الروائي العراقي
محسن الرملي :
وجدت ذاتي في الكتابة أكثر من غيرها
حاوره: خضير الزيدي
تعددت مواهب محسن الرملي هذا الفتى القادم من العراق إلى الأندلس ،فمتى ما تراه استقر مع نص قصصي كله دهشة وإيحاء حتى تراه في فترة قليلة منجزا لإرث في كتابة النص الروائي ثم يعيد بك الى نقطة الحلم والتفكير في قوة خياله وقدرته على التجريب لينتقل وبجهد المبدع إلى الاقتراب من قيمة النص الشعري وتجلياته النفسية والروحية ناهيك عن العشرات من الدراسات المترجمة له عن الأدب الاسباني لهذا يبدو لي ان الكاتب مهووس بكتابته لغزارة إنتاجه الإبداعي وتنوعه .
وانطلاقا من رؤيتي الشخصية واعتزازي بصداقة معه أردت أن اعرف بمنجزه الأخير إضافة إلى اطلاع القارئ على جل تصوراته عن الكتابة وافقها التنويري . ومن هنا حقق هذا الحوار معه معرفة جديدة لي متضمنا الحديث عن أفق الترجمة والكشف عن عدم غوص الروائي محسن الرملي في توظيف الفكر الرافديني مبررا عدم الاقتراب منه لما أنجزه روائيون وكتاب نصوص قصصية عراقيون من تجليات أكثر عمقا في الفكر العراقي القديم . عن الكثير من هواجسه أنسانا ومبدعا كانت وقفتنا بنص هذا الحوار.
وانطلاقا من رؤيتي الشخصية واعتزازي بصداقة معه أردت أن اعرف بمنجزه الأخير إضافة إلى اطلاع القارئ على جل تصوراته عن الكتابة وافقها التنويري . ومن هنا حقق هذا الحوار معه معرفة جديدة لي متضمنا الحديث عن أفق الترجمة والكشف عن عدم غوص الروائي محسن الرملي في توظيف الفكر الرافديني مبررا عدم الاقتراب منه لما أنجزه روائيون وكتاب نصوص قصصية عراقيون من تجليات أكثر عمقا في الفكر العراقي القديم . عن الكثير من هواجسه أنسانا ومبدعا كانت وقفتنا بنص هذا الحوار.
**اسمح لي أن ابدأ التحاور معك عن قيمة الأدب في ظل ظروف قاهرة تتابع الإنسان العراقي ، وهل هذا الإصرار لديك في كتابة النصوص القصصية أو الروائية يعد بمثابة الخلاص الذي تبتغيه ؟
ـ إن قيمة الأدب عالية ودائمة بغض النظر عن طبيعة الظروف أو اختلاف الشعوب، إنه مرتبط بالإنسان أبداً لأنه كائن تعبيري ، واللغة هي أكثر ما يميزه عن بقية المخلوقات، والإنسان العراقي هو من مؤسسي الكتابة والأدب للبشرية واستخدمه للتعبير عن نفسه في أشد الظروف مرارة وأكثرها رفاهية، ونظرة سريعة إلى حقب التاريخ العراقي وما رافقها من أدب ستؤكد ذلك، بل وأن دوره في الظروف الصعبة يجب أن يكون أكثر فاعلية. أما عني فقد وجدت ذاتي في الكتابة أكثر مما في سواها، وأجد نفسي أشتغل في هذا الميدان أفضل من أشتغالي في غيره، مادام عليّ فعل شيء ما لشغل فترة وجودي.. وإن كنت أشك في أنني سأجد فيها الخلاص، أشعر بأن همي وحيرتي الوجودية لا سبيل للخلاص منها أبداً، ولكن يمكن مرواغتها بأشكال معينة ومنها الكتابة.
** أود أن أسألك عن تحولات الكتابة لديك ، هل هي الاختيار الفني والفكري أم الأمر هو نسق من التجريب تحاول التركيز عليه ؟
ـ مبدأي الأساسي في الكتابة هو الصدق، لذا فإن أي تحولات أو تنوع فيها هو استجابة صادقة لما أتأثر به، وهذه التأثيرات تأتي عن طريقين هما التجربة الحياتية الشخصية والعامة وعن طريق القراءات. وبما أن حياتي تنوعت كثيراً في مراحلها وكذلك قراءاتي عبر لغتين، فقد انعكس ذلك في كتاباتي وهو أمر اختياري من حيث أني اخترت أن أكون صادقاً في استجاباتي لما أتأثر به. أما عن التجريب فهو يجذبني جداً ولكن للأسف الشديد قد بدأ التجريب في الأدب يتراجع على الصعيد العالمي بحكم ما يفرضه السوق الاستهلاكي العام من تبسيط وتسطيح واستبعاد ما يتطلب من القارئ جهداً في التلقي. فيعود التجريب ليصبح عمل نخبة وللنخبة، ومن بين نصوصي فإن النصوص التي جربت فيها في التقنيات والأسلوب هي الأفضل بالنسبة لي ولأصدقائي الأدباء.
**كيف تبدو لك صورة القصة العراقية بعد ان شهد مشهدها الكثير من الكتاب متنوعين عبر أجيال أو أساليب فنية ؟
ـ القصة القصيرة العراقية ممتازة بكل تنوعها وغناها الكمي والنوعي الذي نعرفه، وفي رأيي أنها من بين الأفضل عربياً وعالمياً، إلا أنها وللأسف لم تحظ بإضاءات ودراسات نقدية كثيرة وجادة بمستواها، كما أنها لم تحظ بالفرصة الحقيقية التي تستحقها من حيث النشر والتوزيع والترجمة، وفي الأدب العراقي لا يتفوق على جنس القصة القصيرة سوى الشعر. ليتنا على الأقل نعمل على إعداد أنطولوجيات كثيرة سواء ما كان منها يتمحور حول أجيال، مراحل، أساليب أو موضوعات. فعلى هذا النحو سيتم الإلمام بها والتعريف بها بشكل أكثر عملية.
** هل حاولت توظيف الفكر العراقي عبر نصوصك القصصية وماذا تنظر إلى تلك الرؤية التي تعيد توظيف الفكر الأسطوري والتاريخي عبر التوظيف الفني والفكري ؟
ـ لم أعمد إلى عملية توظيف قصدية ومدروسة له في أعمالي الإبداعية، ولكنني ووفق مبدأ الاستجابة الطبيعية لما أنا متأثر به، تركت له أن ينعكس في كتاباتي وسلوكي أيضاً، وعلى هذا النحو سيبرز منه ما هو حي وفعله ممتد وفق المناخ والمعايشة المعاصرة، أي التعامل مع بقي منه حاضراً فينا، ولم أعمد إلى البحث والتوظيف القصدي لموضوعة أو حدث أو رمز بعينه بحيث أصوغ عليه عملاً تاريخياً أو باجواء التراث، فهذا النوع من الأدب له مبدعيه الذين هم أفضل مني فيه فأنجزوا أعمالاً رائعة أشك بقدرتي على الإتيان بمثلها.
** أيمكنني القول أن الترجمة أخذت منك وقتا وجهدا ينسيك الكتابة الخاصة بمحسن الرملي ؟
ـ نعم، لقد أخذت ولا زالت تأخذ الترجمة من وقتي وجهدي الكثير، إلا أنها لم تنسني الكتابة طبعاً لأنها هي أيضاً شكل من أشكال الكتابة، أتعلم منها وأتدرب فيها، إضافة إلى أنها تخفف من حسرتي ومن شعوري بالتقصير تجاه القارئ العربي كلما رأيت الكثير والجديد والجميل من الأعمال الأدبية الكلاسيكية والجديدة المهمة التي ما زال القارئ العربي لا يعرف عنها شيئاً وربما حتى لم يسمع بها. ليتنا نتوفر على أعداد كبيرة من الأفراد والمؤسسات ودور النشر المتخصصة والمكرسة للترجمة، كما كان عبدالمسيح ثروت وعبدالواحد لؤلؤة مثلاً وكدار (المأمون).. بل أنني أحلم باليوم الذي يتم فيه إنشاء وزارة مستقلة اسمها وزارة الترجمة.
** طيب ارغب ان تصف لي مشهد غربتك قياسا إلى ارض بغداد ،وهل استطاعت تلك الغربة أن تمدك بجوهر فهم الأشياء البعيدة ليتم لك توظيفها عبر بوابة نصوصك الإبداعية ؟
ـ الغربة بكل مسراتها وأوجاعها وصعوباتها كان لها فضل كبير على تكويني الشخصي والثقافي لا يقل أهمية وعمقاً عما تعلمته وتكونت عليه في العراق، وليت كل إنسان بشكل عام وكل مبدع بشكل خاص يحظى بتجربة العيش والتعايش مع وفي ثقافة أخرى ولو لفترة وجيزة، مثلما أرى أنه من الضروري لكل مثقف أن يعرف لغة ثانية فهذا الأمر لم يعد من باب الرفاهية وإنما من باب الضروريات، وبالتأكيد سينعكس ذلك في تكوين الرؤية والفهم للعالم وللأشياء وبالتالي في طبيعة ما ننتجه شكلاً ومضموناً.
*** ألهذا أنت تركز على قيمة وجودية لشخوصك في الكتابة ، فهل هي فسحة الحرية من تجعلك تحقق ذلك أم أن المسار القصصي لديك يشهد تحولا في الأسلوب والمضمون ؟
ـ كما تعلم، إن الإبداع عموماً والأدب منه تحديداً هو في الأصل إنساني، أي ينطلق من الإنسان ويمر من خلاله ويعود إليه، إنه عن الإنسان وللإنسان ككائن وكوجود بغض النظر عن جنسه وجنسيته، ولونه ودينه.. فهذه تجيء لاحقاً وكمسألة مكملة أو أفقاً آخر للدخول وللتعرف عليه، وبالنسبة لي فقد كان وما زال الهم والقلق الوجودي هو الأول والأعمق والأشد وطأة وتأثيراً في رؤيتي وفي كتاباتي.. حتى وإن بدت بعض النصوص شديدة المحلية فإن تأملها قليلاً سيكشف عن خلفية لها أبعد من ذلك، إشكاليتي الوجودية هي الأعقد والأكثر هيمنة على ذهني ونفسيتي. وبالطبع فإن مسألة الحرية ومفاهيمها ملتصقة بقضية وإشكالية الوجود ونوعها، وبالتالي فإن هذه التحولات في الأسلوب والمضمون، التي ذكرتها، هي جزء من محاولات التعبير من زوايا مختلفة عن هذا الهم الوجودي، وكما ذكرت لك سابقاً، فأنا أترك صادقاً لكل العوامل والظروف والمؤثرات الحقيقية عليّ أن تضع بصمتها في صوغ ما انتجه، بقي أن أشير إلى أنني ولحد الآن لا أعتقد بوجود فهم كامل ومطلق للوجود مثلما أنه لا وجود أبداً لحرية مطلقة.
** أود أن اختتم حواري معك عن رؤيتك تجاه الواقع النقدي والإبداعي في العراق ؟
ـ لدينا إرث ونتاجات وطاقات إبداعية هائلة ومتميزة كماً ونوعاً في مختلف المجالات ومنها الأدب، ولدينا نقد بهذه المواصفات من الجودة باستثناء أنه أقل من حيث الكم. إلا أن المؤسف هو أن كل ذلك لم ينل الفرصة التي تليق به من حيث النشر والتوزيع والترجمة والدرس والتصنيف. إن الظروف العصيبة التي عصفت وما زالت تعصف بالعراق قد أضرت وظلَمَت كثيراً إبداعنا ومبدعينا. ليتنا نستطيع أن نلملم كل هذا الشتات، نبوبه ونصنفه ونغربله ثم نعمل على إعادة نشره وتوزيعه ودراسته والتعريف به سواء ما تم إنتاجه في الداخل أو في الخارج، فكله في نهاية الأمر يعد ثروة عراقية حقيقية، وعلينا أن نستفيد من تجارب شعوب أخرى في هذا المجال كإسبانيا والمانيا واليابان وغيرها ممن أعادوا إنتاج وبناء وتقديم مجمل إبداعهم الذي عصفت به الحروب، وساعدهم ذلك في إعادة التعرف بشكل أفضل على أنفسهم أولاً ومن ثم التعريف بأنفسهم للآخرين.
-------------------------------------
*نشر في صحيفة (الاتحاد) بتاريخ 2/1/2009م العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق