فُحوصات ثقافية
أزمة خيال عربي
بقلم: الدكتور محسن الرملي
أين الخيال في آدابنا المعاصرة؟ أين الفنتازيا فيما
نقرأه ونكتبه اليوم؟ لماذا لم نخلق ولو شخصية واحدة مدهشة منذ زمن طويل؟ لماذا لم
ننتج عملاً يوازي بدهشته أية حكاية شعبية من حكاياتنا؟ ألسنا نحن الشرق الذي ما أن
يأتي ذكره في أحاديث الآخرين عنا حتى تنفتح آفاق الذهن عندهم إلى مديات لا حدود
لها من السحر والفنتازيا! البساط الطائر، مصباح علاء الدين بمارد شبيك لبيك، وافتح
يا سمسم، رحلات السندباد، الكنوز الخبيئة والجزر الغريبة وما يصعب حصره في ألف
ليلة وليلة، الحيوانات الناطقة بالحكمة في كليلة ودمنة، التجوال في العالم الآخر
في رسالة الغفران، حي بن يقظان، طائر الفينيق، كلكامش وشخصياتنا الفريدة مزجاً بين
الواقعي والخيالي، بين التاريخي والأدبي كمجنون ليلى، كيلوباترا، بلقيس، عروة ابن
الورد، جحا، عنترة ابن شداد، أبو زيد الهلالي، الحلاج.. وغيرها.
لماذا ما نقرأه اليوم في آدابنا يتلبس بالواقعية
ويفتقر إلى الخيال المدهش.. بل حتى أنه أقل خيالاً من واقعنا نفسه، وأقل من الواقع
واقعية، بحكم المحاذير الاجتماعية والسياسية والدينية. كنا نجيد استلهام بذور
الشخصيات من إرثنا وواقعنا وإرث وواقع غيرنا وأسطَرَتها، فما الذي أوقفنا عن ذلك! ها
هي أمريكا اللاتينية، شريكتنا في كونها من العالم الثالث، قد قدمت واقعيتها
السحرية على أبهى ما يكون وسحرت بها العالم، وها هي اليابان العلمية تدهشنا
بشخصيات فنونها الخالية، وها هو الغرب الذي نتهمه بالواقعية والمادية يخترع شخصيات
الخيال العلمي وشخصيات قصص الأطفال، وسوبرمان، باتمان، طرزان، فرانكنشتاين وهاري
بوتر وغيرها، حيث يواصل تنقيبه في تاريخه وإرثه وإرث غيره عن حجر الفلاسفة والسحري
والأسطوري كي يعيد إنتاجه في آدابه وفي السينما باحثاً عن الدهشة وخصوبة الخيال..
كأن الغرب قد أصبح شرقاً والشرق غرباً في هذا الأمر!
إذا كان واقعنا مرتبكاً أصلاً، فلماذا نواصل مراكمة الارتباك
عليه عبر نتاجاتنا التي هي أكثر ارتباكاً في واقعيتها؟! ترى هل أخذتنا هموم واقعنا
إلى الحد الذي حرمتنا فيه حتى من نعمة الخيال؟ أم أن حُسن واقعنا يفوق الخيال؟! أم
أن موت الجدات، قد قطع عنا نبع الخيال؟ أم أن الشاشات قد أخذت منا أقصى دهشتنا
وحاصرتنا حتى حجبت عنا رؤية ما سواها؟ فتحولنا إلى مجرد متلقين ومستهلكين لما
ينتجه الخيال الآخر. تُرى هل نضب الخيال عندنا وتعطل إلى هذا الحد؟ أشك في ذلك،
لأن الإنسان في معظم تكوينه اللامادي هو ثمرة المخيلة. وأتساءل أحياناً: إذا كنا
عاجزين عن تصدير العلم والفكر إلى غيرنا الآن، فلماذا لا نصدر لهم الخيال على
الأقل؟!
ليتنا نناقش هذه المسألة ونتفحص أزمة
الخيال عندنا، فهذا النقص يعطلنا حتى عن إيجاد حلول إبداعية مبتَكَرة لمشاكلنا في
مختلف الميادين، لذا نجد أنفسنا نكرر معالجات تقليدية أغلبها أثبت فشله.. ليتنا نأخذ
هذا الأمر بجدية، ولو فيما يخص آدابنا وفنوننا أولاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة (كتاب)، العدد 77 مارس 2025م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق