السبت، 29 أكتوبر 2022

حوار مع محسن الرملي / فاطمة باسم، عشتار، المستنصرية

 

الروائي العراقي المغترب

محسن الرملي:

الكلمة هي وجودي المعنوي والإنساني 

حوار: فاطمة باسم

محسن الرملي روائي وشاعر ومترجم وأكاديمي عراقي يقيم في إسبانيا. ولد عام 1967 في قرية (سديرة) شمال العراق. حصل على الدكتوراه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة مدريد (أوتونوما) بكلية الفلسفة والآداب عن رسالته (تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته) عام 2003، ويتميز بالكتابة باللغتين العربية والإسبانية، كما تُرجمت بعض من كتبه ونصوصه إلى العديد من اللغات كالإسبانية، الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، البرتغالية، التركية، الروسية. من أبرز روايات الرملي: (تمر الأصابع) و(الفتيت المبعثر)، لكن أهمها على الإطلاق (حدائق الرئيس)، وكلها تتناول بشكل أو بآخر الظروف التي مر بها العراق.

ولتسليط الضوء على تجربة الكاتب ورؤاه الإبداعية في مجال الرواية والشعر والكتابة، كان لنا هذا الحوار:

*ماذا تشكل الكلمة لك، وكيف يمكن أن تكون منظوراً؟

ــــ الكلمة هي وجودي المعنوي والإنساني، وبدونها سأكون مجرد كائن مؤقت يمر في هذا العالم ويندثر. الكلمة اللغة هي جامعة كل حواسي، بها أرى العالم وأرى نفسي، بها أتعامل مع العالم ومع نفسي، وبها أفهم العالم ونفسي بشكل أفضل. الكلمة تجرحني والكلمة تداويني، الكلمة تُفقرني وتُغنيني، مع الكلمة وبها ومنها عشت وسأعيش كل حياتي، ولهذا فإن اليوم الذي سأفقد فيه الكلمة سيكون بداية نهايتي وموتي.

*إدخالك للأجناس المختلفة في الرواية، هل كانت للتجديد أم أن فحوى الفكرة تطلب ذلك؟

ــــ بشكل عام، الفكرة هي التي تختار أو تفرض شكلها، لذا تنوعت نصوصي وفق أجناس عديدة كالقصة القصيرة، الشعر، المسرح، الرواية، المقال، الذكرى، الرسالة.. وغيرها، وبما أن أكثر جنس كتابي أمارسه وقادر على استيعاب كل الأجناس هو الرواية، فقد تضمنت رواياتي مختلف الأجناس التي عرفتها، ومنها بشكل خاص روايتي (ذئبة الحب والكتب).

دوافع الكتابة

*ما هو دافع الاستمرار في الكتابة، وهل أخذت الكتابة مكان المسرح كعالم مفتوح؟

ــــ دوافع الكتابة معروفة وغامضة في الوقت نفسه، وكأن الكاتب مُسيّر ومخيّر معاً، وكأنها مسألة قَدرية واختيارية في آن، ودائماً لها ارتباط عميق بالحس والهم الوجودي ومحاولة البحث عن معنى للحياة على الصعيد الشخصي والعام، أما عن مسألة توجهي للكتابة أكثر من المسرح الذي أحبه وكان حلمي الأول، فهي الظروف المضطربة والتنقلات الكثيرة في حياتي، المسرح يحتاج إلى عمل جماعي وأشياء مادية وإلى جمهور مباشر، أما الكتابة فهي عمل فردي ولا تحتاج مادياً سوى إلى ورقة وقلم، والوقت مفتوح أمامها للوصول إلى الجمهور وليس مرتبطاً بمكان وزمان محددين، عدا أن الكتابة قادرة على استيعاب المسرح أكثر من قدرة المسرح على استيعاب الكتابة.

*صرحت سابقاً بأنك متعدد الهوّية، ماذا أملى ذلك على الرواية أو الكتابة بشكل عام؟

ــــ نعم، وهذا أمر حقيقي؛ على الصعيد الشخصي في حياتي الخاصة والعامة وفي تفكيري والتنوع الثقافي الذي بلورته تجربتي الحياتية والمعرفية، وبالطبع سينعكس ذلك على كل ما أقوله وأفعله وأكتبه، طالما أن شرطي الأساسي مع وعلى نفسي هو الصدق، وخاصة فيما يتعلق بالكتابة، وهكذا تظهر تأثيرات هذا التعدد في الهوية في نصوصي، سواء على صعيد الشكل أو على صعيد الموضوع.

*ماذا يقول محسن الرملي من خلال الأدب؟

ــــ أحاول أن أقول وأُذكر نفسي وقارئي في كل نص كتبته، بأننا كبشر؛ علينا أن نكون أكثر إنسانية، أكثر حساسية ورقة وتعاطفاً مع بعضنا البعض، أن ننتبه إلى مرارة آلام الآخرين فنحاول تجنيبهم إياها قدر الإمكان، أو نسعى للتخفيف منها على الأقل. أن نحرص على ترسيخ حب القيم الإنسانية العليا في ذواتنا وفيمن حولنا كالحق والمساواة والحرية والتسامح والمحبة والجمال.

القضية العراقية

*ذكرت سابقاً إن القضية العراقية قضية إنسانية، ما هي رؤيتك للشباب العراقي في المستقبل؟

ــــ نعم، فلم تكن القضية العراقية عراقية خاصة خالصة في يوم من الأيام، لأنه دائماً هناك مَن له يد فيها من خارج العراق سلباً أو إيجاباً، كما أن العراقي قد مر بكل ما يمكن أن يمر به الإنسان، من ذروة الازدهار إلى ذروة الانهيار، وتقلبات راديكالية متواصلة ومتسارعة، تؤثر على الآخرين سلباً أو إيجاباً، ومن هنا فهي تجارب يُفترض أن تهم كل إنسان، على الأقل من باب التعلم منها.

*كونك مرآة للواقع العراقي من خلال رواياتك، برأيك أين يذهب الألم؟

ــــ موضوع الألم هو من المواضيع الرئيسية في كل أعمالي تقريباً، والأسئلة المتعلقة بالألم ترافقني منذ صغري وإلى الآن، وهي شبيهة بالأسئلة الفلسفية الكبرى، التي كلما تمت الإجابات عنها بشكل ما في وقت ما، عادت وتجددت وطرحت نفسها مرة أخرى: من أين؟ ولماذا؟ وإلى أين؟

زمن الكتابة

*ماذا يشكل لك الزمن وماذا اعطتك الحرية؟

ــــ الزمن والحرية هما جوهر الحياة بالنسبة لي، هما أثمن ما فيها، والزمن الذي لا أستطيع أن أكون فيه حراً كما أريد، هو زمن مقطوع، مسروق أو ميت من حياتي.

*لا بد للرواية ان تأخذ نصيبها من الخيال، هل ترى أن الروحانية يمكن أن تغطي دور الخيال؟

ــــ بل لا رواية بلا خيال، ولا حياة بلا خيال، ولا تستطيع الروحانية أن تأخذ دور الخيال، لأنها، في نهاية الأمر، ما هي إلا جزء صغير منه وتتغذى عليه.

*ما الذي يجعل الرواية حاضرة في كل الأزمان؟

ــــ لأنها الكتاب الذي يمكن أن يقرأه أي إنسان في أي زمان ومكان، بغض النظر عن تخصصه المهني ومستواه الاجتماعي أو التعليمي، وبغض النظر عن لونه وجنسه وجنسيته، إنها كتاب عن الإنسان ومنه وإليه، وفيها المتعة والمعرفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في صحيفة (عشتار)، العدد 0، الجامعة المستنصرية، بغداد 2022م

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022

الصالون الأدبي الثاني مع محسن الرملي / دنا شحبري

 

الصالون الأدبي الثاني مع محسن الرملي

*الدفاع عن الهوية الواحدة انغلاق وعنصريّة.. اِنفتحوا وسترتاحون!

*الترجمة مدرسة لكل من يدخلها، وتعلّمتُ من خلالها أهمية أن تعني الكلمة ذاتها

*للروائيين، اِقرأوا علم النفس أكثر من التاريخ لأن أغلب التاريخ مزوّر

*للمبتدئين في عالم الكتابة، اكتبوا بشغف وحب وابحثوا عن السرّ الإنساني في صمود الكلاسيكيات

*الإنسان كائن تعبيري، فكل أثر له عبر الحضارات هو تعبير عن كيانه 

دانا شحبري

استضاف الصالون الأدبي الثاني للأكاديميّة العربيّة الألمانية للعلماء الشباب في العلوم والإنسانيات في الثاني عشر من أكتوبر ٢٠٢٢ الكاتب والروائي والناقد العراقي الدكتور محسن الرملي. الرملي أيضًا هو الشريك المؤسس لمجلة "ألواح" الأدبية ومحرّرها، كما اشتهر بترجمته للكلاسيكيات الاسبانية، مثل رواية "دون كيشوت"، الى العربية. يتحدث في هذه الجلسة عن تجربته الروائية بين العراق واسبانيا وعن أحلام ضائعة وعراق مفجوع. كيف نكتب عن العراق اليوم دون الوقوع في فخ الذاكرة؟ وهل يساعدنا الأدب في المضيّ قدماً؟

عقدت الجلسة افتراضيا عبر "زوم"، وتم بثها أيضًا على قناة الأكاديمية على " يوتيوب" لمدة ساعة ونصف تخللت ثلاث محطات من قراءة الرملي الشعرية وأسئلة متنوّعة من المُحاوِر الدكتور بلال الأرفه لي والجمهور الافتراضي.

المكان والعولمة وانشطار الهوية واللغة:

عاش الرملي في العراق بقدر ما عاش في اسبانيا، وهو اليوم أستاذ في جامعة "سانت لويس" في مدريد. من هذا المنطلق، تناول الجزء الأول من الجلسة محور الهوية وانشطارها، وهو سؤال انسانيّ شاغل، لكنّه يحمل أبعادًا إضافية حين يكون الكاتب عربيًّا. بالنسبة للرملي، فإن موضوع الهوية ظهر بقوة مع موجة العولمة حيث اندفع العديد من الأفراد للدفاع عن هويّة واحدة ولغة واحدة. مناقضًا لهذه الآراء، يعبّر الرملي عن سعادته كونه منشطر الهوية بين العربية والاسبانية، موضّحًا أنه تصالح مع هذا الانشطار حين قرّر الانفتاح على العالم. يقول الرملي: "الدفاع عن الهوية الواحدة انغلاق وعنصريّة. يقولون إنّ القيم والعادات والهوية تذوب مع العولمة. في رأيي، إذا كانت العوامل الأساسية في الثقافة هشّة ستجرفها العولمة بوتيرتها السريعة، أمّا الأصليّ الثابت كعامود البيت والجبل الراسخ، فسيبقى وتنفعه العولمة كي يراه الآخرون".

بالنسبة لانشطار الهوية اللغوية، يشارك الرملي وجهة نظره تجاه هذا الموضوع المهمّ والذي يعكس حياته اليوميّة بين اللّغتَين. حين يُقدم على الكتابة، فإنه يكتب الكلمة التي تحضر أوّلًا، سواء كانت عربية أو إسبانية، ثم يعيد الصياغة حسب اللزوم. في باب اللغات، تأخذ الجلسة منحى جديدًا في الكلام عن الترجمة وأهميّتها في إيصال الأدب العربيّ إلى العالميّة. يتساءل الرملي " لماذا لم ينجح المتنبي في الغرب رغم كونه أعظم شعراء العرب؟"، ويبرّر هذا الأمر بغياب الدلالة اللغوية والاستغراق في زخرفة اللغة. كما يقول، "الترجمة مدرسة لكل من يدخلها، وتعلّمت من خلالها أهمية أن تعني الكلمة ذاتها في كل اللغات. على سبيل المثال، الغراب في الثقافة العربية دلالة على العدو، أما في ثقافات أخرى فهو دلالة خير".

الكتابة والتاريخ والمسؤولية الأدبيّة:

عند سؤاله عن تجربة الكتابة عن العراق والمآسي عن بعد، أي في مسكنه الإسباني الآمن، يعود الرملي بالذاكرة إلى زمن كان فيه عسكريًّا يقرأ ويكتب تحت القصف: " نصوصي هناك كانت قصيرة نظرًا لضيق الوقت، وكانت مكثفة ومليئة بالرموز والتجريد خوفًا من الرقابة الاجتماعية والسياسيّة. أمّا كتاباتي من الخارج فهي كتابات مستقرّة وحرّة ليس عليها أيّة أقنعة، ممّا يجعلها أكثر وضوحًا وواقعية". لكن بالرغم من كلّ ما عاناه في العراق، ورغم سوء حظّه في الديكتاتوريّة كما يقول، فقد كان محظوظًا بما فيه الكفاية لأنه شهد على الحركة الشعريّة الحيويّة واحتكّ بأساتذته من الجيل السابق الذين علمّوه الكثير، بما في ذلك ألا يتورّط في الإيديولوجيات كما فعلوا هُم.

بالانتقال إلى قضيّة المسؤولية الأدبية، يعترف الرملي أنّه عاجز عن "الكتابة عن غير العراق" لأن جرحه لم يهدأ بعد. يتوق الكتابة عن أمور أخرى أحيانًا، لكنّه يعي أن إسبانيا لا تحتاجه بقدر حاجة وطنه الأم إليه ولصوته الأدبي. بالكلام عن مسؤولية الكاتب، يشارك الرملي موقفه النقدي تجاه الرواية التاريخية متوقعًا نهايتها القريبة في عالم الأدب. يقول الرمليّ: "مسؤوليتي أن أدوّن ما شاهدت كوني شاهدٌ على عصري"، ويكمل موضحا أنّه لا داعي للعودة إلى التاريخ وخاصّة في غياب اليقين عن موضوعيّة المؤرخ.

يختتم الرملي النقاش بإيمان راسخ بعظمة الكلمة التي "تتغير ولا تنتهي، ففي البداية كانت الكلمة وحتى النهاية ستبقى". لأن الإنسان كائن تعبيري، فكل أثر له عبر الحضارات هو تعبير عن كيانه سواء بالحجر أو بالنقش، بالرسم أو بالرقص، وكاتبنا يؤمن أن اللغة هي أعظم وسيلة تواصل بين هذه الأساليب كلّها.

دروس نتعلمّها من محسن الرملي:

خلال الجلسة، يشارك الرملي الكثير من الدروس التي تعلمّها من خبراته الحياتيّة والأدبيّة المتراكمة، إليكم بعضها:

للناس في هذا العالم الواسع المصرّين على الدفاع عن لغة ضيّقة وهويّة ضيقة، انفتحوا وسترتاحون!

اللغة ليست هدفًا، بل يجب أن نحوّلها إلى أداة تواصل وتعبير نواكب فيها عصر اليوم مع بقائنا أصيلين.

للروائيين منكم، اقرأوا عن علم النفس أكثر من التاريخ لأن أغلب التاريخ مُزوّر، واكتبوا خارج دخان المعركة لضمان رؤية أوضح.

للمبتدئين منكم في عالم الكتابة، اكتبوا بشغف وحب وابحثوا عن السرّ الإنساني في صمود الكلاسيكيات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في (ديوان العرب) بتاريخ 17 أكتوبر 2022م

https://diwanalarab.com/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A

*تسجيل اللقاء، في يوتيوب: 

الجمعة، 14 أكتوبر 2022

لقاء: محسن الرملي / الأكاديميّة العربيّة الألمانيّة للعلماء الشباب AGYA

محسن الرملي في الصالون الأدبي

للأكاديميّة العربيّة الألمانيّة للعلماء الشباب AGYA

استضافت الأكاديميّة العربيّة الألمانيّة للعلماء الشباب في العلوم والإنسانيّاتAGYA  المموّلة من وزارة الثقافة والتعليم في ألمانيا، الدكتور محسن الرملي ضمن سلسلة اللقاءات مع أدباء في صالونها الأدبيّ، وقد أجرى الحوار الدكتور بلال الأورفلي، وقام بالترجمة الفورية إلى الإنكليزية الأستاذ حازم إبراهيم، وذلك بتاريخ 12 أكتوبر 2022م

وعلى هذا الرابط في يوتيوب، النسخة العربية من هذا اللقاء:

https://www.youtube.com/watch?v=cuJFW_NnUyA


AGYA Literary Salon 

Muhsin Al-Ramli - Iraq, Dreams, and Expression

The second AGYA Literary Salon welcomed Dr. Muhsin Al-Ramli, Iraqi writer, poet, co-founder and editor of the Arabic literature magazine Alwah. Being famous for his translations of classical Spanish literature such as Don Quixote into Arabic, Muhsin Al-Ramli talked about his writing experience between Iraq and Spain, about lost dreams, and his anguished Iraq. The conversation also took up the question on how to write about Iraq today without falling into the trap of memory and whether literature help us move forward.