الأربعاء، 6 مارس 2013

ليلة القبض على محسن الرملي / عبدالحفيظ العدل

قصة قصيرة
ليلة القبض على محسن الرملي
عبدالحفيظ العدل
كان أول ماتبادر إلى ذهني.. عندما نقلت وكالات الأنباء نبأ القبض على محسن الرملي.. هو أن أتخلص من كل علاقة يمكن أن تربطني به.. أو أي أثر يدل على أنني أعرفه.. أو حتى سمعت به، لهذا سارعت إلى تمزيق روايته "حدائق الرئيس" التي كنت قد انتهيت من قراءتها للمرة الرابعة تمهيدا للكتابة عنها، ومحموعته القصصية "برتقالات بغداد وحب صيني".. وقبل أن الملم ما تناثر من مزق أوراقها.. تذكرت أنه علي أن أمحو من هاتفي رقم الشاعر "جهاد أبو حشيش" التي صدرت المجموعة القصصية عن دار نشره المسماة "فضاءات".. فوجود رقمه لدي. قد يكفي دوائر الاستخبارات الأمريكية أو البريطانية أو الأسبانية وربما مخابرات نيوزيلندا وطبعا مخابرات الدول العربية.. لربط اسمي باسم "محسن الرملي".. فما دام لدي رقم "جهاد" فإنه من الطبيعي أن أعرف بعضا من أهم اصدراته.. وربما لو سألوا جهاد لأعلمهم أنه قد أهدى لي هذه المجموعة بتوصية من محسن الرملي نفسه.. بالاضافة إلى عدد آخر من الكتب.. لذلك فالاحتياط واجب.. فخير لي أن أمحو من هاتفي رقم إنسان أحترمه.. من أن أجد نفسي رفيقا لمحسن.. خاصة بعد أن نشرت الصحف تزامنا مع نبأ القبض على محسن.. أن الحكومة الامريكية.. قد أرجأت إغلاق معتقل غواناتنامو السيء الصيت، بحجة أنها لن تجد مكانا يتم فيه اعتقال ارهابي خطير لايشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي فقط.. وإنما للحكومات في مختلف أنحاء العالم.. ملكية كانت أو جمهورية أو إمارة، أو لم تستقر على الصفة التي تقدم بها نفسها للناس بعد.. أو تلك الحكومات التي مازالت في علم الغيب.. أو حتى التي لن تكون.. كمحسن الرملي لو تمكن من تنفيذ مخططه الرهيب.. و"من خاف سلم". لهذا لملمت الأوراق ووضعتها في كيس القمامة الأسود وبالرغم من أن زوجتي قالت لي أن الجو بارد وأن كيس القمامة بإمكانه الانتظار في الشرفة ليوم آخر.. إلا انني كنت حريصاً على أن أُخرج من بيتي كل ماله علاقة بمحسن.. وصرخت في وجهها قائلا: إن احتمالي للبرد أهون عندي من رائحة كيس القمامة.. ولم أبالي بابتسامة زوجتي وهي تقول: لاتوجد أية في الكيس سوى الأوراق التي مزقتها.. وسارعت إلى وضع الكيس في مستودع القمامة الذي يبعد حوالي كيلو متر عن منزلي.. وعندها فقط شعرت بالراحة وتنفست الصعداء.. وشعرت أنني ازحت عن كاهلي عبئا ثقيلاً.. وما أن عدت إلى البيت لأعيد ترتيب الكتب في مكتبتي التي قلبتها رأساً على عقب.. وأنا أفتش عن كتابيّ "محسن" السالفي الذكر.. حت طالعتني صورة أخيه حسن مطلك تتصدر غلاف كتاب "كتاب الحب.. ظلالهن على الأرض" وكان لرؤيتي لهذه الصورة وقع الصاعقة على رأسي!! فوجود كتاب لحسن يعني بالضرورة أنني أعرف أخيه محسن، والمصيبة أن محسن هو من كتب مقدمة هذا الكتاب، وكان لابد أن يكون مصيره مصير الحدائق والبرتقالات.. وقبل أن أنتهي من تمزيقه تماماً.. تذكرت أن لدي نسخة الكترونية في حاسوبي لرواية "دابادا" لحسن مطلك ونسخة الكترونية من رواية "الفتيت المبعثر" لمحسن.. وما أن انتهيت من مسح النسختين من حاسوبي.. حتى توضأت وصليت ركعتين شكراً وحمداً لله لأنني تذكرت ذلك.. ولأن الله وعدنا بالزيادة إذا شكرناه، فقد تذكرت ما أن انتهيت من الصلاة.. أنني قد كتبت في بعض مذكراتي حوارات كاملة أجريت مع محسن الرملي، سواء من خلال المواقع الالكترونية.. أو من خلال مدونته.. فسارعت إلى تمزيق هذه المذكرات بالرغم من أنها تحتوي على العديد من الجُمل والتعابير والأبيات التي كنت حريصاً على نقلها في هذه المذكرات كلما وجدتها في كتاب ما.. كما قمت بحذف المدونة من مفضلتي في الحاسوب.. قبل أن أقفز من جديد إلى المكتبة بحثاً عن مجموعة عبدالهادي سعدون "انتحالات عائلة" فالمخابرات ليست غبية، وهي ستدرك، انني مادمت قد قرأت لعبد الهادي فأنا حتما قد قرأت لمحسن الرملي.. ألم تجمعهما الغربة ودار الواح في إسبانيا معا..؟ ألم يكونا رفيقا صبا..؟ وسارعت إلى تمزيق كتاب السيرة الطائرة لإبراهيم نصرالله الذي ذكر انه التقى بعبدالهادي ومحسن في مدريد.. وزيادة في الاحتياط، فقد ألغيت من صفحتي الخاصة بالفيس بوك كل ماله علاقة بمحسن الرملي من قريب أو بعيد.
ولكنني حتى بعد أن فعلت ذلك ظللت خائفاً ومرعوباً.. فكل صوت سيارة يقترب، كنت أتخيله صوت سيارة شرطي أتت لاعتقالي بناء على طلب من المخابرات الامريكية أو غيرها.. وحتى عندما فتحت قناة خاصة بعرض الأفلام، لعل الاستغراق في مشاهدة فيلم ما ينسيني مرارة هذا الخوف، فوجئت بان خبر القبض على محسن مكتوب في شريط أسفل الشاشة.. ويفيد بأن فرقة مشتركة من عدد من مخابرات العالم بما فيها الكي جي بي التي أعيد احياؤها لهذا الغرض.. هي من قامت بالقبض على محسن الرملي.. كضربة استباقية نظراً لما تمثله قصته "بلد الباحثين عن بلد" من تهديد للأمن والسلم العالميين ولما تشكله من خطورة على كل دول العالم.. وانقلاب فاضح عل الجغرافيا التي اطمأن البشر لأسلاكها الشائكة عقوداً.. بل قروناً طويلة.. وعلى منظمة الأمم المتحدة أيضا .
أذكر أنني لم أنم حتى الفجر.. وأنا ألعن في كل ثانية أول حرف طالعته بقلم محسن الرملي الذي ربما أراد الانتقام لموت أخيه.. بتهديم العالم رأساً على عقب.. دون أن أنسى.. أن أسأل نفسي خفية: هل سيسمحون له بكتابة روايته الجديدة عن الحب؟.
-------------------------
*عبدالحفيظ العدل: كاتب ليبي، والقصة نشرت في (الحوار المتمدن) بتاريخ 22/2/2013م ومواقع أخرى.
 


 خبر سابق


ليست هناك تعليقات: