السبت، 16 مايو 2009

صدور رواية (تمر الأصابع) بالعربية



صدرت في بيروت عن الدار العربية للعلوم ناشرون

ومنشورات الاختلاف

رواية: تَمر الأصابع
تاليف: محسن الرملي

المقاس: 14.5*21.5
عدد الصفحات: 168
لوحة الغلاف: الفنان خالد كاكي
ردمك: 3-628-87-9953-978
وجاء في كلمة الغلاف الأخير:
بعد أكثر من كتاب له في القصة القصيرة والمسرح والشعر والترجمة، هذه هي الرواية الثانية للكاتب العراقي محسن الرملي الذي حظيت روايته الأولى (الفتيت المبعثر) باهتمام نقدي عربي وغربي جاد وحازت ترجمتها الإنكليزية على جائزة أركنساس الأمريكية سنة 2002. وقد صدرت (تمر الأصابع) باللغة الإسبانية أولاً في مدريد. تدور أحداثها بين العراق وإسبانيا وتتناول جوانباً من طبيعة التحول في المجتمع العراقي على مدى ثلاثة أجيال، فتتطرق إلى ثنائيات ومواضيع شتى كالحب والحرب والدكتاتورية والحرية والهجرة والتقاليد والحداثة والشرق والغرب.. وغيرها.

قال عنها الكاتب الإسباني المعروف رافائيل ريج بأنها: رواية تطرح علينا أسئلة نخشى طرحها على أنفسنا وتكشف لنا مما نجهله عن أنفسنا نحن الأسبان، وهي في الوقت نفسه بمثابة رحلة للتعرف على الذات من خلال التعرف على الأب.
ووصفها الشاعر والناقد مانويل رينا في مقال له عنها في صحيفة الآ بي ثي بأنها: رواية مشحونة بالعاطفة، بديعة باستحضاراتها وحنانها وتمتاز بقدرة كبيرة على رسم التناقضات ونقاط الاختلاف والتلاقي بين ثقافات الغرب والشرق.. إنها بحق هدية للفكر والحواس.

فيما كتب عنها المسرحي والشاعر فرانثيسكو ثينامور قائلاً بأنها: جميلة، جميلة جداً هذه المشاهد والحكايات التي يبدعها لنا محسن الرملي والتي تتعلق بالحب وبالتراجيديا وبالثنائيات وبالتحول والصراع بين التقليدي والحديث.

بينما اعتبر الملحق الثقافي لصحيفة (الموندو) محسن الرملي بأنه واحد من أهم الأصوات في النثر العراقي المعاصر.
----------------------------
في صحيفة (الحياة)
بتاريخ / الاربعاء, 03 يونيو 2009
«تمر الأصابع» رواية عراقية

«تمر الأصابع» رواية للكاتب العراقي محسن الرملي صدرت حديثاً عن الدار العربية للعلوم - ناشرون، ومنشورات الاختلاف (الجزائر).
تتقاطع أحداث الرواية بين الماضي وذكريات العراق مهد طفولة الكاتب و «مهد الحضارات»، وأحداث حاضر تدور في إسبانيا، أي بين ما يربط الإنسان بموطن الأجداد، وحياته في بلد الهجرة المحتضن للقادمين أو الهاربين من واقع بلادهم الأليم.
يقابل الكاتب المشاهد والصور التي تبرز المواضيع الأساسية لحياتين مختلفتين تعودان للشخص نفسه. إحداهما كوّنته وما زالت تسكنه حنيناً، والأخرى مكتسبة يعيشها بإرادته، ويفرضها التأقلم مع يوميات حاضر عملي: «فمنذ هروبي خارج أقواس العراق قبل عشرة أعوام وطّنت نفسي على النسيان حتى توطّنت». وفي محاولة للوصل بين الحياتين، يقصّ الراوي صوراً من الجرائد لموطنه الأصلي، ينتقي منها الأقل قسوة، ويعلّقها على جدران غرفته. ينظر إليها ويمارس بحسب ما يقول «هويتي الأولى، حنيني، شوقي الى احتضان أمي وإخوتي، الى زيارة قبر عالية، الى السباحة في نهر دجلة، الى أصدقائي، الى أبقارنا وحميرنا ودجاجــاتنا والجـبل». وعالية هي ابنة عمه وحبيبته الأولى التي قضت غرقاً في النهر.
وفي صحيفة (الزمان)

-----------------------------------------------

وفي مجلة (هنا البحرين)

العدد 2062 بتاريخ 10/6/2009م

-----------------------------------------------------
موقع دار النشر هو:

http://www.asp.com.lb/
يمكن الحصول على الرواية في البلدان العربية من المكتبات المذكورة في هذا الرابط:
أو عن طريق الإنترنيت سواء داخل العالم العربي أو خارجه من خلال (نيل وفرات) على هذا الرابط:

الاثنين، 11 مايو 2009

حوار / أجراه: خضير الزيدي




الروائي العراقي
محسن الرملي :

وجدت ذاتي في الكتابة أكثر من غيرها

حاوره: خضير الزيدي

تعددت مواهب محسن الرملي هذا الفتى القادم من العراق إلى الأندلس ،فمتى ما تراه استقر مع نص قصصي كله دهشة وإيحاء حتى تراه في فترة قليلة منجزا لإرث في كتابة النص الروائي ثم يعيد بك الى نقطة الحلم والتفكير في قوة خياله وقدرته على التجريب لينتقل وبجهد المبدع إلى الاقتراب من قيمة النص الشعري وتجلياته النفسية والروحية ناهيك عن العشرات من الدراسات المترجمة له عن الأدب الاسباني لهذا يبدو لي ان الكاتب مهووس بكتابته لغزارة إنتاجه الإبداعي وتنوعه .
وانطلاقا من رؤيتي الشخصية واعتزازي بصداقة معه أردت أن اعرف بمنجزه الأخير إضافة إلى اطلاع القارئ على جل تصوراته عن الكتابة وافقها التنويري . ومن هنا حقق هذا الحوار معه معرفة جديدة لي متضمنا الحديث عن أفق الترجمة والكشف عن عدم غوص الروائي محسن الرملي في توظيف الفكر الرافديني مبررا عدم الاقتراب منه لما أنجزه روائيون وكتاب نصوص قصصية عراقيون من تجليات أكثر عمقا في الفكر العراقي القديم . عن الكثير من هواجسه أنسانا ومبدعا كانت وقفتنا بنص هذا الحوار.

 **اسمح لي أن ابدأ التحاور معك عن قيمة الأدب في ظل ظروف قاهرة تتابع الإنسان العراقي ، وهل هذا الإصرار لديك في كتابة النصوص القصصية أو الروائية يعد بمثابة الخلاص الذي تبتغيه ؟
ـ إن قيمة الأدب عالية ودائمة بغض النظر عن طبيعة الظروف أو اختلاف الشعوب، إنه مرتبط بالإنسان أبداً لأنه كائن تعبيري ، واللغة هي أكثر ما يميزه عن بقية المخلوقات، والإنسان العراقي هو من مؤسسي الكتابة والأدب للبشرية واستخدمه للتعبير عن نفسه في أشد الظروف مرارة وأكثرها رفاهية، ونظرة سريعة إلى حقب التاريخ العراقي وما رافقها من أدب ستؤكد ذلك، بل وأن دوره في الظروف الصعبة يجب أن يكون أكثر فاعلية. أما عني فقد وجدت ذاتي في الكتابة أكثر مما في سواها، وأجد نفسي أشتغل في هذا الميدان أفضل من أشتغالي في غيره، مادام عليّ فعل شيء ما لشغل فترة وجودي.. وإن كنت أشك في أنني سأجد فيها الخلاص، أشعر بأن همي وحيرتي الوجودية لا سبيل للخلاص منها أبداً، ولكن يمكن مرواغتها بأشكال معينة ومنها الكتابة.

** أود أن أسألك عن تحولات الكتابة لديك ، هل هي الاختيار الفني والفكري أم الأمر هو نسق من التجريب تحاول التركيز عليه ؟
ـ مبدأي الأساسي في الكتابة هو الصدق، لذا فإن أي تحولات أو تنوع فيها هو استجابة صادقة لما أتأثر به، وهذه التأثيرات تأتي عن طريقين هما التجربة الحياتية الشخصية والعامة وعن طريق القراءات. وبما أن حياتي تنوعت كثيراً في مراحلها وكذلك قراءاتي عبر لغتين، فقد انعكس ذلك في كتاباتي وهو أمر اختياري من حيث أني اخترت أن أكون صادقاً في استجاباتي لما أتأثر به. أما عن التجريب فهو يجذبني جداً ولكن للأسف الشديد قد بدأ التجريب في الأدب يتراجع على الصعيد العالمي بحكم ما يفرضه السوق الاستهلاكي العام من تبسيط وتسطيح واستبعاد ما يتطلب من القارئ جهداً في التلقي. فيعود التجريب ليصبح عمل نخبة وللنخبة، ومن بين نصوصي فإن النصوص التي جربت فيها في التقنيات والأسلوب هي الأفضل بالنسبة لي ولأصدقائي الأدباء.

**كيف تبدو لك صورة القصة العراقية بعد ان شهد مشهدها الكثير من الكتاب متنوعين عبر أجيال أو أساليب فنية ؟
ـ القصة القصيرة العراقية ممتازة بكل تنوعها وغناها الكمي والنوعي الذي نعرفه، وفي رأيي أنها من بين الأفضل عربياً وعالمياً، إلا أنها وللأسف لم تحظ بإضاءات ودراسات نقدية كثيرة وجادة بمستواها، كما أنها لم تحظ بالفرصة الحقيقية التي تستحقها من حيث النشر والتوزيع والترجمة، وفي الأدب العراقي لا يتفوق على جنس القصة القصيرة سوى الشعر. ليتنا على الأقل نعمل على إعداد أنطولوجيات كثيرة سواء ما كان منها يتمحور حول أجيال، مراحل، أساليب أو موضوعات. فعلى هذا النحو سيتم الإلمام بها والتعريف بها بشكل أكثر عملية.

** هل حاولت توظيف الفكر العراقي عبر نصوصك القصصية وماذا تنظر إلى تلك الرؤية التي تعيد توظيف الفكر الأسطوري والتاريخي عبر التوظيف الفني والفكري ؟
ـ لم أعمد إلى عملية توظيف قصدية ومدروسة له في أعمالي الإبداعية، ولكنني ووفق مبدأ الاستجابة الطبيعية لما أنا متأثر به، تركت له أن ينعكس في كتاباتي وسلوكي أيضاً، وعلى هذا النحو سيبرز منه ما هو حي وفعله ممتد وفق المناخ والمعايشة المعاصرة، أي التعامل مع بقي منه حاضراً فينا، ولم أعمد إلى البحث والتوظيف القصدي لموضوعة أو حدث أو رمز بعينه بحيث أصوغ عليه عملاً تاريخياً أو باجواء التراث، فهذا النوع من الأدب له مبدعيه الذين هم أفضل مني فيه فأنجزوا أعمالاً رائعة أشك بقدرتي على الإتيان بمثلها.

** أيمكنني القول أن الترجمة أخذت منك وقتا وجهدا ينسيك الكتابة الخاصة بمحسن الرملي ؟
ـ نعم، لقد أخذت ولا زالت تأخذ الترجمة من وقتي وجهدي الكثير، إلا أنها لم تنسني الكتابة طبعاً لأنها هي أيضاً شكل من أشكال الكتابة، أتعلم منها وأتدرب فيها، إضافة إلى أنها تخفف من حسرتي ومن شعوري بالتقصير تجاه القارئ العربي كلما رأيت الكثير والجديد والجميل من الأعمال الأدبية الكلاسيكية والجديدة المهمة التي ما زال القارئ العربي لا يعرف عنها شيئاً وربما حتى لم يسمع بها. ليتنا نتوفر على أعداد كبيرة من الأفراد والمؤسسات ودور النشر المتخصصة والمكرسة للترجمة، كما كان عبدالمسيح ثروت وعبدالواحد لؤلؤة مثلاً وكدار (المأمون).. بل أنني أحلم باليوم الذي يتم فيه إنشاء وزارة مستقلة اسمها وزارة الترجمة.

** طيب ارغب ان تصف لي مشهد غربتك قياسا إلى ارض بغداد ،وهل استطاعت تلك الغربة أن تمدك بجوهر فهم الأشياء البعيدة ليتم لك توظيفها عبر بوابة نصوصك الإبداعية ؟
ـ الغربة بكل مسراتها وأوجاعها وصعوباتها كان لها فضل كبير على تكويني الشخصي والثقافي لا يقل أهمية وعمقاً عما تعلمته وتكونت عليه في العراق، وليت كل إنسان بشكل عام وكل مبدع بشكل خاص يحظى بتجربة العيش والتعايش مع وفي ثقافة أخرى ولو لفترة وجيزة، مثلما أرى أنه من الضروري لكل مثقف أن يعرف لغة ثانية فهذا الأمر لم يعد من باب الرفاهية وإنما من باب الضروريات، وبالتأكيد سينعكس ذلك في تكوين الرؤية والفهم للعالم وللأشياء وبالتالي في طبيعة ما ننتجه شكلاً ومضموناً.

*** ألهذا أنت تركز على قيمة وجودية لشخوصك في الكتابة ، فهل هي فسحة الحرية من تجعلك تحقق ذلك أم أن المسار القصصي لديك يشهد تحولا في الأسلوب والمضمون ؟
ـ كما تعلم، إن الإبداع عموماً والأدب منه تحديداً هو في الأصل إنساني، أي ينطلق من الإنسان ويمر من خلاله ويعود إليه، إنه عن الإنسان وللإنسان ككائن وكوجود بغض النظر عن جنسه وجنسيته، ولونه ودينه.. فهذه تجيء لاحقاً وكمسألة مكملة أو أفقاً آخر للدخول وللتعرف عليه، وبالنسبة لي فقد كان وما زال الهم والقلق الوجودي هو الأول والأعمق والأشد وطأة وتأثيراً في رؤيتي وفي كتاباتي.. حتى وإن بدت بعض النصوص شديدة المحلية فإن تأملها قليلاً سيكشف عن خلفية لها أبعد من ذلك، إشكاليتي الوجودية هي الأعقد والأكثر هيمنة على ذهني ونفسيتي. وبالطبع فإن مسألة الحرية ومفاهيمها ملتصقة بقضية وإشكالية الوجود ونوعها، وبالتالي فإن هذه التحولات في الأسلوب والمضمون، التي ذكرتها، هي جزء من محاولات التعبير من زوايا مختلفة عن هذا الهم الوجودي، وكما ذكرت لك سابقاً، فأنا أترك صادقاً لكل العوامل والظروف والمؤثرات الحقيقية عليّ أن تضع بصمتها في صوغ ما انتجه، بقي أن أشير إلى أنني ولحد الآن لا أعتقد بوجود فهم كامل ومطلق للوجود مثلما أنه لا وجود أبداً لحرية مطلقة.

** أود أن اختتم حواري معك عن رؤيتك تجاه الواقع النقدي والإبداعي في العراق ؟
ـ لدينا إرث ونتاجات وطاقات إبداعية هائلة ومتميزة كماً ونوعاً في مختلف المجالات ومنها الأدب، ولدينا نقد بهذه المواصفات من الجودة باستثناء أنه أقل من حيث الكم. إلا أن المؤسف هو أن كل ذلك لم ينل الفرصة التي تليق به من حيث النشر والتوزيع والترجمة والدرس والتصنيف. إن الظروف العصيبة التي عصفت وما زالت تعصف بالعراق قد أضرت وظلَمَت كثيراً إبداعنا ومبدعينا. ليتنا نستطيع أن نلملم كل هذا الشتات، نبوبه ونصنفه ونغربله ثم نعمل على إعادة نشره وتوزيعه ودراسته والتعريف به سواء ما تم إنتاجه في الداخل أو في الخارج، فكله في نهاية الأمر يعد ثروة عراقية حقيقية، وعلينا أن نستفيد من تجارب شعوب أخرى في هذا المجال كإسبانيا والمانيا واليابان وغيرها ممن أعادوا إنتاج وبناء وتقديم مجمل إبداعهم الذي عصفت به الحروب، وساعدهم ذلك في إعادة التعرف بشكل أفضل على أنفسهم أولاً ومن ثم التعريف بأنفسهم للآخرين.
-------------------------------------
*نشر في صحيفة (الاتحاد) بتاريخ 2/1/2009م العراق.

صدور رواية (تمر الأصابع) بالإسبانية

رواية جديدة لمحسن الرملي باللغة الإسبانية
أبريل/نيسان 2008
صدرت في العاصمة الاسبانية مدريد رواية جديدة باللغة الإسبانية للكاتب العراقي محسن الرملي بعنوان (تمْر الأصابع) أو حسب الترجمة الحرفية لعنوانها بالإسبانية (أصابع من تمْر) وذلك في 240 صفحة عن دار نشر الترثير نومبره التي توزع إصداراتها في أنحاء إسبانيا وفي العديد ن دول أمريكا اللاتينية
وتدور أحداث الرواية بين العراق وإسبانيا والتعرض لوصف ثلاثة أجيال من عائلة عراقية، ومن بين ما يتناوله الرملي أيضاً في هذه الرواية ثنائيات الدكتاتورية/ الحرية،التدين/ العلمانية، العام/ الشخصي، الثأر/التسامح، الهجرة والاحتكاك بين الثقافات وقضية الشرق والغرب. وقد وصف الملحق الثقافي لصحيفة الموندو محسن الرملي بكونه واحد من الأسماء المهمة في الرواية والأدب العراقي المعاصر ومترجماً للعديد من كلاسيكيات الأدب الإسباني، فيما كتب الناقد والشاعر مانويل رينا مقالاً عن الرواية في صحيفة آ بي ثي، إحدى أهم الصحف الإسبانية الثلاث، واصفاً الرملي بأنه يدخل ميدان الأدب الإسباني من أوسع أبوابه وأن روايته تعد هدية حقيقية للفكر والمشاعر.
فيما اعتبرها الروائي المعروف رافائيل ريج أنها رواية تطرح علينا أسئلة نخشى طرحها على أنفسنا وتكشف لنا الكثير مما نجهله عن أنفسنا وهي في الوقت نفسه بمثابة رحلة للتعرف على الذات من خلال التعرف على الأب، هذا وتم تقديم الرواية في أكاديمية كافكا للإبداع الكتابي وفي غاليري تريوينو في بلدة كولمينار بييخو وأجرت أكثر من صحيفة ومجلة وإذاعة إسبانية لقاءً مع الكاتب بمناسبة صدور روايته، كما سيتم تقديمها في أكثر من منبر آخر وتوقيعها خلال أيام معرض مدريد للكتاب الذي سيبدأ أواخر هذا الشهر.
يذكر أن الرملي يقيم في إسبانيا منذ عام 1995 حصل على الدكتوراه من جامعة أوتونوما في مدريد ويعمل الآن استاذاً في جامعة سانت لويس، وله العديد من الإصدارات باللغتين العربية والإسبانية.
-----------------------------------
*نشر في أكثر من صحيفة ومنبر ثقافي عربي، ومنها:
موقع (موجز) الأدبي.
http://www.mojz.com/news.php?action=show&id=251
صحيفة (الرياض) السعودية.
صحيفة (المنارة) العراقية.

الأحد، 10 مايو 2009

دراسة / من أجل الثقافة العراقية


من أجل الثقافة العراقية وتفعيل دورها

(دروس مستفادة من تجارب المثقفين الأسبان)

د. محسن الرملي
لقد صار من البديهي الإقرار بتأثر الثقافات ببعضها بعضا، والاعتراف بالمأخوذ والمستعار وبما تمت الاستفادة منه وتوظيفه في إحداها نقلاً عن غيرها.. فضلا عن قيام ثقافات كاملة على أنساق ثقافات أخرى وتجاربها ومعطياتها. فلم يعد من الممكن القول بوجود ثقافة نقية خالصة أو منفصلة عن مؤثرات الثقافات المحيطة، ذلك أن الثقافة بحد ذاتها تنمو وتنتعش بالتلاقح والانفتاح، فيما تؤول إلى التفسخ تلك التي تصر على انغلاقها.
والثقافة الإسبانية لا تلتقي وتتشابه مع الثقافة العربية عبر تاريخها القديم فحسب، وإنما نجد الكثير من التشابهات والمشتركات بينهما في تاريخها المعاصر أيضاً، فكلما اطلعنا على المزيد من تفاصيلها في القرن المنصرم نشعر بالتطابق مع ما عرفناه وما عانيناه في بلداننا العربية وخاصة العراق. واللافت للنظر أن الثقافة العربية في محاولاتها التنويرية الحديثة كانت تأخذ من الثقافتين الفرنسية والإنكليزية دون الالتفات إلى الثقافة الإسبانية التي لم نأخذ عنها إلا مسألة التجييل، باعتبارها هي الرائدة في بلورة مفهوم الأجيال الثقافية، الذي سرعان ما راحت بقية الثقافات تستقيه عنها، ومنها ثقافتنا العربية. علماً أن هذا الأمر أيضاً قد عرفناه عن طريق ثقافات وسيطة ولم نأخذه مباشرة من الإسبانية لذا فإن تطبيقنا وفهمنا له قد جاء مختلفاً عن مفهومه الأصلي.
إن التجربة الإسبانية من بين التجارب المهمة التي يمكن لثقافتنا العربية الحاضرة أن تستفيد منها الكثير، ومن ذلك على الصعيد السياسي حيث الكيفية في الانتقال السلمي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، وإيجاد الصيغة الدستورية التي هيأت القاعدة القانونية لمسألة التعايش والعيش المشترك بين أقاليم وقوميات مختلفة. وهذا أمر أشار له أكثر من مثقف وسياسي. ولكنه مازال بحاجة إلى المزيد من أخذه على محمل الجدية..
هذه مجرد إشارة فليس هدفنا هنا الخوض في ميدان التجربة السياسية، وإنما سنسعى في محاولتنا لقراءة جوانب بعينها، نظن بأنها قد تنفعنا، من التجربة الثقافية الإسبانية، علماً بأننا لا نعني بتطرقنا للثقافي مفهومه العام، لأن الثقافة بمعناها الشامل تقع على عاتق الجميع ويشارك في صنعها كل أصحاب الاختصاصات الأخرى.. لكننا نتحدث هنا عن المبدعين والأدباء منهم تحديداً.. لذا سنحصر الأمر وسنعنى بالميدان الأدبي الإبداعي من تجارب المثقفين الأسبان ثم ما يمكن أن يضيئه لنا ذلك فيما هو لصالح الثقافة العراقية الراهنة خصوصاً، على الرغم من وجود الكثير مما يمكن مده إلى مساحة التطبيق على الثقافة العربية عموماً.

جـيـل الـ 98 :
لقد كان للمثقفين الأسبان الدور الطليعي والجوهري في تحريك أهم تحولات الثقافة الإسبانية والمشاركة الفعالة في صياغة هويتها وخاصة في المراحل التاريخية الحاسمة..
نبدأ بتجربة جيل الـ 98 التي برزت بعد انهيار ما يمكننا توصيفه بالإمبراطورية الإسبانية وذلك بعد خسارتها لآخر مستعمراتها (كوبا وبويرتو ريكو) إثر الحرب الأمريكية الإسبانية سنة 1898م وما تمخض عنها من تأثيرات على الشعب الإسباني في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث اتضحت هشاشة الخطاب السياسي وتفسخه، فاهتزت الصورة المفخمة التي صاغها النفخ الرسمي للإسباني عن نفسه وعن بلده، فأصبح عارياً فجأة وتائهاً بلا إجابة عن كل ما يتعلق بأسئلته حول هويته التي تمثله حقيقة.. وتعيد له ثقته بذاته.
وهنا كان المثقفون الصورة النموذج للأسبان وعصبهم الحقيقي الذي يتحسس كل هواجسهم. وبدأ الأمر بـ آنخيل غانيبيت (1865 – 1898) الذي راح يقوم بتحليل نفسي واجتماعي للشخصية الإسبانية، ومن بين الكثير الذي أشره فيها نذكر؛ جوانب من مخلفات وتأثيرات الثقافة والشخصية العربية. وكان لمقالاته دور التحريك حيث تأججت الردود والمناقشات وصار المثقفون يشخصون العلة ويقتربون منها حتى تبلور الأمر في أسئلة أساسية شكلت بدورها المنطلق للعمل اللاحق، مثل: ما هي إسبانيا؟ ماذا تعني؟ ومن هو الإسباني؟ ما هي هويته الحقيقية؟ كيف يمكن وصفه وتشخيصه ورسم صورته وتحديد خصائصه؟.. الأمر الذي قاد إلى الانتباه إلى وجود إسبانيتين وليس إسبانيا واحدة، وهما: إسبانيا الرسمية وإسبانيا الواقعية. وهذا ما أعتقد بأنه الكشف البديهي الأول والخطوة الأولى التي يتم تشخيصها واتخاذها في أية محاولة للبدء بمرحلة جديدة، وها نحن الآن على الصعيد العراقي ندرك ذلك، أي وجود عراقين: عراق رسمي وعراق واقعي.
وفي الحالة العراقية يمكننا الانطلاق من طروحات علي الوردي في دراساته عن المجتمع والشخصية العراقية، كذلك حنا بطاطو وسليم مطر.. وغيرهم، كالقراءة ـ المتعلقة بالأدب ـ التي قام بها سلام عبود في محاولته لتشخيص وجه العنف في الأدب العراقي.. يتم الأمر عبر محاورة ونقد وإعادة قراءة ما طرحوه والعمل على تطويره.. أو تجاوزه وعدم الوقوف عند تكراره كما في مسألة الفصل بين البدو والحضر ومحاولة رمي كل الثقل على التقاليد البدوية والريفية، وهنا فإن نقد سليم مطر للوردي(1) بهذا الشأن يمثل صفة إيجابية ضمن طموح مواصلة نقد الذات ونقد النقد وهكذا.
هذا أمر أساسي وجوهري من أجل تصحيح التصور عن الذات، يمكن تطبيقه على الأمم مثلما يمكن تطبيقه على الصعيد الفردي الشخصي. أي أنه وبعد كل هزة عنيفة وحدثاً كبيراً يمثل تحولاً حاسماً إلى مرحلة جديدة.. يتم الرجوع إلى البدايات وإلى إعادة الأسئلة الكبرى، الأسئلة الأولى والتي هي على صعيد الفرد: من أين؟ ولماذا؟ وإلى أين؟.. وغيرها من الأسئلة التي تتعلق بإعادة التعرف على الذات من أجل الانطلاق وفق التصورات أو الإجابات المقترحة إلى ما هو لاحق في التكوين.
ومما يؤكد صحة هذا الأمر هو أنه قد تم اللجوء إليه دائماً واتخاذه كنقطة بداية في أكثر من تجربة إبداعية أو تجربة أمة. مثال ذلك أوربا بشكل عام بعد حروبها، ومثال ذلك أيضاً اليابان والتي أجد من النافع هنا ما قاله أحد أبنائها وهو المستعرب نوبوأكي نوتوهارا: " واجه اليابانيون تجربة صعبة ومريرة. فلقد سيطر العسكريون على الإمبراطورية والسلطة والشعب. وقادوا البلاد إلى حروب مجنونة ضد الدول المجاورة وانتهى الأمر بتدمير اليابان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا حدث في تاريخنا القريب ودفع الشعب الياباني ثمناً باهضاً. ولكننا وعينا خطأنا وقررنا أن نصححه(..) المهم أننا وعينا خطأنا أولاً، ثم عملنا على تصحيح الخطأ وهذا كله احتاج إلى سنوات طويلة وتضحيات كبيرة. كان علينا أن نعي قيمة النقد الذاتي قبل كل شيء، ودون النقد الذاتي بقوة لا نستطيع أن نجد الطريق لتصحيح الأخطاء"(2).
إنها مراجعة للذات بشكل صريح وواقعي جاد وناقد تحليلي دون اللجوء إلى جلدها.. وفي مراحل مثل هذه يكون دور المثقف حاسماً وجوهرياً في صياغة مرحلة العمل اللاحقة بشكلها الصحيح أو بتشويهها.. يعتمد الأمر دائماً على الصدق والموضوعية ويحتاج إلى الحرية والشجاعة وعمل مثابر وتضحية. وللأسف فإن السلطة السياسية في العالم العربي كانت تقمع دائماً أية محاولة من هذا النوع يقوم بها المثقف كما حدث بعد نكسة 67 وتكرر بعد حروب الخليج الثلاثة.
بعد تشخيص المثقف الإسباني لوجود إسبانيتين: رسمية وواقعية.. كان من الطبيعي أن يميل إلى العمل ضمن إطار إسبانيا الواقعية وإزاحة كل ما في الرسمي من ديموغوجية وتزييف لصورة الإسباني عن نفسه، ونقد وكشف ما لا ينطبق معها ويمثلها. فصار جل المثقفين يركزون جهودهم على هذا الأمر دراسة وإبداعاً، وتكريس ما يعيد للأسباني ثقته بنفسه وتوضيح تصوره عنها.
كل المثقفين راحوا يطرحون ويتبنون موضوع إسبانيا، ليس في الميدان الاقتصادي والاجتماعي المؤسساتي وإنما في ميدان القيم، الأفكار والمعتقدات. أو كما يصف (شاو Shaw )(3): بحثوا عن إجابات ثقافية وفلسفية لمشاكل بعينها وبمفاهيم عملية يمكن اتخاذها لإعادة تكوين الدولة الأسبانية.
وهنا عندما نستعرض بعض أقوال هؤلاء المثقفين عن مرحلتهم وطبيعة تصورهم لجيلهم، ثمة أمر سنجده يتطابق إلى حد كبير في الكثير من وجوهه والحال العراقي في هذه المرحلة.
بيو باروخا(4) يؤشر بعض السمات الأخلاقية التي كانت سائدة لتلك المرحلة فنجد من بينها: الهم الفردي المتمثل باستنزاف طاقة الفرد من خلال انشغاله بتأمين حاجياته الأساسية والنأي بنفسه عن العام ضمن حرصه على سلامته، والقلق الأخلاقي المتجسد بتناقضات القيم وتبدلاتها، والقلق تجاه مسألة العدالة الاجتماعية، والإعراض عن السياسة، ومفهوم الملكية، و اللجوء إلى الصوفية أو الخرافة.. والنظريات الإيجابية كانت في مرحلة انهياراتها وبروز أفكار أخرى مضادة للعقائدية. ويوجز: إن عهدنا هذا قد كان عهداً ضبابياً في توفيقياته.
لذا كان أونامونو(5) يؤكد بأن: المهم الآن هو تعديل ذهنية شعبنا. إن ما يحتاجه الشعب الأسباني هو استعادة الثقة بنفسه.. امتلاك نموذج رؤية خاصة به عن الحياة وقيمتها.
كانوا يتحركون عبر إشاعة الحس العام بالتوجه الكبير نحو كل ما هو ثقافي. ويتم بذل الجهد من أجل الاقتراب قدر الإمكان من الواقع وفي تفكيك لغة الخطاب السابق بهدف صبغ الواقع الجديد بلغة التغيير المختلفة هذه.
وبالطبع فإن حركة الاحتجاج هذه بدأت تقلق الأجيال السابقة. فقد صارت تشكل أشبه ما يكون بـ كوسموبوليتي أدبي ضد أولئك الذين يتخندقون ضمن الراسخ من الهيكلية التي كانت سائدة، وفي الإقليمية والأقليات الضيقة داخل البلد ذاته.
آثورين(6) يصف روحية جيله (الـ98) بالقول: إنها روح احتجاجية ومتمردة تعمل على هز وتهديم القيم التقليدية البالية والتوق إلى إسبانيا جديدة.
وباروخا يرى بأن جيله: أكثر وعياً من سابقه وأكثر نزاهة، أراد أن يعرف ما هي إسبانيا، ما هي أوربا، ويطمح إلى معالجة البلد.. إنه جيل مُنقذوا الوطن.
فيما يعتبر لارا(7) أن المأثرة الجوهرية لهذا الجيل تكمن في وضعه، ضمن نسيج المحاكمة، القيم التقليدية التي كانت مستقرة حتى ذلك الحين، ورفضه للقبول بشكل عشوائي وبلا براهين مقنعة أي نوع من أنواع العقائدية المطلقة. وأعماله راحت تبني معطيات جديدة من الطراز الأول مثرية بذلك الإرث الثقافي الأسباني.
وانطلاقاً من ذلك يضع، تحت منطق إعادة النظر وبشكل لا هوادة فيه، كل القيم البالية، والأيديولوجيات المهيمنة ومخلفات فكر النظام القديم.. إنها الضرورة الملحة لإعادة التفكير بإسبانيا.
لأنهم قد أخذوا على عاتقهم في جانب كبير مسؤولية تمثيل الضمير.. فكانوا هم المعبر الصادق والحقيقي عن ضمير غالبية الأسبان. وينتهي إلى القول: إنهم مجموعة من الشباب جعلوا من أولويات همهم مسألة وطنهم وعصرهم بشكل شامل.

على الصعيد الأدبي:
إن كل أعضاء هذا الجيل هم أدباء، أولاً وأخيراً، لذا؛ لم يمنعهم انشغالهم بعموم قضايا إسبانيا من التركيز على التجديد الأدبي والإبداعي. فبعد تحديد المشاكل والأزمة الروحية، يصف ساليناس(8) طبيعة عملهم الأدبي بأنه ظهور طريقة أخرى في الكتابة.. أدب آخر. يتجسد عبر شحذ لرهافة الحساسية.. وهذه هي المهمة الجديدة كما يصفها آثورين. ثم التعلم على التفكير الدقيق والجاد، أو الإشارة إلى اهمية موضوعية التفكير وصرامته كما يدافع عنها أورتيغا إي غاسيت.. الكتابة بمزيد من الفنية واللطف والجمال والتسامح كما هو شعار بايه إنكلان. فكل واحد منهم كان يعمل وفق طاقته وأسلوبه الخاص.
الجميع كان مهتماً أيضاً بربط حال إسبانيا بمحيطها وبظروف المرحلة التاريخية والحرص على ربطها أكثر بأوربا والحداثة والمعاصرة على كل الأصعدة..، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن ترسيم جيل ثقافي معين تحت مظلة واحدة لا يعني أبداً استلاب المبدع الفرد خصوصيته. أي أن الجيل أمر لا يشبه الأيديولوجيا التي تصبغ أعضائها بلون واحد.. وهذه مسألة بحد ذاتها تحتاج إلى بحث مستقل.
كل من هؤلاء كان يمارس فرديته وخصوصيته الإبداعية وأسلوب حياته المختلف إضافة إلى حمله لتصوره الخاص عن إسبانيا، الأمر الذي أدى بالمثاليين منهم إلى تصادم رؤيتهم بحكم اختلافها عن الواقع وبالتالي إطلاق نقده تجاه هذا الواقع الذي لا يتطابق مع رؤيته.. ولكن في كل الأحوال وفي كل مواضيعهم كانت إسبانيا هي الحاضرة الرئيسية. إسبانيا التي يريدونها مختلفة عما هي عليه في الواقع وبالتالي فهم قد حاولوا تحقيقها والوصول إلى ذلك عبر ثلاثة طرق رئيسية(9) هي:
1ـ المنظر أو المشهد، أو صورة إسبانيا بكيانها الكلي والتخلي عن المحاولات الإقليمية السابقة كي يتم التركيز على (كاستيا) باعتبارها هي روح إسبانيا.. إنه مشهد يتعالى على واقع الحال الفيزيائي كي يشكل له بمثابة طليعة حيث يتم الذهاب إلى الجوهر والروحية الكامنة في إسبانيا وتمثيلها ككيان متكامل. وفي هذا الشأن أظن بأن الحالة العراقية ومن أجل ما يتم توصيفه (بوحدة العراق) يمكنها أن تتخذ من روحية (ميسوبوتاميا ـ بلاد ما بين النهرين) منطلقاً لها. ذلك أن تتم معالجة تعدد الهويات المحلية عبر تناولها انطلاقاً من روحية واحدة تجمعها.. وهكذا يتحول التعدد العرقي والديني والثقافي والتنوع التاريخي معيناً على تشكيل أرضية أوسع وأكثر ثراءً من خلال تكاملها.
لقد انتبه جيل الـ 98 إلى أهمية إضاءة: المنظر (المشهد العام) والروح، الواقع والحساسية بحيث تم التوصل إلى مزجها بشكل حميمي. فكانت الرؤية الغنائية للمشهد مع مزجها بالخصوصية الفردية. كما تم انتهاج التحليل وطرق الدراسة الحديثة بشكل ثقافي مرن وقابل للإيصال إلى أكبر مساحة من التلقي. ومن بين أبناء هذا الجيل برز دور أنطونيو ماتشادو ـ وخاصة في عمله (حقول كاستيا) 1912 ـ في إجلاء إسبانيا المشهد، المشهد الإسباني الإنساني والجغرافي، أي إعادة تحبيب الإسباني لبلده كأرض وطبيعة ومراسم شعبية ومشهد مادي جغرافي واقعي عام إلى جانب طبيعة تشخيص مشاعر الفرد الإسباني في علاقته مع الأرض والوطن والآخر والموت ومع الحب. كما برع بيو باروخا عبر تحليله وقراءته الباردة والموضوعية الإبداعية في عكس صورة المشهد الأسباني العام (كاستيا).
2ـ التاريخ: فهو الآخر بحاجة إلى إعادة قراءة.. وليس التاريخ بمفهومة المفخم بالفخر والبطولات لمراحل ازدهار معينة والأحداث التاريخية الكبيرة التي تمت المبالغة فيها إلى حد تصويرها وكأنها مشهد احتفالي.. وإنما التاريخ البسيط والصغير والكامن في التفاصيل والمُهمَل من قبل المفخمين.. أو كما يسميه أونامونو (ما بين التاريخ) أي بتعبير يشبه المقصود من القول (ما بين السطور) حيث هناك يكمن الجوهر الحقيقي للشعب الإسباني.
يجدر التذكير، هنا كنماذج أولية، ـ في الحال العراقي ـ بجهود علي الوردي وهادي العلوي ورشيد الخيون.. وغيرهم.
3ـ الأدب: استعادة إرث المؤلفين الكلاسيكيين الكبار من العصر الوسيط والذين تم نسيانهم.. وفي أعمال هؤلاء يتم البحث عن تفاصيل كل ما هو ذو معنى والذي يتيح العثور على فحوى ومضامين إنسانية حقيقية بشكل عام، وإسبانية أصيلة بشكل خاص.
وهكذا تم الرجوع إلى الإرث الأدبي الكلاسيكي وإعادة قراءته وإبراز ما يمثل الأسبان فيه فتجلى أيضاً احترامهم الخاص الذي كانوا يشعرون به تجاه أدبائهم الأوائل أمثال: فراي لويس، كيبيدو، وفوق كل هؤلاء ثربانتس، حيث قاموا بإعادة، وتجديد القراءات والتأويلات للكيخوته. ومن ذلك إعادة شخصية الكيخوته إلى الأضواء بقوة ثم طبيعة مفهوم الدين وعلاقته بالسياسة والحياة والأدب.. أمر كان لأونامونو دور كبير فيه على الرغم من كونه محسوباً على التيار اليساري.
لقد كانت فيهم حماسة عالية وغيرة تجاه آدابهم الأسبانية القديمة، فأعادوا إضاءة أعمال كثيرة ومنها بشكل خاص ـ بعد الكيخوته ـ: ملحمة السيد، بيرثيو، دي هيتا ومانريكه.. وغيرهم.
في الحال العراقي يمكن اتباع هذا المنهج في تتبع الأدب العراقي منذ جلجامش مروراً بألف ليلة وليلة والمتنبي والجاحظ وأبو نؤاس وغيرهم الكثير.. تركيزاً في البحث عن عنصرين رئيسيين هما: ما هو إنساني حقيقي، وما هو عراقي أصيل.
وعلى صعيد رؤية جيل الـ 98 الإسباني للغة نجد كنموذج؛ ما قام به آثورين من الاشتغال على عنصر اللغة كعامل مهم في تكوين الهوية ومن بين ما فعله مثلاً: أنه راح يقرب العامي الشعبي بالكلاسيكي أو العكس. كانوا يرتشفون اللغة من حديث الناس اليومي ومن المنابع الكلاسيكية معاً.. مع حرصهم الدائم على متابعة وتطبيق الأساليب الجمالية الجديدة والمعاصرة.
إن القيام بهذه المراجعة والتحليل والدراسة في: المشهد والتاريخ والأدب، جعل أفراد هذا الجيل يبلورون مبدأهم الجديد المتمثل بالبحث عن الروح والحياة في إسبانيا، وهذا البحث هو الذي مثل نقطة انطلاقهم في مسيرتهم نحو إيجاد الحلول التي قادت في النهاية إلى تلمس ملامح الهوية الثقافية الإسبانية الخاصة وبلورتها، وبالتالي إنقاذ إسبانيا وتأمين صحة وسلامة انتقالها إلى المرحلة الجديدة.

جـيـل الـ 27 :
كان المثقفون الأسبان عادة ما يتمثلون في أجيال أو جماعات للقيام بدورهم الفاعل كمثقفين في كل مرحلة.
وهكذا تكرر الأمر دائماً مع الأجيال اللاحقة كما في جماعة الـ 14 التي كان فيلسوفها غاسيت وأصدر مجلة (إسبانيا) التي انشغلت بالأمر نفسه وبإعادة طرح الأسئلة الأولى عن هوية إسبانيا الحقيقية بين: الرسمية والواقعية. وظهرت إلى جانب أعماله دراسات قيمة مهمة أخرى في إعادة قراءة التاريخ الثقافي الإسباني وكتابته، ومن ذلك جهد المؤرخ الكبير أمريكو كاسترو التي كان ينشرها في منفاه المكسيكي.
فقبل الحرب الأهلية وفي اثنائها وبعدها كان من الطبيعي توزع المثقفين على مختلف أطراف الصراع، البعض مع الجمهورية الآخر مع الملكية أو مع الدكتاتورية والآخر في المنفى. ومن هؤلاء عرف العالم كله جيل الـ 27 الذي كان من بينه من عاش في المنفى كألبرتي أو مات في السجن كميغيل إرنانديث أو قتلته الدكتاتورية كلوركا.. صورة تشبه إلى حد كبير ما حدث مع المثقفين العراقيين.
وسوف نؤشر بعض حالات تصرف هؤلاء كنماذج كان لها دورها في تكوين الثقافة الإسبانية لاحقاً. ونشير قبل ذلك إلى أن هذا الجيل بدوره قد عاد إلى البداية في تحديد الهوية الإسبانية ليكتشف مرة أخرى صورتين لإسبانيا: الرسمية والواقعية. وبدأ بمراجعة قراءاته وتحليلاته للشخصية الإسبانية مستفيداً بالطبع من الإرث الذي خلفه له جيل الـ 98. بل أن إعلان انطلاقة جيل الـ 27 قد جاءت اثر اجتماع أعضاءه في ندوة تكريمية لأساتذتهم من الأجيال السابقة وبشكل خاص جيل الـ 98.
لقد أحدثت الحرب العالمية الأولى هزة عنيفة في أوربا وبالطبع سيقابل ذلك رد فعل من قبل المثقفين الذين تبلورت رؤاهم في أكثر من تيار كان من أبرزها الطليعية التي دعت إلى رفض السابق والقطيعة معه والعمل على البحث نحو تصورات وتشكيلات جديدة تماماً. وهكذا انطلقت واتسعت القطيعة على الصعيد الإبداعي مع كل ما هو تقليدي.
ضمن مخلفات ومؤثرات هذه الأجواء كان ظهور جيل الـ 27 الأسباني والذي يسمى أيضا بـ (جيل الجمهورية، جيل الدكتاتورية.. وغيرها)(10)
هؤلاء الشعراء لم يرفضوا شيئاً أو أحداً وإنما كانوا يقبلون ويحترمون الآخر المختلف وكذلك الأمر في تعاملهم مع أساتذة الأجيال التي سبقتهم وكبار الشعراء من كل العصور.. بل ومن ثقافات أخرى. ولكن إلى جانب ذلك فقد كانوا ينحون في توجههم متقدمين إلى مواقف حالية معاصرة لهم. تحرر تام في الاستعارات والمجازات، الأسلوبية الشعرية المرتبطة بالواقع، النغمة الشبابية المتفائلة.. كل ذلك كان من بين سمات أعمالهم.
ومع هؤلاء فإن الشعر الأسباني في عقد الثلاثينات قد وصل إلى أعلى درجات نضجه. وهم في بداياتهم كانوا مستجيبين للتيارات الأخرى في أوربا ومتأثرين بالهوى الأوربي ولكنهم سرعان ما راحوا يضمنونها بقيم أصيلة من التقاليد الإسبانية.
تجدر الإشارة إلى أن إحدى الأنطلوجيات الأولى عن جيل الـ 27 والصادرة بعد مقتل لوركا وفي عهد الدكتاتور فرانكو، قد ضمن فيها المثقفون الأسبان لوركا أيضاً باعتباره جزءاً من هذه المجموعة، وجزء من المنجز الثقافي الإسباني ولا يمكن نكرانه حتى لو كانت السلطة ضده. وهذا للأسف ما لم يحدث مع الثقافة العراقية خلال عهد الدكتاتورية حيث رأينا الإلغاء والتغييب التام بل وحتى إغفال ذكر أسم أي مثقف عراقي عارض السلطة، سجنته أو قتلته أو غادر إلى المنفى.

المنفى ومـا بعده:
يتفق كل المثقفين الأسبان على أن أية محاولة للتعامل مع المنجز الثقافي الإسباني المعاصر ستكون ناقصة إذا لم يتم أخذه معاً بشطريه: الذي كان في الداخل وما أنتج منه في المنفى.
ففي المنفى تحققت منجزات كثيرة (وكما سنلاحظ بأنها تكاد تتطابق مع ما أنجزته الثقافة العراقية في المنفى).. منها:
ـ تأسست دور نشر ومؤسسات ومنتديات في مختلف الاختصاصات ومنها الثقافية الأدبية بشكل خاص وفي أنحاء مختلفة من العالم.
ـ عقد أكثر من ندوة أو مؤتمر خاص بالثقافة والشأن الإسباني.
ـ صدور مجلات رصينة، جادة تتمتع بحرية الطرح والتناول، بحيث لا يمكن إهمالها أبداً لأنها تشكل مرجعاً مهماً وأساسياً في دراسة وأرشفة ملامح تلك المرحلة.
ـ صدور عدد كبير من الكتب الإبداعية والموسوعية والدراسات.. وغيرها. ومنها ما تمت كتابته بلغات أخرى غير الإسبانية.
ـ حصول عدد من المثقفين الأسبان على جوائز غير إسبانية.
ـ الكثير من إصدارات ودور النشر الأجنبية قد خصصت مساحات واسعة للثقافة الإسبانية وذلك بفضل أهمية المثقفين الذين تواجدوا على ساحاتها بل وشاركوا فيها بفاعلية.. تأثراً وتأثيراً.
وبالطبع فغالبية الإنتاج في المنفى كان يحمل صبغة عصره وحاله الخاص، كالحنين والأمل وما خلفته الحرب في الناس والذاكرة. فمن بين خصائص أدب المنفى يمكن تشخيص التالي:
ـ الحنين إلى العالم الذي تمت مغادرته والمتروك في الخلف، أي الذاكرة. وهيمنة الحلم مرة تلو الأخرى بالوطن البعيد.
ـ الحرب كموضوع متكرر وحاضر في أغلب الأعمال.
ـ الألم والأوجاع المريرة المخفية تحت غطاء من السخرية والتهكم.
ـ محاولة التوغل إلى أبعد ما في عمق روحية الشعب الإسباني.
ـ تنوع التجريب الفني تأثراً بمعطيات الثقافات الأخرى.
وكانت الأعوام الأولى من ظاهرة المنفى تتسم بنوع من القطيعة بين مثقفي الداخل والخارج وفقدان الثقة بين الطرفين. ولكن هذا الأمر لم يدم طويلاً فسرعان ما راح المثقفون بطرفيهم يتفهمون ظروف بعضهم البعض ويفتحون نوافذاً للتواصل بل والعمل المشترك أحياناً.
بعد أعوام طويلة من المنفى فإن الغالبية من المثقفين الأسبان قد عادوا إلى وطنهم لكن الكثير منهم كانت عودته مؤقتة فرجعوا إلى بلدان منافيهم السابقة.
مع كل ذلك يتفق الغالبية على أن القطيعة التي خلفتها الحرب الأهلية بين المثقفين قد تم تجاوزها بعد ذلك بسرعة.. وانتقل الحديث إلى مسائل جديدة كطرح البعض على أن إسبانيا مع ما بعد الحرب ـ إسبانيا الداخل ـ لا تستطيع أن تقدم للعالم الثقافي شيئاً ذا قيمة مهمة.. لأن إطارها السياسي، في حينه، قد كان يحول دون ذلك. ولكن بشكل عام فإن الحوار الذي تم بين الداخل والخارج قد وصل إلى يقين بأنه لن يعود لينقطع مرة أخرى أبداً.
بعد كل ذلك تم توظيف الخبرات المكتسبة من الثقافات الأخرى وخاصة العلمية والعملية منها فيما يتعلق على صعيدي: الجامعات وفي الصحافة باعتبارهما عنصرين أساسيين لتلافي تكرار ما حدث وذلك عبر التأسيس من خلالهما للغة ورؤية جديدة، ثقافة جديدة مختلفة عن تلك التي تسببت بالكارثة.
تجدر الإشارة إلى أن المثقفين الأسبان وبعد انتهاء الدكتاتورية والتحول إلى الديمقراطية وعودة غالبية المنفيين، لم ينشغلوا بتصفية الحسابات فيما بينهم واتخذوا من المصارحة والموضوعية والتسامح أرضية مشتركة للبناء والعمل الثقافي القادم، بما يغني منجزهم. وكمثال على ذلك نذكر بأن الروائي كاميليو خوسيه ثيلا قد كان يعمل رقيباً على المطبوعات في سلطة فرانكو وساهم في منع العديد من نشر أعمال أقرانه، فلم يتم العمل على إلغائه ومنعه من المشاركة من قبل هؤلاء الأقران بعد زوال الدكتاتورية، وإنما واصل عمله الإبداعي بينهم حتى تمكن من أن يضيف في نهاية الأمر جائزة نوبل أخرى للأدب الإسباني. وهنا أرى ضرورة معاينة هذا الدرس والأخذ به من قبل المثقفين العراقيين في مرحلتهم الجديدة.. حيث إنه من الضروري الابتعاد تماماً عن أو رفض أية محاولة لإلغاء الآخر، وبالمقابل الاعتراف به وبوجوده كنتاج عراقي مهما يكن نوعه، وإنما يتم تشخيصه ونقده وقراءة كل عمل وموقف ضمن إطار مرحلته.. حيث المصارحة الهادئة والجادة في كل الأصعدة بهدف التصحيح وإعادة التوظيف لا بهدف الإضرار والإبعاد أو الإلغاء.
هذا وتجدر الملاحظة هنا أن مثقفين الداخل الأسبان الذين لم يخرجوا إلى المنفى وكانوا جزءاً من المؤسسة الرسمية الدكتاتورية، بعد تغير الحال، لجأوا في نتاجاتهم إلى التركيز على الطابع اللغوي، والخوض في الشعبي البحت، وصبغة السخرية والتهكم، ونموذجاً لذلك هي أعمال ثيلا نفسه.
بعد ذلك تواصلت الأجيال الثقافية الإسبانية على هذا المنوال مثل: الـ 1935 ، الـ 1945، الـ 1955.. إلخ. وهي التي نتجت بعد التحول الديمقراطي وشكلت التتابع للمنجز الثقافي الإسباني حتى اليوم.. وهذه الأجيال سنؤجل الحديث عنها لمرحلة لاحقة.
نـقـاط مُـتـمِـمَـة :
إضافة وتأكيداً وإكمالاً وإلحاقاً بما سبق وأن تطرقنا إليه آنفاً حول ما يمكن الاستفادة منه من تجارب المثقفين الأسبان، وما يمكن أن يخدم في تفعيل دور الثقافة العراقية، أود تأشير النقاط المتممة التالية كمقترحات أخرى لعمل ثقافتنا في مرحلتها الحالية:
ـ العمل على إشاعة روح التسامح والديمقراطية بين المثقفين أنفسهم وبين الناس. ونبذ أي شكل من أشكال التعصب بما في ذلك التعصب الوطني.
ـ تبني القوانين المتعارف عليها دولياً في الدفاع والحفاظ على حقوق المؤلف.
ـ إلغاء مؤسسات الرقابة الحكومية على الإنتاج الثقافي التي تتحكم في نشره من عدمه.
ـ دعم استمرار نشاط المشاريع الثقافية التي تأسست في الخارج حفاظاً على تاريخها واستجلاباً لروحيتها التي انطلقت من مناخ آخر وتجربة ثقافية أخرى.. سواء أرادت هذه المشاريع أن تواصل عملها من مكان انطلاقها نفسه أو أرادت الانتقال للعمل داخل الوطن.
ـ إعادة النشر، داخل العراق، لكل ما تم نشره في المنفى ودراسته.
ـ تشجيع التخلي عن المؤسساتية الحكومية والحزبية التي تحاول قولبة النشاط الثقافي ضمن شروطها، وفي حالة تكوينها يجب عدم فرض ضوابط وشروط خارجة عن طبيعة العمل الإبداعي ذاته، أي استبعاد العنصر الإيديولوجي والرسمي.
ـ تشجيع مشاريع الاستثمار والإنتاج الثقافي الخاصة، وتحفيز سبل التنافس المشروع فيما بينها، وجعل الشارع المتلقي مقياساً للنجاح بالنسبة لها وبالنسبة للمبدع أيضاً كي يقترب من الشارع ولا يعتمد في مواصلة إنتاجه على دعم الدولة من خلال تلقي الرواتب كما كان الأمر في العهد البائد.
ـ استحداث جوائز ذات طابع وطني، لا خلاف عليه، يتم من خلالها تكريم المستحقين وتشجيعهم.
ـ مطالبة الحكومة بتبني دعم ترجمة الأعمال المتميزة التي تمثل الثقافة العراقية وتعرف بها في اللغات الأخرى.
ـ الحرص أولاً على مواصلة نقد الواقع ومراجعة الشخصية العراقية، تخليصاً لها من الأوهام والديموغوجية، وإعانتها على تفهم واستعادة هويتها وفق اتباع صيغة النقد والتحليل الموضوعي، وإبراز العناصر والخصائص الشعبية والتاريخية الأصيلة والرموز الثقافية. وإعادة الثقة بالنفس وتحبيب روحية المنظر الطبيعي والشعبي والجغرافي التقليدي العراقي العام (وحدة العراق) الذي يمثل سمة ثابتة وجوهرية في تكوين الهوية العراقية.
ـ عدم تردد المثقفين بالانضمام والعمل ضمن أجيال وجماعات وتجمعات لها أهدافها العامة دون أن يؤثر ذلك على خصوصية كل فرد في طبيعة رؤيته وأسلوبه الإبداعي الخاص في تناوله الفني والموضوعي.
ـ بذل المبدعين جهوداً إضافية كبيرة في المساهمة بكتابة المقالات المختلفة، بما فيها تلك التي لا تخص الأدب، أي التي تعين على التحليل والرؤية والتوعية الديمقراطية. واستمرار الالتزام بدو المثقف كناقد ومراقب دائم لكل ما يحدث.
ـ العمل على إشاعة ظاهرة القراءة عند الشعب وتعزيز امتلاك المنظور الثقافي والحضاري لكل مظاهر الحياة. ومحاولة إيجاد مفردات ولغة مختلفة عن تعابير الخطاب البائد كي توحي اللغة الجدية بمناخ وروحية مرحلة جديدة. والحرص على الحضور المكثف للمثقف والثقافي في وسائل الإعلام.
ـ العمل على ترسيخ مبدأ وسلوكية الاحترام: احترام الآخر المختلف، احترام النظام الإداري، احترام الحرية الفردية، واحترام دولة القانون وتعزيز الانتماء إليها وتنمية الحس بالمسؤولية الوطنية في عملية إعادة البناء.
ـ الانتباه والحذر من سقوط الثقافي تحت سلطة السياسي مرة أخرى، وإنما يجب أن يتم العمل لتعزيز ما هو معاكس تقريباً؛ أي ينير الثقافي طريق السياسي في وصف الواقع وتقريبه إليه، ومن ثم المراقبة والنقد الدائم من قبل الثقافي للسياسي، كي لا تكون رؤية المثقف خاضعة لرؤية الأيديولوجيا أو الحكومة.
ـ التكاتف من أجل الدفاع عن حرية التعبير وصيانتها والحرص على عدم تعرض أي مثقف لأي تهديد مهما يكن طرحه. والعمل على ضمان حرية الرأي والوقوف مع حق صاحبه وإن كنا نخالفه الرأي.. كي لا نقع تحت طائلة أية سلطة سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية أم أخلاقية بعينها.
ـ بث روحية القيم التي تثمن وتقدر الحياة عبر تفكيك ومحاربة الخطابات السابقة التي كانت تعلي من شأن الموت على حساب الحياة، كتلك الذهنية التي تنتج تلك الهتافات الهيستيرية المليئة بمفردات الثأر والدم والموت والسيوف، مثل: الموت للخونة، وطن تشيده الجماجم والدم، بالروح بالدم نفديك يا عراق، اليوصل حدنا نقص يده، نموت وليحيا الوطن، إن المشانق للعقيدة سلم.. إلخ.
ـ على المثقف أن يتخذ المواقف التي تجعله إلى جانب الشعب ويعمل على تعزيز ثقة الشعب بنفسه، وفي مواقف معينة أن يتخذ دور الوسيط الحيادي الموضوعي والواعي بين الشارع والسلطة السياسية المحلية وتبعاتها المرتبطة بظروف ومصالح السياسة الدولية.
ـ أن لا يتردد المثقفون بالانضمام إلى المنظمات والجمعيات ذات الأهداف الإنسانية وحقوق الإنسان ولجان التوعية الديمقراطية، كما يجتهد منهم، الذين لديهم مؤهلات أكاديمية وحرفية أخرى، في الحث على تحسين أساليب العمل والمناهج في المجالات التي يعملون ضمنها وخاصة أولئك الفاعلين في الأوساط الأكاديمية والجامعية والقانونية والصحافة.
ـ الانفتاح على الثقافات الأخرى ومتابعة ومواكبة ما يستجد في العالم والتفاعل معه، وأن يكون للمثقفين العائدين من المنفى أو الباقين فيه دور مهم وجاد في التعريف ونقل تجارب وخبرات منتقاة من ثقافات البلدان التي عرفوها.
ـ أن لا يتم رفض كل ما تم إنتاجه في عهد الدكتاتورية بصورة اعتباطية انفعالية وإنما يتم النظر إليه باعتباره نتاج عراقي سواء شئنا أم أبينا ويجب التعامل معه بنظرة موضوعية ودراسته آخذين بنظر الاعتبار طبيعة ومناخ الظروف التي أنتج فيها، ومن ذلك سنجد مثلاً أن الكثير من الأعمال الأدبية التي كتبت خلال أعوام الحروب لا تخلوا من تسجيلات توثيقية وتقريرية وشهادات واقعية بعد أن نضع جانباً ما أقحم عليها من مفردات وحس تعبوي متعمد.
ـ الإكثار من الاحتفاء وتخليد ذكرى وتكريم وإضاءة أعمال ومواقف الرموز الثقافية والإبداعية البارزة التي يتوحد حول حبها والاعتزاز بها كل العراقيين، أمثال: السياب وجواد سليم ونازك الملائكة.. وغيرهم.
ـ التفكير المستمر في كل ما من شأنه تعزيز دور الثقافي وتصويب مساره.
-------------------------------------------------------------
مصادر ومراجع:
(1) ـ سليم مطر، علي الوردي وبداوة المجتمع العراقي، مجلة (عيون) العدد 10، سنة 2000، دار الجمل، ألمانيا.
(2) ـ نوبوأكي نوتوهارا، البحث عن الأشياء المفقودة، المصدر السابق نفسه.
(3) ـ Donald Shaw, La generacion del 98. Madrid, Eds. Catedra, 1977
(4) ـ V. Tuson, F. Lazaro, Literatura del siglo XX, Ed, Anaya, Madrid 1990.
(5) ـ المصدر السابق نفسه.
(6) ـ Azorin, La generacion del 98, Ed. De Angel Cruz Rueda, Salamanca 1961.
(7) ـ V. Tuson, F. Lazaro, Literatura del siglo XX, Ed, Anaya, Madrid 1990
(8) ـ P. Salinas, Ensayos completos, Ed. Taurus, Madrid. Pedro Salinas, Literatura espanola. Siglo XX, Ed. Alianza, Madrid, (Libro de bolsillo num. 239.
(9) ـ C. Vines Millet, La cultura en la Espa;a contemporanea, Ed. Edi-6, Madrid 1986.
(10) ـ المصدر السابق نفسه.
--------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الأديب) العراقية/العدد 134 بتاريخ 27 سبتمبر 2006م.
وفي منابر أخرى منها (عراق الكلمة).
http://www.iraqalkalema.com/article.php?id=3066

قصائد / محسن الرملي

قصائد
محسن الرملي

تماثيل

التماثيل وسط النافورات
ونحن وسط المدن
وسط العالم
فإذا كانت هذه التماثيل لعبتنا
فلعبة مَن نكون نحن؟
وبأي شيء ستلعب التماثيل
في غيابنا؟
ماذا ستفعل لو رحلنا
بعد إطفاء ضفائر النافورات؟.
* * *
أنا وغيري

لي يا سمينة
وللقرد قميص الحرير
لي كاس ماء
ولأمريكا براميل النفط
لي أُم وجارَة في نافذتها ياسمين
ولكم بنوك وأبراج وحاسدين
عندي ربو وسيجارة
وأنتم ضريبة على الهواء.
* * *
أنا ابن عصري

أنا ابن عصري وهذا اليوم
لدي الأكل والشرب
ولا أُطعِم سوى البنوك
أنا ابن عصري وجليس الشاشات
لي الخرائط والمطارات
ولا أرى وجه جاري
أنا ابن عصري ومستهلك الإعلانات
خبير بالمواعيد والأحذية
ولا أعرف لروحي معنى
أنا ابن عصري وعائلتي نزل هجرته
أجيد الكلام والإيجار
ولا أحزن لحزن أختي
فأنا ابن عصري
.. وعصري ابن عاهرة.

الخميس، 7 مايو 2009

عن صدور/ كلنا أرامل الأجوبة

First Published 2008-02-08
الرملي يتحدث عن أرامل الأجوبة بثلاث لغات
طبعة ثالثة.. بعد المطر

الهيوات: ' كلنا أرامل الأجوبة '

مدونة ثرية إذا تمت قراءته من حيث ما فيه من ملامسات لمعاناة الإنسان.

ميدل ايست اونلاين
http://www.middle-east-online.com/?id=58021
كتب ـ المحرر الثقافي

عن دار الفالفا في العاصمة الإسبانية مدريد صدرت الطبعة الثالثة من ديوان الكاتب والشاعر العراقي محسن الرملي "كلنا أرامل الأجوبة" بثلاث لغات هي العربية والإسبانية والإنكليزية، وكانت الطبعة العربية الأولى قد صدرت عام 2003 عن "دار ألواح"، فيما صدرت الطبعة الثانية بالإسبانية والإنكليزية سنة 2006 في كولومبيا أثناء مشاركة الرملي في مهرجان مديين العالمي للشعر.
وقد قام الشاعر نفسه بالترجمة بين العربية والإسبانية حيث كُتبت بعض النصوص الأصلية بالعربية وبعضها الآخر بالإسبانية فيما قامت الشاعرة الأميركية سامانتا لويس والمترجمة آليثيا ريبارد بالترجمة إلى الإنكليزية.
يذكر أن بعض قصائد هذا الديوان ترجمت أيضاً إلى لغات أخرى كالتركية والإيطالية والفرنسية والألبانية والروسية. وقد جرى أكثر من حفل تقديم وتوقيع لطبعة الكتاب الجديدة منها في المركز الثقافي السوري في مدريد، ومكتبة بلدية بايكاس العامة وصالة ملتقى باباب الثقافي التي يديرها الشاعر والمسرحي الأسباني لويس ميغيل وغيرها.
وكانت تجربة محسن الرملي الشعرية قد حظيت بالاهتمام من قبل الصحافة الناطقة بالإسبانية إثر نشر نصوصه في مجلات مهمة واشتراكه في أكثر من مهرجان عالمي، وكتبت الشاعرة إلينا موراتايا عن سمة الحزن العميق في لغته، فيما وصفت الشاعرة والناقدة الإسبانية تشيلو كنديل قصائده بأنها لا تسمح للمتلقي بأن يكون حيادياً تجاهها.
كما أشار إليها أكثر من ناقد عربي ومثال ذلك الدراسة الطويلة والعميقة التي كتبها الناقد والشاعر وديع العبيدي بعنوان "الشكل السينمائي وموسيقى النص" والتي من جملة ما قال فيها "تقوم تجربة محسن الرملي الأدبية على ركيزتين رئيسيتين هما: اللغة والمقطع الواقعي، وهما على مستوى من التكافؤ بحيث يعسر تصور إحداهما بدون الثانية، ولكن في كل الأحوال تتقاطع تجربته مع تراث المدونة العراقية أو العربية شعراً أو نثراً، وفي الوقت نفسه هي عملية تجديد وتعريق أدبية تمتح من بواطن التجربة الأدبية الإسبانية تحديداً والغربية عموماً.
محسن الرملي هو صاحب نص مفتوح بحق وكاتب (المقاطع العرضية) من الحياة. قصائده قصيرة وصوره الشعرية أو التقاطاته دقيقة مدببة. وفي إطار علاقته الجدلية بالواقعي، يختار الرملي (مقطعاً) من المتحقق، يضعه في إطار صورة شعرية ويرتشه بلغة سيكولوجية ذاتية لتأكيد الصلة الداخلية للنص وعدم تجاوز جغرافيا الذات."
وعن هذه النقطة أيضاً كتب محمود فاضل الهيوات مقاله المعنون "إشكالية الوجود.. الذاتي والعام" قائلاً "إن ديوان (كلنا أرامل الأجوبة) يعد مدونة ثرية إذا ما تمت قراءته من حيث ما فيه من ملامسات وتأشيرات دقيقة وعميقة لمعاناة الإنسان الفرد وصراعه وسط وجود شائك وصاخب. منطلقاً من بؤرة تتيح هذا الثراء، ألا وهي الإنسان العراقي الذي تشعبت همومه وتزاحمت مصائره.
وقد استطاع الشاعر أن يجسد جل إشكاليات هذا الألم في بوتقة مميزة من الالتحام اللغوي والمفهوم المبسط والتكثيف."
وكتب محمد قنيبع قائلاً "يلاحظ على هذه النصوص خصوصية محاولاتها المتنوعة في الاشتغال التجريبي اللغوي ومنحاها الوجودي في الثيمة والرؤية، كما هو واضح من عنوان المجموعة، باستثناء القصائد التي تتعلق بالشأن العراقي المباشر."
يذكر أن محسن الرملي قاص وروائي أيضاً وحاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة والأدب من جامعة أوتونوما في مدريد، حيث يقيم في إسبانيا منذ سنة 1995 يكتب باللغتين العربية والإسبانية وله ما يربو على العشرين إصداراً تنوعت بين القصة والمسرح والرواية والشعر والترجمات ويعمل حالياً أستاذا في جامعة سان لويس الأمريكية في مدريد.
ومن بعض أجواء ديوانه "كلنا أرامل الأجوبة" نقرأ هذه المقاطع:

حنين

نادى كسير الروح: يا وطني،
أهلي ومكتبتي.
مَن يعصمني من حزن يتناسل في البُعد؟
مَن يحنو في البرد على منفيّ؟
مَن يُوهمني بصوت الناي؟
زيت النعناع خيال
وأشواقي حيض دائم.
مُطبِقة دنياي.. مسامير
.. أواه.. آآآآه.
خُذني يا رخ إلى بغداد.
***

عُمر

عُمر لزج .. حياة راسبة
ما عاد للحق حصون
والإهانات تورّمت.
عسير علينا النباح
لأن السقوف استقالت
والدود مَلّ الانتظار.
***

ثور ناعور

أنا الإنسان..
كتفتُ نفسي بالورق
وحاصرتها بالحدود
لا أمل لي بالتحوّل..
عما صنعت يداي
أُسمّي قيودي الجديدة ثورة
أُسمّي تحطيمها ثورة
فهل موتي خلاص؟.
***

عيد ميلاد

كعكة وطني
والصواريخ الشموع
المحتفلون كُثر
ودمي في الكؤوس
البيت بيتي
وأهلي قتلى
فبميلاد من هذا الاحتفال
وأنا المقتول..
قَبل ميلادي؟!
***
ما الفرق بين هؤلاء الجنود
وهؤلاء المُعَمَّمين؟!
معاً هم في بلدي
وأنا في المنافي
معاً يقتلون أهلي
وأنا أتحدث عن حق التنفس.
***
طريقكم إلى بيتي أقرب من مائدة
وطريقي إلى بيتي أبعد من مصير
بيتكم لكم وبيتي لكم
فأين سآوي هذه الليلة؟
***
السيارات مُفَخَّخَة
الكلاب والحمير مفخخة
الشوارع والعقول مفخخة
الهواء والعصافير مفخخة
فخَّخَنا التفخيخ بالخوف
وها نحن أرواح بانتظار الانفجار.
***
يا صيحة الحديد المُدجَّن
يا سلاسل من ثرثرة
يجرحني ظل الفراشة على ساعتي
فكيف وقد دثرت سمائي طائراتك!؟
***

بعد المطر

بعد المطر
شموس في الغيوم والغدران
حَلّواء لوز وبندق
دِبس ورغيف حار
أمي وبيتنا الطيني وأخوتي
حمائمنا البيضاء
.. بعد المطر
أقواس سلام ملونة
لا بنادق ولا رئيس
.. بعد المطر
بعد المطر.
http://www.middle-east-online.com/?id=58021

خبر/كلنا أرامل الأجوبة

ديوان محسن الرملي بثلاث لغات

صدرت في العاصمة الإسبانية مدريد الطبعة الثالثة من ديوان محسن الرملي (كلنا أرامل الأجوبة) بثلاث لغات هي العربية والإسبانية والإنكليزية وذلك عن دار الفالفا، وكانت الطبعة العربية الأولى قد صدرت عام 2003 عن دار ألواح فيما صدرت الطبعة الثانية بالإسبانية والإنكليزية سنة 2006 في كولومبيا أثناء مشاركة الرملي في مهرجان مديين العالمي للشعر.
هذا وقد قام الشاعر نفسه بالترجمة بين العربية والإسبانية حيث كُتبت بعض النصوص الأصلية بالعربية وبعضها الآخر بالإسبانية فيما قامت الشاعرة الأمريكية سامانتا لويس والمترجمة آليثيا ريبارد بالترجمة إلى الإنكليزية. علماً بأن بعض قصائد هذا الديوان قد ترجمت أيضاً إلى لغات أخرى كالتركية والإيطالية والفرنسية والألبانية والروسية. وقد جرى أكثر من حفل تقديم وتوقيع لطبعة الكتاب الجديدة منها في المركز الثقافي السوري في مدريد ومكتبة بلدية بايكاس العامة وصالة ملتقى باباب الثقافي وغيرها.
---------------------------------------------
*نشر في (عراق الكلمة) بتاريخ 9/2/2008م
*وفي (موجز) بتاريخ 13/2/2008م

الأربعاء، 6 مايو 2009

قصائد / محسن الرملي

قصائد
محسن الرملي
.. حُـــب

كاتم النبض قلب لا يحب
فاطلِق نبضك ولو على ظلال امرأة.
.. امنحه لتجريح سيوف العشق،
سينتصر القلب عليها
وستنجلي حروب التآكل
عن رايـة حب
.. وهـمـيّـة.
* * *


امرأة فريدة

أعجزُ عن مصادرة تدفقكِ
فهلا أدرتِ نهديك
.. إلى الجهة الأخرى؟
ضارية أنتِ
وقرينتي في نقد العالم ..
لذا أخاف من حبكِ
.. لن أحبكِ
على الرغم من أنكِ
أنتِ التي أريد.
وسأسأل حتى موتي:
من أنتِ؟؟
أخاف حبكِ
ولن أحبكِ
لأنكِ أنتِ التي أريـد.


* * *

عـــلاقــة

كِلانا أجمل من بعضنا حين لا نُـرى
غير أنكِ أجمل
غير أني أحبك
فلا تُـذكرِيني بالأين نذهب
تعالي نبقى.. هكذا.
* * *

قـرويـة

أثمن من ضوء زنزانة
أعذب من تمر الصائم
شفتاها.. تمرتان
وعيناها.. بلا قواميس.
مرَّت على استحياء تُلغم الغيم بالنظرات
فلاحةٌ أينعت في غفلة الساسة
حُلمتاها على العشق حرام
مباحتان للماء ونسيم السطوح
ستأوي للغياب ولن تَروها
أبــداً .. أبــداً.



* * *

مَخلوقَة



أنتَ الذي خَلقتها
فهيمنَت عليكَ
قِف إذاً
.. للحظةٍ
استَرِح ..
تَطَهر بماء الصمت قليلاً
ثم سِر في طريق آخر.
* * *


أفراخ حياة ميتة

لكِ والسيجارة في يدكِ
أرسمُ الأفق حياة كاملة
فيها الأصابع جوّالة في الجسد
فيها الضحكة هدف وحيد
ولا حوار سوى القُبلات
ولا أثاث سوى الكلمات
لكِ والسيجارة تنتهي
لا شيء
لأني لم أُقرّر أن أُقرّر
لا شيء
لأن أصابعي لم تزَل في الجيوب.
* * *


بِها ومِنها ولَها وعَنها

بِـها
المُعَرِّشُ على سِرّك
أفزَعَني
لكني بعد هطول الصَفنات
حَوّلتُ سِرّك إلى غِواية
إلى مَصير سأختاره
ثُـم
أرتضي بنصف النَدم.
* * *
مِـنها
أخافُ الجَمال الصحيح
الصريح
الواضح جِداً.. كإعلانات القُمصان
لأني أعرِفُ أنني
سأختار إلغائي مُجبَرَاً
لأني أعرِفُ أنني
سأنحَرني
حَصىً لدَرب الوُصُول إليه
وسجادة لأقدامه.. أَنْ
تَعالَوا عليَّ
باختياري مُجبَرَاً
مِني لأني
أخافُ الجَمال..
سأهرُب.
* * *
لَـها
لا تَجعلي مِني حاجِزاً
بين قلبكِ وحُب غَيري
فما أنا إلا..
شُجَيرة في حديقته
أما أنتِ
فخضراء دائماً
في قلبي الذي..
بلا حدائق.
* * *
عَـنها
لهذا الليل لوامِس تُدرِكنا
لهذا الضوء عيون تَرانا
لتلك السماء نافِذة عَلينا
لهذه الأرض جِلد يَحمِلنا
أما نحنُ
فلا تَلامُس بيننا
لا نَرى
لا نُطِل
ولا نَحتمِل بعضنا
لكننا نُحِب أن.. نُحِب
.. بعضنا !!؟
فبعضنا لبعضنا.. وهْـمُ أنيس
في وحشة الدرب
الذي نسير فيه
.. ضَنكاً إلى موتنا.
* * *


حيرة

أذوي على تخوم بكائها في الهاتف
وجبيني على الطاولة جرّة مُحَطَّمَة
رأسي بلا عنوان
ولوعتي أشرعة
عابت عليّ عصا جدي الأخيرة
تريد خلعها عن حيرتي
فعلى أي مصباح سأستند؟.
* * *

وحيدة

زورقها من شمع
وبحر الحياة حَجَر
فلا ثوبها قشرة
ولا قلبها برتقالة
فأين خرائط الكلام
وأين غيوم الوعد
لا شيء سوى بريد الوصايا
يطوف بها.. ولا موانئ.
* * *

مسافة

أنتِ غربال يُرى على البعد قمراً
وبعد اقترابي محض شَبَكة واهية
السائد هَذّيٌّ لأن الجميع بعيد
فلا غرابة أن يقدسوا خِرق الأعلام العالية
باطني هواء قلقٌ وباطنكِ فراغ بلا هواء
قولي: تشاؤم أو تخاذل أو ارتباك
قولي شيء كهذا أو مثل ذاك
فاللغة مثلكِ
غربال يُرى على البعد قمراً
وعند الدنو ليس سوى
شَبكة تالفة.

قراءة تحليلية / وديع العبيدي

وديع العبيدي

" ها نحن أرواح بانتظار الانفجار "

السيناريو السينمائي والموسيقى التصويرية

في ثلاث قصائد لمحسن الرملي

وديع العبيدي

تقوم تجربة محسن الرملي الأدبية على ركيزتين رئيستين، اللغة، والمقطع الواقعي. والركيزتان على مستوى من التداخل والتكافل، بحيث يعسر تصور إحداهما بدون الثانية. ولكن في كل الأحوال تتقاطع هذه التجربة مع تراث المدونة العراقية أو العربية شعراً أو قصة. بعبارة أخرى أننا هنا أمام عملية تجديد وتعريق أدبية تمتح من بواطن التجربة الأدبية الإسبانية تحديداً والغربية عموماً. ولا ينبغي لهذا أن يعني تسجيل هذه التجربة في رصيد الكاتب الفلاني بذريعة تقارب الأجواء أو وجود قواسم مشتركة معينة، على طريقة التفكير والنقد العربي، قدر ما يدعو لاستبطان هذه التجربة والوقوف على جوانب أو مظاهر محددة فيها.
بدأ الرملي قاصاً ومسرحياً وعرف روائياً بلغة شعرية إنسيابية تتماهى فيها حدود السرد مع روح الشعر، ويذوب خلالها العقل داخل شحنات العاطفة والدفقات الشعورية التي تدفع اللغة مثل أمواج متوالدة تعقب الواحدة الأخرى في متوالية لا تبدأ ولا تنتهي. محسن الرملي هو صاحب النص المفتوح بحقّ، كاتب (المقاطع العرضية) من الحياة، لمن يتذكر عبارة (مقطع عرضي) من دروس النبات أو الحياة، [مقطع عرضي للجلد، مقطع عرضي لساق نبتة]. وظيفة محسن الرملي اقتصاص مقطع عرضي من تاريخـ(عراقـ)ـه المعاصر ووضعه تحت عدسة مكبرة مليون مرة لاستفزاز شذراتها وشوائبها الدقيقة. ولتحقيق هذا الاستفزاز يستعمل القاص (مدي) ناعمة دقيقة جداً هي اللغة، لغة محسن الرملي المبهجة المبكية أو المؤسية في آن واحد. كان الاعتقاد الساري لدى الناس أن كتاب الكوميديا وممثليها هم الأكثر سعادة في العالم. الحقيقة أنهم الأكثر تعاسة وشقاء. وسرّ بهجة نصوص الرملي هو الأسى. الأسى القابع تحت جفون عينيه وهو ينظر نحو الأمام. تلك الشهقة المجروحة خلل بحة صوته. لذلك تنقطع الضحكة أو البسمة فجأة وتتكلس ملامحها على صورة الوجه، أقصد في أعماق الشعور. في اللاوعي. لغة الرملي هي الفصحى العامية، التي نبتت بذورها في لغة الرصافي ومدونته الشعرية والأدبية الموروثة. سئل الكبير بلند الحيدري لماذا استخدم مفردة (سكين) ولم يستخدم (مدية) الأكثر فصاحة، قال أن كلمة (سكين) لها وخز وتصور عند سماعها أما الأخرى فتقرأ مثل كلمة أجنبية ليس لها دلالة نفسية في حياتنا الخاصة. بهذا المنظور يعجن الرملي المفردة العامية ويخضعها للنحو العربي فتكتسب لغته نكهة خاصة، مثل نكهة (الهيل) العراقية أو (الميراميه) الشامية. إن الدلالة النفسية للمفردة، الدفقة العاطفية التي تشحن بها القارئ، الصدقية المفعمة، كل هاتيك تجتمع في كلمة (سكين) أو (هلهولة) أو (شوفة) أو (بوسة)، أو (عيني) العراقية. ولعلّ في هذا ما يلقي الضوء على فكرة التداخل والتكافل بين اللغة والواقع في تجربة محسن الرملي. على صعيد الركيزة الثانية، يحتفظ الكاتب بمسافة كافية بينه وبين الواقع. محسن الرملي حذر جداً في أي شيء يخرج بسرده إلى الواقع (الآخر). يستخدم المؤلف دائماً صيغة المتكلم، ليؤكد لنا أنه يتكلم، ولكن عن (نفسه). فالكتابة لديه هي [ذاتية] وفق المصطلح الفني، ولكن هذه الذاتية تنطوي على مراوغة (تامة) في نفس الوقت. الرملي [ومن يكتب على هذه الشاكلة!]، ليس شخصية نرجسية ضّيقة، لا يضع زجاجة مزدوجة على عينيه، لكي تنعكس صورته في (بؤبؤ) العدسة. وإنما هو شخصية اجتماعية حميمة وواعية وعياً مثقفاً. ولذلك تذوب القرية وشخوصها وحيواناتها وأفراحها ومناسبات زيجاتها وختانها جميعاً في رؤيته للذات، التي تستحق أن تدعى بالذات الجمعية، لتمييزها عن عقدة الذات النرجسية المهيمنة لدى قطاع آخر وكبير في إطار الثقافة. الرملي في علاقته مع الواقع لا يخرج عن الذات، وفي علاقته مع اللغة لا يخرج عن الواقع. يشذّب نصوصه عشرات المرات ويضيق بأي حرف أو فارزة، زائدة. نصوصه القصصية، والروائية، والشعرية، كلها قصيرة، من كثرة التشذيب والاستئصال. الجدية المفرطة في نصوص الرملي وحياته، مبعث للألم. لأنها تجعل مساحة الفراغ [النسيان] محدودة، وربما معدومة. ولا حياة بلا نسيان. سئل الرصافي مرة لماذا يشرب الخمرة فقال.. [أن الحياة بحدّ ذاتها عبء ثقيل على الإنسان وسبب متاعبها هو العقل الذي لا تخمد له حركة لا أثناء اليقظة ولا أثناء النوم، ولما كان العقل هو سبب المتاعب كان في حظ الإنسان أن يعيش بعض الزمن دون عقل وهذا ما يتم بشرب الخمر الذي يعطل مركز السيطرة في الدماغ.] مذكراته ص92. وأحسب أن الرملي بحاجة لهذه [الخمرة] في ثنايا نصّه، وربما يمنحه ذلك دفقات متواترة عندها، تساعده للتفريج عن مزيد مما يعتمل في دواخله.
في إطار تقنيته الحرفية في السرد، والتي تقوم على فكرة مدة أطول من الاعتلاج والاحتراق الداخلي لتجد الفرصة المناسبة، وجد في الأحداث السريعة المتلاحقة على بلده عبئاً فكرياً ونفسياً يزيد ضغطه على (قشرة الدماغ) ويبحث عن منفذ للتعبير، سرعان ما تشكل في صورة (لسعات) شعرية، ينغزها بين حين وآخر، في وسادة هنا، أو كتف هناك.
قصائد الرملي قصيرة، وجمله الشعرية قصيرة، وصوره الشعرية أو التقاطاته دقيقة مدببة. وظيفة القصيدة، تبعاً، لدوافع (الإبداع) النفسي، تختلف عن وظيفة القصة والرواية، التي تتمتع بمساحة أوسع من الاسترخاء الذهني في تصوير سوريالية الحياة. وبينما تستمرّ ركيزتا اللغة والواقع (المقطعي) في تجربته الشعرية، تختلف تقنية اللغة ومعالجة الواقع هنا عن غيره. افتقاد (البهجة) أو وضوح (الأسى) الذي يتحول أحياناً إلى (سخرية) حادّة في شعره، يوحي أحياناً أن الرملي الشاعر أكثر إحساساً بالعزلة من الرملي القاص. إن القصيدة هي دفتر مذكراته الصغير الذي يحمله معه في (جيبه) أما (القصة) فهي دفتر الذكريات الذي يعود إليه مرة في الأسبوع أو الشهر أو أكثر. وربما لهذا تبدو قصائده أكثر مباشرة (لدى) القراءة السريعة، وأكثر إمعاناً في (شكلانية) اللغة. بيد أن الكلمة أو الحرف في الشعر ليست سوى (لغز) قابل للتأويل باتجاهات مختلفة، ومفتاح سحري يمكن أن يقود إلى عوالم غير متناهية، لم يعد (إيقاع) الحياة السريع والقراءات (الإلكترونية) السريعة تمنحها فرصة التحقق والاستيلاد. بالمقابل، تساعد قصيدة [النثر] على منح دور الفكر أسبقية وتفوقاً على دور الشعور، وهو أحد معطيات ظهور الوعي [الحضاري] بدل سلطة (اللا) وعي الشعوري المقترنة بمرحلة حياتية بدائية كثر التصاقاً وتعويلاً على الطبيعة في التأويل وإشباع الحاجات.

[1]
في إطار علاقته الجدلية بالواقعي، يختار الرملي (مقطعا) من المتحقق، يضعه في إطار [صورة] شعرية ويرتشه بلغة (سيكولوجية) ذاتية، لتأكيد الصلة الداخلية للنص وعدم تجاوز جغرافيا الذات. ان ربط العام بالخاص، والموضوعي بالذاتي يمنح النص خاصة (صدقية) تزيد من تواشجه مع ذات القارئ. وبدون التعرض [الإعلامي] المباشر لمشروع [تحرير] بلده، يتحول الوطن إلى حجرة أو مائدة وسط حجرة، [والوطن كان دائماً (مائدة) بغض النظر عن التأويلات]، في هذه الحجرة تجري مراسيم (عيد ميلاد) للشاعر، ولم يبق غير تأثيث المائدة. وهنا تتواتر القصيدة. مبتدأ جاء تشبيه الوطن (بكعكة) أو (كيكة)، وهو وصف تردد في لغة الإعلام دلالة على تنافس المصالح المغرضة وأسلوب المحاصصات أو الخناجر الموغلة في جسد الوطن. وعلى غرار طاولة (عيد ميلاد) تنتصفها (كيكة) الوطن يستمر في استكمال بقية الإكسسوارات ولكنه بدلاً من الشموع التي تتوسط (الكيكة) يجد [صواريخ]، وبدل (النبيذ) يجد [دمه] في الكؤوس بأيدي المحتفلين الكثر، كما سبق الإشارة إلى مغزى التشبيه بالكعكة والطاولة. مع جريان [الدم] في كؤوس شركاء الاحتفال، يحدث التحول في المشهد، وتكتسب اللغة واقعية وشراسة أكثر. وهي صورة متناصة تماماً مع فكرة (القربان) المسيحي، الذي دمه (نبيذ) ولحمه (الخبز) وجسده (الهيكل / الكنيسة). أن البيت الذي يجري الاحتفال (..) فيه هو بيت [وطن] الشاعر، الذي سبق رؤيته على الطاولة في مستهل القصيدة. وأهل الشاعر، تعرضوا للقتل، فانتفى مغزى الاحتفال، وفي انتفاء المغزى انتفاء للحدث، وبالتالي انتفاء (الولادة) الجديدة في الشرق الأوسط، التي بشّر بها البنتاغون وحاشيته. فالقصيدة توصيف وتعبير عن خواء (الدعاية) الإمبريالية وتفاهة (الشعارات) التي غلّفت وتغلّف سيناريو الفوضى المنظمة في بلد الرافدين..
" (عيد ميلاد)..
وطني كعكة والصواريخ الشموع
المحتفلون كثر ودمي في الكؤوس
البيت بيتي وأهلي قتلى
فبميلاد من هذا الاحتفال وأنا المقتول..
قبل ميلادي؟!."

[2]
بعد انتفاء وإلغاء مراسيم وطقوس ومبررات (الاحتفال) الدموي، وعدم تحقق الولادة ، يخرج الشاعر (الكاميرا) إلى الشارع، أو يمدّ نظره عبر (نافذة) الحجرة، ليصف ما يجري في الشارع حيث تختلط جحافل الجنود بالمعممين. إن الوظيفة هنا مزدوجة ومتداخلة ومتبادلة. جنود الاحتلال في (بلدي) (يقتلون أهلي) (وأنا في المنافي) (أتحدث عن حقّ التنفس). وكما كانت الحصارات متداخلة ومزدوجة من قبل، جاء (الاحتلال) أيضاً متداخلاً مزدوجاً، أنه لا يقتصر على احتلال الوطن وقتل الأهل، وإنما ملاحقة أبناء الوطن المنفيين، والتضييق على حق (هم) في التنفس والحياة. بعبارة أخرى، أن مشروع [الولادة الجديدة] هو مشروع نقيض ومعاكس في حقيقته، يهدف إلى قتل (الإنسان الحقيقي والوطن الحقيقي) لاستقراد (روبوت) بمواصفات إمبريالية عالية الجاهزية والتعقيد..
" ما الفرق بين هؤلاء الجنود / وهؤلاء المعممين؟! /
معاً هم في بلدي/ وأنا في المنافي /
معاً يقتلون أهلي / وأنا أتحدث عن حق التنفس."

[3]
في مقطع (عرضي) آخر تكشف الكاميرا مظاهر (فلسفة) التفخيخ التي يشترك فيها الجميع، أو طريقة القتل (عن بعد)،emote killing] ] التي تتم فيها تصفية (الأهل) المناوئين لطاقم [الفيلم]، والتفخيخ هنا له هو الآخر دلالة مزدوجة، تتعدى اليورانيوم المنضد والـ[TNT ] إلى الأفكار السامة والمريضة التي تحتل العقول والأرواح. يقدم الشاعر صورة سوريالية عبثية تذكر بنهاية قصته (ليلة القصف السعيدة) التي تنتهي بالضحك الهستيري [الخردلي]، ولكنها هنا تتجمد في حالة الخوف (بانتظار الانفجار). وانفجار الروح صورة عامية عراقية متداولة التعبير دالة على نفاذ الصبر أو الاحتمال الذي تجاوز الحدود [طكَتْ رُوحَهْ - وْمَاتْ] [طكَتْ روحي – بَعَدْ مَا أكَدَرْ]..
" السيارات مُفَخَّخَة/ الشوارع والعقول مُفَخَّخَة / الكلاب والحمير مُفَخَّخَة / فَخَّخَنا التَفَخّيخ بالخوف /
وها نحن أرواح بانتظار الانفجار."


[4]
في اللقطة التالية، يعود الشاعر خائباً إلى وحدته أو عزلته الأولى رافضاً حفلة (عيد الميلاد) الديماغوجية، مفضلاً الاستئناس بحياته (الحُلُميّة) على اجتراع مرارة العبودية والذلة، معيداً ترتيب معادلات حياته الجديدة. وكالعادة، يحدد الشاعر موقفه الواضح منذ العنوان أو السطر الأول، وبشكل حاسم وحادّ لا يقبل التأويل أو القسمة. (أنا وغيري) إقرار بالفصل بين طرفين وحالتين لا تلتقيان. وتوحي مفردة (غيري) من القوة والرفض الضمني وعدم الانسجام والتفاهم ما يسدّ الطريق على أية مراوغة ذهنية. ثم تبدأ القصيدة بتفصيل المشهد ووفق تقسيم الخنادق المتقابلة الدارج في المقاطع السابقة. وهنا يتسلّح الشاعر بالزهد (الممتلئ) بينما يمنح (الغير) مظاهر القوة والجبروت (الخاوية). الشاعر ابن القرية أو المنفى مكتفياً بـحياته اليومية البسيطة [ياسمينه (تدفئه) ـ كأس ماء (ترويه) ـ أم (تحنو عليه) ـ جارة (تحرسه)] بينما (الغير) يزهو بغير حق فيبدو مثيراً للسخرية والاستهجان (كقرد) في (قميص حرير)، تندلق في جوفه يومياً ملايين (براميل) النفط المسروقة، تحميه بنوك وتحرسه أبراج وينافقه (حاسدون). ويحقق المشهد [السينمائي] ذروته في السطر الأخير مجسّداً مركزية الصراع والتناقض في صورة [ربو وسيجارة] في جانب من المشهد يقابله [ضريبة على الهواء]. ورغم السخرية المبطنة التي تضيفها العبارة (الفنتازيا) هذه، لا تخفى الدلالة المادية الاقتصادية لكلمة (ضريبة) المنسجمة مع تراكم المفردات السابقة التي تخدم المصالح الستراتيجية للعدو [براميل نفط، بنوك، أبراج (التجارة)، ضريبة] بينما تفتقد خصائص الجانب الأول الخاصة بالشاعر أية دلالة مادية مؤكدة على قيم المحبة والجمال والإنسانية الحميمة واجترار العذاب [ياسمينه ـ ماء ـ أم ـ جارة ـ ربو ـ سيجارة]، وهي كناية واضحة عن تقاطع العقلية الغربية التي تستعبدها المادة (!) الزائلة، مع العقلية الشرقية الأسمى والأدنى للروحانيات والجوهر الإنساني والخلود..

"(أنا وغيري)
لي ياسمينة وللقرد قميص الحرير
لي كأس ماء / ولأمريكا براميل النفط
لي أم وجارة في نافذتها ياسمين ولكم بنوك وأبراج وحاسدون
عندي ربو وسيجارة وأنتم ضريبة على الهواء."

وهنا يظهر تناص فكري مع مقطع من قصيدة (الذات والعالم) لوديع العبيدي التي يرد فيها..
ليست لنا..
" مدن.. سحب.. أساطيل.. زنازين
لنا منابعنا..
مرابعنا.. بيوت الياسمين
لهم الخليقة كلّها!
ولنا اشتعالات السنين.." ص56 ـ مجموعة (أغنية الغبار).
* * *

الموسيقى الداخلية في النص
يبدو (النبر) الموسيقي على أشدّه في المقطع الثالث القائم على تكرار (ف / خ) [فخ] بشكل متوالية دون استراحة ذهنية أو نفسية حتى يبدو كل شيء (مُفخَّخاً) في ذهن المستمع [حتى الهواء] حسب تعبير النص. بيد أن ذروة النبر هذه قد تحققت عبر (تنامي) تدريجي سمته الهدوء والتراتبية. [1] ثمة تقابل ذهني بين [وطن / صواريخ – كعكة / شمعة – محتفلوون / كؤوس – بيتي / أهلي / قتلي – ميلاد / مقتول]. وفي مجال تشابه النبر تهيمن الواو هيمنة استثنائية على المقطع [وطن ، صواريخ، شموع، محتفلون، كؤوس، مقتول] بينما تحقق [طاء نون، صاد خاء، شين عين، ميم نون، كاف ثاء، كاف سين، ياء تاء ياء، ميم دال، ميم لام، ميم ياء] مستوى آخر في أوركسترا من عدة طبقات تتساوق في [خلفية] النص، ناهيك عن الثيمة المركزية التي تبقى تتأرجح كالبندول في ذاكرة القراءة [كعك، كاف عين كاف ، ك ع ك]. وتحقق نهايات الكلمات الأخيرة الثلاثة في المقطع [فال – تول – لادي / فا صول لا سي] مصوّتات ممدودة صارخة [فااااالْ – توووولْ - لادييي]، مهيئة لتسكين الصورة والانتقال لمشهد آخر بعد (إظلام) مناسب. [2] من الإظلام يتكشف صمت تتحرك خلاله الصورة، بعد وهلة يستمر صوت بعيد (أنثوي / عميق) [ئوود~ ئوود~ نوود~ ئوود] يعقبه مباشرة جواب عالي مع صدى [مممممين~ معممعممعمين~ معمممين] تتخلله [آء ~ آء ~ آء] [آء~ ئوم~ آء~ ئوم] تعقبه [ممعممممين~ معمممين~ معممعمين] ثم يتداخل الصوتان الأنثوي والرجالي [ئوود ~ ئووود~ ممممعممين~ معممعممين] بينما تتراجع [آء~ آء] إلى الخلف كصوت سحيق. وتتقابل في هذا المقطع أسماء الإشارة [هؤلاء - هؤلاء] وضمائر منفصلة [هم - أنا] أو [معا - أنا] ، وتتعاقب ضربة (الياء) العميقة [بلدي – منافي - أهلي]، بينما تخدم نهاية (تنفس) الساكنة صيغة الاستفهام المنتهية بسكون من عدة طبقات من صدى يجعل الكلمة تتوالد [تنفس~ أنفس] الدالة على جمع والمقابلة لصورة (أهلي). [3] يتكون النبر هنا من مستويين ، أمامي وخلفي. في المقدمة تهيمن [فخفخة ـ تفخفخ] بينما تهيمن نبرة (الراء) في المستوى الثاني موازيا للأول كما في [شوارع، أرواح، انتظار، انفجار، حمير]. وقد انسجمت نبرة [نهاية] المقطع (آر-R) مع مضمون المقطع المرتبط بالقنبلة والتَفخيخ بدلالتيه الحربية والفكرية، والمعادلة لنفاد الصبر والاحتمال حسب الدالة العامية. [4] تعقب الانفجار فترة صمت [انعدام الموصوّتات] كما في بداية المقطع الثاني، تهيئ للحركة الكاميرا إلى [ماضٍ ـ منفى ـ يوتوبيا] يبدو فيها الشاعر في عزلته، ويبتدئ نبر (ياء) من [لي ياسمينه] يقابله [قميص – حرير - أمريكا – برميل – عندي – سيجارة - ضريبة] يلحظ هنا هيمنة واضحة لأحرف العلة في كل الأسطر [لي – عندي – سيجارة - بنوك – حاسدون – ربو – هواء - أبراج] وتتناسب نهاية [هواء ~ آء] مع مقطع صوتي سابق لتنظيم الصوت بين مقاطع المشاهد الصورية التي تتعاقب أمام القارئ / المشاهد. ويقتضي للضرورة التمييز الموسيقي بين طرفي الصراع بدالة حرف معين أو الأحرف الصامتة والأحرف الصائتة بما يمنح الصورة العمق النفسي المنشود.
* * *

النسب المعمارية
ثمة علاقة عضوية مزدوجة بين المقطعين الأول والرابع، على صعيد التقارب النفسي (عيد ميلاد) (عزلة شخصية) بينما الطرف الآخر يلعب (الغير) بجنونه العسكري في المقطع الأول، وجنونه (الاقتصادي) في المقطع الرابع. وعلى صعيد البنية يستخدم الشاعر نظرية التقابل (المعماري) في المقطعين، قاسماً النص إلى نصفين (متناظرين)، فيتناظر النصفان داخل المقطع من جهة، كما يتناظر النصفان الأول والثاني من المقطع الأول مع كل من النصفين الثالث والرابع على التوالي. [1~ 3 (ذاتي)—2~4 (غيري)]. بينما تلتحم وحدة عضوية بين المقطعين الثاني والثالث التي تجسد إحداهما (هوية) وطبيعة الفاعلين، بينما يمثل الآخر (المقطع - 3) طريقة الفعل وفلسفة القتل.
* * *

البطولة المختزلة أو الغائبة
مراجعة لقطات المشاهد السابقة تكشف عن غياب [أو- تغييب] عنصر رئيسي في جوهر الصراع الممثل بالشاعر [صاحب القضية]، فهو (مقتول) قبل ميلاده في المشهد الأول، وهو (محروم) من حق التنفس كناية عن القتل في المشهد الثاني، وهو [روح (مُفَخَّخَة) تنتظر الانفجار (الطكَـ)] في المشهد الثالث، وهو (ربو) محاصر بين عدوين (داخلي) ممثل في السيجارة، و (خارجي) ممثل في الديون والفواتير المفتوحة، ودلالة الربو (الاختناق). فيكون الموت بفعل فاعل أي (القتل) هو القاسم المشترك لحالة البطل المؤشرة في أواخر المقاطع / المشاهد الشعرية. هذا الاختزال (المتعمّد) في النص هو كناية عن (تغييب) العنصر المحلي في الصراع الممثل في [إرادة / رأي] الشعب العراقي في سيناريو[ تحرير العراق] الأمريكي القائم على جملة معادلات سياسية وصفقات بينية مع أطراف دولية – إقليمية – محلية، غايتها الانقضاض على البقية الباقية من (أرواح) الشعب العراقي الموحّد. الغائب الوحيد فيها هو الضحية (المظنون). وبذلك ينجح الشاعر في تجسيد مغزى الاحتلال ومراميه في شريط سينمي شعري موجز ومعبر، يمكن الاستعاضة فيه عن الصوت بالصورة والتخطيط والتشكيل والكثير من الموسيقى التصويرية الحيّة من تراكمات (التراجيديا) العراقية المعاصرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت القصيدة في العدد الأول من مجلة [صدى المهجر] 2006 لصاحبها الدكتور لطفي الحداد، الصادرة في أمريكا وبيروت. وضمن ديوان (كلنا أرامل الأجوبة).
*وديع العبيدي: شاعر وناقد عراقي يقيم في لندن. wadiobeadi@yahoo.com
----------------------------------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الزمان) في العددين 2431 و2432 بتواريخ 20-21 حزيران 2006 بغداد.

قصائد قصيرة / محسن الرملي

قصائد
محسن الرملي



جـــواب

إذا سألوك فأجبهم:
فوق النخل.
سيفرح من أحبك
ويزداد المنشغل بإنزالك..
حِـيرة.
* * *

هــابـيـلـة

يا هابيلة يا أمي
فِراق الغالين جعل القلب غربالاً
بدأنا واحداً ثم باعدوا بيننا
السُـلطة والحياة
آه .. كم أبعدانا
فهل يجمعنا الموت؟.
* * *
قراءة

وردة الكلمة
علمٌ يتفتح بالقراءة
ففي الدماغ
عشرة مليارات خلية.
* * *

الحُب

هو آخر
تتوهم أنه يؤانسكَ
في وحشة المحطة
في انتظار الباص رقم صفر
أو ذاك الذي يحمل
إعلان فلم الموت.
* * *

الحزن

شجرة شوكية تكبر في القلب
تكبر .. تكبر .. تكبر
حتى تُسقِط ثمرتها الوحيدة:
جثة متعفنة
.. هي أنتَ.
* * *

الولادة

أمكَ قميص وخلعته
رميته ممزقاً يفوح برائحتكَ
ولا تعود إليه
حتى يلوي برد الخيبات عظامك.
* * *

المُراهَقة

مطاردة لأسماء أشكال الغيوم
على تضاريس الوقت.
* * *

الوطن

تراب ولدتَ فيه وولدَ فيك
كبرتَ فيه وكبر فيك
تحميه ويحميك
لكنه في المنفى
يصبح طاعونك.
* * *
ثور ناعور

أنا الإنسان..
كتفتُ نفسي بالورق
وحاصرتها بالحدود
لا أمل لي بالتحوّل..
عما صنعت يداي
أُسمّي قيودي الجديدة ثورة
أُسمّي تحطيمها ثورة
فهل موتي خلاص؟.