الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024

السفراء العرب في مدريد يكرمون د. محسن الرملي

 

بعثة جامعة الدول العربية والسفراء العربي في مدريد

 يكرمون شخصيات عربية في إسبانيا

من بينهم د. محسن الرملي

16 ديسمبر 2024 مدريد

 

كرمت بعثة جامعة الدول العربية ومجلس السفراء العرب في مدريد، ثلاث شخصيات عربية بارزة مغتربة في إسبانيا، هم: السيدة هنا جلول، نائبة في البرلمان الأوروبي، في قطاع السياسة والعمل العام، والدكتور محسن الرملي، كاتب وأكاديمي، في قطاع الثقافة والآداب، والدكتور الطبيب نبيل رجائي في قطاع العلوم والأبحاث، وذلك "تقديراً لجهودهم القيمة لفائدة الجالية والقضايا العربية في المملكة الإسبانية".

حيث نظمت بعثة جامعة الدول العربية في مدريد، وبالتعاون وحضور مجلس السفراء العرب، حفلاً لتكريم ثلاثة متميزين من المغتربين العرب في إسبانيا، في مقر مؤسسة (البيت العربي) التابع لوزارة الخارجية الإسبانية، وذلك بمناسبة يوم المغترب العربي. قدم الحفل سفير جامعة الدول العربية في إسبانيا د. مالك الطوال، وأُلقيت عدة كلمات في هذه المناسبة، بدأتها السيدة ايرينه لوثانو دومينغو، وزيرة الدولة السابقة والمديرة الحالية لمؤسسة “البيت العربي، وتبعتها سفيرة لبنان، باعتبارها عميدة السلك الدبلوماسي العربي، هالة كيروز. أشادت الكلمات بمسيرة المُحتفى بهم والذين تميزوا بمسيرتهم المهنية... ثم تلتها كلمات المُكرمين، ومنحهم دروع التكريم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

مقطع من كلمة سفير جامعة الدول العربية في إسبانيا د. مالك الطوال


نَص كلمة
الدكتور محسن الرملي  Muhsin Al-Ramli 

مقطع من كلمة الرملي

أصحاب السعادة السفراء، رؤساء البعثات وكل ممثلو السفارات

الأساتذة الأفاضل، السيدات والسادة المحترمون، الأُخوة والأصدقاء الأعزاء

طاب مساءُكم

وشكراً لكم جميعاً، ولكلِ مَن بادرَ وساهمَ وصوّتَ وعملَ على تنظيم هذه الالتفاتة الكريمة، التي هي بمثابة تكريم السفراء للسفراء، فنحن، كما تعلمون، نعملُ ضمن سِلك الدبلوماسية الناعمة. سفراءٌ لثقافتِنا العربية في بلادِ الثقافةِ الإسبانية، وسفراءٌ لثقافتنا الإسبانية في بلاد الثقافة العربية.

أُكملُ اليوم ثلاثين عاماً من غُربتي، التي تحوّلت إلى وطنٍ لجسدي، ولكنها لم تستطع أن تفصِلَ روحي عن ثقافتِها العربية ووطنِها الأصليّ العراق، لم يستطع البُعد القَسري أن يَفطِمَ ذِهني عن رِضاعةِ الحُروف من صدرِ أولِ بلدٍ اِخترَع الحروف، لذا فإن أصدقَ وأدقَ وأحَبَ توصيف لأوطانِنا الأُلى هو وصفها بالوطنِ الأُم، ومَن ذا الذي يَنسى أُمه أو يُنكِرها، مهما كَبُر في العُمرِ أو في العملِ أو في التصنيفات، ومهما اِبتعدَ مَكانياً وزمانياً... ولكن المُقلق بالنسبة للمغترب، هو أن ينساه أُناسَه في أرضهِ الأولى، وها أنتم تُخَفِفونَ من هذا القَلق.

مثل أيّ مغترِبٍ هارِب، لم تكن الأعوامَ الأولى سَهلةً أبداً، لكنني ومنذ اليوم الأول، عَزَمتُ على ألا أهدِرَ الوقتَ بانتظار العودة، وإنما أن أستثمرَ كلُّ لحظةٍ من أجلِ أن أكونَ إنساناً نافعاً لنفسهِ ولغيره، سواءٌ أعُدتُ إلى هناك، إلى مَهدي، أم بقِيتُ هنا حتى لَحدي.

قيل لي أن أتحدثَ، بهذه المناسبةِ، عن بعضِ ما أنجزتُه، وهذا، عدا أنهُ يُشعِرُني بالحَرجِ، لأنه يَمِسُ صفةَ التواضُعِ التي أُحبُها، مهما كنتُ فخوراً بعملي، فإنه يَصعُب سَردَه، لأن من العسيرِ تلخيصُ ثلاثةِ عقودٍ في ثلاثِ دقائق، ولكنني، أستطيعُ القول؛ بأن جهودي في مُغتربي، وبفضل الله، قد حَظِيَت بالاعتراف على الصُعُدِ الثلاثة: أكاديمياً وثقافياً ورسمياً، فأكاديمياً: أُطروحتي للدكتوراه، والتي حرصتُ فيها على تناوِلِ جُذورِ ترابط أهم نَسغين في الثقافتين العربية والإسبانية، (تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته)، حازَت على تقدير اِمتياز مع مَرتبةِ الشَرف، في الفلسفة والآداب من جامعةِ أوتونوما بمدريد، وأعملُ في التعليم الجامعي منذُ عشرين عاماً، تكلَّلت، قبل أيام بالتصويتِ لي، في جامعتي، كأفضَل الأساتذة، ولكن الأهم بالنسبةِ لي، هو أنني ساهمتُ في تخريج طلبةٍ من مُختلفِ الأجيال والجنسيات، والأجمل من ذلك، أنني صِرتُ أتلقى رسائلاً من أبناء طلابي، يُحدثونني فيها عَما حَدَّثَهُم به آبائهم عما تعلموه مني، وأنهُم هم أنفسُهم يقرأون أعمالي.

وعلى الصعيد الثقافي، وهو الأهم في حياتي، لأنه مِحورُ حياتي، فقد أصدرتُ أكثرَ من ثلاثين كتاباً في صنوفِ الإبداع الأدبي والترجمة، حَظِيَت بالتلقي الإيجابي والإشادة والنقد والدراسات، والترجمات التي حازت على جوائز. كما نَشرتُ مئات المقالات والترجمات في أبرزِ الصحف والمجلات الإسبانية والعربية والأمريكولاتينية، عدا المقابلات الصَحافية والإذاعية والتلفزيونية، والبرامج عن شخصي وأعمالي، في أهم القنوات هنا وهناك.

في الأعوام 1995 و1996 عمِلتُ مُعداً ومقدماً لأولِ برنامجٍ عربي، وربما الوحيد، (نافذة المغترب)، في قناة تلفزيونية مدريدية، بمعيّة المُخرج السوري الصديق الأستاذ مزاحم العبدالله، وبين الأعوامِ 1997 و2007 شاركتُ، مع صديقي الدكتور عبد الهادي سعدون بتأسيسِ وإدارةِ مجلة ودار نشر (ألواح) الثقافية الفكرية العربية، التي شَكلّت جسراً رصيناً وجريئاً بين الثقافتين العربية والإسبانية، ونشرنا فيها ما كان يَصعُبُ نشره هناك، وما يَصعُبُ وصولهِ إلى هنا، إلى جانبِ نشرِ سبعينَ كتاباً.

كما ألقيتُ الكثير من المحاضرات في جامعات ومؤسسات مختلفة، وشاركتُ في المهرجانات والنَدوات والأمسيات والمؤتمرات ومعارض الكِتاب وفي لجانِ تحكيم جوائز الكتابة والسينما والمسرح، وأدِرتُ الكثير من وِرَشِ الكتابةِ الإبداعية، في العديد من دول العالم.

ذُكرَ اسمي في كتابٍ عن تاريخِ مدريد، باعتباري واحداً من أهم المثقفين العرب الذين وصَلوا إلى إسبانيا في أواخرِ القرن العشرين. وهذا بَقدر ما أسعدني، فإنه أفزَعني، لأنني، للحظة، شَعرتُ بأنني قد أصبحتُ من الماضي ومن التاريخ، على الرَغمِ من أنني مازلتُ حيّاً.

أما رسمياً، فقد شَرفتني المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (آكنورACNUR) للمشاركة في الاحتفال بعامها السبعين واليوم العالمي للاجئ، باعتباري نموذجاً للمهاجر الفاعل ثقافياً، وقبل ثلاثة أعوام، في هذا المكان، وبحضور شخصياتٍ رسميةٍ وإعلاميةٍ كبيرة، قدّم لي الشُكر بالاسم، السيد سكرتير الدولة الإسبانية للهِجرات، وقال: "إسبانيا تتشرف وتفخر بوجودك فيها كنموذجٍ من المهاجرين". كما وصفتني سفارة إسبانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إبانَ الاحتفال بشهر الإرث الثقافي العربي الأمريكي (Arab American Heritage Month) بأحد أبرز سِتة أصواتٍ عربيةٍ في إسبانيا وأكثرها تفرُّداً وتأثيراً، وسبقَ لسفاراتِ إسبانيا في قطر ولوكسمبورغ أن شرفتني بتمثيلها للاحتفال بالمؤية الرابعة للكيخوته.

ورغم كل هذه الاعترافات بما أنجزتُ وغيرها، أشعرُ بأن اعترافكم هذا، له خُصُوصِيتِهِ في نفسي، وأنه أقرب إلى قلبي وروحي ودمي، لأنه اعترافٌ وتقديرٌ يأتي من ثقافتي الأصلية، من أهلي، ويرتبطُ عندي بما كنتُ أتلقاه من والدَيّ كلما فعلتُ شيئاً حَسناً، وباللهجة العراقية، قولُهم: "عَفيَة ابني" أي "أحسنت أو برافو يا بُني"، فيَشحَنني ذلك بالطاقةِ أكثر لمواصلةِ المسير… لذا فشكراً لكم مرة أخرى على هذه الـ (عَفيَة ابني).

أتذكرُ وأُذكِّرُ اليوم بمَن سبقوني من الأدباء العرب الكبار، الذين مرُّوا على هذه الأرض الإسبانية الطيبة، أمثال الشاعرين الخالدين نزار قباني وأحمد شوقي، والصديق الشاعر الرائد عبدالوهاب البياتي وغيرُهُم، وأقترحُ على سفاراتِ بلادِهم أن تَبتكرَ جوائزاً بأسمائهم لتكريمِ مُبدعيها هنا، وهم كُثرٌ ويَستحقون.

أُهدي هذا التكريم إلى أرواحِ الذين ماتوا من أهلي وأنا بعيدٌ عنهِم في غُربتي، وأشكُر البيت العربي الذي شاركتُ في معظم نشاطاته منذ تأسيسه، وشكراً لبلدي الطيب الثاني إسبانيا، الذي وفَّرَ لي الأمان والحرية، مما أتاحَ لي أن أكونَ أنا نَفسي، وأن أتمكنَ من فِعلِ ما فعلتُه، والشكرُ موصولٌ لأهلي وعائلتي الجديدةِ هنا، أولادي، وزوجتي التي تركَت عَمَلها الجامعي في القاهرة لتشارِكُني هذا المُغتَرب. وكما قلتُ في قصيدتي (طِفلُ مدريد الأجنبي) : "جئتُ فَرداً خائفاً، وصرتُ عائلةً آمِنة".

يقول شاعر كوبا الخالد خوسيه مارتي، وتحوّل قوله مثلاً في الثقافات الناطقة بالإسبانية: "ثلاثةُ أشياء على كل شخصٍ أن يَقوم بها في الحياة: غَرسُ شجرة، إنجابُ طفل وكتابةُ كتاب

Dijo José Martí que “hay tres cosas que cada persona debería hacer durante su vida: plantar un árbol, tener un hijo y escribir un libro”.

وأنا والحمدلله، قد فعلتُ كل ذلك لأكثر من مرة. لذا أقول ما قاله شاعر تشيلي الكبير بابلو نيرودا: "أعترفُ بأنني قد عِشتConfieso que he vivido "، واعترافكُم اليوم بما فعلتُه، هو تأكيدٌ لِصحةِ هذا الاعتراف.. فشكراً لكم.

سفير العراق والجامعة العربية يسلمان الدرع للرملي


















ليست هناك تعليقات: