"ذئبة الحُب والكتب".. لحظة مفصلية
رياض
العلي
حينما وقعت بين يدي
رواية "ذئبة الحب والكتب" للمرة الأولى، كانت صدمة جمالية وفكرية
هزّت علاقتي بالكتب والكتابة معًا. لقد وجدت نفسي أمام نصّ مختلف، نصّ قادر على أن
يفتح نوافذ جديدة داخل ذاكرتي القرائية، وأن يوقظ رغبة عميقة في التجريب والخلق.
عندها قررت أن أكتب رواية، وكتبتها بالفعل، لكنّي اكتشفت لاحقًا أنّها كانت
سيئة، هشة، تفتقر إلى النَفَس الذي يميز الأدب الحقيقي. ومع ذلك، لم يكن فشلها سوى
بداية ضرورية، خطوة أولى في درب طويل، إذ إنّ النصوص العظيمة كثيرًا ما تزرع فينا
الرغبة في محاكاتها، حتى وإن كان حصادنا الأول مرتبكًا.
كانت "ذئبة الحب
والكتب" بالنسبة إليّ لحظة مفصلية، نقطة انعطاف غيرت مفهوم القراءة ذاته
عندي. لم أعد أنظر إلى الكتاب كوسيلة ترفيه أو معرفة عابرة، لكن كمرآة للذات،
وكفضاء موازٍ للواقع، يمكن للقارئ أن يعيش فيه حياة إضافية. لقد تذكرت جيدًا كيف
وجدت نفسي بعد الانتهاء منها عاجزًا عن فتح أي كتاب آخر، وكأنني بقيت مسحورًا،
مأخوذًا بالكامل داخل عالمها. أسبوع كامل مرّ عليّ بلا قراءة، وهو أمر لم يحدث لي
من قبل؛ كنت كمن فقد البوصلة، غير قادر على الانفكاك من سحرها، وكأنها علّقتني في
منطقة بين الحياة والخيال، بين الواقع واللغة.
ومن هنا بدأت رحلتي
الحقيقية: أدركت أنّ الكتابة هي تجربة وجودية، تتشكل من مزيج الوعي بالذات والوعي
باللغة، وأنّ كل نصّ عظيم يخلخل يقينك، ويدفعك لتعيد التفكير في علاقتك بالعالم،
بالآخرين، وبذاتك أيضًا. إن "ذئبة الحب والكتب" كانت بداية لتكوين قارئ
جديد، وربما، لكاتب جديد في داخلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رياض العلي: كاتب
وناقد عراقي، من أعماله: بسامير و هلوسات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق