محسن الرملي: هوية جديدة أجمل
في صحيفة رصيف22 البيروتية، استطلاع عن نجاح بعض المهاجرين العرب من الأدباء
والفنانين في الاندماج في الثقافة الاسبانية وأوروبا عامة.... أود منك، لو سمحت، أن
تقدم بإيجاز شهادتك... أي بداية تجربتك، ثم ذكر أهم المنجزات المعرفية...مع إشراف
بعض المصاعب وما تفرزه الجائحة من اشكاليات عن مستقبل التثاقف العربي الأوروبي
رشيد
الحسني
محسن
الرملي: أعتقد
بأن معرفة لغة البلد هي مفتاح كل خطوات المهاجر بعدها، فمن خلال اللغة ستعرف
الثقافة والذهنية العامة وطبيعة المجتمع والسلوك الأنسب للتعايش معه أو الاندماج
فيه، وبالنسبة لي فقد كانت اللغة الإسبانية هي تخصصي الدراسي الأكاديمي أصلاً، منذ
أن كنت في العراق، ورافق تعلم اللغة، اطلاع كثير ومتواصل بقراءة كل ما يتاح لي من
الآداب الإسبانية والتعرف على فنونها، فمن خلال ذلك ستتعرف على أي بلد أكثر مما
ستعرفه عنه من خلال أخبار صحفية أو دليل سياحي أو معلومات عامة سطحية، لذا لم أشعر
بغربة كبيرة عند انتقالي للعيش في إسبانيا ولا صدمة في التعامل مع ثقافتها ولا
عزلة كالتي يشعر بها القادم وهو يجهل لغة البلد وثقافته، إضافة إلى ذلك قررت ألا
يكون هدف هجرتي هو مجرد تدبير أوراق إقامة ولقمة عيش، وإنما أن تكون مزيد من
التجربة المعاشة حقاً واستثمار للوقت.. ألا أمثل بأنني أعيش وإنما أعيش فعلاً
وصدقاً حيث أتواجد، وليس التفكير بأنها مجرد حل ومرحلة مؤقتة نفعية، وهكذا أكملت
دراستي للدكتوراه، متعمداً اختيار من ذروة ما في الثقافتين العربية والإسبانية،
فبحثت في تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته. تزوجت في هذا البلد وأنجبت وتحولت
من طالب إلى أستاذ وكتبت ونشرت في الصحف والمجلات وفي عشرات الكتب المشتركة إضافة
إلى ستة كتب تنوعت بين الروايات والقصص والشعر، هذا عدا الكثير من الترجمات بين
اللغتين، وشاركت في الكثير من النشاطات الثقافية فيه، وتحولتُ في بعضها من مجرد
مشارك إلى منظم لها، بل ووسعت مشاركاتي إلى بلدان أخرى ناطقة بالإسبانية، وهذا
دليل آخر على عملية ما قلته، من أن معرفة اللغة هي المفتاح. وكل هذا الاندماج
والتعايش لم يعني لي أبداً أن أنسلخ من ثقافتي الأولى، بل العكس، جعلت انتمائي لكل
ثقافة هو إثراء لمساهمتي في الثقافة الأخرى، أو يمكننا القول بأنني تبنيت
الثقافتين معاً وانتميت إليهما بشكل حقيقي، فتحول الشعور الأول بالانفصام أو
الانشطار بالهوية إلى شعور بهوية واحدة أقوى وأثرى وأجمل تضم الهويتين معاً.
أما بالنسبة لاحتمالات
تأثيرات الجائحة على مستقبل التثاقف العربي الأوروبي، فأعتقد بأن الأمر مازال
مبكراً لمعرفته لأن المشكلة لم تنته بعد، ولكن، في كل الأحوال، ومهما حدثت من
تغيرات اقتصادية وسياسية فإن التفاعل الثقافي في العالم لن ينتهي أبداً، لأنه من
المستحيل أن تعيش وتتطور أية ثقافة منغلقة على نفسها، وسيبقى هناك تثاقف، دائماً
وأبداً، بين كل الثقافات، ولو بنسب متفاوتة ومختلفة حسب الظروف، بل أن الاهتمام
بالثقافي يزداد ويتعمق أكثر مع وبعد كل أزمة تاريخية تمر بها البشرية.
------------------------
نشر في (رصيف22)
بتاريخ 29/8/2020م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق