السبت، 6 أبريل 2013

د. محسن الرملي في مركز الدراسات والبحوث / مسقط

د. محسن الرملي في مركز الدراسات والبحوث

الترجمة فن وميدان إبداعي وفعل إنساني
من: مركز الدراسات والبحوث ــ مسقط
استضاف مركز الدراسات والبحوث بمؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان الدكتور محسن الرملي أستاذ اللغويّات في الجامعة الأمريكية في مدريد (سنت لويس) للحديث حول واقع الترجمة في العالم العربي والتواصل بين الحضارات وصورة الإنسان العربي في الآداب الغربية وبالمقابل صورة الغربي في أدبنا العربي ومعوّقات ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأوروبية والحيّة وذلك عبر جلسة نقاشيّة مفتوحة أقيمت صباح الأربعاء- الموافق 27 من فبراير الماضي بمبنى المؤسسة.
في بداية اللقاء رحبت الباحثة مرفت العريمية مديرة المركز بالرملي الكاتب والباحث والمترجم والأستاذ في في الجامعة الأمريكية في مدريد (سنت لويس)، وقدمت تعريفاً عن سيرته، والرملي حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة الاسبانية من جامعة أوتونوما في مدريد عام 2003، موضوع أطروحته كان عن (آثار الثقافة الإسلامية في دون كيخوته). يُعد محسن الرملي العربي الوحيد المتخصص بثقافة ثربانتس حتى يومنا هذا، يصدر حالياً مجلة (الواح) الثقافية ويعتبر الكاتب واحدا من الأسماء الأدبية التي برزت في الأدب العربي المعاصر في السنوات الأخيرة، فهو يكتب بالعربية والإسبانية وترجمت بعض نصوصه إلى لغات عديدة، وإضافة إلى رصيده من إصدارات في الرواية والشعر والمسرح والترجمات وصلت إلى عشرين كتاباً منها رواياته "الفتيت المبعثر" و"تمر الأصابع" و"حدائق الرئيس" التي رشحت للفوز بجائزة البوكر العربية .
أدعو إلى تأسيس سلسلة معاهد ثقافية عربية في عواصم العالم
مدينة الجمال
وحين حان دوره بالكلام شكر الرملي مركز الدراسات والبحوث على استضافته التي من خلالها أتيحت له زيارة مسقط لأول مرة فوجدها، كما قال: "مدينة الجمال الآسر.. إنها نظيفة وحميمة"، وكان الرملي قد التقى فيها بالعديد من الاصدقاء وبمن كان قد قرأ لهم وعنهم سابقاً، كما عبر عن سروره بأن تصادف زيارته فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب مما أتاح له اقتناء العديد من الكتب، وعلق: يبدو بأن قدري أن تكون حياتي كلها مرتبطة بالكتاب ومن حسن الحظ أن يستمر هذا القدر ملازماً لي في زيارتي الأولى إلى عُمان أيضاً. كما شكر الحضور على اهتامهم وعلى هذا التنوع فيهم، حيث قدم للاستماع إليه أناس من اختصاصات واهتمامات متنوعة؛ مترجمون، كتاب، شعراء، صحفيون، فنانون، أكاديميون، طلاب، موظفون وغيرهم.
الترجمة فن وأدب
بعد هذه المقدمة، قال: على الرغم من كل الدراسات التنظيرية والتجريبة البحثية التي سعت إلى وصف الترجمة على أنها علم إلا أنني لازلت أعتقد بأنها فن وهي بذلك ميدان إبداعي أيضاً، يتدخل فيها الفعل الإنساني الشخصي على نحو كبير، ومن ذلك أن النص الواحد ذاته يمكن لعشرات المترجمين أن يترجموه بأساليب مختلفة، ومن هنا يأتي تفضيلنا لترجمة معينة عن ترجمة أخرى لمسرحيات شكسبير مثلاً.
كما أبدى الرملي عدم اتفاقه مع المنتقدين لهنات المترجمين هنا وهناك، وقال بأنه يفضل ترجمة كتاب ما ولو بنسبة 20% من الجودة على عدم ترجمته نهائياً فمهما تكن الترجمة سيئة إلا أنها ستعطي تصوراً ما عن فكرة ومناخات الكتاب، ومن يجد في نفسه القدرة على ترجمة عمل ما أفضل من ترجمة غيره فعليه القيام بذلك بدل الاكتفاء بنقد ترجمة عبارة هنا وأخرى هناك.
على المؤسسات التعليمية أن تفرض على المُبتَعَث ترجمة كتاب في تخصصه
وذكر الرملي بمقولات لجبرا إبراهيم عن جبرا بشأن الترجمة الذي وصفها بأنها أمر مستحيل ولكن لابد منها، وأنه كان قد اقترح على المؤسسات التعليمية العربية أن تفرض على أي طالب عائد بشهادة من الخارج أن يترجم ولو كتاباً واحداً في تخصصه ولو طبق هذا الاقتراح لأغنى المكتبة العربية بمصادر ثرة في كل العلوم والمعارف.
العرب أول من أسس مدارس متخصصة للترجمة في بغداد والأندلس
وقال الرملي كلكم اطلعتم على الرقام المخيبة والمفجعة لنسبة ما نترجمه بحيث أن ما يترجمه بلد واحد مثل إسبانيا في عام واحد يساوي مجموع ما ترجمناه في كل تاريخنا، وأنه لشيء مؤسف أن يكون هذا هو حالنا والعرب أول من أسس مدارس متخصصة للترجمة في بغداد وفي الأندلس. علماً بأن العرب يتميزون بإجادتهم وبسرعتهم لتعلم اللغات وبأن عدد العرب القادرين على الترجمة من لغات أخرى لاتكاد تتوفر عليه أية أمة أخرى.
وأشار إلى أنه لم تنهض أية أمة أو حضارة في التاريخ دون أن تكون الترجمة أحد المغذيات الرئيسية لثقافتها وأن مسألة ما يسمى بالنقاء الثقافي ما هي إلا وهم يشبه وهم النقاء العرقي فهي أمر مستحيل ولاوجود له على الإطلاق.
الترجمة شؤون وشجون
وقد توسع الدكتور الرملي في الحديث عن شؤون وشجون الترجمة بين العربية والإسبانية على اعتبار أنها اختصاصة وهو من العارفين بثقافتها، وحث على المزيد من التعاون الثقافي بين البلدان العربية والبلدان الناطقة بالإسبانية واصفاً إياها بأنها بلدان ليس بيننا وبينها إلا الخير، فلم يحدث لها أن استعمرتنا أو استعمرناها وليس بيننا وبينهم دم سوى دم روابط النسب التي خلفت أجيالاً فيها كبار المبدعين من أصول عربية، وأن شعوب هذه البلدان قد عانت ظروفاً مشابهة لما عانيناه من استعمار ودكتاتوريات ومن تصنيفها معنا على أنها عالم ثالث، وأن شعوب هذه البلدان تكن لنا الود والمحبة وتتعاطف مع كل قضايانا، فكيف ندير لها ظهورنا على هذا النحو ونركز صلاتنا الثقافية والاقتصادية والسياسية فقط من ثقافات البلدان التي استعمرتنا، كما أن اللغة الإسبانية تعد الثانية الآن من حيث الأهمية وعدد الناطقين بها في العالم وهم بازدياد لذا علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لترجمة أعمالنا إليها والناطقين بها متعطشون لمعرفة المزيد عنا، وبأن أفضل من يقدمنا لهم هي آدابنا وفنوننا لأن الصحافة بمعلوماتيتها غير البريئة في اغلب الأحيان لا تعطي الصورة الحقيقية عن الإنساني بما فيه من عواطف وأحلام وتراكيب نفسية وأفكار وعادات وتقاليد وذاكرة وغيرها، وكلنا يدرك كيف أننا قد تعرفنا على الشعوب الأخرى ومنها شعوب أمريكا اللاتينية من خلال آدابها أكثر من أي شيء آخر.
عناية خاصة
وبالمقابل دعى إلى مزيد من الاهتمام باللغة العربية فهي إحدى أهم ثرواتنا الحقيقية والدائمة ولسان حالنا التي تكمن فيها كل ملامح هويتنا وشخصيتنا الثقافية، وأنها الآن تحظى بمكانة متقدمة بين لغات العالم والراغبين بتعلمها بازدياد فعلينا تشجيع ذلك والتحطيط له بجدية استراتيجية وتسهيل السبل لكل من يرغب بتعلمها. إنها لغة عظيمة وثرية وجميلة بكل ما يتعلق بها من حيث الصوت والصورة الكتابية، وإذا كانت الدوافع العامة لإقبال الناس على تعلم الإنكليزية هي المصلحة ولتعلم الإسبانية الفضول الثقافي فإن اللعة العربية تجمع الدافعين معاً.
ودعى الرملي الدول العربية إلى تأسيس سلسلة من المعاهد الثقافية في كل عواصم العالم أسوة بما تفعله بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا بسلسلة معاهد غوته وإسبانيا بمعاهد ثربانتس ولتكن مثلاً حاملة لاسم المتنبي أو الجاحظ أو العربية ذاتها فتعلم اللغة وتقيم النشاطات الثقافية وتصدر المطبوعات وتقوم بالترجمات وغيرها، وقال إن الاستثمار الحقيقي وطويل المدى هو الاستثمار الثقافي علماً بأن تكاليفه هي أقل بكثير مما يصرف من مبالغ طائلة على شؤون جانبية وأقل أهمية كموائد البذخ في السفارات ومنها الاحتفالات بالاعياد الوطنية مثلاً. وإن سلسلة معاهد كهذه ومزيد من الترجمات ستساهم حتماً في تغيير الصورة النمطية عنا والتي طالما نشكو منها، ألا وهي صورة العربي الثري البدين الفض العنيف الذي لاتشغله سوى الملذات والحريم وأجواء ألف ليلة وليلة  أوصورته المرتبطة بالبعير في الصحراء والعمامة واللحية وغيرها من تصورات تم توارثها وتعزيزها منذ القرون الوسطى ومأخوذة من الآداب في أغلبها وزادت عليها صورة الإرهابي مؤخراً. وأن أفضل طريقة لتحسين تلك الصورة وتغييرها وتقديم أنفسنا تكون عبر الوسائل التي أتت من خلالها أي نتاجنا الثقافي وخاصة الآداب كالرواية والفنون كالسينما وغيرها.
هذا وقد تفاعل الحضور بشكل كبير مع المحاضرة وتم النقاش حول مقدار ونوعية ما ترجم من العربية إلى الأسبانية عموماً ومن الأدب العماني خصوصاً وعن السبل الكفيلة والأفضل للقيام بمزيد من الترجمات، كما تمت مناقشة ضرورة إيجاد حاضنات حقيقية تتبنى هموم وحقوق المترجمين والترجمة وعلاقة الإرادة الفردية والإرادة السياسية في كل ذلك.
---------------------------------------
*نشرت في صحيفة (عُمان) سلطنة عُمان، العدد 11631 بتاريخ 6/4/2013م

ليست هناك تعليقات: