(البحث عن قلب حي ) تبدأ رحلة البحث
في المهرجان المسرحي العماني الثاني
عبدالله ملك : المسرحية تعكس واقعنا الذي نعيشه كالمصالح وحب الذات والانانية
د. حبيب غلوم : فقر السينوغرافيا هل المشكلة مادية من ادارة المسرح .. والممثلين يكسرون الخاطر
صلاح عبيـد / مسقط / للمسرح دوت كوم
انطلاقة مهمة في فعاليات المهرجان المسرحي العماني الثاني .. لترسيخ قاعدة صلبة لفعاليات فنية تاتي من بعدها الاهتمام بالبنية الاساسية للمسرح .. وتفعيل دعم الفرق الاهلية والشبابية بالسلطنة.حضور كثيف امتلات به مدرجات مسرح الشباب بروي .. تمازجت مع ضيوف المهرجان من فنانين ونقاد واعلاميين .. حدث لايقل شانا عن اي منشط ثقافي في عاصمة الثقافة العربية .. مسقط ، وتزامنا مع اليوم العالمي للمسرح.
بعد العرض مباشرة بدأت اولى الجلسات النقدية والتي تفاجأنا بها من رئيس الجلسة والذي لم يوفق في ادارتها وانتهاء بالمداخلات التي أتت على استحياء ، مقارنة مع جلسات النقد في المهرجان الاول.
التعقيب كان للفنان عبدالله ملك من دولة البحرين حيث بدا بالشكر والثناء على التنظيم لهذا المهرجان وللثقة التي منحته اياها اللجنة الرئيسية للمشاركة في التعقيب بالمهرجان ، وباسلوب منمق قال : أنا سأكون كبش الفداء فأنا لست بناقد وراي سيكون انطباعي وليس تخصصي واترك المجال فيما بعد للزملاء المختصين.
ثم تحدث قائلا في ورقته : من لم يقرأ النص ولايعرف لبه قد يتوه في مشاهد المسرحية فالنص ميلودراما للممثل الاوحد فالكاتب هنا يرثي اخاه واسقط مانعيشه في الواقع ، وماشعرت به وانا اقرأ النص قبل العرض فقد اوحى لي بانها مسرحية رمزية ، قد تصرف المخرج وحول الحوارات الى ثلاث شخصيات بالاضافة الى المريض ورمز للشخصيات بحروف القاف والعين والجيم فحرف القاف القلب حرف العين بالعين والعقل اما الجيم فالجسم الذي يحمل كل الحواس.فهل الاخ يبحث عن قلب ام المريض الانسان انا وانتم ، ام بحث عن حقيقة الانسانية نفسها فحواراتها تدلنا الى الكثير واكثر من حقيقة ، والعمل مراة لواقع الحقيقة التي نعيشها فنطالب بالتضحية وننحي انفسنا منها فالمطلوب ان نغير انفسنا بانفسنا وان لا ننتظر الشفقة من الغير.المسرحية تعكس واقعنا الذي نعيشه كالمصالح وحب الذات والانانية في وقت انتهت فيه المثالية والاخلاق ، والموت اصبحت بديهية واصبح لا يهزنا ولا يغير فينا شئ ، نتمناه لمصالحنا وان اقترب منا ندوس كل الاعراف والاحاسيس.يدعوا المؤلف الى التضحية ونكران الذات ، فنعيش هذا التناقض ولانعرف ماهو الصحيح كالقائد وسط البحر بلا ربان فنحن قطيع نتبع الراعي نحو العشب وناكله حتى وان كان بلا طعم وصرنا كحمار الجت (البرسيم) نحمله ولا نتذوقه.
قال عبدالله ملك المعقب على العرض : يبقى السؤال كيف جسد المخرج النص وقدمه لنا ؟ فهذا ماسنحاول ان نتحدث عنه وهو الاهم ، فالمخرج لم يخرج كثيرا عن ما اراده المؤلف فحاول بداية ان يتعامل مع النص وفكك الشخصية الرئيسية الى ثلاث شخصيات فدخل عالم التجريب والديكور ادخله في نفس اللعبة ، وماداخل الكهف هو نفس مايوجد في الخارج الظلمة والسوداوية ( غرفة المريض ) من خلال القماش الابيض وتحول الى كفن كما ان المريض كان ميتا حيا والساعة رمز الحياة والاستمرارية كانت صامتة ولم تتحرك.الممثلون استسلموا ورضخوا ونفذوا كل مايريده المخرج فآمنوا بالنص والمخرج والتزموا كثيرا كما جسدوا السكير والاطفال والاخ والطبيب والحبيبة ، امتعونا ولكن هل حافظ المخرج على ايقاع العرض فعروض اجنبية لا نفهمها تجعلنا نستمتع بايقاعها.فريق العمل قدموا لنا اليوم عرضا فيه كثير من الجده والالتزام وانا لست بذلك الناقد المتخصص ( كررها للمرة الثانية ) والمخرج واعد وحسب علمي كان مساعدا للمخرج في عدة اعمال وهذه المحاولة الثانية له في الاخراج وربما الثالثة ، والممثلين لا اعرفهم بالاسم لعدم مناداتهم باسمائهم في العرض ، فقد كونوا جسدا واحدا وتفوت الاداء من شخص الى آخر.
بعد ذلك اتيحت الفرصة لمداخلات من الصالة فكانت الاولى لهلال البادي من السلطنة فقال : احي الفرقة والزملاء عرض اليوم محاولة جميلة واجتهاد مميز واجتهاد المخرج مثمر وخلق من النص ابعاد مختلفة من خلال ثلاثة شخصيات والكثرة كانت جميلة ، ولكننا شعرنا بالملل وعدم التنويع في الحكاية بالرغم من ان الفكرة قوية وهناك اشياء جميلة كان من الممكن الاشتغناء عنها كالمريض المنشد ( وهنا استوفقه مدير الجلسة وطالبه بتقديم سؤال فقط مما اثار حفيظة الضيوف واولهم د. حبيب غلوم )
المداخلة الثانية كانت للدكتور حبيب غلوم من دولة الامارات : فبدأ مستفسرا عن ماهية السؤال من مدير الجلسة وان لديه بعض الاراء ليدلوا بها ، ثم شكر فريق العمل واستغرب من جلسة الممثلين امام الجمهور بعد العرض هل هو عرف جديد وان منظرهم يكسر الخاطر وخاصة ان الجلسة النقدية تاتي بعد العرض مباشرة وان عرقهم لم يجف بعد فتوجيه الملاحظات والمداخلات للمخرج الذي قد يبدو اكثر راحة اهون في تلقى الملاحظات النقدية.واستكمل الدكتور حبيب غلوم حديثه : ارجو اهتمام المخرج بالبحث والاطلاع فهذا المجال ليس سهلا اما بالنسبة للسينوغرافيا هل المشكلة مادية من ادارة المسرح فلو توفرت المادة بشكل افضل ونهتم بالسنوغرافيا وبالذات ملامح الفرح لان العمل ملامح حزن فكان لابد ان انوازن بين ملامح الفرح والحزن في العمل فالسواد مغطي على العمل حتى في السنوغرافيا ، اما بالنسبة للشخصيات الثلاث فالفكرة الاساسية شخص واحد ولابد ان المحصلة النهائية تعطينا شخص واحد والاداء لم يعطيني انهم شخص واحد
ثم جاء الدور على الفنان القطري غان السليطي : اشكر فريق العمل على الجهد واختلف مع الاخ هلال البادي في تفتيت الشخوص ومنعنى من التوحد مع الكاتب وارتمى الى القصيدة المسرحية والى احاسيس المونودراما والتفتيت نوع من التشتت وكسرت الحالة العاطفية وحالات الانفصال وكتبت مشاهد تتناقض مع حالة النص ومباشرة مع النص الشاعري وكان اقحام ، الارتداد الى الطفولة قد يكون مطلوبا ولكن بعيدا عن الجد ولم توفق في التعديل على النص ونصيحة للفنان قاسم الريامي الاسمر للاهتمام بالكوميديا.
وفي مداخلة للدكتور محمد الحبسي من السلطنة : اشكر الفرقة للعرض المتميز وبانسبة لتفتيت الشخصية فربما اعطت نوعا من الحياة للنص المسرحي وهنا اختلف مع د. حبيب ، فالتعدد يعطي اكثر من قراءة وجوانب اخرى للنص المسرحي ، واتفق مع د. حبيب للمنشد من حيث التواصل فكانت مطلوبة بينه وبين الممثلين والتداخل واعطاء قراءات اخرى ، وسؤالي للمخرج الاحتفالية التي بدأت بها العمل ماقبل العرض لو اغيت هل ستؤثر؟.
تحدث مروان البلوشي احد المهتمين بالمسرح وقال : لم اقرأ النص ولن اقيم العرض ولكن تساؤلي للمخرج مصطفى هل تؤسس لمسرح اسلامي من خلال اعمالك في الجامعة وهذا العرض ، وبالنسبة لتوزيع الكتل لم تكن بالصورة الجيدة وان المسرح ليس خطابيا واشار الى ان النص حمل بعرض اكبر منه.
وفي الختام تحدث د. عبدالكريم جواد : اميل الى القصة النقلية في العرض ومحاور الصراع لا يكتمل الا بوجود صراع الفصل والتطور والتعدد والانتقال من مرحلة الى اخرى ، فنص اليوم لم أقراه واني في العرض اشاهده كفرجة وماذا قدم لي ولا يفترض ان نقرا النص ، هنالك فكرة وخاطرة او قصيدة هل تصلح ان تتحول الى عرض مسرح متكامل وتشدنا ومتصاعده في احداثه ولا نطلب مافي النص ، واختيار هذا النص من الفرقة هو تحدي لاي فنان مسرحي.
وقال : النص ليس المحيط الخارجي بل يعبر عن هواجس الانسان الداخلية وشعرت بالمازق الذي وضعوا انفسهم لما اختاروا النص وتحدوا انفسهم ، الخاطرة تاتي في خمس دقائق فالمخرج ماذا فعل اراد ان ينوع فهل فوفق هنا يكمن السؤال؟ المقدمة هي كسر وتحويل الخاطرة الى فرجة وجو احتفالي متنوع وربما لا يحتفي بفكرة حتى تصل الى الفكرة فكان لابد من التنويع داخل العرض فخرج الى الطفولة والسكر والاداء ، فهذه وسيلة المخرج وفريق العمل الى فرجة وهل وفقوا ام فالجواب لدى الجمهور.
بعد ذلك تحدث المخرج مصطفى العلوى : هل اللجنة اعطت الناقد النص الاصلي ام النص المعد وايهما الاصح ( رد من الصالة : يفترض الاثنين معا ) وان النص قد اعده عن عدة ورقات لمحسن الرملي وانه لاتوجد لديه حدود على خشبة المسرح كما طالب بوجود سيرة ذاتية للمخرج ايضا من مدير الجلسة اسوة بالناقد والمعقب وفي رده على التساؤالت : اردت ان ارى فرجة ممثل كيف يرقص فرحا والى حنان الام وينتقل من احساس الى آخر ، والخيوط حساسة وانسانية لدى الجمهور واعزف عليها عندما احس ان النص قد اثقل على الجمهور ، والهدف الاساسي كيف يستطيع اللمثل ان يعزف على الخيوط .
وهنا تفاجأنا عندما قطع حديثه وقال : في مثل هذه المناسبات تعودنا عدم انتظار رد المخرج وانا لم اتعود على الرد .. وهذا عرضي الذي قدم اليوم وشكرا للجميع.
فتدخل عبدالله ملك قائلا في النهاية : ليس لدي جديد ولكن كنت متشوقا لاعرف المزيد عن المخرج حتى لا نظلم .
------------------------------------
*منقول من ( منتديات المسرح دوت كوم) 2006
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحث عن قلب حي
مصطفى بن محمد العلوي
"لقد بحثت.. ركضت طوال الأمس ولم أعد إلا الآن... سألت في كل مكان، سألتُ في مراكز الشرطة عن أي شخص مات بحادث أو قُتل... فتشت في المستشفيات وفي بنوك العظام والدم والعيون وأعضاء البشر وفي غرف التشريح المرعبة... ووقفت عند منعطفات الشوارع أنتظر تصادم السيارات، سألت شرطة المرور شرطياً شرطياً... قلبتُ في الصحف عن محكومين بالإعدام... طرقتُ أبواب المحاكم بحثاً عنهم... درتُ على التجار... جميع التجار بأنواعهم فلم أجد عندهم قلباً واحداً يصلح لك فتسولت على الأرصفة ثم ناديت من يبيعني قلباً وبأي ثمن؟! من يُحسن إليّ بقلب حي أو يدلني عليه أينما كان.. من؟.. ألا يوجد قلب حي واحد في هذا العالم؟".
