الثلاثاء، 6 أبريل 2021

حوار مع محسن الرملي /مجلة 999/أبرار الأغا

 

محسن الرملي

أعمال الكاتب هي سجل حضوره الحقيقي

حاورته: أبرار الأغا

الروائي والشاعر والمترجم والأكاديمي العراقي محسن الرملي هو أحد الأسماء اللامعة في سماء الأدب العراقي، يتمتع بحرفية عالية في توظيف الأدوات الإبداعية في كتاباته، يتمكن من اختراق ذات القارئ بكل سهولة؛ فيسجل في النفوس كلمات يمكن استحضارها وتذكرها بعد وقت طويل من القراءة، وينقش في الذاكرة تاريخاً وأحداثاً لا تُنسى مع مرور الأيام.

وُلِد الرملي في قرية "سُديرة" العراقية عام 1967 ويقيم حالياً في إسبانيا، وله أكثر من ثلاثين إصداراً باللغتين العربية والإسبانية ولغات أخرى، منها روايات وقصص وأشعار وكتب في الأدب وكتب مُترجمة، ومن رواياته: "الفتيت المبعثر" و"تمر الأصابع" و"حدائق الرئيس" و"ذئبة الحب والكتب" وأخيراً رواية "بنت دجلة".. وكان لـ 999 الحوار التالي معه:

-       ماذا تعني لك "سديرة"؟

-       مهبط روحي، بيت أهلي ومقبرتهم، مهد أحلامي، جذور حزني، ركن الحب والوجع، ساقية دمع أمي وأخواتي، ساحة خطواتي الأولى، حقل أفضل علاقاتي ببقية الكائنات من حيوانات ونباتات وحشرات وطيور وعقارب، دفتر كلماتي الأولى، مصدر شخصياتي، مسرح الضحك الصافي والبكاء المُر، مدرستي الأولى في البساطة والطيبة والصبر، مسجد صلواتي الأولى، السماء الوحيدة التي رأيت فيها ملائكة وتحدثت معهم، التراب الذي لعبت فيه وأكلت منه ورسمتُ عليه وصنعت من طينه ألعابي.. ويُفترض أن أُدفن فيه وأتحول إلى جزء منه.

-       من المعروف أن شقيقك المرحوم حسن مطلك له دور بارز في حياتك الأسرية والأدبية والثقافية، فهلا حدثتنا عن هذه العلاقة؟

-       نعم، كان وما يزال بالنسبة لي الأخ والصديق والمعلم والقدوة والمثال والأب الروحي، علَّمني في حياته وفي موته، حياته الحُرّة وموته المأساوي، وإذا جاز القول بصناعة شخص لآخر، فأنا صنيعة حسن مطلك، والمرة الوحيدة التي فكرت فيها بالانتحار هي عندما قتلوه، ولكنني وفي اللحظة الأخيرة، قررت العكس، وهو أن أعيش حياة مضاعفة، لي وله، وأن أعمل على إبقاء ذِكره حيّاً ما حييت، لذا واصلت الاشتغال على ما تركه من مخطوطات ونشرها حتى اليوم.

-       من واقع تجربتك.. ماذا تضيف الدراسة الأكاديمية إلى الكاتب والروائي؟ وهل انعكس ذلك على كتاباتك؟

-       أي معرفة وأي تجربة أو تعلُّم إضافي سيضيف للكاتب، وبالنسبة لي فقد اخترت تخصصي الأكاديمي في اللغة والأدب بسبب شغفي بالقراءة والكتابة ومن أجلهما، وقد نفعني ذلك في تعميق معرفتي بهما أكثر، وفي البحث والتنقيب في الإرث الأدبي والوقوف على عناصر الناجح والخالد منه، إلى جانب إثراء اللغة والتي هي أداة الكاتب الوحيدة، وبالتأكيد قد انعكس كل ذلك على كتاباتي بحيث طغت عليها بالتدريج، التقنيات والبناء الكلاسيكي أكثر من الحداثوي والتجريبي الذي اتسمت به كتاباتي الأولى.

-       تناولت أطروحة الدكتواره خاصتك "تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته"، فما أبرز هذه التأثيرات؟

-       وجدتها أكثر مما توقعت وأكثر مما أشار إليه باحثين أسبان قبلي، وأبرز ما تناولته هي التأثيرات، الأدبية، التاريخية، الشخصية، الدينية واللغوية، وطرحت رؤية مختلفة عن السائدة حوله فيما يتعلق بنموذج الفروسية وشخصت كيف أن الكيخوته يلتزم ويتَمَثُل شروط الفروسية العربية أكثر من تمثله لشروط الفروسية الغربية، ومنها البلوغ ووجود معشوقة ونظم الشِعر أو حفظه، والأهم أنه يدافع عن الفقراء والمظلومين واليتامى والأرامل والمهمشين، فيما الغربية تأسست للدفاع عن الملوك وأصحاب السلطة والأغنياء.. كما قمت بتحليل وتأويل مغاير لما هو سائد حول رؤية ثربانتس للإسلام والمسلمين ولنبيهم، الذي ترد الإشارة إليه ست مرات في الرواية.

-       أنتَ تتقن العربية والإسبانية فهل هناك خيط بين اللغة العربية واللغة القشتالية التي تطورت إلى الإسبانية المعاصرة؟

-       ليس خيطاً واحداً ولا بضعة خيوط.. وإنما شبكة واسعة وعميقة، وأحياناً معقدة، تربط بين هاتين اللغتين العظيمتين والجميلتين، وهي بالطبع تتعلق بتأثير العربية على الإسبانية وليس العكس، فعدا وجود آلاف الكلمات الإسبانية من أصل عربي، هناك تأثير واضح في تركيبة الجملة والعبارات نفسها وفي توظيفات الصفات والضمائر وأدوات التعريف والاشتقاقات والقواعد واللفظ والإيقاع وضبط مخارج الحروف والأصوات وغيرها، وبالطبع انسحب هذا التأثير على الآداب المؤسسِّة في هذه اللغة شِعراً ونثراً، وبالتالي امتد ليؤثر على أنساق الذهنية والثقافة الإسبانية بشكل عام.

-       نعتتك صحيفة "الغارديان" البريطانية بأنك نجم من نجوم الأدب العربي المعاصر.. فما وَقْع ذلك في نفسك؟

-       لا أميل كثيراً إلى تصنيف (النجومية) فيما يتعلق بالأدب، على غرار ما هو في الرياضة والغناء وغيرها، فالأديب أصلاً، يقضي في العزلة من الوقت أكثر مما يقضيه مع الناس أو تحت الأضواء، وبالطبع إشارات كهذه تسعده، لأنها تنبه إلى أعماله وتحث على الاطلاع عليها، فالحضور الحقيقي والأهم لأي كاتب هو حضور أعماله أكثر من شخصه.

-       لديك مؤلفات عدة مترجمة إلى أكثر من عشرة لغات.. فماذا تضيف الترجمة إلى الروائي؟

-       إنها تطمئنه على أن في رواياته، هناك ما هو إنساني وجمالي يهم الآخرين في أماكن وثقافات أخرى غير مكانه وثقافته الأولى أو الخاصة، فنجاح عمل مُترجم سيعني أنه ينطوي على قيمة وجمالية معينة.. حتى بعد تعريته من زينة وثوب لغته الأولى وإلباسه ثوب لغة أخرى. عدا أن الروائي سيعرف أكثر؛ مواطن القوة والضعف في اشتغاله، كلما تلقى المزيد من الآراء النقدية ورسائل وتعليقات القراء من جهات وثقافات مختلفة.

-       زودتَ المكتبة العربية والإسبانية بإرثٍ يزيد عن الثلاثين إصداراً.. فما وصيتك للقراء؟

-       وصيتي لهم أن يستمروا بالقراءة، وللذين لم يقرأوا أن يجربوا القراءة ولن يندموا، لأن القراءة هي مفتاح المعرفة، والمعرفة هي مفتاح كل شيء.

-       هل تعتقد أن الرواية العراقية وصلت إلى قمة هرم الرواية العربية؟

-       لا توجد قمة ولا هرم في الرواية ولا في الفنون عموماً، ذلك أن الفنون هي التي تفتح آفاقاً جديدة دائماً، وتواصل البناء التراكمي على ما سبقها. أما عن الرواية العراقية فأعتقد بأنها قد حققت اليوم حضوراً غير مسبوق عربياً وعالمياً، فصرنا نجد لها الكثير من القراء والمتابعين في كل البلدان العربية، ونجدها في المكتبات جنباً إلى جنب مع روايات البلدان الأخرى التي عُرفت بقوتها الروائية في العقود السابقة، كما يتم تناولها من قبل النقاد العرب وإقامة الندوات والأمسيات عنها وكتابة البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه في جامعات مختلف البلدان العربية، وعالمياً، فلأول مرة، لدينا أعمال تمت ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة ونالت ترجماتها على جوائز معروفة.

-       بما أنك ملامس للثقافة الغربية، كيف يرى الغرب الثقافة الأدبية العربية المعاصرة؟

-       إنه جاهل بها إلى حد كبير، وما نعرفه نحن عن آدابه وما نترجمه منها أضعاف ما يعرفه هو أو ما يترجمه من الأدب العربي. ومن خلال الحديث الصريح مع العديد من الأصدقاء منهم، يعترفون بهيمنة مركزية الثقافة الغربية على أذهانهم، بحيث تجعلهم يرون في آدابهم أنها هي الصوت وغيرها الصدى.. إلا أن الأمر الآن، في بداية تحولاته نحو النظر الجاد والموضوعي والمحترم تجاه ما ينتجه غيرهم في الثقافات الأخرى، ومنها العربية، وخاصة في ظل عالمنا المعاصر الذي زاد فيها الانفتاح والتواصل والتقلبات الراديكالية المؤثرة على الجميع.

-       تعد رواية "الفتيت المبعثر" باكورة إنتاجك الروائي، فهل تعتقد أنها هي من صنعت اسم محسن الرملي؟ وما المكانة التي تحملها هذه الرواية في قلبك؟

-       نعم، كانت البداية بالتعريف بي على نطاق أوسع، كما أن لها الفضل في مساعدتي على التفرغ لكتابة أطروحة الدكتوراه، فقد أتاح لي مبلغ جائزة ترجمتها الإنكليزية، فرصة ترك العمل الاضطراري لتأمين العيش، كعامل في أسواق بيع الجميلة في مدريد، وهكذا فمكانتها كبيرة في قلبي وذاكرتي، عدا أنها رواية قصيرة ومكثفة وطازجة فنياً في تجربتي الروائية، استطعت من خلالها قول الكثير، وحين أعدت قرأتها بهدف التغيير فيها من أجل طبعة جديدة، أعجبتني حقاً ولم أجد فيها ما أُغيره، بل أحياناً، أتمنى لو أنني أستطيع الآن أن أكتب مثلها من حيث القِصر والكثافة والحس الأنقى والأكثر براءة.

-       تندرج رواية "بنت دجلة" تحت التراجيكوميديا.. فما الرسالة التي أراد محسن الرملي إيصالها للقارئ؟ وهل هي جزء الثاني لرواية "حدائق الرئيس" أم أنهما روايتان مستقلتان؟

-       هي رواية متصلة منفصلة، يعني؛ يمكن قراءتها كجزء ثاني مكمل لحدائق الرئيس، ويمكن قراءتها كرواية مستقلة. حاولت فيها أن أصور الفوضى القاتلة التي عصفت بالعراق كدولة وكشعب وكأفراد في ظل الاحتلال والتي ما زلنا نعاني تباعتها. هي أصعب رواية كتبتها حتى الآن، ولكنها الأكثر احترافية وحبكة.

-       في هذه الفترة الزمنية ماذا يكتب قلم محسن الرملي؟

-       أشتغل على بقية إرث أخي حسن مطلك ودفاتره وأوراقه، من أجل إعادة نشر ما نُشر منها، وما لم يتم نشره من قبل، من قصص قصيرة وكتابات أولى ويوميات وحوارات وغيرها، ومازال يدهشني، كيف استطاع أن ينجز كل هذا الجمال في أقل من عشر سنوات وقبل أن يبلغ الثلاثين منه عمره!

------------------------

*نشر في مجلة (999) الإماراتية، العدد 604، السنة 50، ابريل 2021

https://www.moi.gov.ae/DataFolder/2021magazine999/arapr2021.pdf

عن رواية: ذئبة الحب والكتب/نور مهدي

 

ذئبة الحُب والكتب.. مصداقيته انتقاد الشريحة المثقَّفة

نور محمد مهدي

لا يوجد شجن وألم كالذي موجود في الروايات العراقية، ولا أعتقد كوني عراقية هو ما يجعلها كذلك.
لم يكن هذا الكتاب هو سيرة ذاتية للكاتب، لكنه وظف سيرته وذكرياته والتاريخ ونصوصه ونصوص غيره وتقنيات سرد كثيرة من أجل عمله. وهذه أحد الأساليب قليلة الاستخدام في الروايات، لكن الرملي استخدمها بطريقة رائعة وصحيحة.

تُقسم الرواية بين حياة محسن الرملي بصيغة ال (أنا) وهيام بصيغة (هي) إلى أن تنتهي بصيغة (أنا هي)... كتبت هيام بكل أريحية وتَحرر، فكانت رسائلها تذكر حرفياً دون مبالغة أو كذب أو نقص في حياتها فأضاف للرواية قصتين مع بعض؛ قصة الكاتب وقصة هيام، وأحداث حياتها التي كانت تأتي برسائل... رسائل هيام كانت تنتهي عند الكاتب وتبدأ عندي بإضافة نص، وأنا أعشق النصوص التي تحفزني لكتابة نص.

شخصية هيام جعلها متناسقة جداً مع أخيه حسن المطلك، إعجابها به وتأثرها بأدبه، لن تشعر بأن محسن الرملي توسط لأخيه أو أنها مبنية على أسس عاطفية، بل كان حُب (دابادا) يتجسد في هيام ومشاعرها.. حتى تنسى إن هيام من وحي محسن، لكن لم تكن هيام شخصية نسائية متناسقة، رسائل هيام أو مذكراتها، كانت تحمل تفاصيلاً تخص مشاعر وأحاسيس يصعب على الرجل استيعابها، مليئة بالهموم والأخطاء، فلا يمكن أن تحنو وتتعاطف مع هيام، ولا تستطيع لومها، ولم تكن تمثل جميع النساء مطلقاً.

أضافت لي هذه الرواية صفات جديدة للكاتب محسن الرملي، غير التي نعرفها، مصداقيته في انتقاد الشريحة المثقفة وتناوله للجانب العاطفي من حياة المرأة.. الذي يكاد أن يكون مسحوقاً.

كلما ذكر حسن مطلك، كلما استشعرتُ الألم الذي في داخل الكاتب لأخيه، وفي دواخلي أحسست بأن هذه الرواية كُتبت لتخليد ذكرى أخيه ولتعريف الجيل الجديد بأعماله... لا يمكن أن يقدم أحد شيئاً أكثر من تخليد ذكرى شخصه العزيز... كنت متحمسة لأنطلق بأعمال حسن مطلك فور اِنهائها. 

https://www.instagram.com/p/CNI0QoXJWZ_/

الخميس، 1 أبريل 2021

بنت دجلة.. حين تقرر أكل العراق /محمود إسماعيل بدر

«بنت دجلة».. حين تقرر «قسمة» أكل العراق! 

محمود إسماعيل بدر

(أبوظبي)

كتبت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن رواية «بنت دجلة» للكاتب والمترجم والمسرحي العراقي محسن الرّملي الذي يكتب باللغتين العربية والإسبانية: «إنها رواية ترصد تحوّلات التّاريخ، مخلّفات الديكتاتورية والغزو والاحتلال الأجنبي، تذكّر بأجواء القرية الصغيرة الغرائبية في «مائة عام من العزلة»، إنها صادمة وساحرة»، أما الرّملي فيقول عن روايته: «هي نوع من علاقات بعض الضحايا مع بعض آخر. نماذج من تحولات أناس عاديين في زمن الفوضى والظلم. حاولت أن أجعل القارئ يضحك أكثر مما يبكي، ليس لأن ما يحدث مثير للضحك، وإنما لأن المأساة حين تصل إلى ذروتها أحياناً، لا نجد أمامها سوى مرارة الضحك، وهذا ما فعله المسرحي والروائي الإسباني ثيربانتس، مثلاً، في عمله الخالد وأم الروايات «دون كيخوته».

الرواية التي تقع في 300 صفحة موزعة على 29 حركة سردية، يتصدّر كلا منها عنوان، تبدأ برحلة «قسمة» وطفلها، في طريقهما إلى بغداد، بحثاً عن جثّة والد الأولى إبراهيم، الذي أعدم في الأول من رمضان عام 2006، ونعتقد أن هذه الجملة التي وردت في الرواية:«بعد أن تقيأت قسمة في منتصف الطريق الذاهب إلى بغداد، وأحسّت بالجوع، قررت أن تأكل العراق»، هي عصارة الرواية وحبكتها الرئيسة، فعندما ترى الخراب الشامل الذي أصاب بغداد، جرّاء الغزو والاحتلال والدّم النازف على الطرقات، فإنها تتقيأ، لا بسبب الجوع الفيزيولوجي، وإنما لجوعها النّفسي الذي صبرت عليه لسنوات خلت، وما عانته من قهر وظلم جرّاء الفساد السياسي، وهيمنة بعض الأقطاب، والولاءات الزائفة التي ضلّت بوصلة طريقها، عبر النعرات والنزعات الطائفية، بوصوليتها وانتهازيتها على كل مفاصل الدولة، وهذا هو ديدنهم كرجال كل وقت، وكل سلطة، وما يتعرّض له هذا البلد بحضارته العريقة من نهب وسلب وتدمير وتشوهات الخريطة - قررت ألا تمتثل إلى الواقع فحسب، بل وتأكل العراق» وتسعى للنّهش من هذا الواقع ما تستطيع، من دون الالتفات إلى الذين أقلّ قدرة على التّمسك بحصتهما، فليس الأمر ذنبها، هي من حقّها أن تسعى لإنقاذ ابنها ونفسها. ونفهم من ذلك في ظل المقاربة بين رفض الراهن المرير وما ينضوي تحته من تحالفات مشكوك في أمرها، والتخلّي عن القيم والمبادئ من أنها في رحلة بحث مضنية أجل الحفاظ على ولدها (رمز المستقبل) في ظل صراعات ممتدة لا تنتهي برسم من أصابع خفية تذهب بمصير الوطن إلى المجهول، ولهذا بنى الكاتب على مستوى تقنية الصورة الفنية خطوطاً متوازية ما بين حالات الشخصيات وحالة العراق، في بانوراما سردية ذات أبعاد ومستويات متعددة من التعابير واللغة الشاعرية المحكمة
تتمتع فضاءات وصياغات الرواية بقدر عال من الإثارة والتّرقّب والتشويق والحرفية، ولعلها الرقم الصعب في المنجز الروائي للرملي، كونها تتناول مرحلة خطيرة ومعقدة من تاريخ العراق القريب، أي ما بعد 2003، الفترة الأكثر حزناً ومرارة في حياة أهل العراق، وتشعب العوامل التي ساهمت في ضعضعته كدولة، وفي العصف بكل كيان البلد أرضاً وشعباً وثقافة وإرثاً تاريخياً وحضارياً، ولأنها أيضاً بُنيت على عناصر وشخصيات رواية سابقة لها، وهي رواية «حدائق الرئيس»، في نهاية تراجيدية مركبة، ويستمد الرملي من تجربته الكتابية في المسرح والسينما، مهارة بصرية خاصة في رسم شخوص راويته، وخاصة بطلته «قسمة» اللاهثة ككل الأقطاب لاقتناص ما تستطيعه من الكعكة العراقية، في صور فنية ثلاثية الأبعاد؛ الحياة والموت والأحلام التائهة. ويعد المشهد الختامي، الذي صيغ بشكل جنائزي لاختطاف «قسمة» ومن ثم ذبحها، في لعبة تصفية الحسابات، من أجمل مفاصل الرواية، في مشهدية مؤثرة وروح البطلة تحلق فوق النهر الخالد، وما يحيط به من أشجار وبساتين ومساحات خضراء شاسعة ممتدة، وهذا ما يتبقى للعراق في نهاية رحلة تجفيف الدموع.

-----------------------------

https://www.alittihad.ae/news/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/4175668/-%D8%A8%D9%86%D8%AA-%D8%AF%D8%AC%D9%84%D8%A9----%D8%AD%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%B1--%D9%82%D8%B3%D9%85%D8%A9--%D8%A3%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

https://www.alittihad.ae/newspaper/2021/3/29