الأحد، 2 أغسطس 2020

عن رواية: بنت دجلة / عمار الحمد


محسن الرملي ينشر الاطمئنان في قلوب الآخرين.. وقلبه خائف! 

عمار الحمد
كان تعارفنا من خلف السطور، النصوص والشاشات، من بين سطور حدائق الرئيس.. وفي ذئبة الحب والكتب.. مرات؛ أشعر بأنه عقّد رؤوس الجبال وحلّها، ومرات؛ أدنى حاجة تثور في خاطره ويثيرنا معه بنصوصه.. وفي بنت دجلة متمّسك بسعة باله.. رغم كل شيء!
إنه لأمر مُتعِب أن تحب شخصاً من خلف شاشة أو ورق!
‏ محسن الرملي ينشر الاطمئنان في قلوب الآخرين.. وقلبه خائف!
*********
لا أدري لماذا يفعل الزمن بشخصٍ نبيل مثل محسن الرملي فعلته فيهِ وفي شقيقه حسن عليه رحمة الله.. هو لم يكن يريد إلا أن يعيش وفق الدوافع التي تنبع من نفسه الحقيقة.. لا أدري لِم هذه الصعوبة!؟
رواية بنت دجلة بمثابة الجزء الثاني لرواية حدائق الرئيس العمل الخالد للرملي وكل طموحي أن يكتب الرملي جزءًا آخر لها لتكون ثلاثية الرملي الخالدة!
يتجوّل بنا الرملي في مناطق عدة في العراق، سيما العاصمة بغداد وبلدة تكريت وضواحيها.. ويُركز على موضع واحد في قلبك، يُمسه برأفة أو يُضغطه بعنف، وتكون إنسان آخر تمامًا. تخرج من ثنائية الرملي هذه إنساناً غير الإنسان الذي كنت عليه قبل قراءتك لها.
عبد الله – كافكا متيقن أن ما بينه وبين ما يبتغيه مجرد الوقت والمسافة، وأن الصعوبات التي تواجه الأنسان ليست إلا مجرد مقياس لصدق النية والإقبال ويبقى فوق كل شيء. وكان عزاء قسمة ومواساتها أنها في المرة الأخيرة التي رأتهم فيها –أهل القرية - احتضنتهم بكل قواها، وحينما كانت مُغادرة عادت مرةً أخرى لتحتضنهم أقوى من ذلك.. شيئًا في قلبها شعر أنها المرة الأخيرة التي ستراهم فيها لكنه كان كبيرًا ليستوعبه عقلها.
قسمة تغيّرت كثيراً.. كثيراً صارت تكره أن تجد صعوبة في استخدام كلتا يديها، من أن تُسرح شعرها أو من أن تتناول ما يسد جوعها فقط، أو ألا تستطيع تمامًا الإمساك بكوب الشاي الخاص بها، أو حتى الملعقة، أو حتى من أن تُغسل يداها بلا صراخٍ أو ألم.. أو أن تجد صعوبة تامة في حلم يأخذ مثلًا ليأخذ منها ساعاتٍ..
عبد الله ‏يشعر بالسعادة حتى عندما ينظر إليها من الخلف، حتى وإن كانت لا تعرف مشاعره اتجاهها.. في النهاية تمر بجانبه مثل الرياح، في تلك الأيام عندما يريد أن يراها واليأس يتملكه تلك الأيام التي يصعب تحملها. كلمة "أحبك" تتردد على لسانه ومرة أخرى يبكي من أجل قسمة ومرة أخرى يشتاق إليها بمفرده.
يرسل الرملي لنا عدة رسائل ضمن سطور بنت دجلة أهمها – من رأيي – أن:
1ــ طبيعة الحياة أنها ليست على ركيزة واحدة، آلام الانسان اليوم لن تكون موجودة غدًا وسعادته اليوم لن تكون موجودة غدًا.. ربما ستكون موجودة بعد غدٍ، لا شيء باقٍ حتى مشاعرنا التعيسة وشعورنا بالوحدة لذلك على الفرد العراقي بالخصوص أن يطمئن ويعيِش كما ينبغي.. بشكل مباشر يقول له: لا تحترق فتحرق نفسك وكل شيء خلاب يكمن في داخلك، رويدك!
2ــ نموذج قسمة.. نموذج المرأة العراقية التي عانت من كل شيء.. من كل الظروف.. وبالرغم من أحزانها المتراكمة، وبالرغم من الأمور التي تشغلها إلى درجة الانفجار.. كان يجب عليها أن تجد وقتًا لتفرح – وهذا حقها، أو لترقص.. لتتناثر أحزانها في الدقائق المعدودة الذي يتراقص به خصرها لتذهب عوالم أخرى جميلة جدًا.. حقيقةً الأمر يستحق التجربة، وكافِ لو لدقائق.
3ــ لا شك أن ما يريده الرملي من كل عراقي هو أن يهدأ كل شيء، أن تخفت الأصوات حوله وداخله، أن يحمل القلق بعضه ويرحل، أن يختفي، ألا يضطر لمواجهة يوم آخر حمل ثقل آخر، ألا تبدو الأمور معقدة وغير مفهومة وخارجة عن السيطرة، ألا تستمر الأشياء باتخاذها أحجامًا أكبر منه وألا يبدو ضئيلاً وضائعًا وسط كل هذه الفوضى التي يعيشها المواطن هنا.
4ــ كان عبدالله – كافكا يمد قسمة بالأمان وهو خائف، يشعرها بالدفء وداخله يرتجف، يرسم على وجهها ابتسامات وضحكات وهو يمسح بطرف كفه دمعات قد سقطت سهوًا من عينه، وفي ظل هذه الوحدة التي تملأ أيامه كان يلازمها في كل الظروف حتى لا تشعر بالفراغ و هو يتربص بها.
ختاماً.. أقرأ للرملي، ‏وفي كل لحظة في حياتي كان يجتاحني الخوف، في أكثرها تميزًا وبريقًا كنت أرتعد من خوفي.. من أن تُسرق مني هذه اللحظة المميزة، ألا يكون وجود للأشخاص الذين يشاركوني تلك اللحظة بعد ذلك.. أن تسرقهم الحياة أو يسرقهم الموت، أن يكونوا الآن موجودين وهم في لحظاتهم الأخيرة معي، أو أنها لحظتي أنا...

عمار الحمد


ليست هناك تعليقات: