الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

مسرحية/حية عادل

محسن الرملي
حيّة عادل
مسرحية
*كتبت هذه المسرحية سنة 1992م.
*نشرت ضمن مجموعة مسرحيات (البحث عن قلب حي) في الكتاب الصادر عن دار ألواح، سنة 1997 مدريد.
* نشرت في مجلة (المدى) العدد 20 دمشق 1998م.
*كتب عنها الفنان والمخرج المسرحي العراقي المعروف كريم جثير وفي مقال له في صحيفة (المغترب) العدد 322 الصادرة في كندا 2000 قائلاً: " إن المفردتين الأساسيتين اللتين انطلقت منهما نصوص مسرحيات الرملي في مجموعته بأكملها هما: الحزن والتضحية. وإذا كان الحزن المفردة المهيمنة أكثر بكونها المنطلق لتلك النصوص، فإن التضحية تأتي لتقابل هذا الحزن وغالباً ما تكون مرادفاً له، وهذا ما يبرز بقوة في نصه الأول (البحث عن قلب حي) بينما يأتي الحزن في نصه الثاني (النائحة) ليكون المسيطر والمهيمن وحده في هذا النص، لتأتي التضحية في نصه الثالث (حية عادل) لتكون المنطلق وألكثر هيمنة من الحزن كما هو في النصين السابقين. يمثل عادل/قاتل الأفعى، هو ألأخ في (البحث عن قلب حي) الذي كان بحاجة لقلب حي، والذي تنكر الآخرون له مثلما تنكر الآخرون لفعل عادل البطولي وأخذوا بالسخرية منه..".
*ومما جاء في مقدمة كتاب (البحث عن قلب حي) عما يخص ظروف كتابة هذه المسرحية:" أما مسرحية ( حيّة عادل) فهي المرحلة الثالثة في سلسلة التأثير القاسي لمقتل أخي وكيفيته، فبعد رحيله من أجل الآخرين وجدتهم يواجهون رحيله بالصمت، بل وبالتناسي أحياناً لجسامة تضحيته بنفسه في محاولة لصالحهم. وصارت هذه الحال تؤلمني كثيراً حتى وقع حادث في معسكر كان يجمعني بعدد من الفنانين، أذكر منهم الفنان فلاح إبراهيم، وحسين صالح، ورسول الصغير وعادل عيسى. وكانت هناك حية نراها لأكثر من مرة في قاعة منامنا وتختفي لتتركنا على قلق وتخوّف دائمين، إلى أن جاء عادل يبشرنا ذات يوم بأنه قد قتل الحية، وأنها كانت أصغر مما كنا نتوقع فشعرنا بالارتياح. ولكننا بدل أن نبارك له فعله رحنا نتندر عليه ونوالي التعليقات والضحك على امتداد سهرات وأيام حتى خجل عادل من فعلته، فتذكرت ما سبق أن قرأته عن إحدى القبائل الإفريقية التي تعاقب مجرميها بالضحك، حيث تقيد المذنب وتضعه في وسط مجلس كبير يضم أبناء القبيلة الذين يأخذون بالسخرية من فعلته والضحك عليها وعليه حتى يندم على فعلها، فلا يرجع لها. والغريب أنها عقوبة رادعة ويعدونها أقسى العقوبات.
وهكذا وجدتُ أننا نعاقب أبطالاً مجهولين بنسياننا لهم، أو بالاستخفاف وبالسخرية من فعلهم عبر انسياقنا واستسلامنا في الاستجابة لعادات وتقاليد ومنطقيات اجتماعية سائدة غير دقيقة وغير عادلة إذا ما أمعنا النظر فيها.. فكم من شخص مجهول ضحى بنفسه من أجلنا فعاقبناه بالضحك أو النسيان..؟. كما تتم الإشارة فيها إلى قضية سرقة الثورات أو البطولات. وقد أتاح لي رمز الأفعى مرتكزاً غنياً في تحميل الدلالات لما تمثله الأفعى من رمز كبير في التاريخ البشري، وبشكل خاص في الميثولوجيا والأديان. وحرصتُ أن تكون نهاية المسرحية مفتوحة، دائمة، قابلة للتحول إلى اللغة الشعبية، وممتدة من خشبة المسرح إلى الجمهور وعبره إلى الشارع وإلى المدينة وإلى ما هو أوسع من ذلك للإشارة إلى مشاركتنا جميعاً في قتل أبطالنا الحقيقيين وبطولاتهم بشكل من الأشكال".
-------------------------------------------
النص:
حيّة عادل
مهداه .. إلى أرواح كل الأبطال المجهولين

محسن الرملي
1992 م

الشخصيات:
1ـ عادل: شاب مثالي، قوي.
2ـ سلمى: شابة عادية، حبيبة عادل.
3ـ المختار: شخصية ماكرة، متسلطة، قوية.
4ـ الرجل: شخصية متزلفة تابعة للمختار.
5ـ سعيد وراضي وعبدالله وحمدان وعدد آخر من رجال ونساء وشباب القرية: شخصيات بسيطة من عامة الناس.

-1-

(شجرة ومسطبة ومعها عادل ينتظر، وعلى جذع الشجرة رسم تقليدي لقلب الحب يخترقه سهم)
عادل - (يردد مغنيا) :

متى تأتي الحبيبة؟
ومتى ترحل عنا الغيوم؟
نعم أن الحياة غريبة .. وإن شيئا لا يدوم.

(تدخل سلمى وتقترب إلى عادل من الخلف لتضع كفيها على عينيه مداعبة مبتسمة جذلى)
سلمى - ها .. قد أتيت حبيبي فماذا تنتظر بعد؟.
عادل - ما زلت أنتظرك وأنتظر أشياء وأحلاما أخرى كثيرة.
سلمى - وبيتا وسيارة وطفلا مدللاً.
عادل - (ينهض) أوه.. أبعدي كفيك عن عيني يا سلمى. ألم أنبهك دائما إلى عدم منعي من الرؤية؟!.
سلمى - لكنني أداعبك يا حبيبي!
عادل - ولا حتى مداعبة، فما أكثر المداعبات السامة هذه الأيام.
سلمى - (بتذمر).. يوه.. لقد بدأت جديتك تفسد علينا كل لقاءاتنا.
عادل - (بتهكم).. هه.. لقد أصبح الصدق والجدية يفسدان الحياة وليس العكس.
سلمى - أرأيت؟ أنت الذي ……
عادل – (يقاطعها) طبعا لأنك لا تريدين أن أكون صادقا وجديا إلا في شئ واحد.
سلمى - حبك لي.
عادل - أجل.
سلمى - وما سبب ذلك في ظنك؟
عادل - لتقودينني كما ترغبين.
سلمى - أحقا هذا ما تعتقده يا عادل؟
عادل - وأن كان ذلك هو الحقيقة.. فأنا أحبك فعلا.. بل أفيض حبا لك..
سلمى - (تجلس إلى جواره على المسطبة وتلف ذراعيها على رقبته بعطف) : الله.. ما أعذب ما قلته يا ثقيل الدم! هل سمحت ببعض الزيادة منه؟.
عادل – صدقيني يا سلمى.. أنني بشوق دائم إلى عينيك.. إليك مع أن أشياء كثيرة لا تعجبني فيك، وعلى الرغم من هذا أحبك بقوة وجدية.
سلمى - (ممازحة) وجدية مرة أخرى؟ …. آه.. لو تترك جديتك التي سوف تهلكنا.. أما أنا يا عزيزي فإنني أحبك وأشعر بكل الذي قلته وبـ .. وبجدية أيضا؟.
(يضحكان)
عادل - أنها الصدفة.
سلمى - ماذا؟.
عادل - الحب.. الحب صدفة..
سلمى - ها.. لقد سبق وأن حدثتني عن هذا الموضوع، وأتعبتني همومك الغريبة التي يجلبها لك المذياع والصحف والكتب، وما تعانيه من أجل السود والحمر والصفر والبيض في أرجاء الأرض.. وصاحبك العجوز المحروق غاندي.. ترى ما الذي يشغلك هذه المرة؟
عادل - الحية.
سلمى - الحية؟!
عادل - نعم الحية التي تعيث بقريتنا الرعب والخراب.
سلمى - وما شأنك أنت؟.
عادل - كيف؟.. ألا ترينها تخب الحقول والبساتين وتلتهم الناس وحيواناتهم كما تلتهم العصافير؟.
سلمى - وهل خربت لك مزرعة أو بستانا؟ أو ابتلعت أحد أختك أو أهلك؟.
عادل - وهل أنتظرها حتى تفعل ذلك؟.
سلمى - ربما لن يحدث.
عادل - وربما يحدث.. ثم أليس أبناء القرية كأخوتي وأهلها كأهلي؟ الست واحدا مهم؟.
سلمى – ياهووووه.. إلى متى يا عادل تحشر نفسك في قضايا كبيرة بعيدة عنك؟.. إلى متى يا حبيبي تحمل نفسك الهموم، وأنت لست المتسبب فيها ولن تقع عليها نتائجها؟ فما شأنك أنت وما يسميه المذياع بحقوق الإنسان؟ وما شأنك أنت وما تسمعه أو تقرأه عن ما يسمى بالسياسة؟ وما شأنك والتميز العنصري؟ ما شأنك وفلسطين؟ ما شأنك وسباق التميز التسلح أو نزعه؟ ما شأنك والحية؟ وما شأنك والـ..
عادل – (يقاطعها) كيف؟ كيف؟ ألست واحد من بني الإنسان؟.
سلمى - أجل ولكن كل إنسان مسؤول عن مشاكله.. فمثلا ماذا سينفعنا الأفارقة في حل مشكلة زواجنا؟.
عادل – (مغتاظا) يا الهي.. يا الهي.. دائما أنت هكذا يا سلمى..!.
سلمى - نعم دائما أنا هكذا كأي امرأة تخاف على رجلها.. أحاول ردك على مسائل كهذه لا ناقة لك فيها ولا جمل.
عادل - سلمى.. يا حبيبتي أنا أعذرك لمستوى فهمك هذا للحياة.
سلمى - وأنا.. أستغرب فهمك هذا للحياة.
عادل - كيف؟.
سلمى - كن واقعيا يا عزيزي وأنظر حولك بدقة.
عادل - (يقهقه بقوة) عجيب..!.. أليس هذا ما أفعله الآن؟!
سلمى - لا.
عادل - كيف؟.
سلمى - أنك تفكر في حل مشاكل لا علاقة لها بمشاكلنا الحقيقية التي نعيشها الآن.
عادل - (محتدما).. يا صبر.. الست أنسانا؟.
سلمى – (باستهجان) ماذا ترى أنت؟.
عادل – (بضجر).. يوووووه..
سلمى - (متداركة).. بلى.. بلى أكمل.
عادل - إذا فحقوق الإنسان تهمك.
سلمى - أنا لا يهمني شئ سوى أن نتزوج ونبني لنا بيتا نربي فيه أطفالنا ونعيش براحة بال إلى أن نموت.
عادل - صدقيني أن للمشاكل علاقة ببعضها البعض.. فكيف نبني بيتا أمنا في قرية تعيث بها حية سامة وتزرع فيها الرعب.
سلمى - نعم يا عزيزي ولكن لكل مشكلة مسؤول عن حلها والمختار ووجهاء القرية وعدونا في اجتماعهم الأخير أن يفعلوا ما ينهي مشكلة الحية.
عادل - هه.. كذب.. كذب.. أما زالت أقاويلهم تظللك؟ بودي أن تكونين وأهل القرية أكثر نباهة وأقل انخداعا، فلا تصدقوا الذين يعدونكم لأنهم لو أرادوا، أو لو استطاعوا فعل ما يعدون به لفعلوه، ولكن يبدوا أنكم أنتم الذين تتشبثون بأي متكأ حتى وأن كان وهميا.
سلمى - على أية حال أنها مسؤوليتهم.
عادل - الشأن العام مسؤولية الجميع، وبالذات الأكثر وعيا وصدقا وإخلاصا من بينهم.
سلمى - أني أخاف عليك يا عادل.
عادل - وأني أخاف على الجميع.. صدقيني يا سلمى بأنني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لصيانة حياة الآخرين.. قد تقولين لي مرة أخرى بأنني غير واقعي، ولكن تأكدي يا سلمى أن هذا واقع ما أشعر به حقا.
سلمى - عادل إن..
عادل - (يقاطعها).. سلمى أن هناك الكثير من القضايا التي نعطيها أكبر من حجمها، ونصورها على أنها قاسية أو صعبة أو مستحيلة، ولكننا حين نقدم عليها وننظر إليها من كثب، أو نخوض غمارها نجد أنها غير ما كنا نتوقعه تماما، فلرب صعب أسهل مما نتصور، ولرب سهل أصعب مما نتصور.
سلمى – عادل..
عادل - سلمى.. فكري أيضا أن انتصارنا سوف يسهل علينا الكثير من متطلبات زواجنا وترتيباته.
سلمى - (تدنو منه وتتلقف كفيه بلهفة وحب وخوف وتهمس بصوت متحشرج)! عادل ..
عادل - (يقاطعها بثقة) شجعيني.. شجعيني فقط.
سلمى - لا أملك أكثر من أن أقول لك: أحبك.
عادل - (يبتسم بنشوة وسرور)، هذا يكفي لخلق المعجزات.

-2-

((في جهة من المسرح تقف سلمى. وفي الجهة الأخرى يقف المختار، وليس لأحدهما علاقة بالأخر. وبالإمكان تقسيم المسرح إلى نصفين بخيط أو حتى بخط وهمي، ليجري الحديثان في وقت واحد، أو متداخل أو متزامن))
((سلمى بانتظار عادل تردد اللحن ذاته الذي كان يردده هو عند انتظاره لها))
سلمى –
متى يأتي الحبيب؟.
ومتى ترحل عنا الغيوم؟
نعم أن الحب غريب، وإن لا شئ يدوم.
((يدخل عادل راكضا إلى سلمى ويهتف))
عادل - سلمى.. سلمى.. سلمى..
سلمى - حبيبي عادل.
عادل - حبيبتي سلمى لقد قتلت الحية.
(سلمى تزغرد بقوة تعبيرا عن ابتهاجها)
سلمى - أحقا ما تقول؟.
عادل - نعم يا عزيزتي لقد توغلت في ذلك الدغل الذي تمتد إليه خطوط دماء الضحايا..
سلمى - إلى دغل الحية المجهول المخيف؟!؟.. إلى ذلك الدغل الذي يرعب الجميع؟
عادل - أجل يا حبيبتي.
سلمى - ومن رآك؟
عادل - الله وأنت وكل الناس لأنكم جميعا كنتم هنا عندما طردت خوفي وأقدمت.
سلمى - وبعد؟
عادل - قتلتها وحفرت لها عميقا ودفنتها هناك.
سلمى - وهل أخبرت أحدا سواي؟
عادل - لا.. أنت الأول يا حبيبتي.
سلمى - إذا فبشر الناس سريعا.
-----------------------

((المختار يدور قلقا غارقا بالتفكير والحيرة، ويردد مع نفسه بصوت مسموع..))
المختار - الحية؟ من أين جاءتنا هذه المصيبة؟ والمصيبة الأكبر أنهم ينتظرون الخلاص منها على يدي ولا يعلمون أنني في الحقيقة أخاف من الفارة.. هه.. مختار.. وماذا يعني؟ ألمجرد أن يطلقوا علي هذه التسمية يرمون بي إلى التهلكة؟ إلى الحية؟.. مختار.. مختار.. مختار.. طُر..
((يدخل رجلا راكضا إلى المختار ويهتف))
الرجل - مختار.. مختار.. مختار..
المختار - (بتوافق كوميدي مع ما كان يردده).. طز.. ماذا تريد مني؟
الرجل - لقد قتل عادل الحية.
(المختار يخرج مسدسه ويطلق رصاصة في الهواء تعبيرا عن ابتهاجه).
المختار - أحقا ما تقول؟
الرجل - طبعا يا سيدي لقد رأيته وهو يتوغل في دغل الحية.
المختار - إلى ذلك الدغل الذي لا يستطيع أحد الاقتراب منه؟!
الرجل - اجل يا سيدي.
المختار - ومن رآه؟
الرجل – لا أحد سواي رأيته يدخل الدغل ويتصارع مع شئ ثم صاح: قتلتها ابنة الـ.
المختار - وبعد؟
الرجل - قتلها وحفر لها عميقا ودفنها.
المختار - وهل أخبرت أحدا سواي؟
الرجل – لا.. أنت الأول يا سيدي.
المختار - إذا فأتني به سريعا قبل أن يبلغ الناس.
((فيندفع الرجل بسرعة ويجر عادل وسلمى إلى منتصف المسرح حيث يقف المختار))
سلمى - أبشرك يا مختار لقد قتل عادل الحية.
المختار - أحقا ما سمعته يا عادل؟
عادل - نعم لقد فعلت ذلك.
المختار - وهل كانت كبيرة؟
عادل - تصوروا لقد وجدتها حية صغيرة!
المختار والرجل وسلمى - (بدهشة واستغراب شديدين) صغيرة؟!
عادل – أنها حية عادية صغيرة، ولكنها سوداء وقبيحة ومن النوع السام وبالغ الخطورة.
المختار (غير مصدق) مستحيل!
سلمى - إذا كيف كانت تخرب الحقول؟!.
المختار - وكيف كانت تقتل الناس والأبقار وتأكلهم؟!.
عادل - لم تكن تفعل كل ذلك وحدها.
الرجل - ماذا؟!
عادل – ولكنها كانت أساس الخراب، فهي التي تبث السم تلدغ وتقتل حيوانات أخرى، تعيث خرابا في الحقول بحثا عن الملدوغات والمقتولات لتلتهمها وتنسحب إلى الدغل في تلك الغابة المظلمة.
المختار - نعم.. هذا معقول فليست لحية بمفردها أن تفعل كل الذي جرى.
عادل - وقد أدركت ذلك حين راقبت أثار حيوانات غريبة، وتتبعت دروب سحبها لضحاياها، ومخلفات الدماء والعظام داخل الغابة.
الرجل - والحية أساس الشر كله؟
عادل - تماما فهي راس الفتنة كما يقال.
سلمى - إن قتلك لها سيوقف كل هذا العذاب.
عادل - إن شاء الله.
المختار - ولماذا دفنتها يا عادل؟
عادل – لكي لا تتسبب عظامها المسمومة – فيما بعد – بجرح أحد أو إيذائه، ثم أنها قذرة وشكلها قبيح مخيف، فحفرت لها عميقا هناك وغطيتها.
سلمى - (بفرح غامر) بوركت يا عادل.. بوركت.. سيتفجر الفرح في أرجاء القرية، وسوف ترقص حقولها وبيوتها، وسوف تنشرح القلوب وتفتح كما تتفتح الورود في ربيعها. لقد أنهيت رحلة خوف القرية وعذاباتها.. أنت بطل يا عادل.. أنت بطل هذه القرية.
المختار - (يتنحنح).. أحم.. احم.. أسمع يا عادل، ما رأيك بصفقة نكسب منها نحن الحاضرون هنا، أنا وأنت وسلمى؟
عادل - صفقة؟.. أية صفقة؟!
المختار – أنتبه لما سأقوله لك جيدا.. سوف أسعى لك في الزواج من سلمى وسوف أساعدكما في ترتيب إجراءات الزواج وأسهله لكما ماديا واجتماعيا..
سلمى - (بفرح) شكرا.. شكرا يا مختار إنك حقا..
عادل - (يقاطعها) انتظري، مقابل ماذا يا مختار؟.
المختار – شئ بسيط جدا.. هو أن، تقول للناس جملة واحدة: المختار هو الذي قتل الحية.
سلمى - بسيطة.
عادل - (غاضبا) هذا مستحيل.
المختار - إهدأ ولا تتعجل بهذا الرد المنفعل، واجعل السيادة لعقلك كي يحكم بمنطق. (وناظرا إلى الرجل بجواره) أليس كذلك؟.
الرجل – نعم نعم يا سيدي، لأن عادل سيضر نفسه وسلمى كثيرا إذا رفض.
عادل - كيف؟
المختار – أن عملية الهدم أيسر من عملية المختار. وأبسط ما يمكن أن نفعله ضدك هو أن نحرمك من رؤية سلمى، ثم نحول دن زواجك منها، ثم نسعى في تزويجها من غيرك، وربما من عدو لك.
سلمى - وافق يا عزيزي.. لأنه ما يطلبونه منك لن يضرك بشيء، بينما رفضك سيضرنا معا.
عادل - لا.. لا يا سلمى.
سلمى - لماذا؟
عادل – لأن ما يطلبون مني القيام به سوف يضر كل الناس، بينما رفضي له لن يضر أحدا سوانا.
سلمى - كيف ذلك؟
عادل – أن المختار يدعوني للتواطؤ معه من أجل تضليل الناس والتغرير بهم، فحين أقول: أن المختار هو الذي قتل الحية. سيرون فيه بطلهم ومخلصهم، وسوف يولونه كل أمورهم بثقة عمياء، ويصدقون كل أكاذيبه الماضية والمستقبلية فيسود عليهم كذبا.. ثم انه سوف يبلغ المحافظ بأنه قام بإنقاذ القرية من تلك المشكلة التي أقلقت المحافظ، فيحظى بالتقرب منه وبإمدادات القوة والنفوذ والجاه والتسلط.
الرجل - (يصيح) احترم نفسك.
عادل - لماذا لا تحترمون أنتم أنفسكم؟ وتتوقفون عن المتاجرة والتلاعب بمصائر الناس وعذاباتهم..
الرجل – (إلى المختار)ألا.. أؤدبه يا سيدي؟
المختار - دعه قليلا.. إنها ثورة الشباب في دمه. وسوف يهدأ حين نخبره بما نحن قادرون على فعله به إذا بقي على عناده.
سلمى - عادل … وافق على ا يطلبونه.. من أجل حبنا أرجوك..
عادل - إنك تعرفينني جيدا يا سلمى، وتعرفين أن حبي للناس أثمن من حبي لنفسي.
الرجل - أنت طائش ومغرور ومعتوه.
عادل - لست كذلك أبدا.. ولا أبغي من إعلاني عن قتلي للحية جاها أو مالا ولا شهرة، ولكنني أرفض خداع الناس، أو الاشتراك في التآمر عليهم وتمكين المختار وأمثاله من التغرير بهم، وأحكام القبضة على أعناقهم.. لا.. لن أساعد المختار في ممارسة دور البطل والقائد فيؤذي الناس ويجرهم إلى التهلكة.
المختار - أسمع يا ولد، عليك أن تعرف أيضا أنني قادر على خلع البطولة منك.. بل وقادر على تحويلها إلى سهم قاتل يرتد إلى نحرك كلما حاولت إطلاقه.
سلمى - لا حاجة لنا بالبطولة يا عادل.. إننا بحاجة إلى بعضنا فقط.
عادل - سلمى. أفهمي أنا لا أفكر بالسمعة كبطل، ولكنني أرفض أن يمارسها غيري دون وجه حق.. زيفا وسيفا على رقاب الناس.
سلمى - عادل عزيزي لا تدمرنا بمثاليتك وجديتك الحادة هذه.
عاد - هذا أنا يا سلمى كما تعرفينني: لا أستطيع أن أكون غير نفسي، لا أحتمل إلا أن أكون.. إنسانا حقيقيا.
سلمى - عادل يا حبيبي.. ألا يكفيك أن أعرف أنك البطل الحقيقي؟.
عادل – أجل يا سلمى.. صدقيني، فأنت بالنسبة لي أهم من يجب أن يعرف الحقيقة.
المختار - وحتى هذه التي هي أمامك الآن تأكد بأننا قادرون على غسل دماغها وتحريف قناعاتها، فراجع نفسك مرة أخرى ولا تتهور.
عادل – لا.. سأقول الحقيقة التي أعرفها وليحدث ما يحدث.
((يخرج عادل ثائرا وهو يصيح)) يا ناس.. يا أخوتي.. لقد قتلت الحية.. يا ناس.. يا أخوتي.. يا ناس.. يا أخوتي ……
((ثم تتبعه سلمى وصوته يبتعد))
المختار - (إلى الرجل) أتعرف أين دفنها بالضبط؟
الرجل - طبعا يا سيدي.
المختار - أذهب وأدفنها في مكان أخر… هيا.
((يومي الرجل برأسه ويخرج، ويبتسم المختار بخبث فيما صوت عادل مستمر بالابتعاد))

-3-

((حشد من الناس حول عادل وسلمى قريبة منه))
عادل - أيها الناس.. يا أهالي القرية.. يا أخوتي.. لقد قضي على الشر فاطمئنوا الآن على أنفسكم وحقولكم وحيواناتكم لقد قتلت الحية السوداء التي كانت تخرج إلينا من الدغل..
((ترتفع هتافات الناس فرحا وتقديرا لعادل، ثم يدخل المختار والرجل التابع يندفع أمامه))
الرجل - هي.. لقد جاء المختار.
((يضع الرجل التابع دكة أو صفيحة ليصعد عليها المختار ويرتفع على الناس))
المختار - يا أه القرية لا تجعلكم رغبتكم الشديدة بالخلاص من الحية أو مصدر الشر الذي نجهله.. تصدقون كل ما يقال، ومن واجبي كمختار أولا وكواحد منكم ثانيا أن أنبهكم فإني حريص على ألا يخدعكم هذا الفتى الحالم بالبطولة، فلا تصدقوه وتخدعون أنفسكم بطمأنينة مصطنعة تجعلكم أكثر غفلة وعرضة للأذى، واصلوا انتباهكم وحذركم واحتاطوا.
عادل - أيها الناس صدقوني لقد قتلت الحية بيدي هاتين.
المختار - ومن قال لكم أن كل ما يجري بسبب الحية؟ وإن كانت حية فما الذي يجعلكم واثقين من أنه قد قتلها وليست غيرها؟ وأن كانت هي فما الذي يثبت لكم أنه قتلها فعلا؟.. هل رآه أحد منكم؟.
الجواب: كلا. هل قدمها أو قدم رأسها هنا أمامكم؟ الجواب: كلا.
عادل - صدقوني لقد قتلتها ودفنتها وسوف أخرجها لكم إن اضطررتموني إلى ذلك…
والمختار يقول لكم ما يقول، لأنني رفضت مساومته، فقد عرض على أن أقول أنه هو الذي قتل الحية مقابل أن يقدم المال والمساعدة ومن أجل أن يفي هو بوعوده لكم ويصبح بطل عليكم، ويخدعكم ويخدع المسؤولين هناك في المحافظة، ولكنني رفضت فهددني.
وها أنا أقول لكم الآن وأحذركم بأن الخراب إذا أستمر فتأكدوا بأن المختار هو الذي سيكون المسبب، لمجرد أن يثبت لكم أن الحية لم تقتل، وأنني كاذب فينهبكم ويمارس هو دور الحية ويلدغكم.
المختار - ((يقهقه ساخرا بصوت عال)) هئ.. هاي.. أسمعتم بتخريف أغرب من هذا؟..أساومه؟!.. أنا أساوم ولدا قتل دودة، أو حلم بقتلها بعد أن نام بالمقلوب؟: أقدامه على الوسادة ورأسه في الجورب تحت البطانية..!.
عادل - أيها الناس يا أخوتي.. ها أنا قد حذرتكم.. أحذركم فصدقوني لقد قتلت الحية ودفنتها بيدي هاتين.
المختار - مهلا.. مهلا.. ولنفترض أنك قد قتلتها فعلا…. وقد قلت لي أنها حية عادية وصغيرة، وأنت يا سلمى ماذا قال لك؟
سلمى – قال أنه قتلها ودفنها، وأنها حية عادية وصغيرة، ولكنها سوداء وخطيرة.
المختار - (إلى عادل) هل تنكر هذا الكلام؟
عادل - لا… وهذه هي الحقيقة.
المختار - (إلى الرجل التابع له وبمكر) كم تقدر حجمها حسب وصفه لها يا عزيزي؟
الرجل - (بسخرية) بحجم إصبع الطفل الرضيع.
((يضحكون))
المختار - (إلى أحد الناس) إذا فحية عادل هذه.. العادية الصغيرة هي التي ابتلعت ثورك يا حمدان.
((يضحكون))
المختار - وحية عادل هذه.. هي التي خربت حقلك يا عبدالله.
((يضحكون))
المختار - وحية عادل هي التي التهمت زوجتك وولدك وجيرانك يا راضي.
((يضحكون))
الرجل - وحية عادل هي التي ابتلعت شاحنتك يا عباس.
((يضحكون))
المختار - وألان أيها السادة.. هل تعقلون كلاما كالذي يقوله هذا الفتى المعتوه؟
((من بين الناس من يقول))
رجل - لا.. مستحيل.
أخر - هذه أكاذيب.
أخر - كيف لحية أن تفعل كل الذي حدث؟!
أخر - غير معقول.
عادل - ليست وحدها فقد وجدت في الدغل والغابة أثار لحيوانات مفترسة تأتي على الضحايا بعد لدغها، وتفتش عنها في الحقول: ليلا فتخرب الحقول.. إن الحية أسا الخراب وتلك الحيوانات معها أو من ورائها.
المختار - (يضحك بقوة وسخرية).
عادل - (يكمل) والمختار معها ومع الحيوانات المفترسة، وأمثالها معها، وربما هو الحية الحقيقية…
المختار - (يضحك ثم يقول) أيها الناس أعرفتم الآن سر مثلث برمودا الذي تختفي فيه البواخر والطائرات؟ يقال أن حية عادل كانت هناك وابتلعتها.
((يضحكون))
الرجل - (إلى أحد الواقفين) وأنت يا سعيد أعرفت الآن أين اختفى قطيع بعرانك؟
سعيد - ابتلعته حية عادل.
((يضحكون))
((عادل في المنتصف والناس يحيطون به ويسخرون منه , فينتفض في مكانه كمن يجلد بالسوط كلما ضحكوا وسخروا منه ويصيح محاولا الإيضاح , ولكن بلا فائدة وتستمر السخرية))
المختار - هاتوا لنا كرسيا يليق بمقام البطل عادل من أجل أن يجلس بيننا ويحدثنا عن بطولاته مع حيته الديناصورية.
((يذهب الرجل ويأتي بطشت يضعه وسط المسرح، ويجلسون فيه عادل كالطفل الذي يراد له الاستحمام، ثم يدعوهم المختار للجلوس، فيجلسون حول الطشت بشكل دائري أو مستطيل مفتوحة من جهة الجمهور أو الجبهة المعاكسة، ليكون الجمهور طرفا في الجلسة، أو يؤخذ الطشت إلى مكان بين الجمهور ويتوزع الممثلون على مقربة منه فيواصلون السخرية، وعادل يرتجف وينتفض كمن تلسعه السياط ويتكور ويتضاءل ويتصبب عرقا.. وكانت سلمى - في البداية - تتألم عليه، ولكنها بالتدريج تصدق المجموع وتكذب عادل، فتبدأ بالابتسامة أولا، ثم تشاركهم الضحك، وربما حتى السخرية لاحقا)).
رجل - أتعرفون كيف تقسم الاتحاد السوفيتي؟… يقال أن أمريكا قد جندت حية عادل فقسمته.
((يضحكون فيكمل الرجل)) ثم ذهبت إلى غورباتشوف وقبلته، ألم تروا آثار قبلتها على جبهته؟ (يضحكون).
رجل أخر - أعلمتم ماذا فعلت وزارة النقل والمواصلات عندما تعطل أحد قطاراتها؟ بحثت عن حبل قوي لتسحبه به فلم تجد.
رجل أخر - سحبته بحية عادل… (يضحكون)
أحد الناس - أسألكم يا جماعة كيف قتلها عادل؟
رجل - حكى لها نكتة أضحكتها فدخل في بطنها. (يضحكون)
أحد الناس - وماذا وجد هناك؟
رجل - يابوووه.. أسواق وعمارات وسيارات وطائرات.
رجل أخر - (مضيفا) والجسر المعلق. (يضحكون).
أخر - وسوق العورة. (يضحكون)
أحد الناس - وسمعت أن الشرطة قد طاردته.
رجل - أي شرطة؟
أحد الناس - شرطة مديرية أمن حية عادل. (يضحكون)
((تتواصل السخرية بشكل متصاعد وعادل يتصبب عرقا ويتضاءل إلى أن يذوب مثل شمعه محترقة، وينتهي ليتحول إلى مجرد طشت مملوء بالعرق تطفوا فيه ثيابه.. فتقترب منه سلمى فلا تجد سوى الماء والملابس))
سلمى - (بذهول) لقد ذاب عادل!.. لقد مات.. قتلتموه.. أهذا ما كنت تحلم به يا عادل؟
أن تكون مثل ذلك الذي حدثتني عنه.. مثل إنسان كنت تسميه غاندي.. ذلك الذي أحرقت جثته، ونثرت على جبال بلاده وأنهارها.. ها أنت تحقق حلمك وتتحول إلى ماء، ولكنهم سوف يسكبونك في المياه الأسنة، أو على المزابل.. إن تكون ماء مسكوبا فهل تعود؟..فهل تعود يا عادل؟؟ هل يستعاد الماء المسكوب؟.. هل يستعاد الماء المسكوب؟؟…
((وتصرخ مصابة بحالة هستيرية حادة، تبكي وتضحك وتصيح))
المختار - أخرجوها.. أبعدوها عنا لكي لا تعكر صفو جلستنا، واقذفوا بهذا الطشت خلفها.
((فيخرجها رجلان بالقوة، وهي تصيح بشكل جنوني غامض. ورجلان آخران يحملان الطشت ويقذفانه إلى الخارج خلفها))
المختار - أيه.. أتعرفون يا قوم ماذا فعل عادل؟.
رجل - ماذا فعل؟.
المختار - كطع ذيلها.
((يضحكون وتتحول السخرية تدريجيا إلى اللهجة الشعبية العامية، وتصبح شبيهة بسخريات السمر والمقاهي والأصدقاء، ويمكن هنا الاستفادة من ((مسرح البساط)) الذي له عدة تجارب في المغرب العربي، كأن تأتي مجموعة من الممثلين، ويفترشون بساطا يحملونه، ثم يشرعون بالتحدث بشكل عفوي أو يبدوا كذلك.. شئ شبيه بمجالس السمر والمناداة العربية الشرقية))
رجل - حقا ما هو لونها؟
أخر - سوداء وفستانها وردي. (يضحكون).
رجل - أقول.. وما هو أسمها؟.
أخر - أسمها حية بنت عادل الكذاب. (يضحكون).
أخر - لا.. اسمها.. رقيقة بنت حجي عريبي. (يضحكون).
أخر - أي نعم.. عزف لها سمفونية ساري العبدالله وركصها على الوحدة ونص. (يضحكون).
شاب أخر - لا.. لا.. ركصها على اللدغة ونص. (يضحكون).
(وربما يغنون أغنية شعبية خفيفة، ويرقصون، ثم يعاودون مواصلة السخرية بشكل متصاعد)
أحد الناس - يقولون أنه عندما أنهكها المرض ذات مرة واحضروا إليها جميع أطباء العالم رفضت.
أخر - وماذا قالت؟.
امرأة - نظرة من عادل تكفيني. (يضحكون).
رجل - سمعت أنها حية مثقفة.
أخر - أي صحيح تأكل تبسي وتشرب ببسي. (يضحكون).
أخر - تأكل ديرة وتشرب بيرة. (يضحكون).
شاب - ويقال إذا كان عندها مغص تبلع ثورا بعد الأكل. (يضحكون).
شاب أخر - طيب. وإذا عندها إسهال؟.
شاب - أفتح لها فمك. (يضحكون).
(ويتشاجر الشابان فيطردهما المختار، ويتواصل الضحك عن طريق تفجير أساليب الفكاهة والسخرية والفنطازيا الشعبية وحتى الرخيصة منها فيدور الحديث عن لونها وحجمها وأقربائها ووظيفتها وأشياء تخص الأفاعي وأشياء لا تخصها، وعن قضايا راهنة: سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية)
رجل - يا جماعة وهي كيف تنام؟
أخر - رأسها بالقمر ورجليها بالشمس… (يضحكون).
((يضحكون يضحكون وتتواصل السخرية بشكل حر ومرتجل من قبل الممثلين والجمهور بالتطرق إلى مواضيع وشؤون حالية، تمس الوقت الحاضر، وقت العرض، حيث يستمر الضحك والتعليقات حتى وهم يخرجون من المسرح إلى الشارع ويتفرقون في المدينة..)).