الأحد، 1 مارس 2009

حوار / أجراه: عبدالله المتقي

عبدالله المتقي

الكاتب العراقي محسن الرملي :

نصوصي تعاني من جنون عشقها للأرض

حاوره: عبدالله المتقي

من مواليد قرية (سديرة) شمال العراق 1967. درس الفلسفة في كلية الفلسفة في أوتونوما (إسبانيا). له عدة كتب ومقالات موزعة بين المسرح والقصة والرواية: "البحث عن قلب حي" (مسرحيات)، "أوراق بعيدة عن دجلة" (قصص)، وروايته "الفتيت المبعثر" التي تصف الوضع العراقي الراهن (أي قبل سقوط صدام). شخصيتها امرأة محورية حالمة بالخلاص من القهر والحروب، ومن مسببيها، متمنية لهم بأن يصبحوا فتيتاً مبعثراً، كما فتتوا عائلتها وبعثروها.
*لنبدأ بالسؤال التقليدي؛ من هو محسن الرملي؟.
ـ أنا كاتب عراقي أحلم بالسلام والحرية لبلدي وللإنسانية، وأطمح أن أساهم في إعادة بناء العراق، ومشاركة الإنسانية في حوارها وهمومها، وأن أتمكن من تقديم شيئاً إبداعياً ذا قيمة.. أما عن التعريف بالمزيد من التفاصيل الشخصية فأرى بأن أفضل من يُعرف بي هي قراءة أعمالي.
*ما هي أهم المحطات التي ساهمت في بناء بيتك الإبداعي؟.
ـ كل ما عشته وما قرأته قد أثر في تكويني الشخصي والكتابي، ولكن إذا أردت أن أحدد لك البارز منها فأقول؛ طفولتي الريفية في قريتي الصغيرة النائية على شاطئ دجلة شمال العراق، وشقيقي الروائي حسن مطلك قد كان له التأثير الأكبر علي أثناء حياته، ومن ثم طبيعة مقتله الذي شكل أكبر صدمة في حياتي، حيث تم إعدامه شنقاً في بغداد سنة 1990 بتهمة المشاركة في محاولة إنقلابية. أثرت في تجربتي أيضاً السنوات الثلاث التي أمضيتها جندياً مكلفاً بقيادة دبابة في الجيش العراقي، ثم سنوات الاغتراب الطويلة.
*تنصب خيمتك في دنيا القصة والمسرح والرواية.. فأين ترتاح؟.
ـ أرتاح عندما يرتاح النص الذي أكتبه في اختياره للجنس الذي يناسبه، وكما تعلم فإن المضمون هو الذي يختار شكله أو يفرضه، هذا.. ولم تعد ثمة حدود حاجزة بقطعية بين أجناس الكتابة، أنها تنفتح على بعضها وتتداخل.. وكلها تشترك في كون مادتها الأساسية هي الكلمات.
*أين تتجه الرواية العراقية اليوم.. مع تعدد الأصوات والمنافي؟.
ـ تتجه الرواية العراقية نحو ثرائها في تلمس ذاتها وخصوصيتها، وكذلك في استفادتها من الثقافات الأخرى، حيث أن أغلب الكتاب العراقيون يعيشون في المنافي.. ويبقى من المؤسف أن الأدب العراقي، وخاصة الرواية، لم تجد مكانها الذي تستحقه في المكتبة العربية، وتعاني، مثل كل الشؤون العراقية الأخرى، من الظلم ومن افتقادها إلى الاستقرار العام الذي يتيح لها المزيد من النضج وبلورة هويتها ووصولها إلى أيدي القراء العرب.. لدينا روايات قليلة من حيث الكم، لكنها تضم بينها نماذج فريدة من حيث النوعية.
*اختيار العناوين عملية لا تخلو من مقصدية، وعليه فما المقصدية التي تحكمت في اختيار (الفتيت المبعثر) عنواناً لروايتك؟.
ـ إنه عنوان يحاول وصف الوضع العراقي الراهن بكلمتين، مثلما أن الرواية تتناول في محتواها عائلة واحدة كعينة ورمز للشعب العراقي بمجمله، وقد التقطت هذا العنوان من قصيدة لصديقي الشاعر الفلسطيني ماهر الأصفر، وضمنت مقطعاً من هذه القصيدة في الرواية، إضافة إلى ترديد هذه العبارة من قبل شخصية المرأة المحورية، وهي الحالمة بالخلاص من القهر والحروب ومن مسببيها متمنية لهم بأن يصبحوا فتيتاً مبعثراً، كما فتتوا عائلتها وبعثروها.
*ما الذي أعطتك إياه الجائزة، وما الذي أخذته منك؟.
ـ منحتني الجائزة المزيد من الثقة بنفسي ككاتب، وزادت من حوافزي على مواصلة الكتابة، وفي الوقت نفسه، زادت من شعوري بالمسؤولية. كما أنها منحتني بعض المال الذي أنا بحاجة إليه كي أكمل دراستي العليا في الفلسفة والآداب.. أما ما أخذته مني فهو المزيد من الوقت الذي يزدحم بانشغالتي الكثيرة الأخرى.
*أما زال البحث جار (.. عن قلب حي).. وأوراقك (.. بعيدة عن دجلة)؟.
ـ البحث عن قلبٍ حي.. عملية لا تتوقف إلا بتوقف القلب عن النبض، إلا بالموت، وإذا كانت تعني، في مسرحيتي التي تحمل هذا العنوان، مسألة الحب الصادق، وقضية التضحية والدفء الإنساني، فهي في الوقت نفسه تشكل معادلاً للحياة ذاتها، وصورة من صور سعي الإنسان في محاولاته للانتصار على الموت. أما أوراقي فهي وإن كانت تُكتب بعيداً عن دجلة إلا أنها تتحدث عنها، تحن إليها، تبكي لحالها وتشكو من مرارة البعد عنها.. أنا وأوراقي نعاني من جنون عشقنا للعراق.
*هل تقرأ الرواية المغربية؟.
ـ بالتأكيد.. فأنا متابع حريص ومحب للثقافة المغربية، ومنذ بدايات قراءاتي وحتى اليوم لم أنقطع عن ذلك، قرأت أعمالاً مغربية في التاريخ والدراسات والشعر والمسرح والقصة والرواية، وأكبر عدد من أصدقائي المثقفين العرب هم مغاربة، قبل أيام كنت في زيارة للرباط تزودت فيها بكل ما هو جديد من الكتب المغربية. لديكم نتاج أدبي غني ومهم، وعلى صعيد القصة والرواية فعدا الأسماء المعروفة كزفزاف وشكري وبرادة وبن حميش وغيرهم من الأجيال السابقة، توجد أسماء جديدة تكتب بشكل جميل كحسن رياض وعبدالسلام الجباري وأحمد لطف الله والحبيب الدائم ربي وعبدالله المتقي وغيرهم.. كأحمد العبدلاوي الذي يعيش في إسبانيا، وهو يعمل بصمت وبتأني بعيداً عن الأضواء، لكن مجموعته القصصية (قبل أن تنام هذه الليلة) التي أصدرها قبل عامين في طنجة هي، في رأيي، من الأعمال التي تستحق الانتباه إليها في القصة المغربية الجديدة، لأنها تتمتع بمناخاتها وخصوصيتها المختلة عن السائد.. وبالمناسبة، فعلى الرغم من أن المغرب هو أبعد البلدان العربية جغرافياً عن العراق، إلا أنه من القريبين إليه روحياً، ثمة محبة خاصة وكبيرة بين أبناء هذين الشعبين. لقد هزني لقائي في الرباط برجل كبير السن، حين عرف بأنني عراقي، نهض واحتضنني منفجراً بالبكاء فأبكاني معه، وقال إنه يشعر بانتمائه للعراق لأن جده العاشر مدفون في بغداد، وأن حلمه الأخير قبل موته هو زيارة بغداد وقبر جده. هذا ويرد المغرب في العديد من الأعمال الأدبية العراقية، مثال ذلك قصص سعدي يوسف، ورواية (زنقة بن بركة) لمحمود سعيد التي تدور كل أحداثها في المغرب وهي من الروايات العراقية المتميزة.. كذلك تشم عطر المغرب في كتب الرحلات والدراسات والكثير من قصائد الشعر العراقي.
*وختاماً.. أترك لك هذه الفسحة لتقول ما تشاء.
ـ أقول.. أتمنى الشفاء العاجل لصديقي الجميل محمد الطوبي، وأتمنى أن يتيح لي المستقبل فرصة العيش في المغرب لفترة أطول كي أكتب عن قرب حول هؤلاء المغاربة الطيبين الذين أحبهم.. كما أتمنى أن تصل كتبي مستقبلاً، بشكل أوسع، إلى القارئ المغربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (البيضاوي) بتاريخ: الخميس 15/5/2003 العدد 53 ـ المغرب. وفي مواقع ثقافية أخرى.

ليست هناك تعليقات: