلى مختلف لغات العالم. كما ترجم كثيرا من الكتب الأدبية من الإسبانية إلى العربية. أسس مع الكاتب عبد الهادي سعدون دار ومجلة (ألواح) في إسبانيا (1997). وحاليا هو أستاذ في جامعة سانت لويس الأمريكية بمدريد.
صدر له في الشعر: "كلنا أرامل الأجوبة" (2003)، "نائمة بين الجنود" (2011)، "خسارة رابحة" (2013). وفي القصة القصيرة: "هدية القرن القادم" (1995)، "أوراق بعيدة عن دجلة" (1998)، "ليالي القصف السعيدة" (2003)، "برتقالات بغداد وحب صيني" (2011). أما رواياته: "الفتيت المبعثر" (2000)، "تمر الأصابع" (2008)، "حدائق الرئيس" (2012)، "ذئبة الحب والكتب" (2015). كتبت عنه كبريات الصحف العالمية، واعتبرته صحيفة الغارديان من نجوم الأدب العربي المعاصر، وقال عنه الملحق الثقافي المعروف لصحيفة الموندو الإسبانية إنه: واحد من أهم الروائيين والمسرحيين العراقيين المعاصرين، وأحد أبرز مترجمي كلاسيكيات الأدب الإسباني إلى العربية. 

*ثمة أشياء جميلة حدثت لك في طفولتك، هل تذكر لنا جانبا منها؟
ـــ هي كثيرة. الريف النقي، حقلنا، النهر، حيوانات الدار التي كان لكل منها اسمها الخاص، الإفطار الجماعي بين إخوتي ووالديّ، دروس الرسم في المدرسة ومشاركتي في أعمالها المسرحية، مطاردة العصافير والفراشات والأرانب والأفاعي مع أصدقائي، حبي للكتب ولمكتبتي الخاصة برفوفها الكرتونية، قصص أؤلفها وأرسمها بنفسي، السهرات العائلية حول المدفأة وتحميص الذرة، حكايات أمي وعمتي وجدتي.. الأمان، والسلام والأحلام، نقاشاتي مع أخي حسن مطلك.. وكل لحظة معه.
*تركت العراق في (1993) متجها إلى الأردن، حدثنا عن وجودك فيها، وفي أي المهن عملت، وماذا أصدرت؟
ـــ كانت مرحلة مهمة جدا في حياتي، وقد فصَّلتُ جزءا منها في روايتي (ذئبة الحب والكتب)، مرحلة الانتقال من مناخ يتحكم بك، إلى فضاء مفتوح وعليك أن تدير فيه أنت مسؤولية نفسك. هناك عرفت الكثير من المبدعين بشكل شخصي، وعرفت أن الكبار منهم هم كبار في تعاملهم الراقي والإنساني، أمثال الشاعر عبد الوهاب البياتي والروائي مؤنس الرزاز والمسرحي عوني كرومي.. وغيرهم، ممن أصبحوا أصدقائي، كما عرفت أناسا بسطاء غاية في الكرم والطيبة فكانوا بمثابة أهل لي، وأعانوني في اللحظات المريرة، وآخرين، غاية في القسوة، استغلوا عوزي فشغلوني في أعمال متعبة، ولم يمنحوني أجري عليها. هناك، نشرت أول كتاب لي، مجموعة قصصية على حسابي وبمساعدة أصدقاء (هدية القرن القادم) في مطبعة خاصة ببطاقات الأعراس وعلب الحلويات وما إلى ذلك، كما قُدمت مسرحيتي (البحث عن قلب حي) في مهرجان الشمال في مدينة إربد، ونشرت الكثير من المواد الثقافية في الصحف كسبا للرزق، لأن الأعمال التي تنقلت بينها كانت مرهقة ومؤقتة وظالمة لي في أغلب الأحيان، ومنها أعمال في البناء والحديد وقطف الزيتون وتنظيف الحدائق وحارس في ورش تحت الإنشاء.. وغيرها، هناك، عرفت الجوع أيضا، ولكنه كان جوعا لذيذا بشكل ما، لأنه مصحوب بالحرية وتجدد الأحلام.
*في (1995) سافرت من الأردن إلى إسبانيا لتدرس في جامعة مدريد، وحصلت على الدكتوراه في (2003)، ما الصعوبات التي واجهتك هناك؟
ـــ إنها المصاعب التي يواجهها أغلب المهاجرين في السنوات الأولى، متاعب الحصول على الأوراق القانونية للإقامة، الحنين، تدبير متطلبات العيش من بحث عن عمل وغيرها، خاصة أنني ذهبت بلا أية منحة دراسية ولم أتلق أي دعم من أية جهة، رافقها اضطراري لمعاودة دراسة اللغة الإسبانية بعد أن كدت أنساها خلال ثلاث سنوات من الخدمة العسكرية. كذلك الاختلاف الثقافي، شرق غرب، وأنا ابن رجل دين وعشيرة وريف، وقد ظهر صراع هذه الثنائيات في حياتي في روايتي (تمر الأصابع) والتي شعرت بعد أن كتبتها بأنني قد تصالحت مع ذاتي وعرفتها أفضل، انفتحتُ أكثر، وأحببتُ تعدد هويتي.. فتغيرت بعدها كثيرا. 

*أنت روائي وقاص وشاعر ومترجم وأكاديمي، لكن الشعر له خصوصية لديك، فلماذا الشعر بالتحديد؟
ـــ لأنه روح الأدب وجواهر الكلام، يتم انتقاء كل كلمة فيه بعناية وجهد، لا يشترط الارتباط بمكان وزمان أو أي شيء آخر، قدر ارتباطه بالجوهر الإنساني، كما أن فيه تحديا للقدرة الفنية في التعبير عما يبدو من استحالة التعبير عنه، فيما أن بقية الأجناس فيها هامش كبير للكلام العادي والشرح، وحتى الثرثرة أحيانا. الشعر لغز أيضا مثل الحب ومثل الحياة ويصعب الاتفاق على تعريف واحد له، وكل ما هو لغز يغرينا ويغوينا لمواصلة التعامل معه، ومحاولة الكشف عن أسراره.
*تقول: "ما من أحد لا يتأثر بأحد"، فبمن تأثرت أدبيا وثقافيا؟
ـــ كان التأثير الأول والأكبر والأهم في حياتي هو لشقيقي حسن مطلك، حيث كنت أتبع كل ما يقوله وما يفعله خطوة بخطوة وجملة بجملة، كمريد تابع وتلميذ نجيب عاشق لمعلمه، رسمَ فرسمتُ، نحتَ فنحتُ، كتبَ فكتبتُ. إلى أن انتبه هو إلى ذلك فناقش الأمر معي ونصحني بالبحث عن طريقي وأسلوبي الخاص بي، وابتدأ أولا باتفاقنا على أن ينشر كل منا باسم مختلف، هو حسن مطلك وأنا محسن الرملي، لكي يحمل كل منا وزر عمله وحده سلبا وإيجابا، خاصة أن الأعمال الإبداعية التي نشتغل في إطارها هي أعمال إبداعية فردية بحتة في الأصل وليست جماعية. بعد ذلك تأثرت بالكثير ممن قرأت لهم أمثال تشيخوف، سيرفانتس، الجاحظ، دوستويفسكي، غسان كنفاني، يوسف إدريس، ماركيز، ساراماغو، المعري، كافكا، يسنين، فوكنر.. وغيرهم. كنت وما زلت ألتقط من كل منهم درسا معينا في الفن الكتابي.
*رغم التشابه الكبير بين الثقافتين العربية والإسبانية، فإن الترجمة من وإلى اللغتين شبه غائبة، لماذا؟
ـــ الترجمة ليست غائبة ولن تغيب أبدا، لكنها قليلة جدا، أو أقل بكثير من المطلوب، وفي كل الأحوال، نحن نتفوق عليهم كثيرا، من حيث كم ما ترجمناه من لغتهم إلى لغتنا، ومعرفتنا بآدابهم تفوق كثيرا معرفتهم بآدابنا، والأسباب كثيرة، منها: صعوبة تعلم اللغة العربية، وإتقانها من قبلهم إلى حد إمكانية الترجمة، لذا، لا تجد في البلدان الغربية عموما إلا قلة من المستعربين الجيدين في كل بلد، وهؤلاء، يتجهون عادة إلى العمل في ميادين أفضل لهم ماديا من الترجمة الأدبية، كالميدان الأكاديمي والترجمات القانونية وفي الشركات وما إلى ذلك، هذا، عدا صعوبات النشر وقلة الاهتمام والدعم المؤسساتي وغيرها. 

*كيف ترى ابتعادنا عن أدباء أمريكا اللاتينية وهدمنا لجسور التواصل الثقافي والأدبي معهم، على الرغم من أنهم ينتجون أدبا مهما للغاية؟
ـــ الإشكال الأكبر هو الابتعاد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي العام، وليس على الصعيد الأدبي الذي لا بأس بمستوى معرفتنا به وترجماتنا منه، وهذا يعود لهيمنة المركزيات الثقافية الغربية عموما، حيث تتجه أنظارنا وتبعيتنا نحن وهم نحوها أكثر من الالتفات إلى بعضنا بعضا، وشخصيا، لم أترك مناسبة هنا أو هناك إلا ودعوت إلى توسيع معرفتنا وتقوية علاقاتنا بدول أمريكا اللاتينية، بما في ذلك في أعمالي الأدبية نفسها، ومنها روايتي الأخيرة (أبناء وأحذية) التي تدور بعض أحداثها في كولومبيا، إذ تربطنا بهم روابط دم مصاهرة، حيث هناك الآلاف ممن هم من أصول عربية وبينهم شخصيات بارزة في كل الميادين، كما أن الدول المهيمنة وضعتنا وإياهم في خانة واحدة، وهي (دول العالم الثالث) لذا، فالأولى بنا أن نكون أقرب إليهم، وأكثر معرفة وتعاونا، خاصة أن شعوبهم أكثر تفهما وتعاطفا مع قضايانا.
*رغم إقامتك الطويلة في إسبانيا ولك مؤلفات بالإسبانية، نجد أنك لا تزال تكتب باللغة العربية وتعتبرها لغتك الأم؟
ـــ لأنها لغتي الأم فعلا، وأجد نفسي أفضل في التفكير والتعبير بها، عدا عن أن أغلب مناخاتي وشخصيات أعمالي هي عربية، بل حتى ما كتبته في الإسبانية هو يشبه ترجمة ذاتية لنفسي أكثر من كونه تعبيرا أصيلا باللغة الإسبانية، باستثناء بعض النصوص الشعرية التي وجدتها تتبلور أصلا في ذهني باللغة الإسبانية ومفرداتها وإيقاعها ومناخاتها.
*كيف تنظر إلى المنتج الروائي العربي، وأين هو من المنتج الروائي العالمي؟
ـــ أراه جيدا كمّا ونوعا، بل إن الحراك الحيوي الذي يعيشه الآن، يتفوق على ما هو موجود في الكثير من بلدان الثقافات الأخرى، ولدينا روايات عربية كثيرة لا تقل أهمية وجودة عن أية رواية عالمية. ربما ينقصنا الاشتغال النقدي والدراسي والفكري الذي يرافقه، كي يساعد في إضاءته وإنضاجه أكثر، وبالتالي، تقديمه بشكل أقوى وأنصع، إلى جانب الحاجة إلى وقوف مؤسسات رسمية أو غير رسمية لتدعمه في التقديم والإعلام والتسويق.
---------------------------------------------------
*نشر في مجلة (الشارقة الثقافية) عدد سبتمبر 2019
أحمد اللاوندي: شاعر وإعلامي مصري 

ليست هناك تعليقات: