الثلاثاء، 7 يوليو 2009

في قناة الجزيرة

على قناة الجزيرة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/29DD7EDA-0929-4F2E-BA01-3121C8B5740A.htm
في برنامج : موعد في المهجر

حـلقة عن:
الكاتب العراقي ( د.محسن الرملي )

تم بثها بتـاريخ : 09/07/2009
في الأوقات التالية:
بتوقيت مكة
البث الأول: الخميس / الساعة 17:30
الإعادة: الجمعة / الساعة 06:30
ـ إلى إسبانيا صحبة الأحلام الصعبة
ـ بين مهام الثقافة وهموم الغربة والكتابة ملجأ

إلى إسبانيا صحبة الأحلام الصعبة

محسن الرملي:

لا لتحرير العراق مني
هذا الحبر المسفوح على صحافتكم
هو دماء بلادي
هذا الضوء الهاطل من شاشتكم
هو نور عيون صغار البصرة
هذا المنتحب في عتمة منفاه
هو أنا.

المعلق: الشاعر وحده يستطيع أن يضع العالم أمام خطاياه وجها لوجه، يستطيع بكلمات قليلة صارمة أن يكشف عورات السياسيين الذين يشعلون حربا بسهولة إشعال سيجار طالما كان في الحرب مغنم لهم، وفي قلب مدريد ينشد الشاعر العراقي الإسباني محسن الرملي

"اسمعوني
لا لاحتفال الجيوش على سقف بيتي
لا لحريتكم الساقطة على رؤوس أهلي قنابل
لا لتحرير العراق مني
فأنا العراق"

محسن الرملي: الجميل في حياتي أن أبي وأمي غير متشابهين، أبي رجل عصامي وعنيد وحازم وأمي امرأة هادئة ومتسامحة. تعلمت من أبي أن الشيء الذي يصنع قيمة الإنسان هو مدى.. كلما كانت المعرفة عنده أكثر وكلما كان نافعاً للناس، لهذا فإن أبي هو الذي ذهب إلى الحكومة في حينها وطلب أن تؤسس مدرسة في القرية وبنى مدرسة على أرض لنا، هو الذي بناها من الطين وأسس المدرسة ثم أسس المسجد، فوجدت أن قيمته في المعرفة ـ وكان هو يقرأ، يعلم نفسه بنفسه ـ القيمة في المعرفة وبقدر خدمتك للناس. نحن تسعة أبناء، عندي ثلاثة أخوة ذكور وخمسة إناث، أخواني كان لهم تأثير كبير عليّ وخاصة أخي الراحل حسن مطلك الكاتب المعروف، والكل متعلمون تقريباً لأن أبي كان حريصاً على المسألة، فالأخوة كلهم كانوا متعلمين. أنا كان حلمي أن أدرس مسرح لأن أنا وصغير وأنا في الثانوية كنت عامل أيضا مجموعة مسرحية من أصدقائي ونطوف بها على القرى ونعمل مسرحاً، يعني.. بسيطاً، ولكن بما أن أبي رجل دين ومتشدد والعائلة.. فكان اسم أو مجرد وصف فنان يعتبرونه راقصاً، فقالوا: أبداً، إذا يعني نتبرأ منك إذا ذهبت، لأنه شيء معيب أن يخرج ابن الملا مطلك في التلفزيون ويرقص.
عادة من طبيعتي عندما أحزن أو أفكر أو أقلق أروح للنهر وأجلس على صخرة هناك وأضع أقدامي في الماء، أبقى أفكر وأتأمل، فجاء في تلك اللحظة، أنا كنت في لحظة قرار، لازم أقرر ماذا أدرس، يعني لا تستطيع أن تؤجل وإلا تذهب إلى الحرب، كانت الحرب العراقية الإيرانية قائمة فلازم تدرس أي شيء، فكنت أفكر بالصحافة نوعاً ما لأنها الأقرب، في تلك اللحظة جاء صديق، أيضا كاتب ـ وهو قد لاحقاً استشهد في الفاو ـ إبراهيم حسن ناصر، فقال لي: الصحافة لا تحتاج إلى دراسة إذا أنت مبدع في الكتابة، وأكبر الصحفيين المعروفين في العالم هم جاؤوا من موهبة أكثر مما جاؤوا من الدراسة ولكن تحتاج فعلا كأي مثقف إلى معرفة لغة ثانية، وكان كلامه سليماً، أنا كنت أتضايق من الإنجليزي، يعني اللغة الإنجليزية، لا أحبها فقلت له أنا لا أدرس الإنجليزية، يعني لا أستسيغها، قال لي ما رأيك بالإسبانية؟ وكان في لحظتها، في الثمانينات، كان الانفجار أو ما يسمى الـ Boom رواية أميركا اللاتينية. كانت مترجمة الآن للعالم العربي، ماركيز "مائة عام من العزلة" وفارغاس يوسا وكنا منذهلين فيها، فقال لي ما رأيك أن تقرأ "مائة عام من العزلة" بلغتها الأصلية؟ فأنا قلت: آه هذه ممتازة.
أُعدم أخي حسن مطلق في سنة 1990 لاشتراكه في محاولة انقلابية ضد نظام الحكم في تلك الفترة فطبعاً معروف كيف تعامل النظام مع ذوي المعدومين.. يعني تضيق عليه، الذي في وظيفة يُطرد، إذا في وظيفة حساسة، فكانت مضايقة.. وأنا كنت في الجيش ثلاث سنوات في الجيش العراقي يعني من 1989، 1990، 1991 أنا في الجيش يعني الخدمة الإلزامية، فحالما أنهيت الخدمة العسكرية فتحت الحكومة العراقية باب السفر فأنا خرجت إلى الأردن بدون أن أعرف أي أحد هناك وكان عندي فقط مائة دولار، بعد ذلك بدأت أشتغل في الصحافة، أترجم أنشر في الصحف، فهذه بدأت تساعدني، تعرفت على شخصيات مهمة وما يزال أفضل أصدقائي كثيرين من الأردن.. ويعني دخلت في بيوتهم وفي المؤسسات الثقافية وقُدمت لي مسرحية هناك في مهرجان إربد في 1993 أو 1994 كما أعتقد، ولكن كانت تضيق الأمور.. يعني بسبب الإقامة، بسبب العمل بسبب.. فبما أنني مخلّص إسباني، وبمساعدة صديق كان هنا، صديقي عبد الهادي سعدون، فبعثت له أوراق الجامعة للقبول في جامعة مدريد فتم قبولي وجئت إلى إسبانيا.

المعلق: حينما قال الشاب العراقي النحيل محسن الرملي لأساتذته في جامعة مدريد إنه يريد أن يعد رسالة لنيل الدكتوراه موضوعها أثر الثقافة الإسلامية في رواية "دون كيخوته" لميغيل دي ثرفانتس، ابتسموا جميعا ابتسامات سخرية وإشفاق فها هو عربي يجرؤ على التفكير في دراسة أهم الروايات المكتوبة بالإسبانية والتي حظيت بنصف مليون بحث ودراسة في القرون الأربعة الماضية، وبعد سنوات قليلة كان هؤلاء الأساتذة أنفسهم يمنحون الرملي درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف ويتبارون في الثناء على رسالته التي للغرابة أتت بما لم يأت به الأوائل وأثبتت أن ثرفانتس العظيم الذي أسره الجزائريون سنوات طوالا كان غارقا في تأثيرات الثقافة الإسلامية حتى أذنيه تماما كتأثر بطله دون كيخوته بروايات الفرسان الجوالين.
محسن الرملي: أحياناً أشعر بأنني ولدت معلماً، لأنه من أنا صغير.. بل وحتى وأنا صغير كنت أعمل مكتبة في البيت وأعلم أولاد عمي أو أبناء أخي ولكن بعد أن أنهيت الجامعة أيضا كنت في الجيش لفترة معلما للدروع لفترة معينة ثم علمت في مدرسة في العراق وفي معهد معلمين وهنا في إسبانيا أيضا في السنوات الأولى كنت أدرس في المدرسة العراقية في مدريد لأبناء الجالية العربية هنا ثم بعد ذلك أعطيت دروساً أيضا، دروسا في الإبداع في أكاديميات خاصة هنا في إسبانيا، دروسا في فن الكتابة وأعطيت دروسا في (وليام سكول) أيضا هنا توجد مدرسة وليام سكول أعطيت دروسا في العربية وفي الثقافة العربية ثم انتقلت إلى هذه الجامعة منذ خمس سنوات تقريباً وأيضا أدرس اللغة العربية والثقافة العربية بشكل عام، أحيانا فيها مواضيع إسلامية وأحيانا عندما تتم الحاجة أدرس أيضا مادة المسرح وفي بعض الأحيان أيضا، والجانب الإسباني لأن أنا اختصاصي يشمل الاثنين: الإسباني والعربي، مواضيع عن كيخوته.. عن دون كيشوت. هذه الجامعة تعتبر من أقدم الجامعات الأميركية في مدريد، أكثر من 17 سنة هي موجودة هنا ولدينا طلاب من كل جنسيات العالم، من كل بلد، ولكن الأكثرية من أميركا. اسمها Saint Louis University وهي جامعة معروفة في الولايات المتحدة ولكن لها فروع أخرى في الدول من ضمنها هنا في إسبانيا، يتم التدريس أكثر شيء باللغة الإسبانية لأن أكثر الطلاب الذين يأتون من الولايات المتحدة أو من دول أخرى أيضا الغرض هو للتعليم بالإسبانية ولكن هذا لا يمنع أن لدينا بالإنجليزية، ولدينا كل الاختصاصات موجودة، لدينا كل الاختصاصات العلمية والفنية والثقافية. دائما كان هناك اهتمام بالثقافة العربية واللغة العربية ولكن في العصر الحديث أكثر لأنه دائما العالم العربي حاضر في الأخبار سواء السيئة أو سواء الجيدة.. يعني مؤثر، العالم العربي صار مؤثرا وحاضرا في كل الأخبار فيريدون أن يفهموا ماذا يحدث هناك، وإضافة هناك تحول صار أيضا حتى في التوجه السياحي، فلم تعد فقط البلاجات والشمس والفنادق الضخمة هي التي تجلب السائح وإنما الفضول المعرفي، لمعرفة الشرق، لمعرفة الثقافة الأخرى.. كيف يأكلون، كيف ينامون، كيف يعيشون وأغلب الذين يذهبون إلى العالم العربي يزداد حماسهم لمعرفة هذا العالم ولتعلم هذه الثقافة، ولهذا أقول يجب أن نهتم كثيرا ونستثمر الأشخاص العرب الموجودين في الغرب ويعرفون كيف يوصلون هذه الثقافة للغرب، هي أفضل من الإعلانات، أفضل حتى من الدور السياسي للتعريف بالعالم العربي. إعطاء صورة أخرى كاملة كما نفعل نحن في الجامعة أو في الأماكن الأكاديمية، نعطي صورة أخرى غير الصورة التي توجزها الصحافة في خبر سيء، فضروري جدا الاهتمام بهذه النقطة. أرى أنه يفترض بالدول العربية أن تعمل شيئا لدعم اللغة العربية، هناك حماس كثير من كل مختلف أرجاء العالم يريدون أن يتعلموا العربية والثقافة العربية فأستغرب ألا تقوم الجامعة العربية أو الدول العربية بوضع منهج مبسط، بتبسيط التخلص من القواعد القديمة للغة، بتبسيط للذهنية الغربية ويكون في كل اللغات ومسهل بدل.. يعني لا توجد مناهج نهائية، خاصة لدينا في الإسبانية، لدينا إشكالية في إيجاد كتب جيدة لتعليم اللغة العربية.. لا في السوق ولا.. يعني هذا أكثر شيء الأستاذ يقوم بعبء كبير بعد معرفة الطلبة ومستواهم، أنا في رأيي أن على الدول العربية أن تخصص شيئا بسيطاً لإعداد منهج لتعليم اللغة العربية للأجانب.


------------
[فاصل إعلاني]
------------

المعلق: يقول دون كيخوته إن كل إنسان هو ابن شرعي لأعماله في هذه الدنيا. ولعل بطل ثيرفانتس وهازم طواحين الهواء لم يصدق في شيء كصدقه في هذه الجملة فقبل أقل من 15 عاما كان محسن الرملي يتسلل إلى هذه الحديقة في مدريد ليبيت ليلته بين أشجارها، كان مفلسا وحيدا لا يرى أينما نظر أول الطريق. ما أسهل أن يبرر المرء لنفسه في ظروف كتلك الاستسلام لليأس وما أسهل أن يتحول إلى مشرد محترف وصعلوك مشعث بلا هدف ولكن الرملي وكما فعل في الأردن من قبل عبد بنفسه طريقا لحياته صانعا ما يريد أكاديميا وأدبيا وأسريا، يعتبر كل صباح جديد هدية ثمينة ينبغي قبولها واستثمارها بلا تردد ولا وهن.

محسن الرملي: في البداية أيضا جئت بمبلغ بسيط، كان عندي مائتي دولار، ولغتي أيضا ضعيفة لأني أنا تعلمت الإسبانية بشكل أكاديمي والحياة تختلف، وكنت نسيتها أيضا في الجيش.. يعني نسيت كثيرا من اللغة، إضافة إلى أن إسبانيا مشكلتها هي البطالة، يعني للأسبان أنفسهم.. فكيف وأنا مهاجر، إضافة إلى أن إقامتي كطالب محددة، العمل ليس.. فكانت ظروف صعبة جداً، يعني أحيانا فعلا كنت أنام الظهر في الحدائق، يعني أنام مضطرا بالحدائق ثم بدأنا نتعاون أنا وأصدقاء عراقيون، نسكن ثلاثة في شقة صغيرة وهكذا إذا يشتغل واحد منا يعني ممكن أن يعيش الآخرون. أذكر في يوم من الأيام عطلت عندنا الثلاجة فلا نستطيع أن نصلح الثلاجة في الصيف. وصعوبة المهاجر العراقي أكثر من غيره يعني تخيل أنه أنت كعراقي صعب الاتصال كان، أنت كعراقي لا تستلم خَبراً ساراً من العراق أبداً، وأهلك لا يستطيعون أن يساعدوك، وأنا لم أحصل على منحة ولا على أي مساعدة ولا أجرؤ أن أقول لأهلي ساعدوني.
أول وصولي إلى إسبانيا، مثل أول وصولي إلى أي مكان، بما أن همي الثقافي ورسالتي هي الثقافة، ابتدأت أبحث عن المناخات الثقافية التي أستطيع أن أفعل فيها أو التي أستطيع أن أتعلم منها، فأنا وصديقي عبد الهادي سعدون لم نجد.. يعني في مراكز عربية ضعيفة أو رسمية أو.. لأن أغلب هجرة المثقفين العرب إلى بلدان أخرى تتحدث الفرنسية أو الإنجليزية، متواجد قليل من المثقفين العرب هنا فاضطررنا إلى خلق مشروعنا العربي الذي هو مجلة ودار نشر "ألواح" رغم أن الظروف صعبة جدا كانت، هو يعمل في كافيتريا في فندق وأنا أعمل في السوق الشعبي ولكن كان لازم هذا التوازن.. يعني خلق.. لا نستطيع ألا نفعل ثقافة، لازم نخلق هذا الجو. بعد ذلك مع تطور معرفتك باللغة الإسبانية، طبعاً نبحث عن المناخات الإسبانية أين يتواجد المثقف الإسباني ونتابع الحركة الثقافية الإسبانية لأننا كنا نترجم، الترجمة أيضا جزء من مصدر العيش وجزء من الاحتراف وجزء من الهم الثقافي، فكنا على اطلاع دائم بالحركة الثقافية الإسبانية. عملت في المسرح وعملت في السينما، في السينما كتبت سيناريو وحاز على جائزة دعم السيناريو من الاتحاد الأوروبي مع أنه كانت المسابقة من 350 سيناريو وكانوا يختارون عشرين ومقدمة عن طريق وزارة الثقافة الإسبانية، فالسيناريو الذي كتبته.. ولكن لم يتم إخراج هذا الفيلم الطويل لأن تكلفته غالية، وفي السينما أيضا عملت مع صديقي عبد الهادي فيلما قصيراً اسمه "مقبرة" في المقبرة الإسلامية هنا وهو أيضا يتناول العراق، طبعاً العراق دائماً حاضر في كتاباتنا، حتى لو حاولت تكتب قصة حب فالعراق يفرض نفسه.
----------------
[مقطع من فيلم مقبرة]

محسن الرملي: أرى في نفسي صفتي الأهم ككاتب وإن كنت أكاديميا ناجحاً، وإن كنت شاعراً ناجحاً في اللغة الإسبانية، وإن كنت فناناً ناجحاً مسرحياً أو سينمائياً ولكن صفتي الأهم وحلمي الأهم هو أني كاتب. بالنسبة للكاتب، في رأيي، هو دائما، أن أهم عمل هو العمل الأخير، أنا عندي رواية "الفتيت المبعثر" حازت ترجمتها الإنجليزية جائزة والآن تترجم إلى الإسبانية وإلى الفرنسية ولكن عملي الأخير وهو "تمر الأصابع" أو "أصابع من تمر" بالإسبانية هو الأقرب إلي لأني جسدت فيه أيضاً جزءا من شخصيتي ومعاناتي كعراقي وفي إسبانياً، أيضا، استخدمت الثقافتين، الصراع بين الشرق والغرب، الحرية والدكتاتورية، الحداثة والمعاصرة ومسألة المهاجر، المقالات التي كتبت عنها جيدة والتلقي لهذه الرواية كان أيضا بشكل جيد ومُرضي وسوف تصدر بالعربية أيضا قريباً. بالنسبة للترجمات أنا ترجمت ما يقارب.. ترجمت مئات إذا لم تكن آلاف المقالات والنصوص القصيرة ولكن كلها أدب، الترجمة أعتبرها مهمة ثانية لي رغم أنها ضرورية، أحيانا أعتبرها مثل الواجب، لأن أنا حلمي هو التفرغ للكتابة الأدبية الإبداعية، ولكن جزءا من واجبي، بما أني أعرف اللغة الإسبانية والثقافة الإسبانية، أقوم بالترجمة بين اللغتين لخدمة اللغتين والثقافتين.
أنا أعتبر أخي حسن مطلك هو أمانة في عنقي تجاه نفسي وتجاه شعبي لأن حسن كان كاتبا جيدا من الشباب العراقيين وأعدم سنة 1990 فكان له تأثير على حياتي.. تأثير كبير، أنا تلميذ حسن مطلك فأحس بأمانة ـ لأن النظام السابق كتم صوت مثقف عراقي ـ فأنا أحس بأمانة أنه يجب أن أفرض هذا الصوت، فاستمريت طوال حياتي أعيش من أجل شخصين، وهذا أيضا عبء عليّ وأنا أعيش من أجل نفسي ومن أجل حسن مطلك ولذلك أقوم بإعادة كل مخطوطاته ونشرت حتى الآن أربع كتب من مخطوطات حسن مطلك وفي النية أن أنشر كل ما كتب حسن مطلك، نوع من العناد أو نوع من التحدي ضد من أراد إسكات هذا الصوت. رجعت في سنة 2004 ولكن بشكل سريع وخاطف وأشبه بسري إلى قريتي، مجرد عشرين يوما، وشفت أهلي، طبعا شفت أهلي وأصدقائي، طبعا تجد نفسك متغيرا، الأماكن متغيرة وأنت متغير وهم متغيرين. جزء من إشكالية الذي يهاجر.. يعني أنت تهاجر مرة واحدة فأنت مهاجر إلى الأبد.. يعني تبقى تكون في البلد الجديد أجنبي وإذا عدت إلى أرضك فأنت أجنبي. عمري في غربتي منذ خرجت لم أقل لأهلي أنا عندي مشكلة أو أنا جائع أو أنا يعني مريض فتخيل هذه الصعوبة، الصعوبة الأخرى وهي المؤلمة.. أنه موت الأعزاء في غيابك، أمي ماتت وأنا بَرّه، يعني في الخارج، وأختي الكبيرة أيضا وأخي حسين، نحن عائلة عاطفية، فالمشكلة حتى هم.. حتى النفس الأخير كان حلمهم وجملهم أنه نريد نشوفك.. يعني نشوف محسن.. نريد نشوفك، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئا هذا يبقى يحز بنفسك للأبد. يعني أنا أمي.. بما أنه ما شفت موتهم أتخيل أنهم بعدهم عايشين، مجرد هو امتداد للغياب، ولكن طبعا أنت عندما تعي أنهم ميتون.. فتحس أن موتهم يتكرر دائما.. يعني أنت مشتاق لهم، أنت غائب عنهم فترة طويلة ومشتاق لهم، ما شفت موتهم في عينيك حتى تتأكد أنهم ميتون فتشتاق لهم.. وعندما تتذكر بأنه ميت.. فيموت من جديد.

المعلق: لكن أسرته الصغيرة الجميلة تستطيع أن تسد بعضا من الفجوة الكبيرة في قلبه، حب الزوجة التي يختلط فيها الدم الألماني بالإسباني ووداعة الابنة سارة التي تشبه فراشة من نور والتي تتعلم العربية من أبيها والألمانية من أمها والإسبانية في المدرسة لتكون كاسمها المنطوق بسهولة على كل الألسنة لتكون مواطنة عالمية تنجو من مأزق التمزق بين وطن مؤلم مستحيل ومهجر لا يوجد فيه نخيل على شاطئ دجلة، مأزق تورط فيه أبوها بحكم القدر. محسن الرملي لا يستطيع أن يغفر لمن قتل أخاه وحطم العراق وشرده هو في المنافي ولعل هذا هو سر تجدد ألمه فلو أنه سامح الجلاد لكف عن الإحساس أنه الضحية ولعاد ذات يوم قريب للعراق ليساهم في انبعاثه من جديد عراقا مبدعا وآمنا وحرا متصالحا مع نفسه ولكن الغفران ليس سهلا وهو يستلزم جهادا عنيفا والكثير من الوقت.. فلننتظر يا رملي فلننتظر.


يمكن الاستماع إليها على هذا الرابط

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الدكتور محسن:
مع الأسف كنت قريب منك وعرفتك، لكن عرفتك اكثر من خلال مؤلفاتك ومقالاتك، واليوم عرفتك مرة اخرى اكثر من خلال هذا البرنامج الرائع، وانا متأكد انني سأظل على مدار الزمن اعرفك مرارا وتكرارا، حبي وسلامي لقلبك والاسرة الكريمة وخاصة الصغيرة ساره
اخوك عبدالله زايد