السبت، 18 يوليو 2009

رأي /.. في المسرح

رأي ضمن إجابة على الاستفتاء الذي أجراه موقع (مسرحيون) 2004
فيما يتعلق بقراءة غد المسرح العراقي في ظل الاحتلال
د.محسن الرملي


إننا بحاجة إلى الكوميديا الجادة

أولاً أفضل ألا أسميها (قراءة الغد) لما يوحي به هذا التعبير من متعلقات بالتكهن والتنجيم إذا لم يكن مسبوقاً بدراسة موضوعية مطولة، وعليه أفضل سحبه إلى العقلانية والعملية بالقول (صناعة الغد) وسواء كانت مسألة صنع هذا الغد المسرحي العراقي في (ظل) الاحتلال الأمريكي ـ والذي نتمنى زواله تاركاً إيانا تحت سطوع الشمس العراقية ـ أو بلا (ظله) أرى أن يسارع المسرح العراقي بأخذ زمام المبادرة سبّاقاً لبقية الفنون الإبداعية الأخرى في التواصل مع الجمهور وذلك لطبيعة قدرته التفاعلية والتأثيرية الحية والحميمة والمباشرة على المتلقي، ولخلو الميدان الفني العراقي الحالي من أجناس إبداعية محلية مرئية أخرى توازيه أو تفوقه بالتأثير كالسينما والتلفزيون.
وبحكم طول الزمن الذي عانى منه العراقي من هيمنة المأساوي والدرامي والحزين بحيث تشَبع به، حد الطفح، الإنسان والبيئة والنتاجات التعبيرية المختلفة، أرى أن يسعى المسرح للجوء إلى السخرية والتهكم والكوميديا، اللجوء إلى الضحك كأداة إنسانية قابلة لتنوع الاستثمار بحيث يمكن من خلالها التعبير والتفريغ والتفريج والتخفيف والتسلية والترويح وكذلك في، الوقت نفسه، التأشير والتشخيص والنقد والتحريض والإعانة على بلورة المواقف وفتح آفاق المعالجة. فنحن اليوم بحاجة إلى توظيف الضحك أكثر من أي وقت مضى واستحضاره في أوج أزمته كمن يوقد شمعة وسط هذه العتمة الكثيفة الناتجة عن الهيمنة الحالية الطاغية للخراب والحزن والقلق والمخاوف بشأن الحاضر والغد. ففي رأيي، لا أفضل أن يذهب المشاهد من محيطه اليومي المرير إلى المسرح ليجد صورة مأساته أمامه، كما هي، مرة أخرى، وإنما يستحسن أن نقدم له على المسرح صورة أخرى لمأساته ذاتها ولكن من زاوية نظر مختلفة تعينه على هضمها، وتحديدها وإعانته على الضحك من أخطاء ممارساته فيها، الأمر الذي يجعله يخرج من المسرح وهو يشعر بالتخفف والراحة وبرؤية أكثر إنسانية وأكثر إنارة. وقد استخدمت الكثير من الشعوب بعد مرورها بمحن هذه الأداة لتتمكن من خلالها الصمود والتجاوز، أو على الأقل الشعور بالاستراحة واستعادة تنفسها وكذلك التعبير والتشخيص والنقد. والشعب العراقي ذاته نجده قد لجأ إلى النكتة كمتنفس محمّل بالرموز خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي كانت محتشدة بالقهر والظلم والدكتاتورية والخراب والحروب والحصارات والموت، بحيث أنه قد أنتجها (النكتة) بغزارة أعتقد بأنها فاقت إنتاج أي شعب آخر لها في السنوات الأخيرة، فكانت له بمثابة السلاح الرمزي والمتنفس التعبيري السلمي الوحيد.. تقريباً.
هذا إضافة إلى أن النكتة والكوميديا وما هو مضحك وفقاً لطبيعة ذهنية شعب ما هو أكثر المسائل تعبيراً عن خصوصية وهوية ذهنية هذا الشعب لذا نجدها هي ذاتها في أغلب الأحيان لا تثير الضحك عند شعب آخر مما يدل على شدة محليتها وخصوصيتها البحتة إلى حد كبير.
وهنا بالطبع لا أدعو إلى ما يسمى بالمسرح التهريجي المغرق بالإسفاف والذي من الطبيعي أن يتخوف المسرحيون الجادون من أن يوصموا به، وإنما أعني الكوميديا الجادة والمدروسة بعمق ومعروضة وفق عناصر فنية مسرحية عالية المستوى.. وأعتقد بأن الغالبية يتفقون معي على أن ما أسميناه هنا (بالكوميديا الجادة) يعد من أرقى وأصعب وجوه الفن المسرحي وأعذبها في الوقت نفسه، وأنها أسرع وأكبر تأثيراً في متلقيها.
------------------------------------
*نشر في موقع (مسرحيون) في نيسان/أبريل 2004م.
http://www.masraheon.com/old/271.htm

ليست هناك تعليقات: