الاثنين، 24 ديسمبر 2018

قراءة في رواية الحزن العراقي: حدائق الرئيس / حمدي العطار


قراءة في رواية الحزن العراقي: حدائق الرئيس 


بغداد – حمدي العطار
تدور احداث الرواية في فترة من اكثر الفترات حزنا في تاريخ العراق، وحينما يكون العراق حزينا بشكل قاسي ومأساوي كيف يمكن ان نتصور مفهوم السعادة لدى العراقيين، “رواية حدائق الرئيس” للروائي (محسن الرملي) يتحدث فيها عن ثلاث شخصيات يعيشون في احدى قرى العراق النائية ، ويتلخص في حياتهم ما جرى للعراق، ومن الطبيعي ان لا يترك القارئ هذه الرواية الا وقد تبللت اوراقها بدموعه، فمنذ البداية يضعك الروائي في قلب الحدث الاكثر مأساوية ففي الاهداء كتب الروائي “إلى أرواح أقاربي التسعة الذين ذبحوا في الثالث من رمضان 2006 “
*صناديق الموز
يبدو ان الروائي على الرغم ما فيه من حزن فهو يستخدم احيانا المفارقات الفكاهية في السرد لأنه يتحدث عن اناس عاديين طحنتهم احداث جسام فغيرت وقلبت مصائرهم ووضعتهم على طريق (كان ولا يزال غامضا)، وللموز في العراق قصة طريفة، لأن هناك جيلا في العراق لم يكن يعرف طعم الموز، لذا يستهل الروائي سرديته بهذا الشكل”في بلد لا موز فيه، استيقظت القرية على تسعة صناديق موز، في كل واحد منها رأس مقطوع لأحد أبنائها” احد هذه الرؤوس يعود الى شخصية رئيسية من الشخصيات الثلاثة التي اعتمد الروائي في تسليط الرواية عليها، وهو (ابراهيم) ويكنى “ابراهيم قسمة” لأنه مؤمن بإن الحياة قسمة ونصيب! اما الشخصية الاشكالية الثانية فهي (عبد الله) ويكنى (عبد الله كافكا) لوجود شبه كبير بالشكل بينه وبين الكاتب العالمي كافكا،والشخصية الثالثة هي (طارق) ويكنى (طارق المدهش) لكثرة اندهاشه في اكتشاف الاشياء،هؤلاء ومن يرتبط بهم سيكونوا مع الوقائع التاريخية التي جرت بالعراق واثرت فيهم وبمصائرهم هم موضوع حدائق الرئيس، وبالرجوع الى الفصل الذي يحمل رقم (27) يعود الروائي الى ذكر الموز ولكن في تغيير بسيط، لأن العراق بعد 2003 اصبح فيه الموز وبشكل كثير فهو يقول “في هذا البلد الذي لا يزرع فيه الموز….”
*الحروب هي تاريخنا
على الرغم من ان موضوع حدئق الرئيس لا تظهر بالرواية الا بالفصل رقم (16) تحت عنوان (اول الحدائق) اما الفصول ال (15) الاولى فهي يتناول فيها الروائي وقائع التاريخ كأطار للرواية، وهو اطار تتحرك فيه الشخصيات (ابراهيم وعبد الله) اما عبد الله فيكون نصيبه من الحروب العبثية الوقوع في (الأسر) وهنا الروائي يتعمق في معاناة الاسير العراقي في ايران وما يتعرض له من صنوف العذاب والحرمان وغسل الدماغ حتى يضطر عبد الله ان يدعي بإنه (مسيحي)! وحينما يعود من الاسر”بعد عشرين سنة،وقد اصبح كئيبا “كان يتوق للانعزال لوحده،لقد اعتاد الصمت والعزلة والوقت الميت، فلا وجود للوقت في داخله..لا معنى لحركة الاشياء” ويطلق عليها الروائي عنوان (ضيوف الجمهورية الاسلامية)  ومن اكثر المشاهد حزنا هو حكاية نسب عبد الله كافكا ،ابوه جلال يغتصب امه المتخلفة عقليا ويسافر ومن ثم يعود مع قوات الاحتلال ليصبح من القيادات الامنية في النظام الديمقراطي !، وامه (زكية) بعد مرور شهرين على ولادته تتعرض للعقوبة والقصاص في مشهد حزين جدا تقتل وتدفن لتلافي الفيضحة!اما ابراهيم فلم يكن نصيبه من الحرب الخليج الثانية (عاصفة الصحراء) بإفضل من صديقه عبد الله فهو قد رجع نتيجة هزيمة  الجيش في الكويت بقدم واحده! وينتهي حدقجي في قصور الرئيس ومن ثم حفار قبور لمعارضي الرئيس في تلك الحدائق ومن بعد سقوط النظام يكون شاهد ليرشد الناس على ضحاياهم المفقودين والذين قد قام بدفنهم ووضع لهم ارشيف خاص للدلالة بما فيهم صهره الضابط !لنتهي راس بدون جسد في احد صناديق الموز!
*رواية شخصيات مأزومة
استطاع الروائي محسن الرملي بما يملكه من وعي ورؤية مهنية في السرد ان يفتح عالم رحب هو عالم الشخصيات في روايته حدائق الرئيس، فالمتلقي يحس وهو يتابع تلك الرواية عن الشخصيات الثلاثة (ابناء شق الارض) – ابراهيم وعبد الله وطارق- كإن السارد غير مكترث بمصيرهم فهو ينتقل بالاحداث واسقاطاتها على تلك الشخصيات تاركا مأساة ما يتركون خلفهم من اناس يشعرون بالتعاسة والحزن اما لفقدانهم الطويل او لأصابتهم بالعوق وحتى في اطماعهم المادية والعاطفية والجنسية! وهذا ما كشف عنه (طارق) الشخصية الثالثة وهو يعرض الزواج على قسمة حينما تقصده للبحث عن جثة ابراهيم صديقه وابيها، فبعد ان يرفض عبد الله اقتراح قسمة في السفر الى بغداد للبحث عن جسد ابراهيم المذبوح ويكرر مقولته (العدمية) او (اللامنتمي) “لا فائدة من كل ذلك، ولا معنى له فكل شيء قد انتهى.. وإبراهيم انتهى/ فنهضت (قسمة) غاضبة وصاحت به: إبراهيم لم ينته ولن ينتهي. إبراهيم موجود وسيبقى موجودا في أنا، أنا ابراهيم، إبني إبراهيم، العراق إبراهيم” بمثل تلك الشخصيات القوية تستمر الحياة كما تستمر نهاية الرواية المفتوحة بقبول قسمة بالزواج من طارق صديق ابيها والسفر معه الى بغداد للعثور على جسد ابيها ابراهيم”وجدت قسمة في نفسها أن مبررات القبول أكثر من أسباب الرفض…. وأن انتهاءها من هذه المسألة وفي هذه الظروف سيكون افضل من التعويل على انتظار نموذج الشخص الذي قد لا تجده،الذي يتلاءم مع وضعها كأرملة وأم نصفها في القرية والآخر في المدينة وزوجها السابق نصف بطل ونصف خائن”
*السردية الوصفية
قدم الروائي الرملي في هذه الرواية فضلا عن الشخصيات كهوية للسرد فهناك اهتمام في وصف حياة صدام حسين وقصوره وحدائق تلك القصور التي شهدت اعماله القتل والتعذيب اما انظار ابراهيم الذي كتم السر ولا يستطيع الحديث عنه لأقرب الناس″ستعملون في أماكن خاصة تتطلب السرية والكتمان، لذا عليكم اتباع قاعدة (لا ارى،لا اسمع، لا اتكلم) ومن يفوه منكم بأية كلمة عن عمله خارج مكان عمله فسوف نقطع لسانه،والطباخ الذي يكسر صحنا سنكسر رأسه، والحدائقي الذي سيقطع نبته أو وردة سنقطع رقبته، والمنظف الذي سقصر في تنظيفه سنقصر عمره”وحينما يريد السارد ان يصف جمال وعظمة اليخت الرئاسي او الحدائق والنافورات والقصور والتماثيل والبحيرات والاشجار والتلال فهو اما يضعها في حوار بين ابراهيم ومسؤوله في القصر سعد او على شكل المونولوج الداخلي، فحديث سعد عن يخت صدام “انه في ميناء ام قصر واسمه القاهر.. طوله أكثر من مائة متر، سمعت كلفته 5 مليون دولار،كل زجاجه مضاد لللرصاص، فيه مهبط لطائرات الهليكوبتر ومسبح ومسرح وبار وحديقة وعيادة طبية واحسن اجهزة الدنياا الالكترونية،يحميه مئات من عساكر الحرس الجمهوري الخاص…. من بين حجراته،خمس غرف خاصة، فخمة لسيادة الرئيس وعائلته،ومطعم هذا اليخت،يبقى مزودا بأرقى أنواع المأكولات والمشروبات، انا من يقرر هذه المشروبات” اما الجانب المظلم من هذه القصور والحدائق فقد اكتشفه ابراهيم وساهم في دفن ضحايا هذا النظام “ومع بداية عام 2003 .. تفاقم الأمر بحيث صارت مجاميع من العساكر تأتي بمجاميع أخرى معصوبة العيون، مكتوفة الأيدي، ثم يحفرون خندقا طويلا أو يبحيئون بجرافة تقوم بحفر هوة كبيرة لا على التعين،يصفون المكتوفين المعصوبين على حافتها ويطلقون الرصاص،قيتساقط هؤلاء كأوراق الشجر بينما كان الوقت ربيعا”
*الخاتمة
انها سردية الحزن العراقي الازلي ،جعل الروائي نهايتها مفتوحة،وقابلة للتكملة وهو من قال يمكن ان يكون لها جزء ثاني، في ظل وجود حدائق للرؤوساء في العراق الان ”تتحسس رأس طفلها النائم في حجرها فتقرع الاسئلة في رأسها: ترى من أية نطفة هو؟ ترى مثل من سيكون ؟ مثل ابيه زوجها؟ مثل الرئيس الخلوع؟- الطفل اسمه صدام-مثلها هي؟ مثل ابيها؟ ام مثل طارق الذي سيترعرع هذا الصغير في كنفه؟
--------------------------------------------------------
*نشرت في (رأي اليوم) بتاريخ 23/12/2018
*وفي كتابه: قراءات نقدية في الخطاب الروائي
 

ليست هناك تعليقات: