الأحد، 7 يناير 2024

عن الروائي محسن الرملي /جابر مدخلي

 

الروائي محسن الرملي.. بين الرصافة والجسر 

جابر محمد مدخلي

الأرض وحدها أو بمن عليها لن تجري علینا اختباراتها، ولن تُمضي علینا إلا ما یریده الله، نحیا أقدارنا كما هي بملامحها، ومؤجلاتها، وويلاتها، ولیس لدینا خیارات أكثر مما هي مقیّدة في ألواحنا المحفوظة منذ الأزل كل فیما یخصه ویعنيه ویُسر وقُدّر له، وضیفنا كان وسیظل حُلمه الوطن، سیره إليه حتى عبر الكتابة التي شقّها الله في صدره كبساتین لا یملك ما یبذره فيها غیر المداد، وفلسفة الحیاة، وتقاسیم العُمر التي حملته لبلدانٍ لم تكُن في خرائط توقعاته وإنما تسرّبت إليه كآخر الحلول وأولى الرحمات فتقبّلها وراح یبني عُمره في أحضانها خطوةً تلو خطوة، و"طوبةً" فوق "طوبة" حتى صار لدیه عمر من الاستقرار والإبداع الخاص به والقاموس الفرید من نوعه في السرد الروائي الحدیث، إنه الأكادیمي والروائي القدیر الدكتور #محسن_الرملي الذي الشفاف الصادق في تعابیره، المسترسل في تصوراته، و"ثیماته" وشغفه في بلوغ كل قرائه من شتى أقطار العالم..

محسن الرملي كاتب وشاعر وأكاديمي ومترجم عراقي، ولد في شمال العراق بقرية سديرة في قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين شمالي العراق (320 كم شمال العاصمة بغداد) عام 1967م، ويقيم في إسبانيا منذ 1995، حاصل على الدكتوراه بامتياز في الفلسفة والآداب من جامعة مدريد، مع درجة الشرف. وشارك في تأسيس وإدارة دار ومجلة "ألواح" الثقافية الفكرية في إسبانيا 1997. قدم ورشات لتعليم الكتابة الإبداعية والرواية في إسبانيا والمكسيك والكويت والإمارات. يعمل حالياً أستاذ في جامعة سانت لويس الأمريكية في مدريد.

يكتب باللغتين العربية والإسبانية، عمل في الصحافة كاتبًا ومحررًا ثقافيا منذ 1985، وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة العربية والإسبانية واللاتينية. وله ما يزيد على 20 إصدارًا تنوعت بين القصة والشعر والمسرحية والترجمات والرواية، تُرجمت بعض أعماله إلى أكثر من لغة أعماله: الروايات الفَتيت المُبَعثَر تمر الأصابع حدائق الرئيس ذئبة الحب والكتب أبناء وأحذية الشعر: كلنا أرامل الأجوبة نائمة بين الجنود خسارة رابحة أحلى الألغاز، شعر للأطفال القصص: هدية القرن القادم أوراق بعيدة عن دجلة، ليالي القصف السعيدة برتقالات بغداد وحب صيني تحفة السهران تَرجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية والإسبانية، ومنها: مجموعة (المسرحيات القصيرة) لميغيل دي ثربانتس، مختارات من الشعر الإسباني في العصر الذهبي، مختارات من القصة الإسبانية في العصر الذهبي، (كاتدرائيات مائية) لخوان ماسانا، مائة قصيدة كولومبية (صلاح نيازي وأغاني للشعوب التي بلا حمَام) شعر لآنا خوليا غوناليث، (مقاعد) قصائد لإبراهيم نصرالله

حصل على عدد من الجوائز منها: جائزة الطلبة والشباب للقصة القصيرة (تقديرية)/بغداد 1988. • جائزة الطلبة والشباب للقصة القصيرة (الأولى/مناصفة)/بغداد 1989. • جائزة مجلة الشرق الأوسط للقصة القصيرة، لندن 1996. • جائزة أركنسا/ أمريكا 2002 عن الترجمة الإنكليزية لروايته (الفتيت المبعثر). جائزة الدعم الأوربية لتطوير كتابة السيناريو1996 عن السيناريو الذي كتبه مع المخرج الإسباني أنطونيو كونيسا كرَّمته الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب بشهادة تقديرية سنة 2007

اقتباسات من أقواله:

*الرواية هي صورة الإنسان وعلاقته بنفسه وبمحيطه

*لا أهرب من المواجهة، إلا أنني أُفضل النجاة من الإبادة، لأواصل الكتابة عن معاناة الآخرين

*المرأة أكثر حساسية تجاه الكلمة من الرجل، وأكثر قُراء الروايات في العالم، هم من النساء

*لو كانت العولمة، التي يريدونها، تخدم الإنسان أولاً، وليس رأس المال، لما زاد تمسكنا بإبراز ثقافتنا وهويتنا الخاصة، وفي كل الأحوال، نحن نعتز بصفاتنا وقيمنا الأصيلة التي لا تُغيرها العولمة، وهي قِيم قادرة على الصمود أمام تأثيرات عولمة استهلاكية.

*لا نجيد غير تسويد الصفحات بحكايات حزينة، فيراودني الشك بأن مصانع تكرير الورق ستكفي لفيض آبار الحكايات في وطني

قال عنه الناقد المصري الكبير محمد سمير ندا: تتميز كتابات محسن الرملي بقوة الاستهلال، وانسيابية السرد، فالحكايات تتوالد، والمرويات تتناسل، كل حكاية تخبئ في رحمها أجنة حكايات أُخرى، والسطور عامرة بالتفاصيل والأماكن المشيدة على قمم الحروف، والواقع أن محسن الرملي حكّاء فريد من نوعه، إذ هو أقرب إلى عازف الربابة الجوال الذي عرفناه في قرى وصعيد مصر، وإن كانت معزوفاته الشجية مضفورة بالوجع، وحكاياته ومواويله حافلة بالخسارات والألم، لا تترك موضع قدم لأبطال السيرة الهلالية والحكايات الشعبية التي يعيش الناس على زهوها وفخرها الزائف.

قال عنه الكاتب والناقد علي حسن الفواز رئيس اتحاد الكتاب العراقيين: تضعنا سرديات محسن الرملي أمام واقعية الانتهاك الجسدي، مثلما تضعنا أمام سردية الانتهاك الرمزي، والفعلان يرسمان مخططا سيميائيا لفكرة «انتهاك الإنسان» بوصفه مجالا رمزيا يحيل إلى انتهاك المكان/ الوطن، والمعنى والذاكرة

يقول محسن الرملي في حوار مع علي يافع:

*لم أكف عن القراءة داخل الدبابة وتحت القصف

*واقعنا العربي جعل الواقعية تهيمن على الرواية

*لا بد من المحرر الأدبي في دور النشر

*الأدب وليد الذاكرة وحافظها

*لولا القراءة والكتابة لمتّ كمداً

*الرواية اليوم واحدة من أقوى أدوات التنوير

*في كتاباتي الأولى كنت أكثر حرية وتجريباً

*المعرفة ألذّ المتع وأكثرها نفعاً

وكتب الإعلامي والكاتب مجيد السامرائي: هيـام بطـلة مـتخيـلة في راويـة (ذئبـة الحُب والكُـتب) لـ محسن الـرملي، أمـا هو فـقد قدم، فوتـوغرافيـا بالألوان، عن سيرة حـياته بدقـة، من قريـته اسديرة الـشرقاطـية حتى عَمـان إلى إسـبانـيا، حـيث نـال الدكـتـوراه في دون كيـخـوته.. تقـول ذئـبة الـكتب: "الحروف في الـكتـاب رموز تجـريديـة تتكـلم وتعـبر عن كل شيء، أسـتشـعرهـا حيّة، وأرى أطراف الحـروف ونقاطها مثل ألسن وأيدٍ تتكلم. القصائد التي كنت أقرأها في رسائل أبي إلى أمي وكلمات الأغاني التي أطالب أمي بشرحها لي كشفت لي بأن الكلمات، هذه الأصوات، تعني الكثير، ولها امتدادات بعيدة وواسعة أكثر من ظاهرها.. إنها تمثيل لوجود أوسع.. هكذا قادتني الكلمات إلى الشغف بالكتب أكثر.."

إن تجربة الرملي لم تولد في البدء وإنما مرّت بمخاض عسير؛ لهذا خرجت لنا أكثر نضجًا وأثرًا وتأثيرًا وستظل كذلك...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت بتاريخ، في منصة اكس تويتر 7/1/2024م

https://twitter.com/JMadkhali/status/1743707091850637342/photo/1

الخميس، 7 ديسمبر 2023

محسن الرملي في ندوة عن الكتابة / معد فياض

 محسن الرملي لـرووداو

في الخارج أكتب عن العراق بحرية لكنني أفتقد حرارة اللقاء بقُرائي

معد فياض

رووداو ديجيتال

لم ينقطع الكاتب والشاعر العراقي الأكاديمي، محسن الرملي، عن أصوله العراقية، مولود في قرية (سُديرة) بقضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين، رغم تنقله منذ 1993 في دول عدة، آخرها إسبانيا التي يقيم فيها منذ 1995، حيث حصل من جامعة مدريد على شهادة الدكتوراه، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من كلية الفلسفة والآداب، عن رسالته "تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته" عام 2003. ويعمل حالياً أستاذ في جامعة سانت لويس الأميركية في مدريد... رغم ذلك فإن رواياته تنقل الروح العراقية حدثاً وانفعالاً واحساساَ، وتجسد ذلك، مثلاً في أعماله: أوراق بعيدة عن دجلة (قصص)، تمر الأصابع (رواية) كتبها بالإسبانية والعربية، ذئبة الحب والكتب(رواية)، برتقالات بغداد وحب صيني(قصص)، حدائق الرئيس (رواية)، أبناء وأحذية (رواية)، كلنا أرمل الأجوبة، ديوان شعر صدر في مدريد بثلاث لغات: العربية والإنكليزية والإسبانية. إضافة إلى أعمال عديدة أخرى.

الكتابة من الخارج

في محاضرة ألقاها مؤخراً، بدعوة من نادي (المدى للقراءة) ومعهد غوته الألماني في أربيل، إضافة لإشرافه على ورشة كتابة للشباب، قال الأكاديمي محسن الرملي لرووداو، حول وضوح الرؤية في الكتابة من الخارج، إسبانيا، حول ما يحدث في الداخل، العراق:” أتفق معك، إننا إذا رأينا المشكلة ونحن في الخارج، أفضل بكثير مما لو كنا في الداخل، إلى جانب اننا نشعر بالأمان والحرية، في الخارج، ونستطيع أن نكتب هناك إيجابيات وسلبيات. هذا على صعيد الكتابة، لكن نحن الذين في الخارج نخسر التقاليد الثقافية السائدة في الداخل، ببغداد مثلاً هناك أجيال تتعلم من الأجيال السابقة، يعني الشباب يجلسون في المقهى مع أدباء من جيل الستينيات والسبعينيات، ويصير هناك تراكم أدبي من خلال النقاشات، وتقاليد ثقافية". مشيرا إلى أن: "مثل هذه التقاليد تحدث في مصر تماماً، مثلما كان يحدث في بغداد.. بالنسبة لبلداننا التي انفجرت وتشتتنا، نفقد هذا التواصل بين الأجيال، وأيضا نفقد حرارة اللقاء مع الناس وحرارة الكتابة عن المشاكل، مثلا يسألوني أو يطلبون مني أن أكتب عن فترة (داعش) او انتفاضة تشرين، أنا أتمنى ذلك، ولكن بما أنني ما عشتها (الأحداث)، فسوف أفقد احساس الصدق فيها.. من ناحية أخرى، نحن في الخارج نفقد التقائنا بالقارئ، الأمر يختلف عندما تلتقي بالقارئ ويتحدث عن رايه من روايتك، فتطور أدواتك من خلال هذه اللقاءات والآراء... أحياناً أشعر بأنني بعيد ومعزول، وهذه مشكلة، يعني نفقد الحرية ووضوح الرؤية والتواصل مع محيطنا الثقافي والمتلقي".

وعن نظرته لأهمية المرأة في الأدب، فيما يعتقده الرملي، قال، والحديث لرووداو:"المرأة والرجل يكملان بعضهما. لكن المرأة أكثر حساسية من الرجل. في العالم كله المرأة هي أكثر من يقرأ.. الاحصائيات تقول إن المرأة أكثر اقتناءً للروايات". منبهاً إلى ان:" غالبية الكُتاب عندما تسألهم عن مصادرهم الأولى في الحكايات والقص يقولون مباشرة: جدتي، جدتي هي التي حكت لي ونمت عندي مخيلة القص والكتابة، لم أسمع أحداً قال: جدي...هن، النساء، الملتزمات بالحكاية. حكايات (ألف ليلة وليلة) روتها امرأة، شهرزاد.. هناك تفاصيل عند المرأة لا يستطيع الكتابة عنها إلا المرأة الكاتبة، البقية مشترك، أعني الموقف العاطفي وغيره.. الرجل يمل من قراءة مشهد عاطفي طويل، عكس المرأة... انخيتونا أول من بدأت الأدب وكتبت القصيدة الأولى، وهناك أول آلهة امرأة، ومن علَّمت انكيدو الخارج من عالم الوحوش، أن يكون إنساناً، كانت امرأة".

تعدد الهويات إغناء إبداعي

وفيما إذا كان الانتقال من بيئة، من بلد، من مجتمع، إلى آخر، يشكل أزمة هوية لدى الكاتب، وهو الخارج من بيئته العراقية إلى بيئة أوروبية، إسبانيا، قال الكاتب محسن الرملي: “أعتقد وحسب التجربة، إن أي انتقال هو مؤلم، ليس للإنسان فقط، إذا تنقل شجرة من أرضها إلى أرض أخرى سوف تذبل في البداية، وتعاني حتى تمد جذورها في الأرض الجديدة، الحيوان كذلك سيحاول أن يتطبع مع المكان الجديد، فكيف بالإنسان؟"، مستطرداً بحديثه:" كانت تجربة الانتقال من العراق إلى إسبانيا، في البداية، مؤلمة، والذي لا يقاوم فسوف يسقط، الشجرة التي لا تتحمل ولا تستطيع مد جذورها في الأرض الجديدة سوف تذبل. ظهر هذا في نتاجاتي التي كتبتها في إسبانيا، في السنوات الأولى، وفي مجموعتي القصصية (أوراق بعيدة عن دجلة)، حيث أني كنت أقارن بين المدن العراقية والاسبانية، أو أخلق مرادفات أو تشابه بينها، كأني أقارن وأُقنع نفسي بأنني لم أتغير، وان الأماكن متشابهة، وبالتحديد موضوع الهوية، في روايتي (تمر الأصابع)، فهناك ثلاثة أجيال يتنقلون، جيل الأجداد قناعاتهم ثابتة سواء كانت الاجتماعية أم الدينية، وجيل الآباء، وهو جيل الستينيات، وجيل الأبناء وهم الجيل الثالث". موضحاً: “في الادب العربي هناك دراسات كاملة لما يُسمى بـ(الشرق والغرب)، وهذا واضح ومنذ وقت مبكر، كما في رواية (قنديل أم هاشم) للكاتب المصري يحيى حقي، وفي الخمسينات ظهرت رواية (الحي اللاتيني) للكاتب اللبناني سهيل إدريس، ورواية (موسم الهجرة إلى الشمال) للكاتب السوداني الطيب صالح، كان واضحاً في هذه الأعمال طابع الانبهار بالغرب، وكانت الحرية الجنسية شيء صادم كما في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال). أما نحن الجيل اللاحق، لا توجد في أعماقنا عقدة تفوق الغرب علينا، لا يوجد عندنا انبهار بالحرية السياسية أو الجنسية أو الاجتماعية أو الثقافية، ذلك لأننا ذهبنا إلى الغرب ونحن نعرفهم ونجيد، من خلال الدراسة، لغات البلدان التي ذهبنا اليها، ولهذا كان من السهل أن تجعل لك هناك جذوراً. هناك مهاجرين أو مهجرين من مدنهم داخل العراق، في أربيل مثلاً، بسبب أعمال تنظيم داعش الارهابي، أو مشاكل أمنية، وهنا يسألني البعض: كيف تحَملت الغربة على مدى 30 سنة، وهم أمضوا 3 سنوات هنا ولم يتحملوا الغربة ويعانون".

ويستطرد قائلا: "أي انتقال مؤلم، ولكنه بمرور الزمن يتحول إلى إثراء.. إلى انشطار وهو أيضا مؤلم، ويكوِن ثنائيات، لكن مع الزمن، تتمنى لو أنك منشطر عشر مرات.. أتمنى أن أعيش عشر سنوات في الهند وأخرى في افريقيا وأخرى في الصين وعشر سنوات في أقاصي آسيا، كوريا، يا ليت هناك متسع في العمر لنعيش ونتعرف على ثقافات أخرى، ونحن الذين صرنا نتمتع بهويتين أو ثقافتين، أقول: أن تقف بقدمين أفضل من أن تقف بقدم واحدة... بمرور الزمن، حتى لو كان هذا جرح أو اقتلاع، فسوف تُحب هذا الجرح وتعتز به". 

الأهمية للزمان

ولكن هل بقية أهمية للمكان عند الرملي، يجيب قائلا:" بعد الانتقال الذي تحدثتُ عنه آنفا، تراجعَت عندي أهمية المكان إلى الخلف. اكتشفتُ ماذا أريد أنا من المكان، أي مكان، وهو أن يوفر لي نقطتين: الأمان والحرية، بعد ذلك لا يهمني أين أعيش وفي أي بلد، المكان ليس مهماً عندي، إنما الأهمية للزمان.. الزمان هو أنا، يعني الساعة التي تمر هي أنا، لكن المكان الذي يتغير لا علاقة لي به، إلا من حيث أن يوفر لي الشروط، مثل معطف، إذا كان ضيقاً لا أشعر بالراحة فيه، أما إذا كان على مقاسي وعلى ذوقي سأرتديه وأتحرك به وأنا مرتاح"، مضيفاً: "فهمي للمكان هو انه أداة، وأعرف شروطي لهذه الأداة. إذا وفر لي أي بلد آخر الأمان والحرية كأساسيات، لا يختلف الأمر عندي، لكن الزمان يختلف، فأي ساعة تمر هي من عمري، والمكان ليس من عمري، واكتشفتُ أن الذات هي الزمن... في المفهوم البابلي، المنفى لا علاقة له بالمكان وإنما كان زمانياً، يعني أنت تنشأ وتحلم في بلد، وفجأة ينقطع الحلم ولا تستطيع أن تحقق أحلامك، وتضطر في أرض أخرى أن تبدأ من جديد وتحلم أحلاماً جديدة حتى تؤسس ذاتك، يعني خلع أو سلخ الروح الزمنية أكثر قسوة من سلخ المكان".

التكنولوجيا الرقمية

وعن غزو التكنولوجيا الرقمية لعالم الكتاب الورقي، يوضح الرملي قائلاً: "قبل التكنولوجيا الرقمية، كانت هناك المقاهي الثقافية وهذا تقليد أوروبي انتقل إلى مدننا، ومنها بغداد، ومن هذه المقاهي خرجت حركات فكرية وتجارب أدبية إبداعية. يجب الحديث عن أهمية الكتاب الورقي. كان سوق الوراقين ببغداد في العصر العباسي أشهر الأسواق، ومنه خرجت أمهات الكتب". مشيراً إلى أن: "قراءتك للكتاب لوحدك لا تكفي، يجب مناقشة ما قرأته مع الآخرين كي تُثري قراءتك، ونوادي القراءة هي خير من يُثري القراءة. كانت هناك صالونات أدبية معروفة للقراءة والنقاش، مثل صالون مي زيادة في بيروت، وعباس محمود العقاد في القاهرة، وفي بغداد أيضاً كان هناك صالون الفنانة عفيفة إسكندر الذي حضره كبار الكتاب والشعراء والنقاد، حيث تجتمع النخبة ويناقشون كتاباً جديداً أو نتاجاً أدبياً جديداً، نوادي القراءة حالياً موجودة بغزارة في منطقة الخليج، لكنها في العراق قليلة، وأغلب هذه الصالونات تديرها سيدات، وباللغة العربية والانكليزية، بينما هناك أندية للقراءة في أميركا اللاتينية وأنا دُعيت إلى بعضها في المكسيك وكولومبيا. انديتنا، رغم قلتها، مثل (المدى)، هي أوسع وأكثر وصولً إلى الخارج، عبر الانترنيت، أما في أميركا اللاتينية فالحضور بسيط وغالبيتهم أصدقاء يقرأون لبعضهم، ومتعثرة وأعضاء مكررون... ما شاهدته في بغداد وأربيل، كـ (نادي المدى للقراءة)، هو صالون مفتوح وعدد الأعضاء والحضور فيه كبير، وأنا أحسد هذا الجيل على توفر فرص كهذه".

التاريخ مزيّف

وفي مقارنته بين الرواية والتاريخ، أكد الروائي محسن الرملي قائلاً:" أنا من المشككين في كل التاريخ، وذلك لأنه يتم تزييف الحقائق أمام أعيننا. الحقائق التي عشناها، يتم تزييفها وإعادة طريقة كتابتها، ونحن الشهود الأحياء عليها، ثم يتحول ذلك إلى تاريخ". مضيفاً: "أنا كنت مهتما بقراءة التاريخ، واليوم تقريباً انقطعتُ عن قراءته. في رأيي أن الرواية هي كتابة وكِتاب العصر، وهي الجنس الكتابي الذي يُعبر عن أي إنسان في الزمان والمكان... لا يستطيع أي كتاب آخر أن يعطيك فكرة عن أي انسان في الزمان والمكان كما تفعل الرواية، لا تستطيع كتب التاريخ أو الاقتصاد أو السياسة ذلك".  وبإيضاح أكثر، يقول: "الرواية هي صورة الإنسان وعلاقته بنفسه وبالمجتمع المحيط به. عندما تقرأ أي رواية عراقية، سوف تفهم طبيعة علاقاته مع الآخرين وعلاقته بزمانه وبمكانه... أنا درستُ اللغة الإسبانية بسبب الرواية. نعرف الشعوب الأخرى من خلال الأدب وليس من خلال الإعلام، لأن الإعلام (حيادي)، كل النصوص الأخرى هي نصوص بلا مشاعر، بحجة الحيادية، سواء أكانت تاريخية أو إعلامية أو جغرافية، ما دامت خالية من المشاعر، فينطبق عليها مفهومي، السابق الذِكر، عن المكان، بأنه شيء خارجي، يعنيني بقدر إفادته لي، كتب الجغرافيا والسياسة والاقتصاد تنفعني خارجياً، أما الرواية فلها علاقة  بالزمن وبذاكرتك وبأحلامك،  لهذا الرواية هي كتاب الإنسان، ونعرف الإنسان عن طريقها بداخله وخارجه، وتعتبر وثيقة بل، أهم الوثائق، أنا درستُ أكاديمياً العصر الوسيط، العصر الذهبي في إسبانيا، القرنين السادس والسابع عشر، المصدر الأكثر وثوقاً هو الأدب، من خلاله تعرف التفاصيل والناس وموقفهم من السلطة، حتى بواسطة الرموز، وكيف كانت الطبيعة وحياة الناس، بينما التاريخ، وأتحدث عن تجربة إسبانيا، اضطر في القرن التاسع عشر، عندما كانت إسبانيا إمبراطورية وتسيطر على نصف العالم تقريباً، أميركا اللاتينية والفلبين، التي جاء اسمها من الإمبراطور الإسباني فيليبه، فالمثقفين الإسبان، الشعراء، اكتشفوا أن هناك ما يُسمى بالإسبانيتين، وهذا نحن نعانيه في العراق، وهو الخطاب الحكومي الرسمي الإعلامي في زمن الدكتاتورية، يقول إننا قوة كبرى ونحن البواسل وأفضل ما موجود في العالم، نحن الأغنياء، بينما الناس، الشعب، لا يجد ما يأكله، الإنسان العراقي  كان مسحوقاً من الداخل، وهذا يعني وجود عراقين اثنين، مثلما كنت هناك إسبانيتين، والذي قام بالمصالحة بينهما هو الأدب".

وأفصح الرملي، اعتماداً على تجربته، عن أن: “كل إنسان يمر بأزمة، عليه أن يعيد طرح الاسئلة الأولى: من أين ولماذا وإلى أين، مَن أنا وماذا أريد. على صعيد الأمم، إذا قلت أنا عراقي، فماذا يعني ذلك؟ أو إسباني، هل هو الذي تصفه الحكومة أم الذي هو المواطن الاعتيادي، فاستنبطوا الأجوبة من الأدب، من دون كيخوته، وثلستينا ولاثاريو دي تورمس وغيره بالنسبة لإسبانيا، أي من كل الإرث الإبداعي. الآن إذا تسال العراقي: ماذا يعني أنك عراقي؟ سوف يحتار ويسكت... الأدب يستطيع الإجابة على مثل هكذا سؤال، تناول الأعمال الأدبية منذ كلكامش حتى اليوم. هناك صفات تتكرر عبر الأجيال، الشجاعة موجودة عبر كل الأزمان والأجيال عند الإنسان العراقي، الكَرم، الشهامة، الانفعال، السرعة في بناء الحضارة وهدمها، خلق الآلهة والتمرد عليها، الإسلام ولِد واحداً في الجزيرة العربية، لكنه دَخل للعراق فصار خمسة مذاهب، الشعر كان له بحور محددة ومستقرة، دَخل إلى العراق فصار أنواعاً كثيرة: الشعر الحر وقصيدة النثر والقصيدة المدورة والشكلية وما إلى ذلك... شخصية العراقي قلِقة. الأدب هو الذي يساعد الإنسان في كل مكان وزمان على وعي ذاته، هو الذي يمثل هوية الإنسان، والأشمل في الأدب هي الرواية". 

بقي أن نعرف بأن للكاتب والشاعر محسن الرملي أكثر من عشرين كتاباً، بين رواية ومجاميع قصصية وشعرية، والكثير من البحوث في الأدب والفلسفة، التي كتبها باللغتين العربية والإسبانية، كما أن غالبية منها قد تُرجمت إلى العديد من اللغات كالإسبانية، الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، البرتغالية، التركية، الروسية، الكتالانية، الألبانية، الفنلندية والكردية. كما ألقى العديد من المحاضرات، وشارك في العديد من الندوات والأمسيات والمؤتمرات ومعارض الكتاب في غالبية دول العالمين العربي والغربي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نُشر في شبكة (رووداو) الإعلامية الكردية المعروفة، بتاريخ 6/12/2023م

https://www.rudawarabia.net/arabic/culture/06122023

الجمعة، 1 ديسمبر 2023

اقتباسات من أقوال محسن الرملي

 

هذه بعض اقتباسات سماهر فتحي، من أقوال محسن الرملي، في ندوة (الكتابة بين الداخل والخارج)، التي أقامها معهد غوته الألماني ونادي المدى للقراء في أربيل، بتاريخ 18 نوفمبر 2023م:

*الألم يُحرك الكِتابة.

*الرواية التي تلامس ألم الناس تخصهم أكثر.

*الرواية هي صورة الإنسان وعلاقته بنفسه وبمحيطه.

*الرواية هي كِتاب الإنسان من داخله ومن خارجه.

*الرواية التاريخية أحد مصادر الأعمال السينمائية الكبيرة.

*رواياتي تتحدث عن الألم، وهي مُستمَدة من مواضيع وقضايا بلدي.

*لا أهرب من المواجهة، إلا أنني أُفضل النجاة من الإبادة، لأواصل الكتابة عن معاناة الآخرين.

*في المهجر، نفتقد إلى الاتصال المباشر بالتجربة المحلية، بالأحداث والمتغيرات الحيّة، بحرارة اللقاء بالناس ومنهم القراء، كما نفتقد إلى التواصل المباشر مع أقراننا الكُتاب في الداخل، من مجايلينا والأجيال التي سبقتنا والأجيال التي تلينا، وهو تواصل ضروري لخلق تقاليد ثقافية وتراكم خبرات ونتاجات إبداعية.

*المرأة أكثر حساسية تجاه الكلمة من الرجل، وأكثر قُراء الروايات في العالم، هم من النساء.

*المرأة هي الأقرب والأكثر اهتماماً بعنصر الحكاية في الأدب، شهرزاد اعتمدت الحكايات من أجل الحياة، وأغلب الروائيين عندما يتحدثون عمن أثر عليهم في بداياتهم، يقولون "حكايات جدتي"، ومن النادر أن تجدهم يقولون حكايات جدي.

*هناك تفاصيل أنا لا أستطيع الكتابة عنها كما تفعل المرأة الكاتبة، ومنها على سبيل المثال: الحَمل والولادة والعادة الشهرية وما إلى ذلك.

*لو كانت العولمة، التي يريدونها، تخدم الإنسان أولاً، وليس رأس المال، لما زاد تمسكنا بإبراز ثقافتنا وهويتنا الخاصة، وفي كل الأحوال، نحن نعتز بصفاتنا وقيمنا الأصيلة التي لا تُغيرها العولمة، وهي قِيم قادرة على الصمود أمام تأثيرات عولمة استهلاكية.


الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

دراسة: الاغتراب في روايات محسن الرملي / مجلة كامبريدج

دراسة أكاديمية مستفيضة عن:

الاغتراب في روايات محسن الرملي

https://camb-magazine.com/uploads/files/%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%AC_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF_27.pdf

الباحث: جواد يونس جهاد جواد

المشرف أ. د. هاشم الأيوبي

نشرت في (مجلة كامبريدج للبحوث العلمية) مجلة علمية محكمة

العدد 27 تشرين الثاني 2023م

https://camb-magazine.com/uploads/files/%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%AC_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF_27.pdf