فحوصات ثقافية
سِيرة
+ رِواية = سِيرة رِوائية
بقلم:
الدكتور محسن الرملي
وضعتُ العنوان على هذا
النحو، بعلامات رياضياتية، لكي أختصر الفكرة قدر الإمكان، ومن أجل تَذكُّرها.
بات واضحاً للجميع أن
السوق العالمية للكِتاب قد أصبحت مُتخَمةً بالروايات، ووفق قاعدة السوق نفسه، فإن
كثرة العَرض تُقلل الطَلب، والسوق نفسها أيضاً، هي التي قادت إلى هذا الحال، حين
جعلت من صناعة الرواية شبيهة بصناعة الوجبات السريعة، حيث لا تجريب ولا ترميز ولا
تقنيات تحديثيّة ولا رؤى فكرية عميقة ولا قضايا كبرى ولا لغة راقية، وإنما لغة صحافية
عادية، يكتُب بها الجميع، وسَرد أُفقي، واختصار الرواية على عنصر واحد من عناصرها
الكثيرة، ألا وهو "الحكاية". وهكذا تم استسهال كتابة الرواية إلى حد
مشاعيَّتها، فصارت تدريجيّاً؛ تُغري الناس لكتابتها أكثر من إغرائهم لقراءتها.
وبالمقابل، نجد بأن كُتب
السِيرة قليلة في سوق الكِتاب، قياساً بتوفر الرواية وإنتاجها، ولا سيما سوق الكِتاب
العربي، على الرغم من تزايد الاهتمام عالمياً، بكتابة ونشر وقراءة السِيَر الذاتية
بنوعيها: السيرة الذاتية الذاتية؛ التي يكتبها الشخص بنفسه عن نفسه، والسيرة
الذاتية الغَيْرية؛ التي يكتبها شخص عن سيرة شخص آخر. والسِيَر بشكل عام، وعبر
الأزمنة، تثير الفضول والاهتمام دائماً، كونها تتعلق بتجارب واقعية وتشهد على
مرحلة وأحداث وأشخاص، وتكشف عن أسرار وعن رؤية معينة لتلك الأحداث وشخوصها
ومواضيعها، وبالتالي فهي تنطوي على رؤية للحياة أيضاً.
فيما مضى، كان المفهوم
عن هذا الجنس الكتابي، بأنه يخص الشخصيات البارِزة فقط، التي كان لها دور في
ميادين معيّنة، أو تخص أشخاصاً كانوا قريبين منهم، فيُدونون شهادتهم عنهم، أما
اليوم فهي كتابة تهم وتخص الجميع، ومن حق الجميع، فكل إنسان يعتقد بأن في سيرة
حياته، أو سيرة شخص آخر يعرفه، ما يستحق الكتابة، وهذا أمر صحيح، فلكل إنسان
تجربته وظروفه ورؤيته الخاصة في الحياة، وشهادته الخاصة عن حدث أو مرحلة ما، له
خصوصية تشبه بصمة الأصابع، لا يشبهه فيها أحد، لذا؛ فإن تدوين هذه السِيَر، بشكل
فني، سيكون إضافة ثقافية، وإيجابياً له ولغيره.
ولأن الغالبية في ثقافتنا العربية، يخشون البوح
والكشف عن أسرارهم وذكرياتهم وتجاربهم ومكنوناتهم بشكل مباشر، فإن اللجوء إلى
كتابة السيرة عبر اتباع أسلوب الفن الروائي، سيحل هذه الإشكالية بأريحية وراحة
وإبداع، وبهذا الصدد لدينا صِنفان: "سيرة روائية" وهي التي تكون فيها
الحصة الأكبر للسيرة، لذا؛ قدمنا ذِكرها في التصنيف، و"رواية سِيَريّة"،
وهي التي تكون فيها الحصة الأكبر للجانب الروائي المُستَمد من السيرة، علماً بأن
هذه التجنيسات سترتضي باللغة الفنية العادية الجيدة، ولا تتطلب لغة عالية، كما أنها
ستُجنِّب مؤلفها المحاسبة على ما يكشفه من أسراره وأسرار غيره، من سيرته، ومن
المحاسبة النقدية على التقصير في معرفة وتوظيف شروط الفن الروائي العريق... وهكذا،
أرى بأن علينا الانتباه والتدريب والتشجيع على خوض غمار هذا الميدان الثقافي المهم
جداً، وأعتقد
بأن السيرة الروائية أو الرواية السِيَرية.. ستكون حَلّاً أيضاً؛ للتخفيف من تُخمة
السوق بالروايات وشِحّة السِيَر فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في
مجلة (كتاب)، العدد 78 أبريل 2025 الشارقة
https://sibf.com/ar/pwhardcover
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق