السبت، 8 ديسمبر 2018

حوار مع محسن الرملي في صحيفة إسبانية/علي عبدالأمير




في حوار مع صحيفة إسبانية..
الرملي يعيدنا إلى الدرس المهم عن المثقف والسلطة
ترجمة واعداد: علي عبد الأمير
"كانت الثقافة العربية ممنوعة من الكتابة عن ثلاثة موضوعات: السياسة والدين والجنس. اليوم نستطيع أن نكتب ما نريد، في بعض الدول هناك رقابة رسمية، لكن السائد هو نوع من الرقابة الاجتماعية" هذا ما يلفت إليه الكاتب العراقي محسن الرملي (ولادة 1967) في حديث مع صحيفة "أي بي سي" أو "آ بي ثيABC" بالإسباني نشراها الكاتب والصحفي على  صفحتيهما في "تويتر".
 
ويصوّر الرملي المقيم في إسبانيا منذ عام 1995 بعد اعدام شقيقه الروائي حسن مطلك، على يد سلطات الدكتاتور صدام حسين، في رواية "حدائق الرئيس"، حكاية لا تبدو بعيدة عن مثيلاتها عنت بالكشف عن الحياة المعلنة والسرية للطغاة في دول أميركا اللاتينية، وهي حكاية تاريخ العراق تحت حكم صدام حسين دون الحاجة إلى تسميته. ترسم روايته زعيماً لا يمكن التكهن به وقد يكون الزعيم الليبي معمر القذافي أو "بطريرك" الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.
العراق في رواية الرملي يتجسد من خلال حياة المواطنين البسطاء الذين عانوا من الديكتاتورية والحروب والحصار: "الشخصيات الرئيسية الثلاثة في روايتي هي أمثلة على كل لون في المجتمع العراقي: إبراهيم هو الشخص الذي يطيع، عبد الله هو الذي يدرك ما يحدث لكنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء وطارق هو الشخص الذي يغير لونه وفقا لكل مرحلة. في النهاية، مهما كان ما يفعلونه، فإنهم سيواجهون جميعًا العار ذاته الذي تعنيه الحياة تحت سلطة الديكتاتورية".

غياب الفكر النقدي
وفي الحوار مع الرملي يسأل الصحافي أف جي. كاليرو "هل قوّض الافتقار إلى الحرية والتفكير النقدي في الدول العربية، تطور الفلسفة في هذا الجزء من العالم"؟
وتأتي إجابة الرملي عميقة في إشاراتها "الافتقار إلى الحرية والفلسفة ليس في العالم العربي وحسب، بل في العالم كله: اليسار واليمين. لا توجد أفكار جديدة، وهذا كان مفيدًا جدًا للأدباء. الآن لدينا "طفرة" في العالم العربي من كتابة الرواية وقراءتها، تماماً كما حدث في أمريكا اللاتينية. إنه الإنتاج الثقافي الأكثر نشاطا في الارتفاع: لدينا جوائز، ونواد للقراءة ... يقرأ الشباب، خاصة في دول الخليج، حيث تباع المزيد من الكتب. الناس لديهم فكرة خاطئة عن تلك المنطقة ومجتمعاتها معارض الكتب في المملكة العربية السعودية تشهد اقبالا واسعا وتحقق مبيعات عالية.
وردّاً على سؤال: أنت تقول "إذا كان لكل ضحية كتاب، فإن العراق سيصبح مكتبة ضخمة، من المستحيل فهرستها"، يجيب الرملي "هذا صحيح. رأيت الجثة الأولى وأنا في الثالثة عشرة من العمر. كنت من بلدة صغيرة، تخيل نفسك في كل العراق. ثماني سنوات من الحرب مع إيران، ثم عام للراحة، ثم ذهب صدام إلى الكويت، فحرب مدمرة ثم حظر دام 13 عامًا وصولًا إلى الغزو الأخير في 2003. هذا ما أرويه في الرواية: الديكتاتورية والحروب والحظر وتأثيره البشري على الناس. أنا لا أدخل في البيانات التي هي من مسؤولية الصحافة، فهناك ملايين القتلى والأرامل والأيتام. هناك صحافيون ومثقفون معروفون في العراق يطالبون بضرورة قراءة هذا العمل قبل تولي سياسي أو مسؤول أو برلماني منصبه لمعرفة ما عاناه الشعب من أجل السلطة. البعض يطلب أن يدرس في المدارس. هناك شباب لم يعشوا الحرب مع إيران ولا يعرفون معاناة السجناء. كثير من القراء يكتبون لي قائلين: "قال لي أبي عن هذا لكنني لم افهمه". هذه الرواية لها عدة أغراض: إنها تاريخ للأجيال الجديدة.
وحول الموجة الدينية السائدة ثقافياً واجتماعياً في بلاده يقول الرملي: "العراقي ليس متديناً بل يستخدم الدين. هناك حزب ديني يتعامل مع أموال المشروبات الكحولية والنوادي وبيوت الدعارة. في العراق لم يكن هناك تعصب ولن يكون. في الرواية طارق هو المثال الديني والفرص الغامضة والاستغلالية".

تاريخ من العنف
وحول عبارة وردت في الرواية ومفادها إن العراق لم يعرف السلام على امتداد تاريخه يقول الرملي "إذا رأيت التاريخ الكامل للعراق، حيث تم تأسيس أول شعوب العالم، بلاد ما بين النهرين، فإن العراق لم يعش حتى عشر سنوات من السلام. لقد كانت البلاد الأكثر ازدحاما في العالم بالغزاة من المغول والعثمانيين والفرس والإنجليز، وهذا لأنه نقطة استراتيجية وبلد غني في كل شيء: النفط، والأنهار، والأرض الخصبة، والحضارة.. الخ هل شاهدت نهب المتاحف؟ ذلك لأن هناك ثروة، أنت تحفر مترين تحت الأرض وتحصل على قطع من الآثار. الشعب العراقي مثقف، فكري إلى حد ما. وحتى مع كونه أميًا، فإنه يعرف الكثير من الشعر. أعيش مع ذاكرة تاريخية طويلة، جزء من ذاكرتي الشخصية هو البابلي، الآشوري ... الأمريكيون لم يدرسوا الأدب أو الثقافة العراقية. نظروا فقط إلى عدد الدبابات ومقدار النفط الذي حصلوا عليه، وكانوا مخطئين. 

المرأة في الرواية ومكانتها في المجتمع العراقي؟
ويقول الرملي إن "المرأة العراقية قوية، وما عانته لم تعرفه أي امرأة في عصرنا: الحرب والموت، كونها أرملة، بدون أولادها، خوفها، الحصار لنحو 13 سنة، كان الحصار أصعب من الحروب نفسها. تخيل بلدًا غنيًا لا يمكنه العثور على الخبز، وبه بحر من النفط تحت قدميه، ولكن لا توجد مياه صالحة للشرب. وبفضل النساء، لا نزال نملك خيوط المجتمع، والأسرة، وقد ضحوا من أجل دعم العائلات، ولدينا مليونان من الأرامل من هذه الحروب. لا يوجد نظام رسمي يحميهم. انهن مقاتلات لديهن المبادرة، الرجال لديهم اليوتوبيا، يريدون أن يكونوا رؤساء ويغيرون العالم بطريقتهم الخاصة، النساء أكثر واقعية ويقدرن الحياة أكثر.

الديكتاتور.. مثقفاً!
وحول صورة الثقافة والمثقف بحسب رؤية الزعماء الديكتاتوريين يقول الرملي "الديكتاتوريون يريدون أن يكونوا مثقفين. لقد كتب صدام أربع روايات، وفي السجن حتى اليوم الأخير كان يكتب الشعر، لكن كل ذلك كان هراء. والقذافي لديه "الكتاب الأخضر". إنهم يشعرون أن ما سيجعلهم أبديين هو الفن. أكثر ما يزعج الديكتاتوريين هو المثقف: ممنوع الحديث عن السياسة والدين والجنس... هل تتحدث عن الفراشات إذا كان لديك أخ ميت؟ الشيء الجيد في الربيع العربي هو أنه كسر جدار الخوف. لقد فعل الشباب ذلك، والآن لدينا العديد من الكتاب الذين يكتبون بحرية عن الجنس والحب والعلاقات الشخصية... ما نفعله الآن هو الثقافة والفن. إنه مثل الماء، الذي يواجه عقبة ما بإحداث حفرة والنفاذ من خلالها".

برشلونة وريال مدريد لا الأندلس!
وعن صورة الأندلس في الخيال والذكريات الجماعية عند الانسان العربي يقول صاحب رواية "أبناء وأحذية" إن "عرب اليوم لا يرون إسبانيا الحقيقية، وإنما تأتي مع الخيال السابق لما قرأوه ودرسوه عن الأندلس: في الشعراء والكتابة... ومن هنا أهمية الأدب الحالي فهو لا يعتم بوضع الماكياج على الواقع. الآن لدينا الحرية في وصف الحقيقة كما هي. في زمن شبكات التواصل الاجتماعي، تدرك الأجيال الجديدة جيداً كيف تعرف إسبانيا، وتعرف كيف تميز ما كان الأندلس القديم والأندلس اليوم. هناك مشجعون لفريقي برشلونة ومدريد في كل ركن من أركان العالم العربي".
-----------------------------------------------------
*نشرت في موقع الشاعر والإعلامي (علي عبدالأمير عجام) بتاريخ 7/12/2018م
 

ليست هناك تعليقات: