الأربعاء، 29 مايو 2013

باقَة شُكر لصالح علماني

باقَة شُكر لصالح علماني

محسن الرملي
مثل كل القراء العرب، عرفتُ اسم صالح علماني من خلال عشرات الكتب التي ترجمها عن الإسبانية، وحين التقيته في دمشق كان محاطاً بالكتب ومنحنياً على كتب أخرى عاملاً بدأب وتواضع، نعم، هذا التواضع الذي هو من صفات الكبار ومن أبرز صفات صالح علماني، بحيث أنه يخاطبني في مراسلاتنا بكلمة (أستاذي) فيما أصر أنا على مخاطبته بكلمة (أستاذي) لأنني مثل الكثيرين تعلمت منه الكثير.
فصالح علماني هو درس حيّ وتاريخي لنا جميعاً نحن المترجمين، حيث تخلى عن كل شيء ليجعل الترجمة طريقاً وهدفاً له، تخلى عن دراسته الأكاديمية وتخلى عن الكاتب فيه لصالح المترجِم فأذاب الروائي في المترجِم كما تُذاب قطعة سُكّر في قدح شاي، لذا نلمس هذه العذوبة في أسلوبه لكل ما ترجمه، راهن علماني على الترجمة ولم يخسر، فحقق شهرة تفوق شهرة الكثير من الكُتاب حيث لاتكاد تخلو أية مكتبة عربية عامة أو خاصة من كتاب يحمل اسمه.
علماني لا يتعامل بحساسية ولا زَعَل مع أي انتقاد يوجَّه إلى ترجماته وإنما يتقبله بروح رحبة ويرد عليه بمزيد من العمل والإتقان، علماني لا ينظر إلى حجم الكتب قبل ترجمتها، كما نفعل نحن المترجمين، على الرغم من أن الترجمة الأدبية التي اتخذها مهنة له، لا تدر إلا القليل من المال، وهذه من سمات المحبين الأوفياء، فإذا كانت صفة (الخيانة) قد ارتبطت بمهنة (الترجمة) فإن كلمة (وفاء) قد ارتبطت بصالح علماني تعبيراً عن إخلاصه لهذه (الخيانة)... فشكراً لك يا صديقي وأستاذي، أيها الوفي لأجمل الخيانات.
بصفتي كقارئ أشكره على كل ما منحني إياه من متعة ومعرفة.
بصفتي ككاتب أشكره على ماعرَّفني من الكُتاب الآخرين وصيغ التعامل مع تقنياتهم باللغتين.
بصفتي كمترجم أشكره على ما وفره عليّ من جهد ووقت بترجمته لأعمال كنت أتمنى ترجمتها للقارئ العربي.
بصفتي كمختص بالآداب المكتوبة بالإسبانية أشكره على ما قدمه منها إلى العربية في وقت قياسي.
بصفتي كطالب أشكره على ما وفره لي من مصادر إضافية.
بصفتي كأستاذ أشكره على ما ما وفره لي ولطلابي من مادة للدرس والمقارنة في الترجمة.
بصفتي كصديق أشكره على هذا النبل والتواضع والإخلاص.
..فباسمي وباسم من أعرفهم من قراء وكتاب ومترجمين ومختصين بالدراسات الإسبانية وأكاديميين، نُهدي باقة شُكر لصالح علماني، ونشكر مدرسة المترجمين في طليطلة والصديق لويس ميغيل كانيادا على إقامة هذا التكريم وإتاحة الفرصة لنا لتقديم باقة الشكر هذه إلى هذا الإنسان الذي نحبه.
شكراً لك يا صديقي وأستاذي صالح علماني، أيها الوفي لأجمل الخيانات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كلمة تمت قراءتها بالعربية والإسبانية ضمن الاحتفاء بالمترجم صالح علماني وتكريمه من قبل مدرسة المترجمين في طليطلة التابعة لجامعة كاستيا دي لامانتشا/إسبانيا، بتاريخ 24/5/2013م إلى جانب كلمات أخرى للكاتب البيرواني الحائز على نوبل فارغاس يوسا والشاعر والناقد الإسباني خوسيه ماريا ميرينو وغيرهم.

صالح علماني ومحسن الرملي.. في طليطلة

الأحد، 21 أبريل 2013

عن مسرح أمريكا اللاتينية / محسن الرملي

قراءة
مسرح أمريكا اللاتينية ومسيرة بلورة الخصوصية



محسن الرملي

إننا نعرف الكثير عن المسرح الأوروبي وتجاربه، ونشأ مسرحنا العربي متأثراً به منذ بداياته، وعرفنا، في العقود الأخيرة، الكثير عن الرواية والقصة والشعر في أمريكا اللاتينية فأثر ذلك بشكل واضح على أدبنا العربي المعاصر وأثراه، بينما نكاد لا نعرف شيئاً عن طبيعة التجارب المسرحية فيها، على الرغم من أنها هي الأقرب إلينا من حيث مشاكلها السياسية والثقافية والاجتماعية باعتبارنا ندخل، معها، ضمن نطاق تسمية وطبيعة ظروف ومكونات وإشكاليات ما يتعارف على تصنيفه بـ(العالم الثالث).
من هنا تأتي أهمية كتاب (جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية) للدكتور طلعت شاهين الذي أصدره عن دار سنابل في القاهرة، على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مغامرة الحديث النقدي عن أعمال إبداعية ليس للمتلقي العربي معرفة مسبقة بها، إلا أنها تعد بحد ذاتها خطوة رائدة لابد من اتخاذها كي نفتح نافذة أخرى نحو معرفة أفضل وجديدة.
   الشاعر والمترجم والباحث المصري الدكتور طلعت شاهين، واسع الاطلاع على الثقافة المكتوبة بالإسبانية عبر الدراسة والمعايشة لأكثر من ثلاثين عاماً والتي أصدر خلالها أكثر من خمسة عشر كتاباً حتى الآن تتوزع بين الترجمة والتأليف، ففي الترجمات وجدناه دائماً يبحث عن أسماء ومواضيع جديدة يقدمها للقارئ العربي، ولا يتوقف عند السائد والرائج الذي سبق التعريف به، فهو أول من عرفنا على أسماء مثل: خوليو ياماثاريس، نوريا آمات، ميرثي رودوريدا، كلارا خانيس وغيرهم.. وكان من أوائل الذين نقلوا لنا خوان غويتيسولو إلى العربية، وأول المسارعين إلى ترجمة مذكرات غارثيا ماركيز إلى العربية حال صدورها.
مسرح العالم الجديد
   في كتابه (جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية)، يستعين الدكتور طلعت شاهين بخبرته الأكاديمية التي أنجز من خلالها أطروحته حول الاحتفالات الشعبية الإسبانية ومقارناتها بالعربية والمصرية تحديداً. وكذلك بالكثير من المصادر الإسبانية والهيسبانية المتعلقة بالمسرح، فيطلعنا على بدايات المسرح في أمريكا اللاتينية عبر تقديم موجز، مكثف وواضح يرسم من خلاله المناخ التاريخي العام الذي تبلورت فيه بدايات ولادة المسرح هناك، فيلجأ إلى اتباع التقسيم وفق أصناف النمو والتوجهات والتيارات المسرحية متدرجاً بالأمر على النحو التالي: مسرح العالم الجديد، المسرح التعليمي، الدراما العرقية، مسرح الباروك، المسرح الفكاهي الإسباني "إلبوفو"، المسرح الجامعي، المسرح العبثي، من نبض الثورة إلى أزمة الستينات، مسرح إسكامبراي، لينتقل بعدها متوسعاً بالحديث عن المسرح الكوبي متخذاً من تجربة الكاتب بيرخيليو بينييرا (1912 ـ 1979) نموذجاً يعمل على دراسته والتعريف به باعتباره ممثلاً لجيل بأكمله من المسرحيين ليس في كوبا وحدها وإنما في أمريكا اللاتينية عموماً. يقدمه أولاً بنبذة تعريفية عن حياته، ثم أهم أعماله، ويضيء: جماليات الرفض في مسرحه، ملامح الشخصيات في أعماله، طبيعة استخدامه للسخرية والرمز، إصراره (ككاتب) على التدخل والمشاركة في تحديد لغة الإشارة والإيماءات، الإضاءة، الإكسسوار والضوضاء، لينهي الكتاب بترجمة لعملين من أعمال بينييرا الأخيرة والتي لم يكملها أبداً، وهذا أمر يرى فيه النقاد قصدية منه ولظروف تتعلق بطبيعة مواقفه، وخاصة السياسية، يشرحها المؤلف في سياقها.. وهما عمليه الرائعين: ( التوأم) و(الرحلة).
المسرح لبسط نفوذ الكنيسة
   من خلال هذا الكتاب الصغير في الحجم (150 صفحة/قطع متوسط) والكبير في الفائدة، سنعرف بأن المسرح قد انتقل إلى أمريكا اللاتينية مع بداية ما يسمى بالاكتشاف للقارة الجديدة والغزو الإسباني، وكان المسرح في تلك الفترة يعمل في عدة أطر مختلفة، منها الترفيه عن الحكام الجدد في تلك البلاد، الذين حاولوا التشبه بحكامهم في إسبانيا، وأيضاً بهدف دعائي سياسي، فصنع مثل تلك الرفاهية يهدف إلى زيادة الرهبة في نفوس سكان البلاد الأصليين، ثم الترفيه عن جنودهم، كما استخدمت الكنيسة المسرح كوسيلة دعائية فعالة لنشر سيطرتها على السكان الأصليين، ولتوصيل تعاليم المسيحية ونشرها عبر أعمال مسرحية بسيطة، خاصة أيام الاحتفالات الدينية الرسمية، أو تعميد القديسين.
   ويؤشر لنا بأن أول الاحتفالات في العالم الجديد التي تضمنت مسرحاً قد كانت في المكسيك عام 1529م، وشارك فيها العديد من ممثلي الشعب وطوائفه العرقية والثقافية. وكان الراهب خوان دي ريباس من أوائل الرهبان الفرنسيسكان العشرة الذين وصلوا إلى العالم الجديد، وأول من فكروا في استخدام المسرح كأداة لتوصيل الأفكار الدينية، حيث راح يقدم في هذه الاحتفالات أعمالاً عن حياة القديسين كنوع من إنعاش الذاكرة للجنود الغزاة، من جهة، وفتح عيون السكان الأصليين على الدين الجديد ومزاياه، من جهة أخرى، كنوع من الدعوة/الدعاية والترويج كي يعتنقوه.
أسبقية ظهور مسرح «العبث» اللاتيني
   لكن المسرح في تلك المناطق تطور فيما بعد لتدخل فيه الفرق المحترفة، التي كانت تبتعد عن المسرحيات الدينية التي تركتها للكنائس والكهنة والرهبان، واعتمدت على جذب الجمهور العريض بتقديم المسرحيات الساخرة، التي اتهمها البعض بأنها مسرحيات علمانية معادية للدين والدولة، ووصل غضب الكنيسة والدولة من هذه الفرق المسرحية المحترفة إلى حد إصدار الملك فيليبه الثاني في العام 1598م قراراً بمنع هذه الفرق من العمل في البلاد الخاضعة للإمبراطورية الإسبانية الشاسعة، إلا أن القرار، لحسن الحظ، لم يتم تطبيقه في القارة الجديدة، نظراً للحاجة الملحة التي أبداها سكان العالم الجديد لمثل هذا المسرح.
    وبعد تزايد عدد الأفارقة المجلوبين إلى أمريكا اللاتينية، عبر تجارة الرقيق التي بدأت في القرن السابع عشر وظلت رائجة حتى أوائل القرن العشرين، في إطار عمليات بيعهم كعبيد لملاك الأراضي، راحت منطقة الكاريبي تتميز عن غيرها من مناطق أمريكا اللاتينية، وأخذت فنونهم الطقسية ذات الأصول السحرية الأفريقية تتسرب وتمتزج بفنون المسرح السائدة والقادمة من أوربا، فقدموا الدراما الطقسية، المفعمة بالغناء والرقص المهرجاني والأقنعة البدائية، حتى تمت بلورة ما اتفق النقاد على تسميته بـ (الدراما العرقية) وتعزز هذا النوع في كوبا خاصة، ومثيل هذا تم في البرازيل أيضاً والذي نجد من امتداداته، حتى اليوم، مهرجاناتها، المعروفة، التي صارت تتوسع لتصبح تقليداً عالمياً. أما في كوبا وهي التي ينتمي أغلب سكانها إلى الأصول الزنجية الأفريقية، فإننا نجد هذه التأثيرات جلية، مما يجعلها في مقدمة الحركة المسرحية في أمريكا اللاتينية التي اعتمدت على الفنون الزنجية من موسيقى ورقص وغناء وطقوس دينية، في خلق ورسم هوية مسرحها الجديد الذي يعتمد الشكل والتقنية العامة الأوربية، ولكن روحية تناوله ومحتواه، يطغي عليه الطابع الطقسي المعروف بأصوله الأفريقية.
  وفيما يتعلق بالمسرح الحديث فإن الملفت للنظر؛ ما يؤشره المؤلف حول أسبقية واختلاف المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية عن هذا الذي عرفناه أوربياً. "المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية كشكل مكتمل للتعبير في الأدب بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، كان سابقاً تاريخياً على ظهور (مسرح العبث) الأوربي، حيث من الثابت تاريخياً أن الكاتب الكوبي بيرخيليو بينييرا كتب مسرحيته الأولى التي تتخذ هذا الشكل (إليكترا جاريجوو) في العام 1941م. قبل أن يتم تعميد مسرح العبث الأوربي على يدي يوجين يونسكو بعقد كامل".ص23
   هذا من حيث الشكل والتقنية والإطار العام، فيما نجد الاختلاف الحقيقي يكمن في عمق رؤية كل منهما لهذا التيار، حيث أن "أكثر كتاب المسرح في أمريكا اللاتينية الذين مارسوا كتابة المسرح العبثي كانوا يعكسون واقع بلادهم، ولكن بشكل يختلف تماماً عن مسرح العبث الأوربي، حيث كان الكتاب الأوربيين ينظرون إلى الواقع على أنه دائرة مغلقة متكررة الحدث لا مفر للإنسان منها، بينما الكاتب الأمريكي اللاتيني على العكس من ذلك، يرى أن الواقع العبثي لا يعكس واقعاً دائماً وثابتاً للمجتمع، بل هو واقع مؤقت بزمن وجود السلطة القامعة، والإنسان لديه إمكانيات الهروب من ذلك الواقع العبثي بشكل عام، لذلك فإن الكاتب الأمريكي اللاتيني يشعر أنه أكثر التزاماً بواقعه الاجتماعي ـ السياسي من الكاتب الأوربي الغارق في البحث عن مشاكل وجودية تعتبر حالة رفاهية بالنسبة لمواطن أمريكا اللاتينية". ص26
   وبالتأكيد سينعكس هذا الفهم على طبيعة استخدام العناصر الأخرى في العمل المسرحي ومنها على سبيل المثال السخرية: فإذا كان المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية ومسرح العبث في أوربا استخدما السخرية كأداة أساسية من تقنيات الكتابة المسرحية، إلا أن هناك فوارق بين المسرحين في استخدام هذه التقنية، وربما الفارق الرئيس بين الاثنين أن مسرح العبث الأوربي يستخدم السخرية كوسيلة لتحرير العقل من الوضع الاكتئابي وفقدان الأمل في حياة أفضل بالنسبة للإنسان المعاصر، حيث أن السخرية تعتبر الوسيلة الوحيدة للتحرر من الهموم، بينما الكاتب الأمريكي اللاتيني يستخدم السخرية، ليس فقط لمواجهة الأوضاع السياسية والاجتماعية الضاغطة على حياته، بل لطرح الأمل في نفوس مشاهدي المسرحية.. الأمل في إمكانية التخلص من الواقع السوداوي.
هدف الاقتراب من الجمهور
   لقد أراد المسرح في أمريكا اللاتينية ومنذ بداياته أن يكون دائم القرب والتفاعل مع الناس البسطاء وجمهور العامة الأوسع، بهمومهم وأحلامهم وثقافتهم ولغتهم التي يفهمونها، أي على غير ما وصل إليهم من أنه أداة لتسلية الملوك ووسيلة تعليمية سياسية ودينية مؤدلجة. فراح يبحث عن شتى سبل الاقتراب من الجمهور، حيث أدمج في بداياته أناس من السكان الأصليين من الهنود الحمر، ثم الأفارقة العبيد واستمر هذا النهج حتى المراحل المتأخرة، ومثال ذلك ما فعلته جماعة (آداد) الكوبية من خلال توسيع نطاق نشاطاتها خارج العاصمة، وعمليات تدريب الممثلين ونشر وتوزيع مجلة (بروموثيوس)، حيث قطعت هذه الجماعة على نفسها عهداً بتقديم عرضاً مجانياً في إحدى القرى عن كل شهر عمل محترف في العاصمة. كذلك عبر محاولات وتجارب زج الفلاحين والعمال أنفسهم في المشاركة في صياغة وتقديم الأعمال المسرحية.
     يشير المؤلف إلى مصدر التسمية التي وضعها عنواناً لكتابه فيقول في ص42 وعلى الغلاف الأخير لكتابه:"جماليات الرفض، أطلقت هذه التسمية على أعمال الكاتب الكوبي بيرخيليو بينييرا ، الذي كان متفرداً بين أبناء جيله، ليس في كوبا فحسب، بل في كل بلاد أمريكا اللاتينية. كتب قبل الثورة الكوبية، التي قادها كاسترو مسرحيات (صخب في السجن) 1938، (يسوع) 1948، و(العبيد) 1955، لكن مسرحيته (إليكترا جاريجوو) التي كتبها عام 1941، سببت له المتاعب مع نظام باتيستا الدكتاتوري مما دفعه إلى مغادرة البلاد، واستحق عليها اللقب الذي أطلقه عليه بعض النقاد الذين وصفوه بـ (الرافض)".
   بقي أن نقول بأن هذا الجهد الذي قدمه الدكتور شاهين لثقافتنا العربية يستحق الشكر فعلاً، وبأن كتابه هذا جدير بأن يطلع عليه، بشكل خاص، كل مثقفينا المهتمين بالفنون المسرحية، ففيه صورة لتجارب ومواقف أناس يتشابهون معنا في مجمل الظرف العام ويكشف عن جانب من كيفية تعاملهم وتوظيفهم لهذا الفن العريق والحيوي في خدمة قضاياهم وإنسانهم المعاصر، وبالتأكيد فإن هذا الأمر لا يكتفي بتقديم المنفعة للمسرحين فحسب وإنما يمتد لعموم المشتغلين بالفنون الإبداعية، ويحثنا على مزيد من البحث وفتح أفق المعرفة الأوسع على نتاجات ومواقف وأدوار المثقفين الأمريكوـ لاتينيين أمثال الكوبي الكبير بيرخيليو بينييرا، والذي إضافة إلى شهرته ككاتب مسرحي بقامة عالمية، فقد كتب ثلاث روايات وأكثر من مجموعة قصصية، ومقالات وحوارات متنوعة تتعلق برؤيته لهموم الإنسان المعاصر وبتجاربه في الداخل وفي المنفى، ومع الثورة الكوبية وفي الاختلاف معها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (أخبار الأدب) المصرية، ومن ثم في صحيفة (العرب) اللندنية، العدد 9206 بتاريخ 18/4/2013م
 

السبت، 6 أبريل 2013

د. محسن الرملي في مركز الدراسات والبحوث / مسقط

د. محسن الرملي في مركز الدراسات والبحوث

الترجمة فن وميدان إبداعي وفعل إنساني
من: مركز الدراسات والبحوث ــ مسقط
استضاف مركز الدراسات والبحوث بمؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان الدكتور محسن الرملي أستاذ اللغويّات في الجامعة الأمريكية في مدريد (سنت لويس) للحديث حول واقع الترجمة في العالم العربي والتواصل بين الحضارات وصورة الإنسان العربي في الآداب الغربية وبالمقابل صورة الغربي في أدبنا العربي ومعوّقات ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأوروبية والحيّة وذلك عبر جلسة نقاشيّة مفتوحة أقيمت صباح الأربعاء- الموافق 27 من فبراير الماضي بمبنى المؤسسة.
في بداية اللقاء رحبت الباحثة مرفت العريمية مديرة المركز بالرملي الكاتب والباحث والمترجم والأستاذ في في الجامعة الأمريكية في مدريد (سنت لويس)، وقدمت تعريفاً عن سيرته، والرملي حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة الاسبانية من جامعة أوتونوما في مدريد عام 2003، موضوع أطروحته كان عن (آثار الثقافة الإسلامية في دون كيخوته). يُعد محسن الرملي العربي الوحيد المتخصص بثقافة ثربانتس حتى يومنا هذا، يصدر حالياً مجلة (الواح) الثقافية ويعتبر الكاتب واحدا من الأسماء الأدبية التي برزت في الأدب العربي المعاصر في السنوات الأخيرة، فهو يكتب بالعربية والإسبانية وترجمت بعض نصوصه إلى لغات عديدة، وإضافة إلى رصيده من إصدارات في الرواية والشعر والمسرح والترجمات وصلت إلى عشرين كتاباً منها رواياته "الفتيت المبعثر" و"تمر الأصابع" و"حدائق الرئيس" التي رشحت للفوز بجائزة البوكر العربية .
أدعو إلى تأسيس سلسلة معاهد ثقافية عربية في عواصم العالم
مدينة الجمال
وحين حان دوره بالكلام شكر الرملي مركز الدراسات والبحوث على استضافته التي من خلالها أتيحت له زيارة مسقط لأول مرة فوجدها، كما قال: "مدينة الجمال الآسر.. إنها نظيفة وحميمة"، وكان الرملي قد التقى فيها بالعديد من الاصدقاء وبمن كان قد قرأ لهم وعنهم سابقاً، كما عبر عن سروره بأن تصادف زيارته فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب مما أتاح له اقتناء العديد من الكتب، وعلق: يبدو بأن قدري أن تكون حياتي كلها مرتبطة بالكتاب ومن حسن الحظ أن يستمر هذا القدر ملازماً لي في زيارتي الأولى إلى عُمان أيضاً. كما شكر الحضور على اهتامهم وعلى هذا التنوع فيهم، حيث قدم للاستماع إليه أناس من اختصاصات واهتمامات متنوعة؛ مترجمون، كتاب، شعراء، صحفيون، فنانون، أكاديميون، طلاب، موظفون وغيرهم.
الترجمة فن وأدب
بعد هذه المقدمة، قال: على الرغم من كل الدراسات التنظيرية والتجريبة البحثية التي سعت إلى وصف الترجمة على أنها علم إلا أنني لازلت أعتقد بأنها فن وهي بذلك ميدان إبداعي أيضاً، يتدخل فيها الفعل الإنساني الشخصي على نحو كبير، ومن ذلك أن النص الواحد ذاته يمكن لعشرات المترجمين أن يترجموه بأساليب مختلفة، ومن هنا يأتي تفضيلنا لترجمة معينة عن ترجمة أخرى لمسرحيات شكسبير مثلاً.
كما أبدى الرملي عدم اتفاقه مع المنتقدين لهنات المترجمين هنا وهناك، وقال بأنه يفضل ترجمة كتاب ما ولو بنسبة 20% من الجودة على عدم ترجمته نهائياً فمهما تكن الترجمة سيئة إلا أنها ستعطي تصوراً ما عن فكرة ومناخات الكتاب، ومن يجد في نفسه القدرة على ترجمة عمل ما أفضل من ترجمة غيره فعليه القيام بذلك بدل الاكتفاء بنقد ترجمة عبارة هنا وأخرى هناك.
على المؤسسات التعليمية أن تفرض على المُبتَعَث ترجمة كتاب في تخصصه
وذكر الرملي بمقولات لجبرا إبراهيم عن جبرا بشأن الترجمة الذي وصفها بأنها أمر مستحيل ولكن لابد منها، وأنه كان قد اقترح على المؤسسات التعليمية العربية أن تفرض على أي طالب عائد بشهادة من الخارج أن يترجم ولو كتاباً واحداً في تخصصه ولو طبق هذا الاقتراح لأغنى المكتبة العربية بمصادر ثرة في كل العلوم والمعارف.
العرب أول من أسس مدارس متخصصة للترجمة في بغداد والأندلس
وقال الرملي كلكم اطلعتم على الرقام المخيبة والمفجعة لنسبة ما نترجمه بحيث أن ما يترجمه بلد واحد مثل إسبانيا في عام واحد يساوي مجموع ما ترجمناه في كل تاريخنا، وأنه لشيء مؤسف أن يكون هذا هو حالنا والعرب أول من أسس مدارس متخصصة للترجمة في بغداد وفي الأندلس. علماً بأن العرب يتميزون بإجادتهم وبسرعتهم لتعلم اللغات وبأن عدد العرب القادرين على الترجمة من لغات أخرى لاتكاد تتوفر عليه أية أمة أخرى.
وأشار إلى أنه لم تنهض أية أمة أو حضارة في التاريخ دون أن تكون الترجمة أحد المغذيات الرئيسية لثقافتها وأن مسألة ما يسمى بالنقاء الثقافي ما هي إلا وهم يشبه وهم النقاء العرقي فهي أمر مستحيل ولاوجود له على الإطلاق.
الترجمة شؤون وشجون
وقد توسع الدكتور الرملي في الحديث عن شؤون وشجون الترجمة بين العربية والإسبانية على اعتبار أنها اختصاصة وهو من العارفين بثقافتها، وحث على المزيد من التعاون الثقافي بين البلدان العربية والبلدان الناطقة بالإسبانية واصفاً إياها بأنها بلدان ليس بيننا وبينها إلا الخير، فلم يحدث لها أن استعمرتنا أو استعمرناها وليس بيننا وبينهم دم سوى دم روابط النسب التي خلفت أجيالاً فيها كبار المبدعين من أصول عربية، وأن شعوب هذه البلدان قد عانت ظروفاً مشابهة لما عانيناه من استعمار ودكتاتوريات ومن تصنيفها معنا على أنها عالم ثالث، وأن شعوب هذه البلدان تكن لنا الود والمحبة وتتعاطف مع كل قضايانا، فكيف ندير لها ظهورنا على هذا النحو ونركز صلاتنا الثقافية والاقتصادية والسياسية فقط من ثقافات البلدان التي استعمرتنا، كما أن اللغة الإسبانية تعد الثانية الآن من حيث الأهمية وعدد الناطقين بها في العالم وهم بازدياد لذا علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لترجمة أعمالنا إليها والناطقين بها متعطشون لمعرفة المزيد عنا، وبأن أفضل من يقدمنا لهم هي آدابنا وفنوننا لأن الصحافة بمعلوماتيتها غير البريئة في اغلب الأحيان لا تعطي الصورة الحقيقية عن الإنساني بما فيه من عواطف وأحلام وتراكيب نفسية وأفكار وعادات وتقاليد وذاكرة وغيرها، وكلنا يدرك كيف أننا قد تعرفنا على الشعوب الأخرى ومنها شعوب أمريكا اللاتينية من خلال آدابها أكثر من أي شيء آخر.
عناية خاصة
وبالمقابل دعى إلى مزيد من الاهتمام باللغة العربية فهي إحدى أهم ثرواتنا الحقيقية والدائمة ولسان حالنا التي تكمن فيها كل ملامح هويتنا وشخصيتنا الثقافية، وأنها الآن تحظى بمكانة متقدمة بين لغات العالم والراغبين بتعلمها بازدياد فعلينا تشجيع ذلك والتحطيط له بجدية استراتيجية وتسهيل السبل لكل من يرغب بتعلمها. إنها لغة عظيمة وثرية وجميلة بكل ما يتعلق بها من حيث الصوت والصورة الكتابية، وإذا كانت الدوافع العامة لإقبال الناس على تعلم الإنكليزية هي المصلحة ولتعلم الإسبانية الفضول الثقافي فإن اللعة العربية تجمع الدافعين معاً.
ودعى الرملي الدول العربية إلى تأسيس سلسلة من المعاهد الثقافية في كل عواصم العالم أسوة بما تفعله بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا بسلسلة معاهد غوته وإسبانيا بمعاهد ثربانتس ولتكن مثلاً حاملة لاسم المتنبي أو الجاحظ أو العربية ذاتها فتعلم اللغة وتقيم النشاطات الثقافية وتصدر المطبوعات وتقوم بالترجمات وغيرها، وقال إن الاستثمار الحقيقي وطويل المدى هو الاستثمار الثقافي علماً بأن تكاليفه هي أقل بكثير مما يصرف من مبالغ طائلة على شؤون جانبية وأقل أهمية كموائد البذخ في السفارات ومنها الاحتفالات بالاعياد الوطنية مثلاً. وإن سلسلة معاهد كهذه ومزيد من الترجمات ستساهم حتماً في تغيير الصورة النمطية عنا والتي طالما نشكو منها، ألا وهي صورة العربي الثري البدين الفض العنيف الذي لاتشغله سوى الملذات والحريم وأجواء ألف ليلة وليلة  أوصورته المرتبطة بالبعير في الصحراء والعمامة واللحية وغيرها من تصورات تم توارثها وتعزيزها منذ القرون الوسطى ومأخوذة من الآداب في أغلبها وزادت عليها صورة الإرهابي مؤخراً. وأن أفضل طريقة لتحسين تلك الصورة وتغييرها وتقديم أنفسنا تكون عبر الوسائل التي أتت من خلالها أي نتاجنا الثقافي وخاصة الآداب كالرواية والفنون كالسينما وغيرها.
هذا وقد تفاعل الحضور بشكل كبير مع المحاضرة وتم النقاش حول مقدار ونوعية ما ترجم من العربية إلى الأسبانية عموماً ومن الأدب العماني خصوصاً وعن السبل الكفيلة والأفضل للقيام بمزيد من الترجمات، كما تمت مناقشة ضرورة إيجاد حاضنات حقيقية تتبنى هموم وحقوق المترجمين والترجمة وعلاقة الإرادة الفردية والإرادة السياسية في كل ذلك.
---------------------------------------
*نشرت في صحيفة (عُمان) سلطنة عُمان، العدد 11631 بتاريخ 6/4/2013م

السبت، 16 مارس 2013

حدائق الرئيس.. عمل صادق بامتياز/ صالحة حسن

حدائق الرئيس.. عمل صادق بامتياز
صالحة حسن
يمر وقت طويل جداً.. حتى تكاد أن تفقد الأمل في إمكانية أن تجد عملاً صادقاً من غلاف الواجهة إلى الغلاف الخلفي.. هذا هو رد فعلي الأول على عمل محسن الرملي.. الذي يؤسفني وبشدة أنه لم يصل إلى قائمة البوكر القصيرة .. بعد أن نجح في الدخول للطويلة منها.
كمية الصدق تشعر بها وأنت تقرأ ببساطة عن كل أولئك البسطاء في الرواية.. المغلوب على أمرهم رغما عنهم.. وأولئك الذين تجدهم مجردين من كل إيدلوجيات أو سياسات أو حتى خطط كفيلة بأبعد من فكرة حياة اليوم الواحد.. إنهم كملايين الأشخاص في هذا العالم الذين تسوقهم الأقدار إلى حيث لا يدركون.. لا يختارون ولا يصنعون.. وينتهي البعض منهم بأن يكون مجرد رقم لضحية جديدة.. يُنظر إليها أو يُسمع عنها بشكل عابر.. الكاتب هنا يُصرح بوضوح أنه لا وجود لكائن بشري هامشي.. لكل ضحكية حياةٌ تتركها خلفها.. حياةٌ كاملة.. تستحق أن تؤرخ وأن يؤخذ بعين الاعتبار بأي شكل من الأشكال.. كما أنه يكرس لفكرة أن كل طرف يدخل في أي حرب كانت  يبيد فيها الإنسان إنسانا لإختلاف أو خلاف.. هو خاسر بطريقة أو بأخرى.
العمل يؤرخ أيضاً لمرحلة من التاريخ العراقي بدأً من الفترة التي تسبق الحرب العراقية الإيرانية مرورا بغزو الكويت والثورة العراقية على النظام البعثي بعد الغزو وكيفية إخمادها.. إنتهاءاً بما يعقب الاجتياح الأمريكي للعراق بقليل.. فترة تمتد حتى الربع قرن بكل حروبه وقسوته ومآسيه الإنسانية بطريقة شخوصه البسيطة ذاتها.. وبدون أن يحاول مجرد محاولة أن يقحم الأفكار في رأسك بفظاظة.. إنه لمن المدهش أن يحمل أحدهم وطنه كل هذا الوقت بكل تناقضاته في قلبه بصورة لا تحمل ذلك التنكر أو السخط أو محاولات التبرير أو إظهار أي إزدواجية أو تخبط.
أبكتني الفصول التي أعقبت دخول شخصية من الثلاث الشخوص المحورية التي تدور حولها الرواية لحدائق الرئيس وعرض بعض طرق الاعدام.. كانت الفصول بعدها شديدة التعبير عن وجع عميق موارب.. تدرك ما خلفه وتستشعره بوضوح.. عندما تدرك أن محسن مطلك الرملي هو شقيق الشاعر والروائي حسن مطلك الرملي الذي أعدم في 1990 من قبل حزب البعث الحاكم في آنه.. ترعبك فكرة أن ما يصفه محسن عن إحدى الكوارث هنا.. قد مسه شخصياً إلى حد الالتصاق في شقيقه المقتول وأنها قد تكون إحدى الطرق البشعة التي وُصفت... محسن الذي كان قد صرح مرة أنه من المستحيل عليه أن يكتب عن فاجعته بأخيه بشكل مباشر.. إنه يقسمها على أوجاع في أعمال متفرقة.
الحوارات سلسة ورشيقة وتؤدي الغرض الذي وجدت لأجله بإتقان دون حشو أو ثرثرة فارغة.. العامية وظفت بشكل جيد وفي حدود ضيقة جداً أيضا (على الرغم من أن اللهجة العراقية البيضاء لها وقع دافء على القلب والعين.. لطالما شعرت بها هكذا بحيث لا تزعجني ولا تربكني).
امممم لكن على جانب ما.. كان في عرض شخصية "صدام حسين" شيء من الفانتازية التي غالباً هي تكريس لصورته في كل عمل عراقي قد قرأته تقريبا.. الأمر الذي يستوقفني كثيراً ويربكني بين المعقول والحقيقي والمتخيّل المبالغ فيه في عرض هذه الشخصية الجدلية.. إذ يبدو كثيرا كشخصية لم توجد على الأرض فعلا بقدر ما خُلق على لسان من يروونه شفاهيا أو كتابيا.. أردت أن يظهر كرجل حقيقي هنا بذات البساطة شبه الواقعية التي تناولتها معظم أحداث الرواية.
عموماً.. أكتب الآن وأنا مأخوذة بفكرة كبيرة جداً جداً.. تجبرني على منح النجمات الخمس دون تردد "الصدق ولا شيء آخر".  وهذا عملٌ صادقٌ بامتياز.
--------------------------
*صالحة عبيد حسن: كاتبة إماراتية، من أعمالها: (زهايمر) و(ساعي السعادة).
*نشرت في موقع (Goodread) بتاريخ 11/2/2013م

 
*   *   *   *   *
رواية عراقية أخرى.. تستحق القراءة بكل تأكيد
 
آلاء  Ala  
ثلاث شخصيات، ثلاث قصص مختلفة، ومصائر معلقة لهؤلاء الأصدقاء في فضاء الحرب الايرانية العراقية أولا، وحتى الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق .
طارق المندهش، الذي أتم تعليمه بالعافية كما يقال، أصبح شخيا للقرية بعد أبيه، يأمر فيطاع، يتزوج ثانية فترحب الأولى، يأخذ ويعطي ويدير أملاك الوالد، يدبر أموره مع كل الأطراف حتى ترضى عنه كل الأطراف، ولا موقف سياسي له. فهو معاهم معاهم، عليهم عليهم.
وصديقيه، الأول عبد الله كافكا، عبد الله المتطلق الباسم المجرب، اللقيط، الذي تحكي قصة ولادته، واختفاء والديه قصة ألم اجتماعي لا ينتهي للنساء. والذي كان يؤمن بالحياة، حتى سجن في إيران، ومن هناك عاد مختلفا. وثالثهم أبو قسمة، الذي يبتسم له الحظ، فيعمل في حدائق صدام حسين، ويشهد من الترف والفظاعات ما يشهد .
ثلاثة شخصيات شديدة البساطة والجمال والانسانية، أخذتنا إلى جو العراق في تلك الفترة ونقلتنا إليه وإلى تفاعلات الناس مع الحرب والسجون والغلاء والحياة .
التوثيق عن جرائم صدام حسين وترفه، كان أقسى ما في الرواية .
اللغة سهلة، فيها بعض العراقية الخفيفة جداً والمحببة
حدائق الرئيس.. كتاب، يستحق أن يقرأ بكل تأكيد.
--------------------------
*نشرت في موقع (Goodread) بتاريخ 13/3/2013م

الجمعة، 15 مارس 2013

تأثير الثقافة العربية والإسلامية في الكيخوته /عدنان حسين أحمد

تأثير الثقافة العربية والإسلامية في «دون كيخوته»
 
عدنان حسين أحمد
ـ لندن ـ       
نضمت (مؤسسة الحوار الإنساني) بلندن أمسية ثقافية للدكتور محسن الرملي تحدث فيها عن "تأثيرات الثقافة العربية والإسلامية في دون كيخوته"، وقد استهل الرملي محاضرته بمقولة غونتر غراس الشهيرة: "لولا الثقافة العربية لما استطاع ثربانتس أن يجد شكله القصصي"، ويرى الرملي أن حضور الثقافة العربية والإسلامية في "الكيخوته" أكبر من حضور وتأثير أية ثقافة أخرى، باستثناء الأسبانية، لغة المؤلف الأصلية التي تغذت على أنساق من الثقافة العربية والإسلامية على مدى ثمانية قرون.
في إطار قوله بتأثير الثقافة العربية في دون كيخوته، توقف الرملي عند المؤثرات الأساسية في سيرة ثربانتس من جهة، وفي نتاجاته الإبداعية من جهة أخرى وعلى رأسها «الكيخوته»، واعتبر أية دراسة ناقصة وغير منصفة ما لم تأخذ في الاعتبار تأثير الثقافة العربية والإسلامية ودورها الأساسي في تكوين الكاتب وتعزيز عمله الأدبي شكلاً ومضمونا.
ذكر الرملي بأن هذا التأثير قد ظل مهمّشاً إلى أن نُشرت دراسات وكتب المؤرخ والناقد الأسباني الكبير أمريكو كاسترو ومنها «تفكير ثربانتس» و«مقدمات للكيخوته» و«نحو ثربانتس» التي مهّدت الطريق أمام الكثيرين لإعادة قراءة ثربانتس وفهمه بشكل أعمق ومن بينهم خوان غويتيسولو وخايمة أوليفر آسين وروجيه غارودي وآخرون. يعتقد الرملي أن أفضل إجراء لدراسة سيرة ثربانتس هو تقسيمها إلى ثلاث مراحل ترتكز على أسْرِه في الجزائر وما قبل هذه المرحلة وما تبعها، ويبدو أن مرحلة الأسر التي امتدت إلى خمسة أعوام تقريباً هي التي أحدثت تغييراً جذرياً في حياته ونتاجاته الإبداعية التي كتبها بعد الأسر مباشرة مثل مسرحيتي «معاملات الجزائر» و«حمّامات الجزائر» وروايته القصيرة  «السلطانة الكبيرة».
لقد عايش ثربانتس طوال حياته مع تواجد المسلمين في أسبانيا لأن آخر طرد لتواجد المورسكيين في أسبانيا كان بين الأعوام 1606 و 1614، بينما كانت وفاته عام 1616. يستدل الرملي على أن ثرفانتس كان يعرف العربية إلى حد ما أو أنه، على الأقل، كان يفهمها بطريقة تؤهله للتواصل مع محاوريه من العرب. وعلى الرغم من قساوة سنوات الأسْر إلاّ أن ثربانتس لم يرفض الثقافة العربية، ولم يتحامل على كل ما هو عربي، فقد ذهب بمهمة رسمية إلى وهران في حزيران 1581، أي بعد مدة قصيرة من إخلاء سبيله من الأسْر. يعتقد الرملي بأن ثرفانتس هو أهمّ وأفضل منْ وظّف معطيات السيرة الذاتية في أدبهم، وبالذات في «الكيخوته»، ويرى في توظيفها بداية للرواية الحديثة.
قسّم محسن الرملي المؤثرات العربية والإسلامية في «الكيخوته» إلى أربعة أقسام تاريخية وأدبية ودينية ولغوية. ففي القسم التاريخي الذي يجمع بين المعقولية والجانب الواقعي كتب ثربانتس عن سنوات أسره في الجزائر وعن محنة المورسكيين واضطهادهم وطردهم من أسبانيا، كما كتب عن تمثّل ثربانتس لشروط الفروسية العربية لأنه دافع عن الفقراء واليتامى والمظلومين، فيما دافعت الفروسية الغربية عن الملوك والأغنياء ولم تتهذب إلاّ بعد احتكاكها بالثقافة الإسلامية في الأندلس حيث دخلت عليها قيم مثالية، ويستدل الرملي على ذلك بأن دانتي في «الكوميديا الإلهية» لم يضع صلاح الدين الأيوبي في الجحيم لأنه كان أنموذجاً للفارس المثالي الذي يفرض احترامه على الغرب. ثم شرح الرملي بإسهاب اشتراطات الفروسية العربية والإسلامية وقواعدها المعروفة واستشهد ببعض نماذجها مثل عنترة بن شدّاد والبهلول والمعتمد بن عبّاد وغيرهم.
تتخذ المؤثرات الأدبية أشكالاً متعددة في «الكيخوته» التي تمظهرت في شكل الملحمة العربية. وقد اتبّع ثرفانتس، كما يرى الرملي، قواعد السيرة العربية وقارن بينها وبين سيرة عنترة بن شداد أبي الفوارس العبسي، فقد أسمى ثربانتس جنسه الأدبي بـ «تاريخ أو حكاية»، فيما أطلق على الشخصية الرئيسة اسم «دون كيخوته»، أما صفة الإطراء فهي العبقري النبيل، وصفة الانتساب هي المانتشاوي، نسبة إلى «دي لا مانتشا». كما اهتدى إلى إيجاد راوٍ أصلي رئيسي عربي «سيدي حامد» الذي عدّه ثربانتس المؤلف والأب الحقيقي للرواية، فيما اعتبر نفسه راوياً ثانياً وأباً «زنيماً» لهذا العمل الأدبي الكبير. أشار الرملي إلى أن ثربانتس يتبّع أغلب عناصر وتقنيات السير والملاحم الفروسية العربية مثل تقنية «قال الراوي…» التي تحيل إلى راوٍ أصلي غائب يتم توظيفه لأغراض أسلوبية وجمالية. كما توقف الرملي عند تأثيرات «ألف ليلة وليلة» على ثربانتس، بل جازف بالقول إلى أن غالبية تقنيات «الكيخوته» موجودة في بعض الأجناس الأدبية العربية مثل المقامات وحكايات العيّارين والشطّار التي نجد تأثيرها في رواية «البيكارسك» والرواية الموريسكية، كما في «قصة ابن سراج والجميلة شريفة». نوّه الرملي بأن ثربانتس لم ينتقد العقيدة الإسلامية وفلسفتها أبداً، وإنما كان ينتقد أشخاصاً مسلمين ومسيحيين ومن مختلف الأديان والقوميات. أما القسم الرابع والأخير في المحاضرة فقد تمثلت المؤثرات اللغوية في وجود «220» كلمة عربية في الرواية، هذا إضافة إلى تصحيح «الدون كيخوته» للأخطاء اللغوية التي يقترفها تابعه «سانتسو»، كما أشار إلى استعمال الكلمات المغاربية في هذا الأثر الخالد الذي يلامس وجدان الشعب الأسباني ويجد صداه لدى الشعوب الأخرى في العالم.
----------------------------------------
*نشرت في صحيفة (العرب) العدد 9182 بتاريخ 15/3/2013 لندن.

الخميس، 7 مارس 2013

حدائق الرئيس / ميرال الطحاوي

حـدائـــق الرئيـــس
ميرال الطحاوي
محسن الرملي ليس كاتباً عراقياً يعيش في المنفى منذ عشرين عاماً فقط، بل هو كاتب حمل معه قضايا العالم العربي ووطنه العراق معه عبر كل كلمه كتبها، قضايا الحرب وصراع الإثنيات والعرقيات والمذاهب المختلفة، ومحنة الموت المجاني وفوضى الصراع الذى انفجر بدخول القوات الأمريكية لبلاد ما بين النهرين. ورث محسن الرملي محنة ضياع الوطن وصراع الهوية فى رحلته عبر الكتابة، لذلك لم يكن غريباً عليه أن يبحث فى أطروحته للدكتوراه (تأثيرات الثقافة الإسلامية فى الكيخوتة) وأن تبقى قضايا كتابته هي الموت المجاني وتحول الضحايا إلى مجرد أرقام والشهداء إلى صور فى واقع اختلطت فيه الأوراق وأصبح القاتل والمقتول كلاهما ضحية.
 حمل محسن الرملي أمانة فضح هذا الدكتاتورية التى دمرت وطنه عبر عقود وأدخلته فى حروب مع جاراتها، وفضح الاحتلال الذي حول هذا الوطن إلى أقليات مذهبية تحارب بعضها بعضا، وحمل معه كذلك أمانة الدم والأخوة وإحياء ذكرى أحِبته، يقول الرملي في أحد حواراته المهمة: (أعتبر أخي حسن مطلك هو أمانة في عنقي تجاه نفسي وتجاه شعبي، لأن حسن كان كاتباً جيداً من الشباب العراقيين، وأعدم سنة 1990 فكان له على حياتي تأثير كبير. أنا تلميذ حسن مطلك فأحس بأمانة ــ لأن النظام السابق كتم صوت مثقف عراقي ــ فأنا أحس بأمانة أنه يجب أن أفرض هذا الصوت.. فاستمررت طوال حياتي أعيش من أجل شخصين، وهذا أيضاً عبء عليّ، وأنا أعيش من أجل نفسي ومن أجل حسن مطلك، ولذلك أقوم بإعادة كل مخطوطاته، ونشرت حتى الآن أربعة كتب من مخطوطات حسن مطلك، وفي النية أن أنشر كل ما كتبه). إن إعدام شقيقه حسن مطلك بتهمة تدبير مؤامرة لاغتيال صدام حسين 1990 دراما أخرى ما زالت محمولة فى صناديق محسن الرملي الكثيرة.
سافر الرملي ليدرس فى مدريد فى منتصف التسعينيات، بالطبع كان المهجر تحديا لطالب عراقي لا يحمل إلا مائتي دولار فى جيبه ولغة متواضعة ومستقبلاً مجهولاً، وتنقّل بين المهن الصغيرة والنوم في الحدائق ومشاركة الأصدقاء غرفهم الصغيرة، كما واجه صعوبة في الحصول على عمل فى بلد وصلت فيه بطالة أهلها حدوداً مقلقة، وسط أجواء اقتصادية خانقة.. رحلة محسن الرملي تستحق التأمل من وجوه كثيرة ولكن صوته وهو يحكي لي رحلته للعمل كعامل يومية فى الأردن وعن رفاقه المصريين لم تغادر ذاكرتي. أعرف الرملي كصديق من زمن طويل لكن تلك اللحظة التى كان يحدثني فيها أدركت أن هذا الرجل يحمل الكثير ليقوله، ويملك الرؤية الفلسفية العميقة لتحليله، ويملك القلم الدءوب والوعي بأن حياته كلها هى صفحة مليئة بالتفاصيل خلق ليكتبها ويعيش فقط ليرويها.
فى روايته الأخيرة (حدائق الرئيس) تبدأ الرواية بتسعة صناديق بها رؤوس مقطوعة موضوعة في صناديق ورقية لشباب قرية على أطراف الوادي، يجد أهل القرية هذه الصناديق ذات صباح وتصبح تركة الموت والفجيعة التي يرثها الجميع، وتبدأ رحلة اقتفاء أثر من غدر بهم، ولماذا كان عليهم أن يواجهوا هذا المصير؟ وكيف اختارهم هذا القدر؟ ولماذا تُرسل لهم الرؤوس فقط؟
متعة الأسئلة والبحث، ولوعة الفهم، وسوداوية الواقع الذي فاق كل خيالات الكتابة هى ما يقدمه محسن الرملي.
وبالطبع لم يكن صعودها للقائمة الطويلة للبوكر مفاجأة لي، فقد رشحت أعمال كثيرة للرملي وحازت جوائز كبيرة، لكن خروجها من القائمة القصيرة كان هو المفاجأة، بالطبع لا تصنع الجوائز مبدعين لكن تصنع الكتابة تجاربها الكبيرة والعميقة وتصنع أيضا كتباً رائجة.
"حدائق الرئيس" رواية مليئة بالتفاصيل.. باللوعة وبالوطن وبالثورة والأسى، وهى رواية تشكل علامة فى مسيرة الأدب العراقي وقدرته على تأريخ وتحليل التاريخ القريب والبعيد للوطن.
---------------------------------
*نشرت في صحيفة (الشروق) المصرية بتاريخ 22/2/2013م.

الطحاوي والرملي في أمسية مشتركة في معرض غوادلاخارا الدولي للكتاب في المكسيك 2011

الأربعاء، 6 مارس 2013

ليلة القبض على محسن الرملي / عبدالحفيظ العدل

قصة قصيرة
ليلة القبض على محسن الرملي
عبدالحفيظ العدل
كان أول ماتبادر إلى ذهني.. عندما نقلت وكالات الأنباء نبأ القبض على محسن الرملي.. هو أن أتخلص من كل علاقة يمكن أن تربطني به.. أو أي أثر يدل على أنني أعرفه.. أو حتى سمعت به، لهذا سارعت إلى تمزيق روايته "حدائق الرئيس" التي كنت قد انتهيت من قراءتها للمرة الرابعة تمهيدا للكتابة عنها، ومحموعته القصصية "برتقالات بغداد وحب صيني".. وقبل أن الملم ما تناثر من مزق أوراقها.. تذكرت أنه علي أن أمحو من هاتفي رقم الشاعر "جهاد أبو حشيش" التي صدرت المجموعة القصصية عن دار نشره المسماة "فضاءات".. فوجود رقمه لدي. قد يكفي دوائر الاستخبارات الأمريكية أو البريطانية أو الأسبانية وربما مخابرات نيوزيلندا وطبعا مخابرات الدول العربية.. لربط اسمي باسم "محسن الرملي".. فما دام لدي رقم "جهاد" فإنه من الطبيعي أن أعرف بعضا من أهم اصدراته.. وربما لو سألوا جهاد لأعلمهم أنه قد أهدى لي هذه المجموعة بتوصية من محسن الرملي نفسه.. بالاضافة إلى عدد آخر من الكتب.. لذلك فالاحتياط واجب.. فخير لي أن أمحو من هاتفي رقم إنسان أحترمه.. من أن أجد نفسي رفيقا لمحسن.. خاصة بعد أن نشرت الصحف تزامنا مع نبأ القبض على محسن.. أن الحكومة الامريكية.. قد أرجأت إغلاق معتقل غواناتنامو السيء الصيت، بحجة أنها لن تجد مكانا يتم فيه اعتقال ارهابي خطير لايشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي فقط.. وإنما للحكومات في مختلف أنحاء العالم.. ملكية كانت أو جمهورية أو إمارة، أو لم تستقر على الصفة التي تقدم بها نفسها للناس بعد.. أو تلك الحكومات التي مازالت في علم الغيب.. أو حتى التي لن تكون.. كمحسن الرملي لو تمكن من تنفيذ مخططه الرهيب.. و"من خاف سلم". لهذا لملمت الأوراق ووضعتها في كيس القمامة الأسود وبالرغم من أن زوجتي قالت لي أن الجو بارد وأن كيس القمامة بإمكانه الانتظار في الشرفة ليوم آخر.. إلا انني كنت حريصاً على أن أُخرج من بيتي كل ماله علاقة بمحسن.. وصرخت في وجهها قائلا: إن احتمالي للبرد أهون عندي من رائحة كيس القمامة.. ولم أبالي بابتسامة زوجتي وهي تقول: لاتوجد أية في الكيس سوى الأوراق التي مزقتها.. وسارعت إلى وضع الكيس في مستودع القمامة الذي يبعد حوالي كيلو متر عن منزلي.. وعندها فقط شعرت بالراحة وتنفست الصعداء.. وشعرت أنني ازحت عن كاهلي عبئا ثقيلاً.. وما أن عدت إلى البيت لأعيد ترتيب الكتب في مكتبتي التي قلبتها رأساً على عقب.. وأنا أفتش عن كتابيّ "محسن" السالفي الذكر.. حت طالعتني صورة أخيه حسن مطلك تتصدر غلاف كتاب "كتاب الحب.. ظلالهن على الأرض" وكان لرؤيتي لهذه الصورة وقع الصاعقة على رأسي!! فوجود كتاب لحسن يعني بالضرورة أنني أعرف أخيه محسن، والمصيبة أن محسن هو من كتب مقدمة هذا الكتاب، وكان لابد أن يكون مصيره مصير الحدائق والبرتقالات.. وقبل أن أنتهي من تمزيقه تماماً.. تذكرت أن لدي نسخة الكترونية في حاسوبي لرواية "دابادا" لحسن مطلك ونسخة الكترونية من رواية "الفتيت المبعثر" لمحسن.. وما أن انتهيت من مسح النسختين من حاسوبي.. حتى توضأت وصليت ركعتين شكراً وحمداً لله لأنني تذكرت ذلك.. ولأن الله وعدنا بالزيادة إذا شكرناه، فقد تذكرت ما أن انتهيت من الصلاة.. أنني قد كتبت في بعض مذكراتي حوارات كاملة أجريت مع محسن الرملي، سواء من خلال المواقع الالكترونية.. أو من خلال مدونته.. فسارعت إلى تمزيق هذه المذكرات بالرغم من أنها تحتوي على العديد من الجُمل والتعابير والأبيات التي كنت حريصاً على نقلها في هذه المذكرات كلما وجدتها في كتاب ما.. كما قمت بحذف المدونة من مفضلتي في الحاسوب.. قبل أن أقفز من جديد إلى المكتبة بحثاً عن مجموعة عبدالهادي سعدون "انتحالات عائلة" فالمخابرات ليست غبية، وهي ستدرك، انني مادمت قد قرأت لعبد الهادي فأنا حتما قد قرأت لمحسن الرملي.. ألم تجمعهما الغربة ودار الواح في إسبانيا معا..؟ ألم يكونا رفيقا صبا..؟ وسارعت إلى تمزيق كتاب السيرة الطائرة لإبراهيم نصرالله الذي ذكر انه التقى بعبدالهادي ومحسن في مدريد.. وزيادة في الاحتياط، فقد ألغيت من صفحتي الخاصة بالفيس بوك كل ماله علاقة بمحسن الرملي من قريب أو بعيد.
ولكنني حتى بعد أن فعلت ذلك ظللت خائفاً ومرعوباً.. فكل صوت سيارة يقترب، كنت أتخيله صوت سيارة شرطي أتت لاعتقالي بناء على طلب من المخابرات الامريكية أو غيرها.. وحتى عندما فتحت قناة خاصة بعرض الأفلام، لعل الاستغراق في مشاهدة فيلم ما ينسيني مرارة هذا الخوف، فوجئت بان خبر القبض على محسن مكتوب في شريط أسفل الشاشة.. ويفيد بأن فرقة مشتركة من عدد من مخابرات العالم بما فيها الكي جي بي التي أعيد احياؤها لهذا الغرض.. هي من قامت بالقبض على محسن الرملي.. كضربة استباقية نظراً لما تمثله قصته "بلد الباحثين عن بلد" من تهديد للأمن والسلم العالميين ولما تشكله من خطورة على كل دول العالم.. وانقلاب فاضح عل الجغرافيا التي اطمأن البشر لأسلاكها الشائكة عقوداً.. بل قروناً طويلة.. وعلى منظمة الأمم المتحدة أيضا .
أذكر أنني لم أنم حتى الفجر.. وأنا ألعن في كل ثانية أول حرف طالعته بقلم محسن الرملي الذي ربما أراد الانتقام لموت أخيه.. بتهديم العالم رأساً على عقب.. دون أن أنسى.. أن أسأل نفسي خفية: هل سيسمحون له بكتابة روايته الجديدة عن الحب؟.
-------------------------
*عبدالحفيظ العدل: كاتب ليبي، والقصة نشرت في (الحوار المتمدن) بتاريخ 22/2/2013م ومواقع أخرى.
 


 خبر سابق