حدائق
الرئيس.. رواية لا تَصلح للصغار وضعاف القلوب
عبد الله
العوفي
انتهيت من هذه الرواية، التي كتبها الروائي محسن الرملي بأسلوب سردي معقد متشابك.. أحداثها مثل كومة من الصوف، لها خيوط متشابكة يصعب تفكيكها، رواية ذات لغة شاعرية تختزن العاطفة والقسوة الحب، والكره الفرح، والحزن البكاء، والبهجة الحلال والحرام، والقمع والتسامح.. وكثير من المعاني المتناقضة...
أشعلت هذه الرواية ذكريات الطفولة بداخلي، من خلال صداقة (أبناء شق الأرض)، واختلطت تعبيراتي حول أحداثها، فمرات كنت أبكي (شلعت أحداثها قلبي)، كما يُقولون أحبتنا في العراق. ومرات أضحك، ومرات كنت أغضب.. وهكذا حتى نهايتها. إنها رواية تشُم بصفحاتها روائح البارود والشاي المهيّل والعطور، تسمع بكاء الأطفال الرُضع وصريخ النسوة الموشكات على الولادة، وترى من خلالها الظلم والطغيان. وتُشعِرك بالغربة أخيراً.. هي رواية بديعة جدا وتستحق 10/10.
حنقت
كثيراً على الشخصيتان الأكثر قسوة في الرواية (المختار وظافر)، اللذان أخذتهما
قسوة الحياة لفعل ما لا يفعله آدمي، سوى في أيام الجاهلية، وهو أن يقتلا امرأة
بنصف عقل مثل زكية الطيبة، في ليلة قمرية، ولم يدعوا لها فرصة لتشاهد القمر المنير،
الذي أحبته لفترة طويلة وكانت تتأمله.
رحلَت
روحي مع ساق (إبراهيم قِسمة) أو (إبراهيم سهيل) التي فقدها أثناء الحرب إلى وجهة مفقودة..
وجهة اللا معنى، حيث نتشارك أنا وهو، بطول الصمت والتأمل كثيراً في معنى الحياة
ووهمنا الذي نتجرعه مع طول بقاءنا داخل إطار صفحاتها.
هزني
حينما تخيلت منظر إسماعيل الأبله، شقيق زكية، الذي جفل وصرخ حين رأى صناديق الموز
التسعة، تحوي بداخلها تسعة رؤوس بلا هويات وبلا أجساد في بلد لا يُزرع فيه الموز.
رحل قلبي
مع جلال الذي طُرد من القرية كطردة الراعي للكلاب، دون أن يبقى له أثر، والذي
سيخلف وراءه، بفعلته البائسة، ابن حرام وأم مقتولة بعد فترة قصيرة من شهور حملها
الأولى، ومربية له مثل زينب، التي ستشقى وتحمل في صدرها سراً دفيناً، حتى يعود عبد
الله كافكا من الأسرِ وتخبره به.
أعجبتني
شخصية طارق الشيخ، الذي يعيش مفكراً عميقاً لكل ما يحدث حوله، الحكيم الذي تنعكس
حكمته وهدوءه على اتخاذ قرارته بشأن أبناء القرية وسكانها.
أحببتُ
شخصية (قِسمة) ابنة (إبراهيم سهيل) في طفولتها، وكرهتها بعد بلوغها فقط، وعدتُ
أحببتها بعد أن صارت أرملة، وقد قُتل زوجها الضابط، الذي أنجبَت ابنا ليس من صلبه،
وأسمته إبراهيم تخليدا لأبيها المُحب إبراهيم.. الذي رأت رأسه داخل صندوق موز.
أدهشتني
الشخصيات الجانبية في وصفها، مثل سميحة؛ عشيقة إبراهيم، والرئيس المخلوع وجدعان
البدوي وسعد العسكري الذي كان برفقة إبراهيم في بغداد، والموسيقي نبيل.
عشتُ مع
هذه الرواية أسبوعاً صعباً جداً، تألمتُ منها، قررتُ أن أتوقف عن قراءتها ولم
أستطع، أردتُ أن أقول عنها إنها رواية (خراء)، كما كان يصف أحد أبطالها عبد الله
كافكا الوضع السياسي في العراق دائماً، ولم أستطع فعل ذلك حتماً، لأنني بشكل أو
بآخر، تعاطفت مع عبد الله كافكا (ابن شق الأرض)، الشخصية التي
حملَت اسمي، وكانت هي بسيطة، قروية، حزينة ومتجهمة
طوال الوقت.. مثل فرانس كافكا.
تحذير: الرواية لا تَصلح
قراءتها لصغار السن وضعاف القلوب ومرهفي الحس، الذين يبكون لأي شيء!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبدالله العوفي: كاتب سعودي، من أعماله: ذاكرة معطوبة.
https://twitter.com/alofi220/status/1595160608315305984
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق