الخميس، 19 ديسمبر 2019

أدباء المهجرـــ محسن الرملي /الدستورـــ إيمان عادل


أدباء عرب يتألقون في سماوات المهجر

محسن الرملي: صعوبات الاغتراب أعتبرها مكاسب معرفية

إيمان عادل
قال الكاتب محسن الرملي (عراقي في الأصل ومقيم في إسبانيا منذ ربع قرن)، حياة المهجر أصّلت لديه عدة مسائل أصبحت في بؤرة انشغالاته، كمسألة الهوية الدينية والاجتماعية والدكتاتورية وتأثيرات العولمة وغيرها من الانشغالات الفكرية.
يقول محسن الرملي، في ذكرى إعلان الأمم المتحدة عام 2000 يوم 18 ديسمبر يومًا دوليًا للمهاجرين، لتسليط الضوء حول قصص المهاجرين وتفاصيل نجاحاتهم ومعاناتهم، وأثر التداخل الذي تحدثه الهجرة بين الثقافات، وبمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين: "أنا أعيش في إسبانيا منذ ربع قرن وأحملُ جنسيتها ودرستُ وتزوجت وأنجبتُ فيها، وقرأت وكتبت بلغتها ولا أزال. هجرتي غيّرت تفكيري وشخصيتي وحياتي تمامًا وجعلتني أعرف نفسي وطاقاتي بشكل أفضل، بحيث أقول أحيانًا: يا ليتني هاجرت بوقت أبكَر مما فعلت. فحتى صعوبات الاغتراب أعتبرها مكاسب معرفية. لقد وفرت لي إسبانيا شروط العيش بكرامة كإنسان، وفرت لي الأمان والحرية، كما أن القراءة بلغتها فتحت لي آفاقًا هائلة لمعرفة العالم المحيط بي بشكل أقرب وأفضل، فعدا ما يكتب بالإسبانية أصلًا تتم ترجمة أغلب وأهم النتاجات العالمية سريعا إليها".
سألنا محسن الرملي هل تبدلت الرؤية للهجرة، خاصة أننا لم نعد نسمع عند البعض -كما في السابق- وصف الهجرة باعتبارها منفى، وكيف يرصد هو مسألة الهجرة والإحساس بها، فقال: "طبيعة ومفهوم الهجرة والإحساس بها والتعامل معها قد تغير كثيرًا مع الوقت، وبشكل خاص مع التغيرات والتطورات الحاصلة في عالمنا المعاصر، وبالتحديد فيما يتعلق بالثورة التكنولوجية، وسرعة تطور وسائل المواصلات والتواصل الحديثة، فالهجرات السابقة، كالتي في مطلع القرن العشرين وأواسطه وما قبله، كانت جديرة بأن تسمى (منفى)، حيث الانقطاع التام أو شبه التام عن البلد الأصلي، والاعتماد على الرسائل الورقية التي قد تستغرق شهورًا لتصل أو قد لا تصل، أما الآن فقد اختلف الأمر تمامًا وأصبح بالإمكان التواصل اليومي متاحًا وعلى مدار الساعة، مع الأهل والأصدقاء والقراء، سواء بالكتابة أو الصوت والصورة، مما خفف كثيرًا من وطأة المعاناة من الحنين، الذي كان ذابِحًا فعلًا، فأصبح حنين الكاتب المهاجر لا يختلف كثيرا عن حنين الكاتب المقيم إلى طفولته وصباه، وأماكن ومناخات نشأته الأولى، وتحولت الهجرة إلى ما يشبه السفر الاختياري الاستزادي أو التفضيلي إلى حد كبير".
ورغم الثورة التكنولوجية والانفتاح يرى محسن الرملي أن السرد العراقي رغم اتساع رقعته، لا يزال غير قادر على التحليق في عوالم مغايرة لهذه المنطقة، ربما هناك أسباب معلومة لذلك وأسباب يصعب رصدها وتفسيرها، لكن هذا هو الواقع الذي بدا ملتبسا وبحاجة لتحليل.
واعتبر محسن الرملي "الموضوعات التى يدور حولها أدب المهاجرين، غالبا ما تكون عن بلدهم الأول، ولا يعد ذلك حنينا بالمعنى الذى درج وشاع في وصف أدب المهجر في القرن الماضي، يتجلى بوضوح عند الكتاب المهاجرين بأن موضوعاتهم وقضيتهم الرئيسية هو بلدهم الأول، لأن الذاكرة هي مصدر الكتابة الأول، فالعراقيون على سبيل المثال، يتابعون كل ما يحدث في بلدهم من تخريب، وهم في ذلك لا يختلفون عن أقرانهم من كتاب العالم، فنجد أن أصدقاءنا من الكوبيين والروس والعرب والصينيين والأفارقة ومن كل الجنسيات يكتبون عن بلدانهم الأصلية، أكثر مما يكتبوا عن البلدان التي يعيشون فيها، وهذا شيء طبيعي وصحيح وصحي.. بل هو واجب. أما ما يمكن أن يميزهم عدا الموضوع فعادة ما تكون الرؤية وزواية النظر والتناول والحنين وحفظ الذاكرة، وتأثيرات فردية في الأساليب كل حسب تأثره باللغة والثقافة التي يقيم فيها. فكل ما نتأثر به بشكل شخصي عميق سينعكس على طبيعة تفكيرنا وما ننتجه.
عادة ما تكون مسألة ثنائية الشرق والغرب أبرز ما يميز أدب المهجر هل مازالت هذه الثنائية شاغل أساسي في أدب المهجر يقول الرملي "الروايات العربية الأولى التي كتبت عن (علاقة شرق غرب) تناولت موضوع الفوارق في العادات والتقاليد والتعليم والتمدن، مثال رواية (قنديل أم هاشم)، وتلتها مرحلة العلاقة بالمستعمر والاندهاش بالحرية ومنها الحرية الجنسية، كما في (موسم الهجرة إلى الشمال) و(الحي اللاتيني)، إلا أن الجيل الحالي شغله موضوع الهوية الثقافية أكثر، ففي تجربتي الشخصية، وخلال الأعوام الأولى من هجرتي، كانت تتنازعني الثنائيات وتعذبني، صراع داخلي شرس بين مكانين، ثقافتين، لغتين، زمنين (ماضي ومستقبل) وهويتين، فرحتُ أكتب عن هذين العالمين في داخلي دون أن أفكر في بداية الأمر أن الذي أكتبه رواية، وإنما أضع ما يدور في ذاكرتي وعالمي الآني على الورق، كي أراه بشكل أفضل وأفهمه".
ويضيف الرملي" بالفعل فإنني شعرت بالتغير الحقيقي والارتياح والتصالح مع نفسي بعد أن كتبت (تمر الأصابع)، وانتهى لدي صراع الهوية بعد أن قمتُ بالنظر إلى نفسي في مرآة الكتابة ورؤيتي أفضل لخيوط نسيج تركيبتي الشخصية والثقافية، فعرفت أين تكمن فيّ تأثيرات العادات والتقاليد والدين والدكتاتورية والحروب وغيرها من ثقافتي الأولى وأين تكمن تأثيرات الثقافة الجديدة.. وبهذه التصفية، وهذا الصفاء أصبحت منفتحًا أكثر ومتقبللًا لكل ما يؤثر بي ويقنعني من أية ثقافة كانت، دون الأسف على ذهاب وفقدان مفاهيم قديمة يسميها البعض (أصيلة)، بينما لو أنها كانت كذلك وحقيقية وقوية لما تعرضت للهشاشة والزوال بمجرد عرضها أمام أخرى جديدة.. وهكذا. لقد أصبحت ضد التعصب بكل أشكاله، ضد التعصب لأية ثقافة بعينها أو أي مفهوم أو هوية محددة ومحدودة. صار الإنسان قضيتي والإنسانية هويتي وصرت متصالحًا مع ذاتي الحاملة يتناغم لأكثر من هوية، أي أن هويتي صارت هي تنوع الهويات، وهذا ما أريده لأبنائي أيضًا.
-----------------------------------
*نشرت في صحيفة (الدستور) المصرية، بتاريخ 18/12/2019م
الرملي يوقع كتبه في معرض مدريد للكتاب

ليست هناك تعليقات: