السبت، 18 يونيو 2022

قراءة لرواية بنت دجلة/ الشيف الكيميائي

 

بِنت دجلة.. بحث عميق في تركيبة الشخصية العراقية 

الشيف الكيميائي عُمر

"قرية صحت ضاحكة وأخرى باكية، وكلاهما على ضفة نهر دجلة. لا تعرف القرى هناك ماذا سيكون غدها. ضحكا أم بكاءً، لكنها ستواصل عيشها ضحكا وبكاءا." هذا الاقتباس من رواية (بنت دجلة) للكاتب محسن الرملي، وهذه الرواية تبدأ من حيث تنتهي رواية (حدائق الرئيس). خرجت قسمة وابنها وزوجها للبحث عن جثة أبيها مقطوعة الرأس وتنتهي، بمثل نهاية الأولى (رأس قسمه في صندوق الموز) ليراه الراعي إسماعيل كذلك.

رواية بنت دجلة، فيها بحثُ عميق عن الأنانية، الصراع بين الذكورة والانوثة، الحبُ، شهوة السلطة. الموت، الظلم، الوطن، المجتمع المتقلب، المصالح الشخصية، الاحتلال، الطبقة السياسية، والكثير الكثير من الأمور التي يطول ذكرها. يوثق فيها بحرفية تامة، جزء من الأحداث والهرج بعد الاحتلال الأمريكي العراق.

في طريقهم إلى بغداد يزور الشيخ طارق، زوج قسمة، قبيلة الشخابيط وشيخهم طافر الذي فتح ذراعيه للقوات المحتلة واحتضنهم (ربما اختار لفظ الشخابيط) كون المعنى يدل على الوضع الفوضوي والهش لبعض القبائل والأفراد، وما هو ديدنهم، موضحا حالات التخبط والتملق لمثل هؤلاء وكيف يكون لهم في مثل الأحداث تأثيراً كبيراً على الساحة، في ظل كل الحكومات المتعاقبة. أصحاب المصالح الشخصية وشهوات السلطة والمال والرغبات التي تخدم القبيلة والأفراد وليس البلد، بعيداً عن أي رباط بالوطن.

غريزة الانسان بالسلطة وشهوة المال، الأحزاب السياسية، المليشيات، الحكومة التي جاءت من خارج البلد. المثقفين. شيوخ القبائل، التقديس الأعمى. دوافع الاحتلال، آثار الاحتلال، والكثير من أصناف المجتمع كان له نصيبُ من قلم الرملي بشكل مفصل.

أسلوب الرواية الساحر والمدهش، ينقل القارئ إلى أجواء الأحداث ليعيشها بكل تفاصيلها الدقيقة. أما بالنسبة لقسمة، والتي كانت غايتها الأولى العثور على جثة أبيها، لتتحول بعدها إلى شهوة عارمة للسلطة، تكشف بشاعة الإنسان في البحث عن مصالحه ونزواته.. وبرأيي الشخصي، شخصية قسمة المركبة هي تجسيد لشخصية كل عراقي عانى من الانقلابات النفسية والتناقضات.. حتى تبلورت نفسية غريبة معقدة جداً.

لم يغب عن الرملي بعض النوستالجيا/الحنين للماضي لقريته، لأهلها. لطيبتهم، "أتذكر كيف كانت قريتنا ونحن صغار؟ لا أسوار لبيوتها، أبوابها مفتوحة حتى في الليل، والغريب الذي يمر فيها عابرا، يدخل في أي بيتٍ ضيفاً عليه. كانت الأشياء أقل والمال أقل، لذا كان الكذب أقل والأمان أكثر". طيبتهم، عايشتها أنا شخصياً قبل سنين، أثناء دراستي في جامعة تكريت، وزيارتي للشرگاط ولقرية سديرة، قرية الكاتب، تحديداً، وبعض المناطق الأخرى (الزوية، المسحگ.. وبقية القربى المجاورة)، مفعمة بالخير والطيبة، والخير في أهلنا في كل محافظاتنا الطيبة وأهلها الطيبين.

---------------------

*الشيف الكيميائي عُمر: أحد أبرز الطباخين في العراق وأثقفهم، يشتهر بالكيميائي لأنه خريج علوم كيمياء.

https://www.instagram.com/p/CdwEoWhqF6M/?hl=es

ليست هناك تعليقات: