تأثير الثقافة العربية
والإسلامية في «دون كيخوته»
عدنان حسين أحمد
ـ لندن ـ
نضمت (مؤسسة الحوار الإنساني) بلندن
أمسية ثقافية للدكتور محسن الرملي تحدث فيها عن "تأثيرات الثقافة
العربية والإسلامية في دون كيخوته"، وقد استهل الرملي محاضرته بمقولة غونتر
غراس الشهيرة: "لولا الثقافة العربية لما استطاع ثربانتس أن يجد شكله
القصصي"، ويرى الرملي أن حضور الثقافة العربية والإسلامية في
"الكيخوته" أكبر من حضور وتأثير أية ثقافة أخرى، باستثناء الأسبانية،
لغة المؤلف الأصلية التي تغذت على أنساق من الثقافة العربية والإسلامية على مدى
ثمانية قرون.
في إطار قوله بتأثير الثقافة العربية في
دون كيخوته، توقف الرملي عند المؤثرات الأساسية في سيرة ثربانتس من جهة، وفي نتاجاته
الإبداعية من جهة أخرى وعلى رأسها «الكيخوته»، واعتبر أية دراسة ناقصة وغير منصفة ما
لم تأخذ في الاعتبار تأثير الثقافة العربية والإسلامية ودورها الأساسي في تكوين الكاتب
وتعزيز عمله الأدبي شكلاً ومضمونا.
ذكر الرملي بأن هذا التأثير قد ظل مهمّشاً
إلى أن نُشرت دراسات وكتب المؤرخ والناقد الأسباني الكبير أمريكو كاسترو ومنها «تفكير
ثربانتس» و«مقدمات للكيخوته» و«نحو ثربانتس» التي مهّدت الطريق أمام الكثيرين لإعادة
قراءة ثربانتس وفهمه بشكل أعمق ومن بينهم خوان غويتيسولو وخايمة أوليفر آسين وروجيه
غارودي وآخرون. يعتقد الرملي أن أفضل إجراء لدراسة سيرة ثربانتس هو تقسيمها إلى ثلاث
مراحل ترتكز على أسْرِه في الجزائر وما قبل هذه المرحلة وما تبعها، ويبدو أن مرحلة
الأسر التي امتدت إلى خمسة أعوام تقريباً هي التي أحدثت تغييراً جذرياً في حياته ونتاجاته
الإبداعية التي كتبها بعد الأسر مباشرة مثل مسرحيتي «معاملات الجزائر» و«حمّامات الجزائر»
وروايته القصيرة «السلطانة الكبيرة».
لقد عايش ثربانتس طوال حياته مع تواجد المسلمين
في أسبانيا لأن آخر طرد لتواجد المورسكيين في أسبانيا كان بين الأعوام 1606 و 1614،
بينما كانت وفاته عام 1616. يستدل الرملي على أن ثرفانتس كان يعرف العربية إلى حد ما
أو أنه، على الأقل، كان يفهمها بطريقة تؤهله للتواصل مع محاوريه من العرب. وعلى الرغم
من قساوة سنوات الأسْر إلاّ أن ثربانتس لم يرفض الثقافة العربية، ولم يتحامل على كل
ما هو عربي، فقد ذهب بمهمة رسمية إلى وهران في حزيران 1581، أي بعد مدة قصيرة من إخلاء
سبيله من الأسْر. يعتقد الرملي بأن ثرفانتس هو أهمّ وأفضل منْ وظّف معطيات السيرة الذاتية
في أدبهم، وبالذات في «الكيخوته»، ويرى في توظيفها بداية للرواية الحديثة.
قسّم محسن الرملي المؤثرات العربية والإسلامية
في «الكيخوته» إلى أربعة أقسام تاريخية وأدبية ودينية ولغوية. ففي القسم التاريخي الذي
يجمع بين المعقولية والجانب الواقعي كتب ثربانتس عن سنوات أسره في الجزائر وعن محنة
المورسكيين واضطهادهم وطردهم من أسبانيا، كما كتب عن تمثّل ثربانتس لشروط الفروسية
العربية لأنه دافع عن الفقراء واليتامى والمظلومين، فيما دافعت الفروسية الغربية عن
الملوك والأغنياء ولم تتهذب إلاّ بعد احتكاكها بالثقافة الإسلامية في الأندلس حيث دخلت
عليها قيم مثالية، ويستدل الرملي على ذلك بأن دانتي في «الكوميديا الإلهية» لم يضع
صلاح الدين الأيوبي في الجحيم لأنه كان أنموذجاً للفارس المثالي الذي يفرض احترامه
على الغرب. ثم شرح الرملي بإسهاب اشتراطات الفروسية العربية والإسلامية وقواعدها المعروفة
واستشهد ببعض نماذجها مثل عنترة بن شدّاد والبهلول والمعتمد بن عبّاد وغيرهم.
تتخذ المؤثرات الأدبية أشكالاً متعددة في
«الكيخوته» التي تمظهرت في شكل الملحمة العربية. وقد اتبّع ثرفانتس، كما يرى الرملي،
قواعد السيرة العربية وقارن بينها وبين سيرة عنترة بن شداد أبي الفوارس العبسي، فقد
أسمى ثربانتس جنسه الأدبي بـ «تاريخ أو حكاية»، فيما أطلق على الشخصية الرئيسة اسم
«دون كيخوته»، أما صفة الإطراء فهي العبقري النبيل، وصفة الانتساب هي المانتشاوي، نسبة
إلى «دي لا مانتشا». كما اهتدى إلى إيجاد راوٍ أصلي رئيسي عربي «سيدي حامد» الذي عدّه
ثربانتس المؤلف والأب الحقيقي للرواية، فيما اعتبر نفسه راوياً ثانياً وأباً «زنيماً»
لهذا العمل الأدبي الكبير. أشار الرملي إلى أن ثربانتس يتبّع أغلب عناصر وتقنيات السير
والملاحم الفروسية العربية مثل تقنية «قال الراوي…» التي تحيل إلى راوٍ أصلي غائب يتم
توظيفه لأغراض أسلوبية وجمالية. كما توقف الرملي عند تأثيرات «ألف ليلة وليلة» على
ثربانتس، بل جازف بالقول إلى أن غالبية تقنيات «الكيخوته» موجودة في بعض الأجناس الأدبية
العربية مثل المقامات وحكايات العيّارين والشطّار التي نجد تأثيرها في رواية «البيكارسك»
والرواية الموريسكية، كما في «قصة ابن سراج والجميلة شريفة». نوّه الرملي بأن ثربانتس
لم ينتقد العقيدة الإسلامية وفلسفتها أبداً، وإنما كان ينتقد أشخاصاً مسلمين ومسيحيين
ومن مختلف الأديان والقوميات. أما القسم الرابع والأخير في المحاضرة فقد تمثلت المؤثرات
اللغوية في وجود «220» كلمة عربية في الرواية، هذا إضافة إلى تصحيح «الدون كيخوته»
للأخطاء اللغوية التي يقترفها تابعه «سانتسو»، كما أشار إلى استعمال الكلمات المغاربية
في هذا الأثر الخالد الذي يلامس وجدان الشعب الأسباني ويجد صداه لدى الشعوب الأخرى
في العالم.
----------------------------------------
*نشرت في صحيفة (العرب) العدد 9182 بتاريخ 15/3/2013 لندن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق