الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

زاوية (جداريات) / لماذا لا يعجبهم ما يعجبنا؟



لماذا لا يعجبهم ما يعجبنا؟


من بين التساؤلات العديدة التي تبرز لنا، وخاصة نحن الذين نعيش في الغرب ونتداخل مع أوساطهم الثقافية ونعمل ضمن مناخاتها في الميادين الأكاديمية والفنية والأدبية والترجمة. لماذا لا يعجبهم الذي يعجبنا فيما يعجبنا الذي يعجبهم سواء أكان كلاسيكياً أو حديثاً؟! ومن ذلك، في الأدب مثلاً، لماذا لايحظى المتنبي بالإعجاب الكافي لديهم فيما هو بالنسبة لنا قمة في الشعرية العربية على مدى قرون وأجيال؟ فقد تُرجمت منتخبات من شعره إلى معظم اللغات الرئيسية، ولكنها لم تحظ بأي صدى يُذكر وسرعان مايطويها النسيان. وفي الموسيقى نجد أن كوكب شرقنا أم كلثوم التي لازالت أغانيها تحتل المرتبة الأولى على مدى عقود في عالمنا العربي لا تلقى آذاناً عاشقة لها في الغرب. أي على العكس من مقولة: مطربة الحي لاتطرب. نلاحظ بأن الذي يطرب في حينا لا يطرب في حيهم. وقد عمدت شخصياً لاختبار هذين المثالين في الأوساط التي أعرفها بين مثقفين وشعراء وعلى طلبتي في الجامعة، فما وجدت، بعد مقدمات تعريفية متحمسة وتشويقية، سوى البرود وما يشبه الخيبة في الوجوه المتلقية، وسرعة في دبيب الملل والضجر. وهنا تتبلور (لماذا) كبيرة وجادة تتفرع منها أسئلة شتى، وتتعدد الآراء والإجابات المقترحة والتي هي بحد ذاتها تمثل أسئلة وتفتح أبواب تساؤلات أخرى.
أين تكمن العلة؟ أهي في ضعف وسائلنا الإعلامية وأساليبنا في الترويج؟ أهي في طبيعة وخصوصية لغتنا العربية بحيث يصعب تذوق نتاجها إلا بها، ودليل ذلك أن المستعربين وممن يتعلمها منهم سيعجبه ما يعجبنا ويتذوقه؟ هل يتعلق الأمر بالشكل أم بالمضمون؟ ولكن جل شعر المتنبي يمجد الذات الفردانية وعلو الطموح الشخصي وهو من أبرز سمات الثقافة الغربية!! هل ثمة افتقار معين في الحس الإنساني المشترك والعام في نتاجنا؟ هل أن اهتماماتنا وهمومنا تختلف وذهنيتنا وذائقتنا تختلف عن اهتماماتهم وهمومهم وذهنيتهم وذائقتهم إلى هذا الحد أم أنها لاتهمهم؟ لماذا يعرفون جلال الدين الرومي أكثر من المتنبي؟ أهو بسبب كثرة وتعدد التجمعات الباحثة عن الروحانيات والتصوف مثلاً؟ فلماذا يعرفونه أكثر من الحلاج وحتى ابن عربي الذي ولد في أراضيهم إذاً؟ هل لايعرفون أم كلثوم بسبب إيقاع العصر وتقلبات الموضة مثلاً؟ إذاً لماذا لم تحظ ولو لفترة ما على الرغم من سرعة تقلب الموضات على مدى عقود؟ ألم يصدف أبداً أنها تطابقت مع موضة لديهم في فترة ما فيما لاتؤثر تقلبات الموضة على تصدرها طربنا نحن؟ وكذا الحال مع المتنبي، ألم يصدف أن انسجم ولو لمرة واحدة مع أحد التيارات الأدبية التي ما أكثر ماتنوعت وتقلبت على مدى قرون؟ وبمقابل هذا كله، لماذا نجد أن ماينجح لديهم ويسطع تقبله في ذائقتهم ينجح هو الآخر عندنا؟ والأمثلة يصعب حصرها من رموز ثقافتهم الكثيرة ومما ترجمناه من شعرائهم وكتابهم وفنانيهم. فهل هذا يعني أن ذائقتنا وذهنيتنا أكثر اتساعاً وتقبلاً من ذائقتهم وذهنيتهم فيما نحن المتهمين من قبلهم ومن قبل أنفسنا بكوننا لانتقبل الآخر؟ أم أن الأمر معكوس وهم الذين لايتقبلون إلا ما ينسجم مع ذائقتهم وحسب؟ أي التمركز على الذات وليس أمام الآخر سوى أن يستجيب لسياقاتهم الثقافية؟. هذه مجرد نماذج وأسئلة.. ربما تستحق منا التوقف عندها وتأملها ودرسها. وهذه دعوة لتوسيع أو تعميق النقاش حولها.

--------------------------------------
*نشر في زاوية (جداريات) في الملحق الثقافي لصحيفة (الثورة) السورية بتاريخ 29/12/2009 العدد 672

http://thawra.alwehda.gov.sy/_thakafi.asp?FileName=5584276820091229111724


وعلى هذا الرابط رأي آخر يناقش بعض ما جاء هنا
http://thawra.alwehda.gov.sy/_thakafi.asp?FileName=80737204220100309120943

هناك تعليق واحد:

أحمد يوسف عقيلة يقول...

صديقي محسن.. موضوع شائق.. حتى الآن يبدو أننا لا نُجيد عرض بضاعتنا.. والدليل أنّ ما نعرضه جيداً في بعض الأحيان يلقى قبولاً لديهم.. ويُفترض أن يكون عندهم مبادرة واهتمام بثقافة الآخر.. لاحظ أنني تكلمت عنهم بضمير الغائب!!