الأحد، 28 فبراير 2016

ذئبة الحب والكتب / نص الشاعر: مهدي النفري

ذئبة الحُب والكُتب
مهدي النفري
،،،،،،،،،،،،،،،،
عندما تحبك الأشياء التي تكرهها
كيف ورطنا الكاتب بمتعة الوجع؟
لم كان السرد هناك يتبنى أمر الآخرين لدرجة انهم يكونون جميعا أنت،
تبدأ الحياة فيها عندما يكون الممكن نقيض الحياة،
وفرة الادراك والحسية في النص لا يختلف عن مطرقة تدق بها قلبك من أجل طعام شهي للعصافير.
كيف تستطيع أن تكون في لحظة واحدة غريبا في كل شيء.. حتى عنك، مع انك لا تنفصل عنك سوى بالاعتراف بأن الآخر هو أنت.. وأنت مجرد قصة من الوهم..
ما من درب يقودك للسؤال سوى بشاعة الجواب.
ياالله.. كم كبيرا هذا الخواء حين يكون موطيء قدمي..
من أقصى الحياة يبدأ موعد الحياة فيخرج الشيطان لك بصورة العهد القديم مقدسا وأنت نبيا أعمى تود أن تكون ورقة ساقطة تعود إلى رحم أمها الشجرة..
يتمثل الكلام بالكلام لدرجة أنك تحسب رأسك نائما في غموض قفصك الصدري، بينما الحقيقة انك تقف وجها لوجه أمام الساعة وهي تشير إلى ماضي مستقبلك..
ليس في الاحتمالات احتمال يشبه كل ما مر عليك من السهو... ان الأمر فقط لحظات ويفصل الراس عن الجسد.. فأي ذائقة للغريب هناك وهو في المحطات وحيد.
ليس كل شخصية قصة، والعكس كذلك، كل ما في الأمر انك نقطة في وحل.
....................................................
*هذه ليست دراسة نقدية لرواية الكاتب محسن الرملي.. إنما شهوة ميت خرج من قبره ليلا يبحث عن المألوف في حماقات الذباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مهدي النفري: شاعر ومترجم عراقي يقيم في هولندا.

الجمعة، 26 فبراير 2016

ذئبة الحب والكتب.. هي من أروع ما قرأت/عارف البرغوثي

(ذئبة الحب والكتب).. هي من أروع الروايات التي قرأتها
عارف البرغوثي
... أنا محسن مطلك الرملي مؤلف رواية (حدائق الرئيس، تمر الأصابع والفتيت المبعثر) بأستثناء (ذئبة الحب والكتب) التي هي ناتج من رسائل أمرأة تبحث عن الحب ممزوجة مع بعض احداث محسن الرملي والذي هو ايضاً يبحث عن الحب. رواية عاطفية وطنية، تجري أحداثها عندما وجد محسن رسائل في ايميل اسمه دابادا18 عن طريق الصدفة عندما اراد فتح ايميله الذي أنشأه لأخوه حسن لأكمال حياته بعد الأعدام الباطل في حقه من قبل النظام الحاكم للعراق قبل الأحتلال الامريكي له .
بدأت الأحداث من مدينة إربد شمال الأردن حيث كان يسكن محسن هناك مع أحد عشر صعيدياً مصرياً، استهل الرواية بالدعوة إلى الحب في كل الأزمان في الحرب في السلام في الوطن في المهجر .
وبعدها بدأ يصور حياة هيام عن طريق رسائلها و كيف كانت تعيش مع عائلتها البغدادية الغنية من أب ينتمي الى الحزب الحاكم وأم أيضاً وتزوجوا عن طريق العلاقات العاطفية بعيداً عن العقليات الجمعية .
هيام شخصية مثقفة غير تقليدية فهي طموحة ومحبة للجميع .
وكيف عاشت حياتها منذ طفولتها المبكرة التي تعرضت الى التحرش الجسدي في القطار عند العودة من البصرة الى بغداد . وبعدها عن العلاقات العاطفية منذ أول علاقة مع (عدنان) وهو أبن عمتها عندما كانت في الصف السادس الأبتدائي والتي لم تنجح بسبب سوء العلاقات العائلية بينهم، وبعد وصولها الى المرحلة الجامعية وعند التحاقها في جامعة البصرة تعرفت على احد زملائها وهو (يوسف) وبعدها على (بحر الدين الشيشاني) وبعد رجوعها الى بغداد بسبب فشلها في الدراسة لأكمالها في بغداد تعرفت على (زكريا) وبعدها على (خلف موريس) والذي كانت لها علاقة معه حتى بعد زواجها من (عبود) وللأسف قد فشلت في كل العلاقات السابقة حتى مع عبود لأنها لم تجد الحب في أي منها .
وبعدها تطرق الى حياته التي عاشها بعيداً عن أهله لأعانتهم للعيش في العراق وهو في الغربة في الأردن وعن معاناته في العيش وبعدها عن السفر من الأردن الى مدريد للبحث عن هيام ولأيجاد الحب لكنه فشلت في ذلك وقرر الرجوع الى الوطن والبحث فيه لانه هو الحب الحقيقي والحب الاولي والاخير .
قام بتفصيل الرواية الى 21 فصل (جريمة في الاردن، وابنة الذئب، كتاب حياته عذاب، الزواج ايجار للجسد، سأسميك حسن، حب شيشاني، حبي قبيلة مجانين، بشعة الجميلة، حب على حب.... الى هي أنا والعكس صحيح).
في كل فصل استهلت هيام تفاصيل حياتها تبحث عن اندماج روحي وعقلي ان يكون جسدي .
ووصفت وضع العراق قبل وبعد الإحتلال الأمريكي بسرد لغوي ناجح وبعيد عن الخيال .
ومن الملاحظ ان زمن الرسائل غير معروف ربما يتقدم الماضي على الزمن. وكذلك ترك النهاية مفتوحة لكثير من التوقعات التي استهلها في فصل (باقات بنفسج) حيث جعل النهاية تعتمد على عدة اقتراحات غير متوقعة.. وهذا تكنيك عالٍ في الرواية مما يثير الى الفضول لمعرفة النهاية والبحث عنها .

وفي الختام..... فهي من أروع الروايات التي قرأتها.
عارف البرغوثي

الخميس، 18 فبراير 2016

اللقاء الأخير مع مؤنس الرزاز

اللقاء الأخير مع مؤنس
 
دوّن الكاتب العراقي محسن الرملي في روايته الأخيرة (ذئبة الحب والكتب) جانبا من سيرته خلال العامين اللذين أمضاهما في الأردن (1993 و1994) ومن بين ما جاء فيها ذِكر لمعرفته وعلاقاته ببعض المثقفين آنذاك ومنهم الراحل مؤنس الرزاز، وفي هذا المقطع من روايته، يصف الرملي كيف كان يوزع كتابه الأول الذي طبعه في عمان كي يجمع المال لبطاقة سفره إلى إسبانيا، وكيف تعاون معه الكبار أمثال مؤنس الرزاز وعبدالوهاب البياتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ محسن الرملي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ذئبة الحب والكتب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عَمّان، حملتُ نسخًا إلى خيري منصور وباسل رفايعة اللذين نشرا في الملحقين الثقافيين خبرًا قصيرًا عن صدور الكتاب مع صورة لغلافه. بعت نسخًا إلى كل من أعرفهم من أردنيين وفلسطينيين وعراقيين كنت أجدهم في (رابطة الكتاب)، (دارة الفنون)، مقهى (السنترال)، وبقية المقاهي في وسط البلد، وحين حملت نسخًا ذات ليلة إلى مقهى (الفينيق) وأهديت واحدة للشاعر عبدالوهاب البياتي، تصفحها ثم حدق بي بغضب وقال مؤنبًا: لماذا فعلت هذا؟ لماذا لم تخبرني بأنك تريد طبع كتاب كي أعطيه إلى ناشري بدل أن تنفق مالك على طبعة رخيصة كهذه؟. رُحتُ أشرح له الأسباب ومنها ضيق الوقت وحاجتي لجمع ثمن بطاقة السفر، ففاجأني أنه فعل ما سبق وأن فعله الدكتور كرّومي تمامًا؛ نادى على المتواجدين في المقهى، والداخلين إليه، وعلى النُّدُل؛ كي يشتروا نسخًا، وأن يدفع هو عمّن لا يحمل في جيبه دينارين، أبقاني إلى جواره حتى نفدت النسخ، ثم انتحى بي جانبًا، دسّ في يدي عشرة دنانير وسألني: ـــ متى ستسافر؟
ـــ حالما أجمع ما يفي لدفع ثمن البطاقة، فكل شيء جاهز ومنحوني التأشيرة منذ يومين.
ـــ هل تريد أن يقيموا لك أمسية هنا لتقديم الكتاب؟
ـــ لا أدري.
نادى على الشاعر الشلاه الذي كان مسؤولًا عن نشرة المقهى ونشاطاته الثقافية، وسأله عن البرامج، فأجابه بأنها مكتملة لهذا الشهر وتم نشر الإعلان عنها.
وعاد ليهمس لي: ولا يهمك، متى أردت إقامة أمسية التقديم بلِّغْني بالأمر وأنا أرتبها.
وبعد أن ارتشف ما تبقى في فنجان قهوته، ساحبًا علبة سجائره والقداحة إلى جيبه، ململمٍا بقية أشيائه من على الطاولة، بما فيها نسخته من كتابي، وهو يهم بالنهوض للمغادرة، عاد وسألني:
ـــ هل تريد مرافقتي إلى سهرة هذه الليلة أيضٍا؟
ـــ لا، فأنا تعبان من كثرة التجوال هذا اليوم، كما أن أصدقائي ينتظرونني الآن في سكنهم.
ـــ حسنًا، اسمع، الذي أعرفه أن الخطوط الملكية الأردنية لديها نسبة تخفيضات، ربما تصل إلى نصف الثمن، على بطاقات السفر للكتّاب والصحفيين وللطلبة. فاذهب غدًا على الساعة العاشرة إلى مكتب الروائي مؤنس الرزاز في وزارة الثقافة كي يتدبر لك هذا الأمر، أنا سأتصل به الليلة وآخذ لك معه الموعد.
ثم نهض ونهضت أنا ومن كان جالسًا معنا على الطاولة، بعض يودعه وبعض يرافقه. أكد عليّ ألا أنسى أن أمرّ عليه هنا قبل سفري؛ كي يزودني ببعض عناوين وأرقام هواتف معارفه في مدريد، ويرسل لهم معي بعض النسخ من إصداراته الأخيرة.
حين عدت إلى غرفة قاسم، وجدته هو وخالد يدوّنان على ورقة ويحصيان النقود التي تم جمعها من بيع هذا اليوم فأخرجت من جيوبي ما لديّ وأضفته، فرِحًا بوافر المحصول، وسألاني عن كيف جمعته. أخبرتهم بما فعله البيّاتي، وكيف أن موقفه كان كموقف الدكتور كرّومي تمامًا، فهالهم الأمر إعجابًا، ورحنا نتحدث عن ذلك وعن مختلف سلوكيات المبدعين المعروفين، وتوافقت آراؤنا على أن المبدعين الكبار حقًّا هم ليسوا كبارًا بنتاجهم فقط، وإنما هم كبار بإنسانيتهم ومواقفهم وطيبتهم وتواضعهم وتسامحهم، وأن قلوب الكبار حقًّا كهؤلاء لابد وأن تكون كبيرة هي الأخرى.
نهض الروائي مؤنس من خلف مكتب وكيل وزير الثقافة الذي يشغله، رحّب بي ودعاني للجلوس على الكنبة الخاصة بالضيوف ثم سألني فيما إذا كنت أرغب بشاي أو قهوة، قلت: قهوة مُرّة. فقال: وأنا كذلك. ثم اتجه إلى الباب ليبلغ الفَرّاش، وعاد للجلوس إلى جواري. ليست هذه هي المرة الأولى التي ألتقي به، فقد سبق وأن تعارفنا وربطت بيننا صداقة طيبة، وذلك حين فكرت أن أجري حوارات مع الأدباء الأردنيين بأسئلة مختلفة، ومنها عن مصطلح (الأدب الاسلامي) مثلًا، والذي كانت تروج له دار نشر ومجلة تحمل الاسم نفسه، وتشير إلى أنها مدعومة من منظمة العالم الإسلامي. رفض المصطلح جميع من التقيتهم؛ على اعتبار أن الأدب والفن لا يجب تصنيفهما على هذا النحو، وكان خالد يرافقني في تلك الجولات. في ذلك اللقاء كنا قد تحدثنا طويلًا خارج الحوار، وارتشفنا العديد من فناجين القهوة المُرّة. كنا نشعر بأُخوّة ما لأن كلينا ضحية للجلاد ذاته، فهو لا ينسى أعوام الحَجر على والده في بغداد حتى موته. تحدث عنها، وكيف كان يرى والده يذبل أمام عينيه، ويعرف قصة إعدام أخي حسن مطلك، وقد قرأ له. كان يدير حينها مجلة (فِكر) الثقافية، وطلب مني النشر فيها بعد أن أعجبه ما نشرته من نصوص وترجمات في الملاحق الثقافية، وبالفعل بعثت له بعدها أكثر من مادة ونشرها. كان ضخم الجثة وبقلب طفل. ملتحٍ، حزين وساخر بهدوء، يصف ويسمي كل الشخصيات السياسية المتسلطة في رواياته (ديناصورات)، وكنت أمر عليه للسلام واحتساء القهوة كلما زرت عَمّان.
أهديته نسخة من كتابي وحدثته عن سبب قدومي، فقال: للأسف، التخفيضات التي كانت مخصصة لنا في رحلات الطيران تم إلغاؤها قبل أسبوعين، مقابلها سمعت بزيادة تخصيصات جديدة للديناصورات. وضحك، ثم راح يحدثني بسخريته المُرّة المعروفة عن وزير الثقافة الجديد الذي ما هو إلا ترضية عشائرية، وبأنه في الاجتماعات لا يحدّثهم عن الثقافة؛ وإنما عن ذكرياته في الطفولة، عندما كان راعيًا للغنم، وكيف يصطاد الأفاعي والحيات التي تخرج ملفوفة على حبل الدلو عندما كان يستخرج الماء من الآبار لروي أغنامه وعنزاته. أطلنا في الحديث والسخرية وشرب القهوة، وقبل أن أخرج قال: لديّ فكرة لمساعدتك إذا وافقت، أن أدفع لك من عندي مقدمًا مكافآت ثلاث مواد ستكتبها لنا كرسائل ثقافية من إسبانيا لنشرها في المجلة لاحقًا. وافقت شاكرًا بالطبع، فأخرج لي من جيبه خمسة وستين دينارًا، عشرين عن كل مادة وخمسة قال إنها ثمن نسخته من كتابي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (الرأي) الأردنية، بتاريخ 2016-02-12
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أخلاق كبيرة
يوسف أبولوز

قرأت في صحيفة الرأي الأردنية مقطعاً من رواية، العراقي محسن الرملي «ذئبة الحب والكتابة»، وفيها يروي كيف ساعده الشاعر عبد الوهاب البياتي، والروائي الأردني مؤنس الرزاز على تأمين جانب من بطاقة سفره إلى إسبانيا، وعن البياتي يقول الرملي « نادى على الموجودين في المقهى، والداخلين إليه، وعلى الندل، كي يشتروا نسخاً (من الكتاب الأول للرملي)، وأن يدفع هو عمن لا يحمل في جيبه دينارين، أبقاني إلى جواره حتى نفدت النسخ، ثم انتحى بي جانباً، دس في يدي عشرة دنانير.»
أما مؤنس الرزاز فقال للرملي.. « لدي فكرة لمساعدتك إذا وافقت، أن أدفع لك من عندي مقدماً مكافآت ثلاث مواد ستكتبها لنا كرسائل ثقافية من إسبانيا لنشرها في المجلة لاحقاً، ويتابع: عشرون عن كل مادة، وخمسة قال إنها ثمن نسخته من كتابي..».
الفترة التي يتحدث عنها محسن الرملي «ذئبة الحب والكتب» هي فترة منتصف تسعينات القرن الماضي، التي شهدت فيها العاصمة الأردنية عمان وجود عدد كبير من الكتاب، والشعراء والفنانين العراقيين، الذين حالف الحظ بعضهم بالحصول على لجوءات سياسية وإنسانية إلى دول أوروبية، وبالتالي غادروا إليها، والبعض منهم بقي في عمان أو عاد إلى العراق.
كان الشاعر (جان دمّو) واحداً من هؤلاء.. ولم يكن معنياً باللجوء أو الإقامة أو أي شيء آخر سوى عيش الحياة وعيش الشعر تحت خط الوجع الإنساني العظيم الذي كان دمو يتحمله بسخرية شجاعة وقلب مملوء كما يبدو من سلوكه البوهيمي الحر، بالشفقة على الآخرين، وليس الشفقة على نفسه.
سألتقي في تلك الفترة الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر الذي فتح له الصحفي الأردني الراحل عبد الله حمدان، باب النشر المنتظم في مجلة «عمّان»، بمكافآت منتظمة أيضاً يستحقها ويستحق الكثير من الاحترام على تجربته الشعرية الريادية ذات الخصوصية العالية في الشعر العربي الحديث، كما وفّر له ممدوح العبادي أمين عمان آنذاك إقامة تليق به، وبمكانته الأدبية المحترمة.
الكتاب العراقيون في فترة تسعينات القرن الماضي أثروا الحياة الثقافية والشعرية والفنية في الأردن، وقامت بينهم وبين الكتاب الأردنيين صداقات عميقة انعكس بعضها في نتاجات شعرية وروائية كما لاحظنا في المقطع المنشور من رواية محسن الرملي (ذئبة الحب والكتب).
بعيداً عن كل ذلك، تجدر الإشارة إلى المواقف النبيلة للبياتي والرزاز والعبادي وغيرهم، ممن يعرفون جيداً القيمة الأدبية والثقافية للكاتب، والواجب الإنساني والأخلاقي لمساعدته في أي محنة يتعرض لها، وهذه النماذج الراقية موجودة ليست في الساحة الثقافية الأردنية فقط، بل، موجودة في كل مكان يقدر العمل الثقافي ويقدر الكتابة والكتّاب بعطاء لا حدود له انطلاقاً من دافع أصيل وهو احترام المثقف.
وللتاريخ أشير إلى شخصية عبد الوهاب البياتي ومؤنس الرزاز بشكل خاص فقد عرفتهما عن قرب، وعرفت في داخلهما نبل الإنسان قبل نبل الشاعر والروائي، وأعرف كم من مرة قاما بمساعدة كتّاب على طباعة كتبهم أو توفير ما يمكن توفيره من نشر في صحف ومجلات تدفع لهم أجر أقلامهم الحرّة المستقلة، ولو بمكافآت رمزية تشعرهم بالكرامة.
لا يكفي أن تكون كاتباً كبيراً وحسب، بل أن تكون أخلاقياً كبيراً أيضاً وأولاً تجاه من يتشاركون معك في روح القلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (الخليج) الإماراتية، بتاريخ 15/02/2016

 

الثلاثاء، 16 فبراير 2016

قراءة في روايات محسن الرملي / حسين عبد علي

قراءة في روايات محسن الرملي
حسين عبد علي
ـــ البحرين ـــ
*الفَتيت المُبعثَر
مُتشظٍ.. منفلِت.. ومبعثَر..

هو محسن الرملي وهو يكتب روايته "الفتيت المبعثر".. أنت وأنت تقرأ شخوصه، لا تراها وحسب، بل تعيشها/ تتنفسها.. شخوص ريفية بحتة، لو صادفتها ذات وقت وأنت تقود سيارتك، لن تكبّد نفسك عناء الاستدارة لرؤيتهم.. لكن الرملي بذكاء شديد يجرك جراً لتعيشهم الرواية الحاصلة على جائزة أركنسا الأمريكية 2002، وتُرجمت إلى الإسبانية والإنكليزية وتُدرّس في العديد من الجامعات...

 تنزاح نحو عائلة بسيطة جداً تختصر كل المأساة العراقية بامتياز.. لا حشو زائد هنا، ولا فهلوة لغة، صغيرة في الحجم لكنها أكبر مما تبدو عليه بكثير.. وفيها وقفت كثيراً مترددا.. بأي المشاعر أحس؟ وأي الأحاسيس أنجع؟! أضحك؟! أم أبكي؟! ألوم أم أتعاطف؟!

 كوميديا بالغة السواد يتكئ عليها محسن الرملي في روايته... يفتت كل أحاسيسنا لتبدو تماماً كـ الفتيت المبعثر.

https://www.instagram.com/p/zFvY-DuLq_/?taken-by=hussainabdal

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*تَمر الأصابع

إلى أي حدٍ نظن أننا -حقاً- قادرون على كسر الأصنام التي بداخلنا؟! أو لأعيد صياغة السؤال على النحو التالي: إلى أي حدٍ يمكننا أن نتجاوز فكرة الإنتقام والثأر نحو إمكانيات التعايش والتغاضي وإدارة الخد الأيسر لمن صفع الخد الأيمن؟!.. هذا السؤال يدحرجه محسن الرملي في روايته “تمر الأصابع” ككرة ثلج تبدو صغيرة جداً في الصفحات الأولى من الرواية ثم تأخذ في التعملق والتضخم، تدوس في طريقها التابوهات الثلاثة.

مثل فتيته المبعثر يشتغل الرملي في تمر أصابعه على نحت شخصياته نحتاً مدروساً وعميقاً، يرتكز في ذلك على تعرية العلاقات: علاقة الفرد (العراقي) بنفسه، علاقة الفرد بمحيطه وبيئته وإرثه الشخصي والأخلاقي والديني، علاقة الفرد بوطنه، علاقة الفرد بغربته/ منفاه، علاقة الفرد بماضيه ومستقبله وحاضره.

عندما انتهيت من صفحة ١٥٧ أغلقت الرواية، خائفاً أن ينفلت من رأسي روعة مشهد تفجر الأب في وجه ابنه سليم، كنت أحاول أن أمسك بهذا البون الحقيقي بين جيلين، بين أب رافض وكاره لماضٍ لم يصنعه أو يختاره، لكنه أسير وعبد لقَسَم متخلف وتافه ومجنون كوضع رصاصة في مؤخرة شخص آخر، ثأراً وانتقاماً. بمقابل الإبن الذي يصفه والده أنه أسير الحنين المَرَضي الذي يقع فيه المغتربين حين يصورون لأنفسهم بأن كل شيء جميل في بلادهم التي غادروها، بما في ذلك الخرائب والمزابل..

انطلقت الرواية بالعديد من المواقف الكوميدية السوداء إلى أنني أشعر أن هذه الكوميديا بدأت بالخفوت رويداً رويداً، وتمنّيت لو الرملي حافظ عليها. أن تحوّل قمة المأساة إلى كوميديا، أزعم أنها تحوي شيئاً من تغريبة بريخت، وبالتالي هذا التغريب هو ما يصفعنا طوال الوقت كي ننتبه...
لا أدري إن أسرف الرملي في صبغ علاقة الحب بين سليم وعشيقته عالية، بصبغة مثالية زائدة أم لا؟ تلك العلاقة من الحب التي ما أن نسمع عنها إلا وأشرنا أنك لن تجدها إلا في القصص والأفلام. لكني أجدها مبررة لخلق الصراع النفسي عند سليم في علاقاته القادمة.
مع محسن الرملي بدأت بـ “الفتيت المبعثر” وها أنا أنتهي من “تمر الأصابع” التي ما إن انتهيت منها حتى أشارت نحو “حدائق الرئيس” و”ذئبة الحب والكتب” التي نفذت عندما نويت شرائها من معرض الأيام في البحرين.

https://www.instagram.com/p/9Tj0hguLsT/?taken-by=hussainabdal

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ذئبة الحُب والكُتب
وهنا يتمرّد الرملي على نفسه، ولا أقول بات أكثر نضجاً، فمثله لا يعوزه النضج. لكنه في "ذئبة الحُب والكُتب" يستخدم تكنيك سردي مختلف تماماً عما أستند عليه في "الفتيت المبعثر" و"تمر الأصابع". بشكل عام، قد يكون استخدام تقنية الرسائل في الروايات مبتذلاً (بمعنى متداولاً) في الآونة الأخيرة، والفكرة تتقاطع بشكل أو بآخر مع فيلم توم هانكس وميغ رايان (لديك بريد You’ve Got Mail)  الذي يعرض علاقة بائعة الكتب البسيطة والمثقفة مع منافسها التجاري، وبعد أحداث متتالية يقعان في علاقة حب بسبب البريد الإلكتروني. لكن حداثة الاستخدام لهذه التقنية مربطها هو في الكيف، بإعتبار أن الفن الحقيقي ليس فيما تقوله بل في كيفية قولك له. والكيفية التي استخدمها الرملي في روايته أزعم جديتها لأمرين: حس الرملي السردي واللغوي المتمايز إلى جانب حبكته المدروسة وقدرته على تحميل سيرته الذاتية هذا الكم من المتخيل السردي.
الرملي، وبخبث شديد جداً، يسرد في منتصف الرواية (الفصل التاسع عشر) سلسلة مختلفة للنهايات المتوقعة والمحتملة لروايته على لسان شخوصه، بل ويترك لمخيّلتك عنان التفكير في نهاياتك الخاصة وسؤال: "في حال سرد الرملي كل هذه النهايات، كيف إذاً سينهي الرواية؟". ثمّ، يدّخر الدهشة للصفحة الأخيرة في سؤال آخر: من يكتب من؟ هل هيام تكتب محسن أم محسن يكتب هيام؟ من يبحث عن من؟ من هيام؟ ولماذا هيام؟
معجمياً، يحيلنا القاموس لمعنى هيام على أنه الجنون من العشق، وفي موضع آخر يشير على أنه الرّمل الذي يكون ترابه دقاقاً يابساً لا تستطيع أن تُمسك به لدقّة ذراته. وما أشبه هذا التعريف بالوطن. وما أشبه هيام محسن الرملي بالعراق. أليس العراق هيام؟ أليست هي العشق الضارب في الجنون؟ أليست العراق هي الرّمل العصي على الإمساك.
قد يشطّ بي التأويل هذا، أو قد أكون أبتعدت عمّا ذهب إليه الرملي، لكنهُ لم يكن لي إلا أن أرى هيام كما أرى العراق. وفي ذلك أستند على محسن الرملي الذي عرفته في فتيته المبعثر وتمر أصابعه رجلاً مهووساً بالعراق. من جانب آخر، أليس في هيام "حزن العراق"، تلك التي توالى عليها الطغاة واغتصبتها المخابرات ومع ذلك تبحث عن أحوج ما تحتاجه: (الحب) كما جاء على لسان هيام. أليست هيام في دمها حرارة الصيف البغدادي، بهارات البصرة، ونار كركوك الأزلية؟. أليست هيام والعراق لن يكون لها أن تعشق الشهيد حسن مطلك؟ أن تذوب في نتاجه الأدبي، لأن هذا النتاج نابعٌ منها وإليها؟ ألا تنتهي الرواية بمحسن الرملي وهو في طريقه إلى (هيام/ العراق)؟
وأشير إلى أن الراوية مشت بإيقاع ثابت من الغلاف إلى الغلاف، هذا التناوب بين (أنا/ هي) جعل من الراوية أشبه بنغمة واحدة تتكرر (دم.. تك تك تك.. دم تك تك تك).. في حين هناك مساحة مهوولة من اللعب والتجريب على الهيكل المعماري للراوية، وثمة حرية كان بالإمكان أن يعزف عليها الرملي ألحاناً مختلفة وبلا قيود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*حسين عبد علي: فنان مسرحي وكاتب بحريني، آخر أعماله، رواية (متاهة زهرة).

إهداء إلى محسن الرملي / نص: عامر الفراس

نَص
أيــام 

عامر الفراس
                         .. إلى صديقي محسن الرملي

تخيلتكَ اليوم في تابوت،
      تحمِلكَ الأكف..
وجموع تهتف لروحك،
 للذئبة..
       للحُب..
            للكُتب..
تهتف لسنوات عُمر..
كل أيامنا فيها
         فتيت مبعثَر...
تهتف لأيام حلوة،
حلاوة تمْر فوق أصابعنا
             لم يستمر.
هي أيام تمضي

            وتمُر...
عامر الفراس