الأحد، 23 مارس 2014

أوراق محسن الرملي البعيدة عن دجلة / رائد الحواري

أوراق بعيدة عن دجلة بقلم محسن الرملي
رائد الحواري
مجموعة قصصية صادرة عن دار أزمنة ودار ألواح عام 1998 في عمان، المجموعة متواضعة جداً في حجمها، 60 صفحة حجم متوسط، يتبادر إلى ذهن المتلقي للوهلة الأولى بان كاتبها فقير أدبيا، ولا يمتلك طول النفس على الكتابة، لكن بعد قراءة الإحدى عشرة قصة يكتشف بأنها تمثل عالم واسع جدا ورحب وجديد، كما أنها تمثل تمردا على أسلوب أدب القصة، وأيضا كانت مترعة بالأفكار والأحاسيس الجياشة التي تؤرق الكاتب، كما أن التكثيف يعد احد أهم العناصر التي تميز هذه المجموعة، الاستشهاد في أول قصة بما كتبه الشاعر الروسي (يسنين) بدمه عندما لم يجد قلما يكتب به، توحي للقارئ بحالة التماثل بين الكاتب وهذا الشاعر، فكلاهما كتب بدمه، وان كان يسنين كتب فعليا بدمه، إلا أن الكاتب كتب مجموعته بدم قلبه، كما جاء ذكر اسم المترجم لهذا الشاعر (حسب الشيخ جعفر) كتأكيد على التأثر بالمترجم والشاعر معا من قبل الكاتب، كما جاء ذكر غائب طعمة فورمان الذي دفن خارج العراق ـ في موسكو ـ وأيضا السياب من خلال التطرق إلى قصيدة أنشودة المطر، وأيضا ألجواهري الذي مات محروما من رائحة العراق، كافة الشخصيات الأدبية التي تناولها الكاتب ماتت خارج العراق، وكأنه يقول لنا بان العراق طارد للإبداع وللمبدعين.
ويعتبر هذا التذكير كاحترام لهؤلاء الكاتب والشعراء الذي تأثر بهم الكاتب ـ طبعا هذا يحسب للكاتب ـ وليس عليه، حيث انه يشعرنا بأنه يكل لهم التقدير والاحترام، في زمن لا مكان فيه للأخلاق.
تناول الكاتب الجغرافيا بإسهاب حتى إن المتلقي يشعر بأنها محفورة في رأس الكاتب، فالعراق تحديد يأخذ اهتماما مميزا في المجموعة القصصية، من الشمال وحتى الجنوب، وكأنه بهذا الاهتمام بجغرافية العراق بقول لنا "بان الإنسان العراقي ينتمي للجغرافيا ولا يمكنه من الكتابة خارجها رغم ما تحمله تلك الجغرافيا من بؤس وشقاء" من هنا عندما تحدث عن العراقي الذي اخذ يرعى الجواميس في مصر كان يقول لنا بان العراق بالنسبة للعراقي كالهواء لا يمكن العيش بدونه، وهنا لا بد من الإشارة إلى ارتباط العنوان بمحتوى النص، فهما منسجمان تماما وكأن العنوان يشكل فاتحة لفحوى المجموعة.
الحديث عن المعتقلات في الدول العربية والأوروبية كان يمثل انعكاس حالة القمع التي يعاني منها الكاتب تحديد، فهو كأحد المواطنين العرب لم يسلم من هذه الدمغة التي تطال أي متمرد على الواقع.
أهم ما في العمل هو اللغة التي أتحفنا بها الكاتب فقد استخدم لغة شاعرية جعلتنا نعود إلى النص الاستمتاع به، رغم أن موضوع القصص هو القمع والعذاب والحرمان من الوطن. وهنا يكمن إبداع الكاتب ـ عدم جعل القارئ يمتعض من النص ـ فكانت اللغة هي الفاكهة بعد تناول تلك الوجبة الثقيلة على المعدة.
المرأة تناولها الكاتب بكل احترام وإجلال، فهي التي ضحت بكرامتها فقط لكي تخرج حبيبها وزوجها من المعتقل ثم من (جحيم الوطن) فهي ضحت بنفسها عندما قدمت نفسها للسجان مقابل أن يفرج عن زوجها، وعندما طالبه بالخروج من العراق "قالت: اخرج. قلت: إلى أين؟. قالت: خارج الحدود، خارج البلاد. قلت: وأنت؟ أجابت: لم يعد ثمة ما أخسره.. وظل حلمي أن أراك حرا، فلتكن حرا وإن كنت لا أراك" ص46، اعتقد بان الكاتب قدم عرفانا بالجميل لكل من تعامل معه بإحسان، وهذه احد الأسباب التي جعلت القارئ يتشبث بالنص ويتماهي معه، ففي زمن يفتقد فيه الإخلاص ويتلاشي فيه المبدئي كانت هذا المجموعة تمثل الانحياز للأحباء وللأهل وللأصدقاء وللأرض، فقد أنعشنا الكاتب وإعادة النضارة إلى تفكيرنا بهذا العمل القصصي.
-----------------------------------------------------------
*نشرت في (دنيا الوطن) بتاريخ 9/2/2014م

ليست هناك تعليقات: