الخميس، 24 يناير 2019

الثورة والتمرد في رواية أبناء وأحذية/موج يوسف


الثورة والتمرد في رواية أبناء وأحذية
قراءة: موج يوسف
عن دار المدى، في بغداد صدرت رواية أبناء وأحذية للروائي محسن الرملي. عالجت الرواية قضايا متعددة اغلبها تخص الشاب وطموحاته ، وتمرده على التقاليد والأعراف البالية التي نشأ عليها، فكل تغير مختلف في العرف الاجتماعي يواجه عدّاء، لكنَّ التصميم عليه يتحول إلى واقع مرغوب. الثورة أخذت حيزاً كبيراً من الرواية ، فتبدأ الرواية بالثورة على الواقع "انتقاماً من موت طفلتي في العراق، أنجبتُ سبعة وعشرين طفلاً في إسبانيا وكولومبيا"، الروائي يضع القارئ بين حيرة الشك واليقين في هذا النص ويمكننا أن نعدّه بؤرة السرد أو الرؤية التي تنطلق منها أحداث الرواية ، ويشكل لنا نسقاً تنمى من عقدة صاحبت بطل الرواية أمير واستمرت معه الى نهاية الرواية ، فتنطلق العقدة من ايديولوجية الروائي لتوضح لنا بأن العراق أصبح بلداً غير صالح للعيش ؛ لأنّ حتى الطفل وليد الساعات يموت فيه بلا سبب، لكن الزمن الذي يرويه الراوي يعيدنا الى مرحلة ما قبل سقوط النظام اي تلك المرحلة كانت من اشد المراحل وأقساها في تاريخ العراق (الثمانينيات والتسعينيات) ما بين حرب وحصار يموت الصغار. الرواية قامت على أنساق مضمرة ومعلنة تارة اخرى فالثورة والتمرد كانت أهم ما أضمرته، ايديولوجية الروائي كانت قائمة على التمرد الذي يعزى سببه إلى الممارسات القسرية التي كانت تتبعها السياسية والدين على المجتمع وأفراده ، فيقول الراوي عن زهراء حبيبته وزوجته:"كانت هي تدرس في كلية الشريعة ؛ تنفيذاً لرغبة والدها رجل الدين خِرّيج الحوزة في النّجف، وأنا أدرس في كلية التربية الرياضية تنفيذاً لرغبة والدي الشرطي " فرجل الدين والشرطي نسقين مضمرين يعبران عن السلطة السياسية والدين حينما يفرضان سلطتهما قسراً على المجتمع. الثورة والتمرد يظهران حينما يتمرد أمير وزهراء ويتركان كليتهما اللاتي اختارهما والديهما ويلتحقان بكلية الفنون قسم المسرح تنفيذا لرغبتهما وحلمهما المسرحي. الروائي يحاول أن يطرح فكرة التمرد بأنها تحتاج إلى إصرار فقط وقيام ثورة ثقافية. وبعد أحداث طويلة وخيبة أمل يعيشها الراوي حين فشل زواجه من زهراء يقرر الهروب الى إسبانيا وبهذا المهرب تحدث ثورة عنيفة يعشها الراوي مع ذاته كما قام بكسر كل التقاليد الشرقية حين قام أمير بإهداء حيواناته المنوية إلى أية امرأة ترغب بالإنجاب متخلي عن مسؤوليته الأبوية " وهكذا وجدت نفسي دون تردّد أستجيب لكل امرأة ترغب بإنجاب طفل شرط الاتفاق بألّا تقع على عاتقي أية مسؤولية " ففي نظرنا هناك خرق للطبيعة البشرية وظلم بحق الانسانية فالثورة ضد النفس تقودها الى الفوضى والدمار، ايضاً من الممكن أن يتعايش الفرد مع اي ظرف واي مجتمع أن اراد، لكنَّ الروائي جعل هذا العمل هو إهداء لسعادة الغير على حساب الذات، من دون التفكير أن مثل هذا العمل من الممكن أن يؤدي الى نتائج وخيمة. وتسير احداث الرواية وما يزال البطل يعيش في ثورة ضد نفسه ويستمر بإنتاج الاطفال الى أن يصل عددهم سبعة وعشرين طفلاُ ختاماً بجيفارا حين تزوج من الفتاة الكولومبية (بإيراسيما) والتي كانت تعمل في صفوف الثوار وقيادة الشباب التابعين لجيفارا، لتنطفئ ثورته الذاتية ويكف تمرده ويعلن انتصار الإنسانية على السلطة والدين، فيقول في خطابه مع بإيراسيما "هل أنتَ مستعد للقتل؟ _ لا . ولا حتى من أجل العراق ؟ _ لا ولا حتى من أجل الله ذاته . _ ولا حتى من أجل امرأة؟ فاجئني السؤال ففكّرت وتذكّرت كيف أني واجهت أبي لأوّل مرة، وكنت على استعاد لحظتها لقتله دفاعاً عن أمي واختي انضباظ  فقلت ربما".
في نهاية المطاف يعلن الراوي أهمية القيم الإنسانية عن غيرها من الامور الحياتية. الرواية تثير شجن القارئ لما فيها ما أحداث متنوعة ومتجددة وفيها خروقات للعادات كذلك جُرأت الروائي في طرحه للأفكار في انساق مضمرة وتخفيها في النصوص، في نظري إن الرواية نتاج تجارب كثيرة من الممكن أن يمرّ بها اي شخص كان ونتاج انفعالات ذاتية خيمت على ذات الروائي.
----------------------------
*نشرت في صحيفة (المواطن) العراقية، العدد 3058، الثلاثاء 8 كانون الثاني2019م
*موج اليوسف: كاتبة وناقدة وأكاديمية عراقية.
www.almowatennews.com

ليست هناك تعليقات: