السبت، 25 أبريل 2020

مناقشة رواية حدائق الرئيس في ندوة الثقافة والعلوم

نظمها «صالون القراءة» في ندوة الثقافة والعلوم
 
عقد صالون القراءة في ندوة الثقافة والعلوم جلسة مناقشة لرواية «حدائق الرئيس» للكاتب العراقي محسن الرملي، الذي عمل في الصحافة في العراق والأردن وإسبانيا. وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة الثقافية العربية وفي بعض الصحف الإسبانية حيث كان يقيم منذ عام 1995.
وكان ضيف شرف الأمسية الناقد المصري د. صلاح فضل، بحضور علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة، وصالحة عبيد عضو مجلس الإدارة، ود. مريم الهاشمي، وفتحية النمر، وزينة الشامي، وهالة عادل، ونادر مكانسي، وكريمة السعدي، وأحمد علي، وإسماعيل السويدي، وعائشة الزعابي، وجمع من المهتمين.
أدارت النقاش عضو مجلس إدارة الندوة رئيس اللجنة الثقافية الكاتبة عائشة سلطان، فاستعرضت الرواية التي مازجت بين الواقع والتاريخ والخيال الأدبي، وأكدت أن الرواية بقدر انغماسها في التاريخ إلا أنها توسعت في سرد وتشريح الشخصيات، وبقدر ملامستها للواقع، فجوهرها الفني أضفى عليها مزيداً من التشويق والجاذبية.
وأكد الناقد د. صلاح فضل أن الرواية الواقعية كانت سيدة المشهد العربي، ومع المحن الكثيرة التي مر بها العراق ازداد حضور الرواية والسرد في الأدب العراقي، وتحدث عن «حدائق الرئيس» التي اشتملت على 4 عناصر جوهرية موضحا أنها عمل يظهر الوجه البشع للديكتاتورية.
بدورها تحدثت الكاتبة والناقدة زينة الشامي عن الشكل الدائري للرواية، حيث تفتتح بمشهد دموي وتختم بنفس المشهد، وهذا فيه إقرار باستمرارية الواقع والمأساة، لأن الدائرة توحي بالغرق في المأساة والظلم، وهذا جزء مما شهده الواقع العراقي، إلا أن الرواية راوحت بين الواقعية والرمزية في كثير من المشاهد، حتى أن العنوان نفسه في كلمة حدائق يأخذنا إلى ما تشتهر به العراق من حدائق بابل، إلا أننا نجد أنفسنا في حدائق دموية.
وذكر علي عبيد الهاملي أن أسلوب الكاتب فيه كثير من السوداوية، وأنها بدأت باستيقاظ سكان القرية على الصناديق التسعة ومن خلال ذلك المشهد بدأ الكاتب بسرد الأحداث (فلاش باك) وأن «زبدة» الرواية يلخصها عبدالله كافكا في معرفة الجثث، وكيفيه التخلص من الطغاة سارقي الأوطان. وذكرت صالحة عبيد أن العمل يؤرخ لنحو ربع قرن من التاريخ العراقي بكل حروبه وقسوته ومآسيه، وأن من المدهش أن يحمل أحدهم وطنه كل هذا الوقت، بكل تناقضاته بصورة لا تحمل ذلك التنكر أو السخط أو محاولات التبرير أو إظهار أي ازدواجية أو تخبط.
وأشارت فتحية النمر إلى أن العبارة المفتاحية (في بلد لا موز فيه استيقظت القرية على تسعة صناديق موز في كل واحد منها رأس مقطوع لأحد أبنائها) تحيلنا إلى صوت الكولومبي ماركيز تحديداً (مئة عام من العزلة) وكنت وددت لو فسر لي لماذا لا يوجد في القرية موز؟ ومع استرسال الكاتب في الحديث عن الحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت والمآسي والتداعيات والآثار الكارثية على القرية تحديداً، فقد وددت لو ألقى الكاتب الضوء على أسباب هذه الحروب.
وأكدت فتحية النمر أن الرواية بشكل عام ذات لغة جميلة وتمتاز بشعرية محببة أضافت للنص قوة وجمالاً.
وعلقت د. مريم الهاشمي بأن أجمل ثناء يمكن أن نخص به روائياً يتمثل في القول: إنه يتمتع بمخيِّلة، ولكن في «حدائق الرئيس» فالميزة الرئيسية والسمة الواضحة هي الحس الواقعي، ذلك الذي يتسلل في ثنايا الأشخاص ومشاكلهم وظروفهم الاجتماعية، لكي تشكل الصورة الأمثل للتعبير عن للواقع بلا رتوش، وأشارت إلى رمزية الرواية وهو المفتاح السحري الذي يقود إلى عالم الفن الحقيقي في الرواية.
بدورها أشارت هالة عادل إلى رسالة الرواية التي تدعو للسلام والخروج من دائرة العنف، وأكد نادر مكانسي أن الكاتب تفوق في وصف المشاهد اليومية لحالة الناس خلال الحروب في العراق. أما أحمد علي فنظر إلى الشخصيات الجاذبة في الرواية رغم ما فيها من مآسٍ، وأكدت كريمة السعدي أن «حدائق الرئيس» فيها الكثير من المغالطات وتزوير الحقائق التي حدثت في الفترة التي كتبت فيها هذه الرواية.
--------------------
*نشرت في (ندوة الثقافة والعلوم) دبي بتاريخ 24/4/2020م
*وفي (وكالة أنباء الإمارات) بتاريخ 23/4/2020
*وفي صحيفة (البيان) بتاريخ 24/4/2020م
*وفي صحيفة (الخليج) بتاريخ 23/4/2020م
*وفي صحيفة (الاتحاد) بتاريخ 23/4/2020م
*وفي صحيفة (الرؤية) بتاريخ 23/4/2020م


حدائق الرئيس


د.عائشة سلطان
محسن الرملي، روائي عراقي مبدع، له العديد من الأعمال السردية الناجحة ذات الأثر، ولعل روايته (حدائق الرئيس) وهي من أعماله المبكرة، واحدة من تلك الروايات التي لا تنسى، رواية لا تنتهي إلا وقد زرعت فيك ما لا حصر له من الدهشة والحزن وأسئلة الفجيعة!
ليس لمرور الزمن وتتالي الأحداث في الرواية نصيب من اسمها (الحدائق) الحدائق التي نعلمها ونعرفها، ليس لها علاقة بحدائق بابل المعلقة الأسطورية، ولا بحدائق الفل والياسمين والرياحين، ولكن لها النصيب كاملاً من سطوة وهيمنة اللقب، الرمز، العلامة الفاجعة والفاقعة: الرئيس، الذي جعل حدائقه مكاناً مرعباً يصفي فيه من يشاء، ويعذب ويعبث بأرواح من يشاء، ثم يلقي بهم إلى حفاري القبور ليواروا سوءاته دون أن يهتز له جفن.. أرأيتم كيف هي حدائق الرئيس؟
تسرد الرواية سيرة ثلاثة أصدقاء في قرية عراقية نائية، ومن خلالهم يسرد الرملي جانباً من تاريخ العراق على مدى نصف قرن، وكيف انعكست أحداث هذه السنين على حياة الناس البسطاء. الحروب، الحصار، الدكتاتورية، الأسر في إيران، غزو الكويت، المقابر الجماعية وفوضى الاحتلال التي يضيع فيها دم أحدهم (إبراهيم) كرمز لضياع الدم العراقي، بين فلول نظام سابق وأتباع نظام تلاه.
تُيسر الرواية لقارئها فهم تعقيد التاريخ العراقي الحديث بمآسيه المتلاحقة. كما تبلور قناعة الكاتب ورفضه اعتبار ضحايا القمع والحروب مجرد أرقام في حوادث تسردها الصحف، إنهم كما يقول «أناس لهم تاريخ وعوائل وأحلام وتفاصيل. كل شخص هو عالَم قائم بذاته.. ومن بين مهام الأدب تبيان ذلك». الرملي فقد شقيقه الروائي (حسن مطلك) الذي أعدم على يد النظام وتسعة من أقربائه ظلماً، ففر من العراق ناجياً بحياته التي اختار أن يكملها في إسبانيا.
-------------------
*نشرت في صحيفة (البيان) الإماراتية بتاريخ 23/4/2020م

عُزلتي التي ليست عُزلتي/ محسن الرملي


عُزلتي التي ليست عُزلتي 

د.محسن الرملي
العزلة رفيقة الكاتب، وحديقة بيت حياته التي يداريها شخصياً ويبذر فيها نباتاته الخاصة، وأغلب كتّاب العالم لا يستطيعون الكتابة إلا في العزلة، لذا فهم يبذلوا كل الجهد لتوفير عزلتهم هذه للكتابة.. ومع ذلك فإن العزلة التي نعيشها اليوم بسبب فرض الحظر، إثر انتشار وباء فايروس كورونا، هي عزلة غير مرحب بها وخانقة ومتعِبة، وذلك لأنها عزلة إجبارية وليست اختيارية، وأي مبدع حقيقي لا يستطيع الإبداع في مناخ يفتقر فيه إلى الحرية.
وعني شخصياً، لم أستطع الكتابة فيها، لأنها ليست العزلة التي أريدها أنا، ففيها مثلاً؛ اضطررت لأداء عملي من المنزل عبر الانترنيت، والمحاضرة التي كنت أعطيها في ساعة صارت تتطلب مني وقتاً أكثر من ذلك لأن طلابي من بلدان مختلفة، وفرق التوقيتات كبير بين هذه البلدان، كذلك فرض وجود أطفالي معي في البيت ليل نهار بعد حرمانهم من الذهاب إلى الحضانات والمدارس، مما يتطلب مني أن أكون برفقتهم وقتاً أطول، ولو من باب التخفيف عنهم هذا الحبس الغريب الذي فاجأهم ولا يدركون مبرراته تماماً، مما يصيبهم بالملل والقلق والتعب النفسي والجسدي.. يرافق ذلك ضرورة متابعتي اليومية للتعليمات الرسمية المتواصلة وأخبار الفايروس في البلد والعالم والاطمئنان على الأهل والأصدقاء وطمأنتهم عليّ يومياً... وعدا الخوف من إصابتنا نحن شخصياً، ترافقنا آلام الذين أصيبوا من الأصدقاء والزملاء والطلاب والمعارف، منهم من مات، منهم من شفي ومنهم من ينتظر...
 كل ذلك لا يتيح لي حتى قراءة الكتب الفكرية والدراسات العميقة التي كنت قد أجلت قراءتها بانتظار وقت تقل فيه المشاغل، حيث اكتشفت بأنني لا أستطيع التركيز المناسب للغوص فيها بجدية، ولذا ألجأ لمواصلة قراءة الشعر والروايات.. وشيء آخر وجدته مناسب جداً لمناخات كهذه، وهو المجلات الثقافية القديمة الرصينة الثرية، متنوعة المواد، حيث لدي أعداد كثيرة نادرة من مجلات مهمة كانت تصدر في إسبانيا وأمريكا اللاتينية كنت قد جلبتها معي في سفراتي، من مكتبات الكتب القديمة وأصدقاء هناك، وفيها مثلاً مجلات تضم أول نشر لنصوص كتاب وشعراء عمالقة أمثال نيرودا وأوكتافيو باث وميرا ديلمار.. وغيرهم.
كما أشاهد المزيد من الأفلام، وهنا أود التعبير عن الشكر والإشادة بكل السينمائيين شرقاً وغرباً الذين أتاحوا لنا فرصة مشاهدة أعمالهم مجاناً عبر الانترنيت... ومن الخلاصات الكثيرة من هذه التجربة، أعتقد بأن الناس انتبهت الآن إلى أن الثقافة والفنون الإنسانية كانت أفضل وأكثر من رافقها في عزلتها، وحوّل الكثير من أوقاتها إلى متعة وفوائد معرفية، وعلى ضوء ذلك، أتوقع أن الاهتمام بها سيزداد أكثر بعد رفع الحظر وتجاوز الناس لهذه الأزمة، وأن الحكومات الواعية المسؤولية والتي يهمها الناس، أو كسب الناس، ستولي اهتماماً آخر وأكثر مما كانت توليه سابقاً للثقافة والفنون، والعلوم طبعاً.
------------------------------------------------
*صفحة (المهرجان الافتراضي للفلم المنزلي Domum Festival)
----------------------------------------

محسن الرملي: أطفالي وبضعة الكتب

من استطلاع مجلة (إلى) عن: الأدب والفن في زمن الأوبئة
د.صالح الرزوق
مثلما أننا لم نتوقع وباء كورونا هذا، فإننا لا نستطيع التكهن بما بعده، والأمر متعلق بمدى طول الفترة التي سيتم فيها إيجاد علاج له، فكلما طالت كلما أحدثت تغيرات جوهرية ودائمة على كل شيء، أما إذا قصرت، فسيكون أثره أقل وسرعان ما يتم تجاوزه وتعود البشرية إلى سابق عهدها ترمم ما تخرب، كما حدث مع تجاربها في أوبئة أخرى كثيرة حدثت في تاريخها.
أما على الصعيد الشخصي، فهو أثر على حاضري اليومي، بسبب ظروف وأسلوب العيش الذي تم فرضه علينا فرضاً، ولكنه لحد الآن، لم يؤثر على أي فكرة أو مشروع مستقبلي أعمل عليه أو في نيتي إنجازه، وبالطبع يبقى الأمر حسب ما سوف تؤدي إليه الأحداث لاحقاً.
أمر الشعور بحضور الموت ومرافقته اليومية، هو ليس بجديد عليّ، بل هو جزء من تركيبتي بحكم الذي عشته في العراق منذ ولادتي، لذا لا يخلو أي عمل لي من وجود لمسات وتأملات قضية الموت فيه... وإذا كان ثمة مخاوف كبيرة منه، عدا الخوف الإنساني الطبيعي والغريزي.. فأكثر ما يحز في نفسي، فيما لو قضى عليّ الآن، هو ترك أطفالي الصغار دون إكمالي لرعايتهم، وعدم إنجاز بضعة كتب، أود قولها قبل أن أرحل.
-------------------------------------------
*نشرت في مجلة (إلى) بتاريخ 1/5/2020م

السبت، 11 أبريل 2020

باخچەکانی سەرۆک/ موحسن ئەلڕەملی

باخچەکانی سەرۆک
باخچەکانی سەرۆک سێیەمین ڕۆمانی نووسەری عێراقی موحسن ئەلڕەملییە، پاش هەریەکە لە ڕۆمانەکانی وردوخاشی پەرتەوازە و خورمای سەر پەنجەکان. هەرچەند دەربارەی ئەم ڕۆمانە بنووسرێت کەمە. ئەم ڕۆمانە ساڵی ٢٠١٣ چووەتە لیستی درێژی خەڵاتی بوکەر بۆ ڕۆمانی عەرەبی. پاش وەرگێڕانی بۆ ئینگلیزی ڕۆژنامەی گاردیانی بەریتانی  وەک یەکێک لە باشترین کتێبەکانی ساڵی ٢٠١٧ هەڵیبژارد. باخچەکانی سەرۆک ڕۆمانێکی واقعییە و مێژووی زیاتر لە چل ساڵی عێراق لە فۆرمێکی ئەدەبیدا دەگێڕێتەوە، تێیدا  لە ڕووی سیاسی و کۆمەڵایەتی و ئایینی و دەروونییەوە مێژووی عێراق تۆمار دەکات. نووسەر ڕەتی دەکاتەوە قوربانیانی جەنگەکان بە ژمارە بێنە بەر باس، بەڵکو ئەوان کەسانێکن خاوەنی مێژوو، خێزان، خەون و چەندین وردەکارین. هەر تاکێکیان بۆ خۆی جیهانێکە. ئەگەر هەر یەکێک لەو قوربانیانە کتێبێک بووایە، عێراق دەبوو بە کتێبخانەیەک تەنانەت پێڕستکردنیشی ئەستەم دەبوو. نووسەر هەر لە پێشکەش کردنی ڕۆمانەکەیەوە بەمجۆرە دەست پێدەکات: پێشکەشە بە:
ڕۆحی ئەو نۆ خزمەم، کە لە سێیەم ڕۆژی مانگی ڕەمەزانی ساڵی ٢٠٠٦ز سەربڕدران
هەموو ستەمدیدەکانی عێراق:
ئەی مردووان .. لە خەمە تاڵەکانمان بۆ ئێوە بمانبەخشن.. بەئارامی سەر بنێنەوە.
ئەی زیندووەکان.. ئەوەی پێتان دەکرێت بیکەن بۆ لێبوردەیی، بۆ ئاشتی.
ئەم ڕۆمانە باسی سێ هاوڕێ دەکات لە دێیەکدا، لە پێش لەدایکبوونیان هەتا ئەو کاتەی پیر دەبن. ئەوانیش تارقی سەرسام، ئیبراهیمی قسمەت و عەبدوڵڵای کافکا، کە منداڵی و هاوڕێیەتی کۆی کردنەوە و جەنگ لەیەکتری جیا کردنەوە. نووسەر لە ڕێگەی ژیاننامەی کۆمەڵایەتییانەوە مێژووی عێراق دەگێڕێتەوە هەر لە جەنگی عێراق – ئێران، جەنگی کوێت، ڕاپەڕین، ئابڵۆقەی ئابووری، هەژاری، دیکتاتۆرییەتی ڕژێمی پێشوو، دیلەکانی ئێران، گۆڕە بەکۆمەڵەکان، دواتر ڕووخانی ڕژێمی بەعس لە ساڵی ٢٠٠٣.
نووسەر دەڵێت سەرەنجام هەموو جەنگەکان هەر نەریتین، بەو پێیەی ئامانج لێیان ئەوەیە کۆمەڵێک لە مرۆڤەکان، کۆمەڵێکی دیکەیان بکوژن.
ئەم ڕۆمانە شایستەی ئەوەیە لە هەموو ماڵێکی عێراقیدا بوونی هەبێت.
نووسەر: موحسن ئەلڕەملی
وەرگێڕ: ڕەنجدەر جەبار
چاپی یەکەمی خانەی چاپ و بڵاوکردنەوەی چوارچرا لە ساڵی ٢٠١٨ بڵاوی کردووەتەوە و چاپی دووەمی لە ناوەندی ڕۆشنبیریی ڕەهەند ئامادەیە بۆ چاپکردن

الأربعاء، 8 أبريل 2020

عن تمر الأصابع لمحسن الرملي /أوس شريف


قراءة
جَوْلة أخرى معَ الكاتِب محسن الرملي.. وروايته (تمر الأصابع) 

أوس أحمد شريف
"ما كُنت لأكتب قصة أهلي وأفضحهم لولا تشجيع أبي لي وهو يحلق شعر رأسي في مرقصه المدريدي، قائلًا: أُكتب ما تشاء فلن يحدث أسوأ مما حدث.. هذا العالم جايف".. مِن هذا الاستهلال المثير ينطلق العراقي الإسباني (محسن الرملي)، سرد قصته..
إلى أي حدٍ نظن أننا حقاً، قادرون على كسر الأصنام التي بداخلنا..؟! أو لأعيد صياغة السؤال على النحو التالي: إلى أي حدٍ يمكننا أن نتجاوز فكرة الانتقام والثأر نحو إمكانيات التعايش والتغاضي وإدارة الخد الأيسر لمن صفع الخد الأيمن..؟! هذا السؤال يدحرجه محسن الرملي في روايته "تمر الأصابع"، ككرة ثلج تبدو صغيرة جداً في الصفحاتِ الأولى من الروايةِ ثمّ تأخذ في التعمق والتضخم، تدوس في طريقها التابوهات الثلاثة..
ماذا يحدث عندما يريد أن يُخرج الكاتب سنوات عُمره المبتلعة في وريقاتٍ قليلة، الكثير من القهر، الأفكار والرمزيات تسطر لنا رواية المغترب المقهور، سواء كان اغترابه للخارج أم غربة ذاتية فرضها عليه الديكتاتور في وطنه..
يوضح الرملي أن هذه الأجيال المقهورة تكاد تكون آية واحدة لعدة مصاديق، فمِن جيل الجد (مطلق)، الذي حاول النجاة متمسكا بالأعراف والتقاليد زارعا بذرة الثأر من طاغية أذله هو وعائلته متغرباً عن قريته الصبح في سبيل كرامته وصولا للابن نوح الذي كان يعيش أكثر من غربة، غربة الوطن وغربة الحياة التي تنازعه الرغبات بين أن يكون نسخة أبيه - في عالم جايف- وبين أن ينجو بنفسه ويرتحل بعيدا مقيدا نفسه بشرنقة الإرث القبلي وكره نظام قضى على رجولته، مروراً بكل ذلك لا بدّ وأنك ستصل إلى سليم الجيل الحديث والذي طالته الغربة هو الآخر، رحل حينما لم يجد ما يثبته لتلك الأرض التي لن ينساها دمه "لكنه العراق.. العراق يا أبي.."، هو الآخر لديه إرثه المنتهك إلا أنه من جيل الذي آمن أنّ وطنك ما حملك، تكيف معه لكن رجوع الماضي لا بدّ له أن يثير عواصف لم تكن بالحسبان، لكن نقطة الاتزان ترجح، لا يقرر نسيان عالية بل التأقلم مع فاطمة، لا يثني نوح بعد أن فهمه رغم الخوف والقلق..
مثل فتيته المبعثر يشتغل الرملي في تمر أصابعه على نحت شخصياته نحتاً مدروساً وعميقاً، يرتكز في ذلك على تعرية العلاقات: علاقة الفرد (العراقي)، بنفسه، علاقة الفرد بمحيطه وبيئته وإرثه الشخصي والأخلاقي والديني، علاقة الفرد بوطنه، علاقة الفرد بغربته/ منفاه، علاقة الفرد بماضيه ومستقبله وحاضره.. عندما انتهيت من صفحة ١٥٧ أغلقت الرواية، خائفاً أن ينفلت من رأسي روعة مشهد تفجر الأب في وجه ابنه سليم، كنتُ أحاول أن أمسك بهذا البون الحقيقي بين جيلين، بين أب رافض وكاره لماضٍ لم يصنعه أو يختاره، لكنه أسير وعبد لقَسَم متخلف وتافه ومجنون كوضع رصاصة في مؤخرة شخص آخر، ثأراً وانتقاماً، بمقابل الابن الّذي يصفه والده أنه أسير الحنين المَرضي الذي يقع فيه المغتربين حين يصورون لأنفسهم بأن كل شيء جميل في بلادهم التي غادروها، بما في ذلك الخرائب والمزابل.
انطلقت الرواية بالعديد من المواقف الكوميدية السوداء إلا أنني أشعر أن هذه الكوميديا بدأت بالخفوت رويداً رويداً، وتمنّيت لو أن الرملي حافظ عليها.. أن تحوّل قمة المأساة إلى كوميديا، أزعم أنها تحوي شيئاً من تغريبة، وبالتالي هذا التغريب هو ما يصفعنا طوال الوقت كي ننتبه..
الرملي تقصد ذكر تكريت بشكل خاص بينما استخدم دلالات لقرى العراق الأخرى، ما يعني أن له معها ثأر لن ينتهي وإن تم ركنه في زاوية قصية، حلق الرأس في ملهى القشامر هو الآخر تذكير قوي بأن الثأر لا يموت إن تمرد نوح وتغيره بدرجة مثير للاهتمام حقا، هل كان فعلا يتقن تقمص دوره بحيث يبر بقسمه أم كانت تنازعه الخواطر في التحلل من عقده العادات والتقاليد التي ظل قسما منها مغروساً فيه.. هنا أمر لم أستسغ تبرير الرملي فيه ألا هو تبرير فاطمة في قبولها صفعات نوح، لا أعتقد أن صورة الأب يمكن أن تقبل بهذه الطريقة.. لا أدري إن أسرف الرملي في صبغ علاقة الحب بين سليم وعشيقته عالية، بصبغة مثالية زائدة أم لا..؟ تلك العلاقة من الحب الّتي ما أن نسمع عنها إلا وأشرنا أنك لن تجدها إلا في القصص والأفلام، لكني أجدها مبررًا لخلق الصراع النفسي عند سليم في علاقاته القادمة...
------------------
*أوس شريف: كاتب من العراق

الثلاثاء، 7 أبريل 2020

معَ مُحسن الرملي وذئبته / أوس شريف


قراءة
جَوْلة معَ مُحسن الرملي و(ذئبة الحُب والكُتب) 
تصوير: عمر حمد (بابل)

أوس أحمد شريف
يستهل الرملي رِوايته بِقوله "أنا محسن مُطلك الرملي، مؤلف كل الكُتب التي تَحمل اسمي، باستثناء هذا، ولو لم أكن شقيقاً لحسن مُطلك لكتبتُ ضِعف ما نَشرته حتى الآن، أو لما كتبتُ أي منها أصلاً ولا حتى اهتممتُ بهذا الكتاب الذي وجدته صدفة حين كنتُ في الأردن.. فغيّر حياتي كلها وجئت إلى إسبانيا بحثاً عن المرأة التي كتبَته، إنها امرأة تبحث عن الحُب وأنا أبحثُ عنها"، كل من مر على حدائق الرملي وأصابعه وفتيتهُ سيدرك حتماً أن هذه الرواية تبدو وكأنها ليست له فعلاً، ولكن ماذا عن "هيام"، هل هي موجودة فعلاً أم إنها أيضا لم تكتب كل هذا..!!؟؟!!
الرواية كفكرة هي مغايرة جدًا عن العادة، قصة رجل عراقي يُدعى مُحسن مُهاجر من العراق إلى الأردن بين طلب الحياة لدفع الموت عن بنات أخيه حسن مطلك، الكاتب والشاعر المعروف الذي أُعتقل وعُذّب فأعدم لتوجهاته السياسية..
ليعلن مُحسن أن يكون صوت حسن بالكتابة وحُب الثقافة والبحث عن المعرفة، أن يرقى باسم حسن حتى مطالع النجوم فقد كان مُشرفا على نشر كل ما كتبه أخيه وهو الّذي قام بإنشاء الموقع والبريد له ليتواصل مع معجبيه ليدخل يومًا ما صدفة على بريد خاطئ مُشابه للبريد الذي أنشأه لأخيه حسن، وما كان الغلط إلا بكلمة المرور ليكتشف امرأة عراقيّة مُحبة لحسن تبحث عن الحُب وعاشقة للكتب والمعرفة، ومُحيطة بالثقافة علما..!
تكتب يومياتها وتبحث عن حُبها المجهول وتنثر لآلئ المعرفة كالولدان المخلدون، وبعد تفاعل منه وتعمق بقراءة رسائلها دون مراسلتها يقع في حُبها، مما يُحفّز مُحسن لهذا الحُب لاتخاذ قرار البحث عن صاحبة هذا البريد في مدريد مُستعين بالمعلومات التي تُدليها في يومياتها..
المُغاير في الموضوع هو أن الرواية تحتضن كل رسائلها وتسردها لك مع يوميات مُحسن في البحث والتقصي..
عراقيان يبحثان عن الحُب في ظل الحروب والحصار والاحتلال ونار الهجرة وقسوة الغربة أجمل ما كان يمنعني عن التوقف هو السرد الأدبي والمعرفي الذي أجده في رسائل تلك المرأة التي قال عنها بحر الدين قبيلة مجانين "هيام"، عشقها للكُتب جعلني أخلد في عالم ذاكرتها المملوءة بالمعرفة بجميل ما كانت تقتبسه من الفلاسفة والشعراء والكتّاب والمثقفين لأجل حبها، بعض مبادئها التي تُنبئ عن امرأة حالمة وقويّة وصبورة ومُغامرة بشكل جنوني، لا تخشى سرد أخطائها ولا تهرب من الفشل ولا تستسلم لليأس ولا تزداد قوة إلا أمام الحُب والكُتب حتى كان أجمل ما لُقبت به "ذئبة الحُب والكتب"، وإني لأجد هذا اللقب في محله وخير ما كُنيّت به، كنت أتقلب لذة بالمعلومات التي تسردها، أزداد حُبا للكتب وتعلقًا بها واستشعار نعمتها، يروق لي أحيانا مبدأها تجاه الرجال رغم أنها تكسر تلك المبادئ بتهورها أيضًا، كانت كما قيل: "واقعيّـة تطلب المستحيل"، تفتخر بكونها ذئبة وحشية الحلم بالحب والمعرفة كون الذئبة بعكس ذكر الذئب الذي يكون أقل شراسة كالنمور والأسود التي ذُلت إلى درجة رضاها بأن تكون ألعاب تسلية في السيرك..-هذا ما تعتقده على الأقل-، تمتلك أفكار مجنونة، يجتمع فيها انفلات العاطفة ويثبّت عقلها مسامير المعرفة، في الحقيقة أود لو أقتبس ما كان يروق لي من بعض مبادئها في الحياة والرجل والكُتب وأشياء أُخر ولكن سيكون هذا طويلًا جدًا..
وهنا يتمرّد الرملي على نفسه، ولا أقول بات أكثر نضجاً، فمثله لا يعوزه النضج، لكنه في "ذئبة الحُب والكُتب"، يستخدم تكنيك سردي مختلف تماماً عما أستند عليه في "الفتيت المبعثر"، و"تمر الأصابع"، بشَكل عام، قد يكون استخدام تقنية الرسائل في الروايات مبتذلاً (بمعنى متداولاً)، في الآونة الأخيرة، والفكرة تتقاطع بشكل أو بآخر مع فيلم توم هانكس وميغ رايان (لديك بريد)، الذي يعرض علاقة بائعة الكُتب البسيطة والمثقفة مع منافسها التجاري، وبعد أحداث متتالية يقعان في علاقة حب بسبب البريد الإلكتروني، لكن حداثة الاستخدام لهذه التقنية مربطها هو في الكيف، باعتبار أن الفن الحقيقي ليس فيما تقوله بل في كيفية قولك له..
 والكيفية الّتي استخدمها الرملي في روايته أزعم جديتها لأمرين: حس الرملي السردي واللغوي المتمايز إلى جانب حبكته المدروسة وقدرته على تحميل سيرته الذاتية هذا الكم من المتخيل السردي..
الرملي يسرد في منتصف الرواية (الفصل التاسع عشر)، سلسلة مختلفة للنهايات المتوقعة والمحتملة لروايته على لسان شخوصه، بل ويترك لمخيّلتك عنان التفكير في نهاياتك الخاصة وسؤال: "في حال سرد الرملي كل هذه النهايات، كيف إذاً سينهي الرواية..؟". ثمّ، يدّخر الدهشة للصفحة الأخيرة في سؤال آخر: من يكتب من..؟، هل هيام تكتب مُحسن أم مُحسن يكتب هيام..؟، من يبحث عن من..؟، من هيام..؟، ولماذا هيام..؟

معجمياً يحيلنا القاموس لمعنى (هيام)، على أنه الجنون من العشق، وفي موضع آخر يشير على أنه الرّمل الذي يكون ترابه دقاقاً يابساً لا تستطيع أن تُمسك به لدقّة ذراته، وما أشبه هذا التعريف بالوطن، وما أشبه هيام محسن الرملي بالعراق، أليس العراق هيام..؟، أليست هي العشق الضارب في الجنون..؟، أليست العراق هي الرّمل العصي على الإمساك..؟
قد يشطّ بي التأويل هذا، أو قد أكون ابتعدت عمّا ذهب إليه الرملي، لكنهُ لم يكن لي إلا أن أرى هيام كما أرى العراق، وفي ذلك أستند على محسن الرملي الذي عرفته في فتيته المبعثر وتمر أصابعه رجلاً مهووساً بالعراق، من جانب آخر، أليس في هيام "حزن العراق"، تلك التي توالى عليها الطغاة واغتصبتها المخابرات ومع ذلك تبحث عن أحوج ما تحتاجه: (الحب)، كما جاء على لسان هيام.. أليست هيام في دمها حرارة الصيف البغدادي، بهارات البصرة، ونار كركوك الأزلية..؟، أليست هيام والعراق لن يكون لها أن تعشق الشهيد حسن مطلك..؟، أن تذوب في نتاجه الأدبي، لأن هذا النتاج نابعٌ منها وإليها..؟، ألا تنتهي الرواية بمحسن الرملي وهو في طريقه إلى (هيام/ العراق)..؟؟
رواية رائعة متحررة من مفهوم الرواية التقليدي فهي لا تخضع لمدرسة أدبية معينة، لقد حاول الكاتب جاهدًا توظيف أكبر قدر من التقنيات السردية كالرسائل وتعدد الرواة، وتعدد الأزمنة والأمكنة، كما أنه لم يكتفي بذلك بل حاول استخدام عدة أجناس أدبية كالشعر والقصة والمسرح والمذكرات بحيث جعل من الرواية ثرية جدا من الجهتين المعرفية الثقافية والسردية اللغوية..
وأشير إلى أن الراوية مشت بإيقاع ثابت من الغلاف إلى الغلاف، هذا التناوب بين (أنا/ هي)، جعل من الراوية أشبه بنغمة واحدة تتكرر، في حين هناك مساحة مهولة من اللعب والتجريب على الهيكل المعماري للراوية، وثمة حرية كان بالإمكان أن يعزف عليها الرملي ألحان مختلفة وبلا قيود..
----------------------
*أوس شريف: كاتب من العراق.