مازلت أذكر استصراخ أحبتي قاسم جلال عليّ وهم يبحثون عن قلب حي كقلب أخيهم الذي يرقد في العناية الفائقة ينتظر.
حينها كانوا يبكون ثم يرقصون بعدها يبتسمون ويهمسون ذكرى الطفولة ثم يضحكون بجنون تنوعت الأحاسيس بتنوع الكلمات التي صاغها الكاتب العراقي المغترب الدكتور محسن الرملي تحية إجلال لهذا الكاتب فلمسرحية "البحث عن قلب حي" وقع في قلبي وفي ذاكرتي وقع ليس بالهين يمخر عباب السنين للأبد ستظل مسرحية البحث عن قلب حي وسام شرف على صدر فرقة الفن الحديث وعلى صدري أنا فإخراج نص كبير كهذا يعني المجازفة بعينها وهو شرف للرفاق علي وجلال وقاسم لأنهم قاموا بأداء دور الباحث عن القلب رغم الأحاسيس القاسية المتضاربة المتداخلة التي رسمها النص.
"سعيدٌ من لا يملك شيئاً
ومع هذا يُعطي الناس
يمنحهم قلبه ليعود
إلى المنبع بلا وسواس"
عندما يتبين لنا أن نص "البحث عن قلب حي" مونودراما مهداة إلى حسن مطلك أخ الدكتور محسن الرملي ندرك حينها ما لهذا النص من أحاسيس صادقة لم تكتب لمجرد أنها تكتب ولكنها كتبت كرثاء وكتذكر وكفن وكذوق رفيع تابعوا قضية النص من خلال الكلمات القادمة: "إن الوقت يضيق.. يضيق ويحاصرني كهذا الممر الخانق.. كيف؟.. فمن ذا الذي يستطيع إحضاره في يوم واحد.. بل في ظرف سويعات (ينظر إلى ساعته) فلم يبق من يومك إلا أقله.. ولم يحدث شيء.. ولم أفعل شيئاً. ولم أستطع إحضاره.. ياه.. ما أبخلك يا دكتور!.. تطلبه مني في يوم واحد فقط.. بينما تحبل النساء تسعة شهور لتلد بعد فيض من الآلام قلباً صغيراً بحجم التمرة.. وأي قلب طلبت!.. قلب حيّ.. حيّ!؟ ما أندر ذلك!.. صدقني أيها العزيز.. لو أتيح لي أن أحبل بآلام مخاض تسعين شهراً في ساعة واحدة مقابل أن ألد لك قلباً لما ترددتُ..".
عندما يبحث الأخ عن قلب حي لأخيه الذي يرقد في العناية الفائقة ولا بد أن يحضر القلب في غضون الساعة وأي قلب يريد قلب حي ما أندر ذلك...
(صمت)
للكاتب هنا حديث عن المرأة التي كانت تحب صاحب القلب الكبير أخيه وكيف يصبح الحب إلى جب عندما يتعلق بالتضحية فيقول:
بل حتى المرأة التي كانت تقول لك أنها تحبك أكثر من نفسها وأنها تفديك بروحها.. قالت: إنني حزينة جدا من أجله. ثم ابتسمت الحزينة واتجهت إلى صالون التجميل..
ولو بحثنا في جميع الكتب والمراجع الطبية والإنسانية والاجتماعية والمجلات والجرائد وجميع الصادرات والواردات والأعداد لمعنى أشفى وأجمل لمعنى الحزن فلن نجد مثل ما قاله الرملي في نصه:
"أتدرين حقاً ما هو الحزن؟.. إنه قاسٍ جدا.. أواه.. فيه يذوي الإنسان كما تذبل النبتة على مهل فتصفر وريقاتها ويبيض شعره.. إنه جفاف ومرارة حارقة في الحلق.. تصبح معه جميع الأطعمة بلا طعم وكأنني ألوك خرقة قماش.. أو تماماً كتلميذ يجاهد في ابتلاع ورقة الغش وبلعومه ناشف.. وفؤادي أشعر به كثمرة تعفن نصفها الأسفل.. أسود، نخر.. أحس حتى بأوجاع انتقال دودة فيه، فقلبي كدملة يا صديقته الحزينة؛ يؤلمني عند كل شيء.. عند الحب وعند التنفس أو الذكرى.. قد.. بل أنكِ لا تعلمين بأنني أحاسب نفسي حين أهم بالأكل وينتابني خجل قابض وكآبة ثقيلة حين أضحك: كيف آكل وهوجائع؟ كيف أضحك وهو يدنو من الموت".
تعالوا معاً نرى كيف صور الدكتور محسن مشهد البحث في نصه يقترب من مسرحية في انتظار جودو ويتفوق أحايين كثيرة ويقترب من أوديب عندما يبحث عن قاتل أبيه ولكنك عند الرملي تجد نفسك تركض حافيا وتبحث معه عن قلب حي حين يقول: ..ومرة أجوب الأسواق والحارات لاهثاً أدق الأبواب.. أتوسل بالمارة واحداً واحداً.. هل رأيتموه؟.. هل رأيته يا سيدي؟.. وأنت؟.. وأنتم يا أصحاب الدكاكين يا من تبيعون حتى الهواء.. أرجوكم، من منكم رآه؟. تمزق أعمدة الهواتف ثيابي.. الأعمدة التي قد يتحدث عبر أسلاكها عاشقان، أو مديران عامان، أو لصان.
وتقطع أحزمة نعلي المسامير فأهرول حافياً على الأرصفة الساخنة تفضحني مرايا الواجهات؛ منفوش الشَعر والروح.. أُقبّل الأيادي وأمسح الأكتاف.. من منكم رآه؟.. دلّوني عليه.
تعابير كثيرة وعديدة يصورها لنا هذا النص ومن المعاني الجميلة التي فعليا تجد فيها الصورة حقيقية والوصف يشبه الواقع كيف صور لنا الموت:...
فالموت نهاية.. دود يأكل.. تفسخ للخدود في تابوت مظلم تحت التراب (يرتجف) الموت ذلك السيف القادم مع اللحظات ليبتر حياتنا.. ذلك المجهول المخيف الذي يطاردنا منذ آدم.. لقد فعلنا كل شيء من أجل نسيانه أو فهمه أو تدميره.. عمّرنا الأرض وزيّناها ولم ننسه، اخترقنا الفضاء وتجولنا بين الكواكب كما نتجول في الأسواق ولم نهرب منه.. ارتقينا بالعلم حد تفاصيل أصابع النملة ولم نعرفه، اخترعنا أفظع وسائل التدمير المروّعة ولم ندمر إلا بعضنا (خائفاً) لا.. لا.. أرجوك ابتعد يا سيدنا الموت.. أعرف أنك لا تلين مهما توسلنا وإلا كرسّنا حياتنا للإبداع بالتوسل إليك أن تبتعد، أو لأبعدتك دموع الأمهات، فأنت مدمرنا جميعاً سواء أكنا بقلوب أو بلا قلوب، بضمائر أو بلا ضمائر، أثرياء أو فقراء.. ملوكاً كنا أو مساجين، وهذا فقط ما يعجبنا فيك.. إنك عادل لا تخاف أحداً في عدلك ولا يبلغ سرك الجبابرة.. وحدك من لا يُرشى ولا يغريه جمال، لا تخيف الجيوش أو الحراس، ولا تمنعه القلاع والبروج والأهرامات.. ولكنني أكرهك وأخافك، أكرهك لأي إنسان فكيف بي أرتضيك له؟..
يالك من مبعد أيها الأخ الفاضل الرملي فعلا أجد نصك فيه كل الوفاء لأخيك الشهيد في نهاية هذا العمل الجميل أن الاخ الباحث يعطي أخيه قلبه هدية له في عيد ميلاده.
ـ أهدي قلبي المتواضع إلى أخي بمناسبة عيد ميلاده، متمنياً له الشفاء العاجل ودوام العطاء.
(ويُثَبـّـت الورقة على قميصه، على الجهة اليسرى من صدره، فوق القلب.. ويُنشِد):
"سعيد من لا يملك شيئاً
ومع هذا يعطي الناس
يمنحهم قلبه ليعود
إلى المنبع بلا وسواس".
------------------------------------------------------------
*مصطفى بن محمد العلوي: مخرج مسرحي من سلطنة عمان
*نشرت في ملحق (أشرعة) الثقافي التابع لصحيفة (الوطن) العُمانية، بتاريخ 23/9/2008م.
*مصطفى بن محمد العلوي: مخرج مسرحي من سلطنة عمان
*نشرت في ملحق (أشرعة) الثقافي التابع لصحيفة (الوطن) العُمانية، بتاريخ 23/9/2008م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق