الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

فحوصات ثقافية: عن الأجيال/ محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

أين الأجيال الإبداعية!

بقلم: الدكتور محسن الرملي

تُرى هل انتهى تقليد تسمية الأجيال الإبداعية؟ وتسمية: مدارس، تيارات، حركات وجماعات ثقافية؟ وكنا قد اعتدنا هذا التقليد طوال القرن العشرين. بينما نشهد اليوم تراجعه حتى في الثقافة الإسبانية، التي عُرِفت بالتَجيِّيل أكثر من غيرها، وأخذَته عنها الثقافات الأخرى، وكان أبرز أول أجيالها في أواخر القرن التاسع عشر، -وتحديداً- في 1898 لذا؛ اشتهر بتسمية جيل الـ98 ورسخت بعض أسماء أعضائه في إرث الأدب العالمي، كالحائز على نوبل 1956 رامون خيمينيث، الذي ألَّف عنه العقاد كتاب (شاعر أندلسي وجائزة عالمية)، والشاعر الكبير ماتشادو والمفكر أونامونو وغيرهم، تلاهم في الشهرة والأهمية: جيل الـ 27 الذي ضم لوركا وألبرتي وإرنانديث وبيثنته ألكساندره الحائز على نوبل 1977 وغيرهم. وعلى الرغم من أن مسألة التجييل لها شروطها المعروفة، التي دار الجدل عنها كثيراً، إلا أن اِتباعها كإجراء نقدي وإعلامي قد أثبت جدواه وإيجابيته في الإعانة على التعرّف والفهم والتدريس والإحاطة بالنتاج والخصائص وهموم الأسماء الجديدة التي تظهر في الساحة، ولم تقف عائقاً أمام خصوصية الأصوات الفردية داخلها، فتم اللجوء إلى اتخاذ العقود السنوية لتسمية الأجيال.. واتبعنا نحن في ثقافتنا العربية هذا الإجراء، فاعتدنا تسميات أجيال: الخمسينيات، الستينيات.. ولغاية التسعينيات، حيث تتبلور الأسماء وتظهر إصداراتها الأولى في منتصف العقد، ومنها ما يجتمع ويُصدِر بياناً للتعبير عن رؤيته وتدوينها وتحديد همومه ومفاهيمه ومتلاقياته واختلافاته مع الأجيال السابقة.. فما الذي حدث؟ وها نحن في منتصف العقد الثالث من هذا القرن، ولم تبرز بيننا أية محاولة جادة وواضحة تُسمي لنا الأجيال الجديدة! هل لصعوبة إيجاد التسمية؟ أم أنه تراجع النقد؟ أم ضعف التواصل والتلاقي الشخصي والفكري بين المبدعين الجدد؟ أم العكس، حيث عززت سعة وسهولة وسائل الاتصال هم الاشتغال على الاسم الفردي، وأن هذا الانفتاح في النشر والتواصل قد زاد من صعوبة حصر أسماء بعينها؟ أم أن تسمية (جيل) ذاتها قد انتهت وأصبحت من الماضي؟ وإذا كانت قد انتهت.. فما هو البديل؟ وهي التي كانت تعين المتلقي والدارس على تكوين تصور ما، وإطار يُعرّفه بكل جيل، أفكاره وقضاياه ولغته وما يحيط به وبنتاجه من ظروف، كما يساعد على ترسيخ، أو -على الأقل- تَذكُّر الأسماء والملامح. بالطبع، ثمة بعض المحاولات المحدودة لمواصلة هذا الإجراء والسعي لتشكيل مجاميع، أكثر من تسمية أجيال، حسب معرفتي بالساحات الثقافية الإسبانية والعربية والأمريكولاتينية، بعضها يحظى بانتباه، سرعان ما يخفت، ولكن الواضح؛ هو أنها لم تعد تحمل الأهمية ذاتها، ولم تتمكن هذه التسميات من فرض صوتها واسمها كما كان يحدث من قبل. وهذا أيضاً يستدعي التقصي عملياً وعلمياً، وفق تجربة كل محاولة أو مجموعة، ومن ثم دراسة كل ما يتعلق بتراجع هذه الظاهرة بشكل عام، ومسألة التجييل بشكل خاص... أنا شخصياً مع إعادة اِتباع إجراء التجييل الذي أثبت فاعليته، وأتساءل: تُرى هل تستحق منا هذه القضية وقفة تأمل ونقاش فعلاً، أم أن الأصح هو الاكتفاء بتجاهلها والاستسلام لانتظار ما ستتمخض عنه صيرورة الوقت وطبيعة الحراك الثقافي عموماً؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 83، سبتمبر 2025م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_547ea81c7ea34dae9c39ee31408a3a.pdf

ليست هناك تعليقات: