الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

عن روايات محسن الرملي/ علي الموسوي


 قراءة
رواية (حدائق الرئيس).. عظيمة وكئيبة 

علي الموسوي
في البداية تعرفت على محسن الرملي من خلال صديق قارئ من الموصل اسمه "عمار حمد" كان قد قرأ كتابي (موهبة القراءة) وربط بينه وبين رواية (ذئبة الحب والكتب)، ولكن الموضوع اختلف بعد أن قطعت وعداً له بأن أقرأ لمحسن الرملي، ولكني صُدمت جداً، حيث كنت في حالة نفسية مزرية وهذه الرواية بشعة جداً، تتحدث عن ألم العراق البشع الفظيع، فلم أتحمل أكثر من ذلك وأوقفت القراءة، لقد عشت في كل شيء فيها.. إلا انها صادمة جدًا، كنت قد التفت إليها سابقًا بعد ان رأيت صورة لأوباما مع جو بايدن وهو يقول لاوباما ماذا ستفعل فيرد عليه بانه سيقرأ رواية (حدائق الرئيس). إلا أنني أنصح من يشعرون بسعادة مفرطة، أن يقرأوا هذه الرواية عن (أبناء شق الأرض) الثلاثة، فهي كفيلة بتحويله إلى رمز للعدمية والإلحاد والنفور من السعادة إلى الأبد.
أبناء شق الأرض:
"في بلد لا موز فيه، استيقظت القرية على تسعة صناديق موز، في كل واحد منها رأس مقطوع لأحد أبنائها، ومع كل رأس بطاقته الشخصية التي تدل عليه، لأن بعض الوجوه تشوهت تمامًا بفعل تعذيب سابق لقطعها أو بسبب تمثيل بها بعد الذبح. فلم تعد ملامحها التي عُرفت بها، على مدى أعوام حياتها المنتهية، كافية للدلالة عليها." ص٧
"يكاد احتباس الكلام في صدره يبكيه، وهي تفهم كل ذلك، تقرأه وتسمعه وتحبه أكثر وأكثر. فقالت له دون أن تسمع منه شيئاً:
- وأنا أيضًا.
فتمتم باكيًا، وهو يتأكد من بعدهما وانشغال الآخرين:
- وأنا .. جدًا، جدًا .. ولكن..
- نتزوج.
فشهق:- أوه نعم، نعم أتمنى ذلك، ولكن لنؤجل الأمر سنة، حيث ستنتهي خدمتي العسكرية.. عندها لن أضطر لمفارقتكِ أبدًا.
هكذا صارحا بعضهما بالحب وهكذا قررا في أول حوار لهما.
بعدها صار لحياته معنى، وهو لا يكف عن الحلم والتفكير بسميحة ولو للحظة واحدة. لم يخبرا أحدًا بحبهما وأخذا يتواعدان سرًا كي يشم عطرها، يروي عينيه بالنظر في عينيها ويحتضن خصرها البالغ النحافة. كان يخشى أن تنكسر بيه ذراعيه وهو يشدها إليه بقوة كأنه يريد إدخالها في صدره. وفجأة قرر العودة إلى بيته، فلم تعد وحدته عزلة فعلية ما دام لا يكف عن التفكير بها، بل أنه صار يلوذ بالمزيد من هذه العزلة اللذيذة ليفكر بها أكثر ويستطعم التفاصيل من ذكرياته القليلة معها." ص٤٠-٤١
تركتها بعد أن شعرت بكآبة مفرطة من هول ما في الرواية من سفك دماء، ولكنني كنت أعود إليها بعد كل مرة أقرر تركها فيها، أبناء شق الأرض ابراهيم وطارق وعبدالله كافكا الذي أعجبني جدًا، فهو الوحيد الذي فهم اللعبة من البداية، أما أبو قسمة أو نسمة، فلم يكن مخيراً بشيء أبداً، وطُحِن بالحياة طحنا، أما ثالثهما فهو ذلك الذي  يريد أن يربح في كل الظروف، ولا يهمه أي موضوع سوى أن يكون هو مرتاح. عادت قسمة وهي تحمل طفلها معها، زينب، جدة عبدالله، تركته ورحلت بعد أن أوضحت له كل شيء... الرواية ممتازة ولكنها كئيبة جدًا.
أحببتها رغم كل ما سببت لي من ألم، لم يبقَ على نهايتها سوى خمسين صفحة تقريباً وسأضع لكم الاقتباسات المهمة أيضاً، ورأيي في رواية "أبناء شق الأرض".. ماذا فعلت بنا يا أيها الرملي بهذه الرواية العجيبة الحقيقية جداً!
"تتحسس رأس طفلها النائم في حجرها فتقرع طبول الأسئلة في رأسها: تُرى من أية نطفة هو؟ ترى مثل من سيكون؟ مثل أبيه، زوجها؟ مثل الرئيس المخلوع؟ مثلها هي؟ مثل أبيها؟ أم مثل هذا الطارق الذي سيترعرع هذا الصغير في كنفه؟" ٣٢٤ص...
اليوم هو اليوم ٢٥/٩/٢٠١٩ حيث أكملت هذه الرواية العظيمة التي تعبر عن عبقرية الكاتب؛ حيث أن هذا المقطع الأخير، يوضح ما سيكون عليه العراق الجديد، فهناك أمور منها الشخصية النافذة التي تحمل اسم جلال الدين الذي عاد ليحكم بعد سقوط الطاغية وهو كان مغتصباً لأم عبدالله كافكا، والآن هو سيد الموقف. لم يحتمل كافكا الوضع ولم يحتمله إبراهيم إلا أن صادق الذي يمثل الشخصية الانتهازية التي تلعب على الحبلين هو المنتصر دائما، فنجده تارة يحطم حلم كافكا بالزواج من أخته لعلة في نفسه، ومن ثم يريد أن يزوجها له بعد أن تصبح عالة عليه، وبعد موت إبراهيم وزوج قسمة، يريد أن يتزوج قسمة.. يبقى بالعلاقات والقوة نفسها في كل الأزمنة. إن شخصية طارق موجودة بكثرة في مجتمعنا وعايشنا الكثير منها، أما كافكا فهو أيضا موجود وإبراهيم وقسمة أيضاً، التي حاولت أن تتخلص من الريف بتغيير اسمها الى نسمة والزواج من ضابط يحلم بأن يكون مثل الرئيس... في نهاية الأمر، ان هذه الرواية تمثل وضع العراق منذ عشرات السنين، وإلى الآن نعيش في هذه المأساة، لخص لنا الرملي في هذه الرواية الكئيبة جداً وضع العراق بطريقة فلسفية عميقة تحتاج إلى تشريح وفهم عميق أيضاً. ان فلسفته واضحة وكذلك الرموز ولكن لابد للقارئ أن يكون مدركاً لما يقرأ ويحلل بشكل دقيق ويربط بين الأحداث... ان هذه الرواية عظيمة جداً وكئيبة أيضاً.. أشعر بأنني تحررت من كابوس كبير حين أنهيتها.. ولكنني أحببتها جداً.
-------------------
الفَتيت المُبعثَر
اليوم هو اليوم ٢٧/٩/٢٠١٩ كنت قد اشتريت هذه الرواية بالأمس وبعد شجار مع حبيبتي حطمت هاتفي الذكي وانفصلت عن العالم كله وعشت في العصر الحجري، أنا والكتب، فبقيت اقرأ حتى نمت وحين استيقظت، أعددت الفطور ومن ثم أكملت هذه الرواية.. إنها رواية غربة أكثر مما هي رواية وطن، مشاعر الغريب واضحة جداً، إلا أنني أسمع خطبة لأحد الشيوخ الآن، وأنا اكتب هذه الحروف وهو يقول وصوته يتصبب على أذني عبر النافذة؛ إن من يموت من أجل الوطن لا يموت وإنما حي يرزق عند ربه، وهل السكير إذا مات لن يكون حي يرزق!، نحتاج ان يوضح لنا الرملي اكثر فلم افهم اماذا يقصد هذا الشيخ، وبما اني اقرأ روايته فيتوجب عليه أن يجيب، الحاج عجيل وأولاده، وذلك محمود الذي يترك الوطن ويصبح غريباً هو كل ما في الحكاية، سعدي اللوطي الذي يكون من محبين القائد ويقود الناس، قاسم الفنان الذي تعذب لأنه كان يعرف ما هي حقيقة القائد الدكتاتور، وردة التي بقيت تبحث عن رجل يستحق الاحترام حتى وجدته اخيراً بشخص كاذب، كل شيء يشير إلى العذاب، القبور، التفتت، الهجرة، هي رواية لا تبوح بما فيها إلا بعد المنتصف، حين يُقتل قاسم/جاسم.. سيكون كل شيء واضحاً، كل العيون ستحدق في اتجاه واحد إلى قبر عبد الواحد، سيدرك الأب بعد فترة، بأن قاسم هو نفسه عبدالواحد، الا ان القائد يبقى هو القائد، حروب وحروب ويبقى هو القائد.
"تقول عنه عمتي:"هذا المخلوق بلا ملح"، وتقول وردة: "دائماً، عندما أحسب إخوتي أنساه" و"حين أغسل الثياب يدهشني وجود جورب زائد، فأتوقف إلى أن أتذكره" و"حين أجلب الملاعق لمائدة الطعام تنقص واحدة"، فينهض بصمت وبلا انزعاج، يتجه الى المطبخ ليجلب ملعقة، دون ان يشعر أحد بذلك، وقد يبقى ليأكل هناك، وأحياناً يستل ملعقة من جيبه...". ص٣٧
أعتقد بأن هذه الرواية هي رواية محمود وحسب.. هذا المُغيّب، المنسي الذي لا يملك شيئاً ابداً، وقد يحمّله الرملي عبء كل شيء عن قصد أو بدونه... أيضا، تصلح هذه الرواية لكي تكون مقدمة لرواية (حدائق الرئيس) التي أجدها أكثر روعة من (الفتيت المبعثر) ولا تعبر عن عظمة أسلوب الرملي السردي، هذا الذي يتنقل بعدة كاميرات ليخرج لنا نصاً مميزاً... بالنسبة لي أفضل الروايات الطويلة للرملي، فهو من الكتاب الذين يحتاجون مساحات طويلة للتعبير عن أفكارهم، ولا ينفع أسلوب تكثيف الأفكار معهم، فمثلا حين نقرأ لستيفان زفايغ نجده يدوره بحلقه صغيره ومنولوج داخلي ليس إلا، علماً بأني أحب زفايج بشكل كبير، لكنني أجد أن تنوع السارد وكذلك تنقل كاميرا الكاتب مهمة جداً.. لذلك فالرملي، يستمتع بتعدد كاميراته، إنه مُخرج يحب التفاصيل.. تماماً كما أحب قاسم بياض حسيبه... الرملي يبدع أكثر في المساحات الكبيرة، وهكذا أحببت (حدائق الرئيس) أكثر.
------------------------------
*علي الموسوي: كاتب عراقي، من أعماله: موهبة القراءة و سارتر البغدادي.
علي الموسوي

ليست هناك تعليقات: