الخميس، 1 يونيو 2017

محسن الرملي في حدائق الرئيس / زينب علي

قراءة في رواية حدائق الرئيس 

زينب علي
 صدرت الرواية في عام 2012 م عن دار  ثقافة في أبو ظبي وبالاشتراك مع الدار العربية للعلوم-ناشرون في بيروت رُشحت في 6\12\2012 للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية (البوكر). تضم 272 صفحة وتتشكل من 288 فصلا من الاحداث التراجيدية السياسية الواقعية وما آلت اليه هذه الأحداث على الواقع العائلي في كل بيت عراقي. 
 
إن السعي للملمة أطراف ألجسد رمز للسعي للملمة ألجراح لملمة ألبلد لملمة الانسان نوع من الترميم للانسجام للتواصل ومحاولة الوصول في نهاية الامر الى السلام الذي ننشده جميعا اموات وأحياء ومثلما يحتاج تجميع الاطراف الى ألجهد واندمال الجراح الى صبر فلا بد ان نبذل جهدا وصبرا كي ننال السلام.
المقدمة كالنهاية تسع صناديق في كل واحد منها رأس مقطوع يشاهدها إسماعيل في الثالث من شهر رمضان عام 2006م أحد هذه الرؤوس هو من أبطال الرواية: عبد الله كافكا، ابراهيم قسمة وطارق المندهش (أبناء شق الارض) يروي الكاتب  لنا حياتهم حيث ولدوا في عام 1959 وحبوهم بالقرب من أمهاتهم حيث كبروا معا وصاروا أصدقاء الرواية تُحفة أدبية تاريخية، ينقلنا الكاتب بين حياة المدينة حيث السلطة والجبروت وحياة القرية حيث البساطة والمحبة برغم ما يعتري الناس من آلام يصور لنا حياة الناس في تلك القرية طيبة البعض وقسوة وطغيان البعض الآخر متلبسين بقناع الدين يخدمهم موقعهم بذلك، حيث لكل أمة جلاد ولا فرق بين جلاد المدينة والقرية حيث الظلم واحد وان اختلفت اشكاله ما أصعب العيش بوجود اشخاص مات ضميرهم وقتلوا الانسانية وسلبوا كرامة الانسان وحرموه من أبسط الأمور وأهم الحقوق وهو العيش بسلام.
 
بالاضافة الى ما يشكله سرد الرملي باسلوبه العذب المميز من لوحة فنية بقمة الجمال يصور لنا تأريخ العراق لعدة سنوات بكل ماتحمله من ألم حيث يبتدأ بحرب ايران ومعاناة الناس آنذاك والآم الاسرى وتعذيبهم في سجون الدولة الاسلامية منهم من يُقتل أن عارض ومنهم من يموت لعدم تحملهِ ومنهم من يصبح من اتباع تلك الدولة ضد بلدهِ بعدها غزو الكويت ثم يصور فترة حكم النظام السابق الديكتاتوري بكل ما لحق بالبلد من أذى بكل ما زُرع بداخل الناس من أوجاع والآم حيث الظلم الطغيان, المقابر الجماعية السرية وكيف كانت طرق القتل والدفن يكشفها أحد أبطال الرواية خلال فترة عمله قبل أن يقطع رأسه, بعدها فترة السقوط كان البلد يأمل خيرا بذلك السقوط يتمنى ان تُشفى جراحه وتلملم اطرافه كما لملت بقاع أرضه اطراف ابناءه كان يود ان يلملم جراح ابناءه فالبلد حاله اسوء من احوال ابناءه هو كالأب يرى اولاده يعذبون ويقتلون فيزداد عذابا بعذابهم سقوط النظام وما لحقه من دمار و فوضى الى يومنا هذا.
 
أعمق بكثير من كونها رواية هي تأريخ بلد ومعاناة شعب يأخذنا الرملي بجولة سحرية للعراق عبر نصف قرن فيصور الاحداث كـــ لوحة ممزوجة بالحب والحرب, الطيبة والقسوة محبوكة بكل ما تحتاجة الرواية الناجحة من مقومات بسرد ممتع.
على الرغم من جمال الرواية لكني قرأتها بألم لما شهده البلد من آلام و صراعات حقيقة 
"لو كان لكل قتيل كتاب، لصار العراق بمجمله مكتبه كبيرة يستحيل حتى فهرستها".
-------------------
*نشرت في صحيفة (البينة الجديدة)، العدد 2721 بتاريخ 29/5/2017م.

ليست هناك تعليقات: