السبت، 2 أغسطس 2025

فحوصات ثقافية: عن الجوائز/ محسن الرملي

فُحوصات ثقافية

جَوائزُنا قليلة مهما كَثُرت 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

يتردد الحديث في أوساطنا الثقافية مؤخراً عن رأي مفاده: إن الجوائز العربية قد أصبحت كثيرة وأن ما يُكتب وما يُقال عنها كثير. إلا إنني لا أجد نفسي متفقاً مع هذا الرأي. بل أرى العكس، فيما لو قارّنا عدد جوائزنا بما هو موجود في ثقافات أخرى، ففي فرنسا قرابة الخمسة آلاف جائزة، وفي بلد واحد فقط، من بين أكثر من عشرين بلد ناطق بالإسبانية، هناك أكثر من ثلاثة آلاف جائزة أدبية في إسبانيا، عدا المُخصص للفنون الإبداعية الأخرى ذات العلاقة بالنتاج الأدبي، كجوائز أغلفة الكتب والمراجعات النقدية والنشر والترجمة والإلقاء والتحرير الأدبي واللغوي.. وغيرها. تتراوح مكافآتها بين رمزية تقديرية؛ شهادة شكر وميدالية، أو التكفل بنشر النصوص والاحتفاء بها، إلى أخرى تربوا على الستمئة ألف يورو. وتتنوع الجهات المُنظِّمة بين مؤسسات رسمية وأخرى خاصة، بلديات المدن والقرى والأحياء والجامعات والمعاهد والبنوك والشركات والمكتبات والجمعيات والنوادي والصحف والمجلات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، ودور النشر صغيرها وكبيرها.. بل وحتى العديد من المقاهي العادية. جوائز تحمل أسماء مدن وقرى وأنهار ومؤسسات وشركات وآثار وأحداث وشخصيات، أموات أو أحياء، ومنها ما يحمل اسم عمل أدبي بعينه كالكيخوته مثلاً. أما لو حاولنا إحصاء جوائز الآداب المكتوبة بالإنكليزية، فيبدو أمر حصرها أشبه بالمستحيل، بينما نحن؛ أكثر من عشرين بلد ناطق بالعربية، ما زالت جوائزنا محدودة ويمكن عدّها بيُسر.

إن استحداث الجوائز والإكثار منها ضروري وحيوي لأية ثقافة عموماً، تنفع الكاتب والناشر من حيث مردودها المعنوي والإعلاني والمادي، وتخدم القارئ بتنبيهه إلى أعمال، ربما ما كان لينتبه إليها لولا الجائزة، كما تنفع مُنظميها ومُحكميها بالمزيد من القراءة والاطلاع والدعاية وتنشيط منظومتهم، كما ينشط دم الإنسان بعد التبرع بشيء منه.. وكم من جائزة مدرسية بسيطة ورّطت طفلاً، بعد فرحته بها، كي يكرس حياته من بعدها للأدب، فتكسب الثقافة مبدعاً آخر ليكون مستقبلاً من رموزها وقِممها.

إذاً، فالجوائز عندنا ليست كثيرة، وعلينا العمل على تفعيل هذا التقليد الثقافي قدر المستطاع، وعلى كافة الأصعدة والميادين، فالثقافة لا تقتصر على كاتب وناشر ومكتبة، وإنما هي شأن الجميع. علينا أن نكثر من الحديث عنها والمطالبة بها أو استحداثها بأنفسنا، حتى وإن اقتصرت جائزة على مجرد اسمها، مُرفقة بكلمة شكر وتقدير، فالجائزة هي بالفعل مسألة شكر وتقدير.. وكل إنسان يتمنى الحصول على مكافأة معينة على جهده وعمله، ولو كانت مجرد كلمة شكر واعتراف، وسط هذا الكم الهائل من المُحبِطات والمُثبِّطات وخيبات الآمال التي يتلقاها يومياً...

أذكُر أن الكاتب الأمريكي بول أوستر، عندما كان في أوج شهرته وعطائه، جاء، على حسابه الخاص، إلى قرية نائية في إسبانيا، رغم انشغالاته، وفي غمرة أعياد الميلاد، ليتسلم جائزة لا مادية ومجهولة، عبارة عن (شهادة) ورقة شُكر مطبوعة على الكمبيوتر، اِخترَعتها مجموعة أصدقاء، نادي قراءة، فهو لم يأتِ لطلب شهرة أو مال؛ بالتأكيد.. وإنما جاء تقديراً لهذا التقدير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 82، أغسطس 2025م

https://sibf.com/ar/pwhardcover

ليست هناك تعليقات: