الاثنين، 25 أبريل 2016

الأدب الإسباني في عصره الذهبي.. تحولات فكرية إنسانية / أوراق

الأدب الإسباني في عصره الذهبي
تحولات فكرية إنسانية تشكل هوية لثقافة مميزة

                                                                              بغداد/ أوراق
  شهدت اسبانيا خلال القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر ازدهار الفنون التشكيلية والموسيقية وبزوغ حركات أدبية فكرية إنسانية شكلت هوية تلك  المرحلة التي سميت بالعصر الذهبي بفضل بروز أدباء ومفكرين متميزين. دراسة مفصلة ترجمها واعدها الباحث والروائي محسن الرملي في كتاب بعنوان (الأدب الاسباني في عصره الذهبي) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر متضمناً مقدمة وثلاثة نماذج مسرحية قصيرة لأهم كاتب انجبته الثقافة الاسبانية في كل عصورها والذي صارت تسمى اللغة باسمه كما تسمى الانجليزية لغة شكسبير والايطالية لغة دانتي والألمانية لغة غوته ألا وهو ميغيل دي ثربانتس مؤلف رائعته الخالدة (دون كيخوته)، مبيناً تصنيف الزمن إلى عصرين،النهضة والباروكي، وما تلاهما من تيارات أدبية لا تخلو منها رفوف المكتبات..
ومن خلال خمسين نصا قصصيا لأربعة عشر كاتبا اسبانيا من ذلك العصر يبين الرملي ان هؤلاء هم الذين اسسوا للقصة الاسبانية. وتمتاز هذه القصص المختارة بتنوعها على اصعدة الشكل والمضمون فنجد بينها ما يهدف الى الامتاع وآخر للتعليم، طرائف ومواقف وتاريخ وخرافات وحكمة وغيرها مما يمزج بين الواقع والخيال، بحيث ان قراءتنا لهذه القصص تمنحنا تصوراً كاملاً عن طبيعة المناخ القصصي في تلك المرحلة. أما عن النصوص التي انتقاها وكيفية الاختيار، والآليات التي اعتمدها الرملي في هذه الاختيارات، فقد قام بفرز أبرز وأهم نصوص تلك المرحلة، التي استطاعت الصمود ومقاومة النسيان عبر القرون وصولاً إلى قرننا الحالي معتمداً في ذلك على عدة مختارات من بينها شعرية ضمت أكثر من مئة قصيدة لأربعين شاعراً تقريباً. وإذا كانت قراءتنا لقصائد شعب ما تمنحنا الفرصة للاطلاع على نوعية الذائقة الجمالية واللغوية لذلك الشعب، وتحسسنا لطبيعة مشاعره وهواجسه وأحلامه، وصيغ تعبيره عن ردود أفعاله وتصويره لرؤيته لذاته ولأرضه وللآخر، فإن النثر هو الوجه الآخر لهذه العملة الأدبية أو المشهد الثقافي إذ تقدم لنا الأعمال القصصية والمسرحية صورة واسعة عن الأفكار وطبيعة العلاقات الإنسانية وتصف تفاصيل الهموم اليومية والمناخ العام والأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، كما تصف لنا طبيعة القيم والسلوكيات والأفراح والأحزان ونوعية الملبس والمأكل وطريقة التحاور.. وبالنهاية ترسم أمامنا بانوراما شاملة تعيننا على فهم تركيبة وتاريخ الذهنية الثقافية لهذا الشعب وبالتالي فهمنا لهويته الحاضرة..
وبقدر ما يعيننا الأدب على معرفة الآخر فهو يعيننا على معرفتنا بانفسنا ايضاً، ذلك ان محور رسالة الأدب بشكل عام أيا كان نتاجه هو الانسان والانسانية.. وهكذا فان اطلاعنا على ادب الآخر يعرفنا ايضاً على ما في ثقافته من ثقافتنا وبالعكس، وبالتالي استشراف آفاق ما سوف نأخذه وما سوف نعطيه، وطبيعة مشاركتنا ضمن عملية التبادل والتلاقح بين الثقافات. ومن هنا ليس لمجرد الاشارة الى دور الحضارة العربية الاسلامية وريادة الثقافة والادب العربي ودوره في التاسيس والمشاركة في بناء الحضارات والآداب الاخرى، والاسبانية منها بشكل خاص فهذه حقائق يقرها الاسبان انفسهم، ويشخصها الدارسون للأدب الاسباني، وبهذا الشأن يمكن مراجعة ما كتبه خوان غويتيسولو وخوان بيرنيت وفرانثيسكو مونيوث وميغل آسين بلاثيوس وأمريكو كاسترو وأميليوغارثياغوميث وآلبارو غالميس ولوثه لوبيث بارالت وكريستوبال كويباس وخوليو سامسو وغيرهم من نصوص تضمنت حكايات تاريخية وخيالا شعبيا واخلاقيات ومواعظ، وقد تضمنت القصائد موضوعات الحب العذري والحب الافلاطوني والغزل والهجاء وقيم الفروسية والرجولة، اضافة الى المواعظ الاخلاقية والدينية، كما نلمس فيها ملامح تأثيرات الشعر العربي وبشكل خاص التصوف والغزل والتغني بالطبيعة التي يعج بها الشعر الاندلسي.. انها تجربة طويلة لأمة صنعت هويتها الثقافية وتستحق منا معرفتها وتأملها، بل ومحاولة الاستفادة منها بشكل ما يتعلق باستلهامها للارث الشفاهي والمكتوب وما اتاها من ثقافات اخرى.
ويشير الرملي الى حدث تاريخي مهم ترك بصماته في الأدب وهو اكتشاف اميركا واستعمارها، وقد دخلت هذه الموضوعة الى الكتابة الادبية ابتداءً من رسائل كريستوفر كولومبس وما كتبه القائد العسكري الاسباني هيرنان كورتيس تحت عنوان (رسائل في العلاقة)، ثم العمل الأوسع الذي كتبه غونثالو فيرنانديث ديب اوبييدو تحت عنوان (التاريخ العام والطبيعي للقارة الاميركية)، اضافة الى كتاب لبيرنال دييث دي الكاستيو (التاريخ الحقيقي لأحداث غزو اسبانيا الجديدة) مبيناً ان الاصالة التي تتسم بها هذه الاعمال تكمن في كونها تتحدث عن العالم الجديد، وفي القدرة العالية لمؤلفيها على الملاحظة والوصف بدافع الاطلاع والاعلام وليس بقصد الكتابة الأدبية.   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في ملحق (أوراق) الثقافي التابع لصحيفة (المدى)، العدد 3449 بتاريخ 6/9/2015م.

ليست هناك تعليقات: