الخميس، 14 يوليو 2022

عن الفتيت المبعثر / د. ضرغام عدنان

 الفتيت المبعثر.. عراق سردي من الرحم إلى الجحيم

د. ضرغام عدنان

رواية الفتيت المبعثر أضاءت جوانب كثيرة من حياة العراقيين على المستوى الفردي والجماعي وتداخلهما بالسياسي/ الدكتاتوري، والثقافي/ العرفي.

تمكن الرملي عبر لغة يتضافر فيها الإيحاء الرمزي مع صريح التعبير، من تجسيد مجموعة حيوات متعددة الاتجاهات، بمصير مأساوي تتعدد أشكاله هو الآخر، ولكن نتيجته واحدة هي التَفتت والبَعثرة

قراءتها وخز للذاكرة وثقب للضمير وعطب للروح، ولكن لا غنى عنها.

ربما رغبت بتناسي أحداثها ومشاهد يومياتها، لأنها تضغط على المناطق الرخوة في الوجدان الإنساني، ولكن مشهدين لن تغادرها الذاكرة إطلاقاً، هما:

*السير بقاسم نحو ساحة القرية لإعدامه أمام الناس.

لا أدري كيف برع الرملي في تجسيد مشاعر القلق والخوف والحزن والاستسلام والترقب، ليس على الوجوه فقط، بل في دقة تصوير مشهد تطاير الغبار وصوت خطى الأقدام على الحصى.. يخيّل إليك أنك تشاهد موكباً أسطورياً لأحد آلهة الإغريق، ولكنه ليس سوى إعدام عبثي.

*الثاني؛ حالة الانخذال وضياع الروح في واد سحيق، تلك التي تمكنت من الحاج عجيل، فبعد عمر طويل من تبني خطاب الدولة والدفاع عنها، شهد الأب كيف تفتت عائلته بسبب وحشية النظام البعثي.

لا أدري كيف تمكن الرملي من تجسيد مشاعر أم وأب يسمعان صوت رصاص إعدام ابنهما!!!

الفتيت المبعثر عراق سردي من الرحم إلى الجحيم... وإذا كان محسن الرملي صاغ روايتيّ (بنت دجلة) و(حدائق الرئيس) على وفق نموذج الثنائيات السردية، فإن الفتيت المبعثر ستكون نقلة نوعية في عملية التلقي السردي، حين نضيف إليها قراءة رواية (تمر الأصابع) فالفتيت؛ جسدت سرديا الإنسان أو العراق في حقبة تاريخية سادها العماء والظلام... أما التمر؛ فجسدت حياة العراقيين وهم ينتقلون من حكم الضباع المسعورة إلى حكم القوارض العفنة.

والغريب إننا نتعقب أخبار محسن الرملي، ونترصد جديده، فشغف القراءة عندنا يوازي شغف الكتابة عنده، إلى أن نملّ سوية من صنعة تضميد الجراح ونتركها تنزف.. فلن يحدث أسوأ مما حدث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د.ضرغام عدنان: ناقد وأكاديمي عراقي. 

https://www.facebook.com/profile.php?id=100037478993919

ليست هناك تعليقات: